الفزعة في موسم قطف الرمان: حكايات من الزمن الأصيل
بقلم: خوام الزرفي.
مقدمة عن الفزعة وقيم التعاون "الفزعة"، مصطلح يعكس قيم التعاون والتكافل الاجتماعي التي عرفها أجدادنا في الزمن الجميل. هذه القيم تجلت بشكل خاص في موسم قطف الرمان، حين كان الجيران والأقارب يجتمعون في أجواء مليئة بالحب والعمل المشترك لخدمة البساتين التي تشتهر بإنتاجها الوفير من الفواكه، وعلى رأسها الرمان.
![]() |
الفزعة في موسم قطف الرمان: حكايات من الزمن الأصيل |
في زمن البساطة والأصالة، كانت "الفزعة" تجسيدًا لمعاني التعاون والتكافل بين الأهالي خلال موسم قطف الرمان. اجتمع الجيران والأقارب في أجواء مفعمة بالمحبة والود، يقدمون المساعدة دون مقابل. الشباب يقطفون الثمار، والفتيات ينقلنها بخفة ورشاقة، بينما تُعدّ الأطعمة والمشروبات من عصير الرمان. كانت الفزعة رمزًا لقيم المشاركة والعطاء، تركت بصمتها على ذكريات الماضي الجميل الذي يُلهمنا حتى اليوم.
جنة بين نهري خريسان وديالى
تمتد منطقتنا بين نهري خريسان وديالى، حيث تشكلت أراضٍ خصبة بفعل رواسب الغرين التي خلفتها الفيضانات، لتحقق توازنًا طبيعيًا جعل منها جنة زراعية فريدة. يغطي هذا الشريط الأرضي أكثر من 60 كيلومترًا، متناثرًا عليه قرى لا يفصل بعضها عن بعض سوى أمتار قليلة.
تغفو هذه القرى على ضفاف النهرين، الصفصاف والغرب، محاطة بأشجار مثمرة طيبة الرائحة والمذاق، تنتج أجود أنواع الرمان والحمضيات. كانت هذه الأراضي بمثابة هبة إلهية أكرمت سكانها بخيرات لا حصر لها، يعيشون فيها بنمط حياة بسيط يزخر بالتعاون والمحبة.
تتألق المنطقة بمزيجٍ من جمال الطبيعة وكرم أرضها، مما ساهم في توثيق الروابط الاجتماعية بين أهلها. اعتاد السكان على تبادل الدعم والتكافل في مختلف مواسم الحصاد، ليجعلوا من العمل الزراعي احتفالًا جماعيًا يعبّر عن قيم الجيرة والإخاء. هكذا أصبحت هذه القرى نموذجًا فريدًا يعكس عظمة الطبيعة وروح الألفة التي جمعت أهلها تحت ظلال أشجارها المثمرة وأريجها العطر.
مأساة الفيضانات وتأثيرها
رغم خصوبة أرض منطقتنا وجمال طبيعتها، إلا أن الماء كان دائمًا يشكل خطرًا كبيرًا على السكان. الفيضانات المتكررة لم ترحم بساتين الرمان والنخيل، إذ جرفت أكثر من 60% منها، إلى جانب الحمضيات التي كانت مصدر رزق الأهالي. كنت أشاهد بألم ثلاث نخلات تنجرف في لحظة واحدة إلى قاع النهر، لتذوب في تيار الماء الطاغي وتختفي بلا أثر، حاملة معها أحلام المزارعين إلى المجهول.
وبعد بناء السدود، ورغم القضاء على خطر الفيضانات، ظهرت مشكلة المياه الجوفية المتسربة التي ألحقت أضرارًا جسيمة بالبساتين. هذه المياه، التي برزت بفعل السدود، أدت إلى تدهور الأشجار المثمرة وتحويلها إلى خشب خاوي لا حياة فيه.
أضيفت إلى هذه المأساة عوامل أخرى زادت الطين بلة، مثل تشتت ملكيات الأراضي بسبب الإرث، وغياب الدعم الحكومي في مجالات الزراعة كافة. افتقد المزارعون لمبيدات مكافحة فعالة، وقروض تسويق مدروسة، واستيراد ممنهج يراعي احتياجاتهم، مما أدى إلى انهيار ما تبقى من الإنتاج الزراعي.
كانت هذه التحديات تهديدًا مباشرًا لقوت السكان، وتركت أثرًا عميقًا في حياة الأهالي الذين كانوا يعتمدون على الزراعة كركيزة أساسية للعيش والاستمرار.
تفاصيل موسم الحوي: قطف الرمان
مع نهاية شهر أكتوبر، يبدأ موسم "الحوي"، حيث يتوافد الأقارب والجيران للمشاركة في قطف الرمان. يتم تجهيز منطقة داخل البستان، تُفرش بالحلفاء، لتكون المكان المخصص لجمع المحصول. يشمر اهل البساتين عن سواعدهم لقطع ثمار الرمان او ما يسمى ~الحوي~ يختار صاحب البستان منطقه في بدايه البستان ويحيط بها سياج من ثلاث جوانب، ويكون من حطب التوث ويفرش المكان بالحلفه لتكون بساط ودثارللرمان.
أدوار الفرق في الحوي
- فريق الشباب: يتولى قطع الثمار من الأشجار العالية ووضعها أسفل الأشجار.
- فريق الفتيات: ينقلن الثمار باستخدام "الكوشر" المصنوع من خوص النخل إلى أكوام تُعرف بـ"الكوم".
المنافسة بين الفريقين تضفي أجواء ممتعة، حيث تسعى الفتيات لإظهار خفتهن ورشاقتهن في نقل الثمار. عمليه نقل الرمان كلما بعدت عن الكوم استراح الذي(يحوش) وكلما قربت تقف الفتيات للراحه لعدم وجود ثمار تنقل، قد يستمر الحوي عدة ايام على قدر كبر البستان. المنافسه على اشدها بين الطرفين تحاول الفتيات (النادره او السباعيه) لتجلب لها الانظاربخفه ورشاقه.
أنشطة أخرى في موسم الحوي
في موسم الحوي، لا يقتصر الأمر على قطف الرمان وجمعه، بل تتحول البساتين إلى ميدان للاحتفال والعمل الجماعي. خلال هذه الأيام، تُعد قدور الطعام داخل البستان، حيث يجتمع أهل الفزعة بعد الظهر لتناول وجبات تُحضّر خصيصًا لتغذية المشاركين وتشجيعهم على الاستمرار.
من أبرز الأنشطة التي تضفي بهجة إضافية على الأجواء، صنع "شربت الرمان" باستخدام الثمار المتشققة بفعل الندى وبرودة الليل. تُغلى هذه الثمار لتحويلها إلى شراب كثيف ولذيذ يشتهر بمذاقه الفريد. إلى جانب ذلك، تُفرز الثمار الجيدة بعناية فائقة وتُعزل في زاوية "الكوم"، ليتم تقديمها لاحقًا كهدايا ثمينة للأصدقاء والأقارب.
أما الجزء المميز، فهو تعليق بعض الثمار بعناقيد على هيئة "ثريات" ذات لون قرمزي جذاب تُزين "الطرامي"، وهو تقليد يضفي لمسة جمالية على البستان ويعكس ذوق السكان المحليين. تبقى أكوام الرمان في مكانها حتى شهر شباط، حيث يقل العرض في السوق ويرتفع سعرها، ما يمنح المزارعين فرصة للحصول على عوائد أكبر من بيع المحصول.
هذا الموسم، برغم كونه عملاً شاقًا، يفيض بروح التعاون والفرح، ويجسد علاقة الناس الحميمة بأرضهم، ليبقى الحوي ذكرى لا تُنسى محفورة في قلوب الجميع.
قيم التكافل والمشاركة
كان التكافل والتعاون من أبرز القيم التي ميّزت موسم الحوي في القرى القديمة. لم يكن موسم الحصاد مجرد فرصة لجمع الرمان، بل كان مناسبة لتعزيز روح المحبة والجيرة. ومن أروع مظاهر هذا التكافل تخصيص جزء من المحصول للفقراء والمحتاجين، لضمان أن الجميع ينال نصيبه من خيرات الأرض.
كان يتم نقل المحصول المخصص للفقراء باستخدام "السابل"، وهو وعاء مصنوع من الخوص يُحمل على ظهر الحمير، ليُرسل إلى من لا يملك بستانًا أو لمن لم يستطع الحضور للمشاركة. وإذا حضر أحد الفقراء إلى البستان، يُسمح له بملء عباءته بالرمان فيما يُعرف بـ"شكبان"، ليحمل معه ما يكفيه ويكفي أسرته.
في بعض الأحيان، كان الكوم يتعرض للتلف بسبب سوء التخزين أو النقل، لكن ذلك لم يمنع السكان من الحفاظ على روح العطاء. كانوا يرسلون حصصًا من المحصول حتى لمن لم يطلب، لأن التكافل كان جزءًا من حياتهم اليومية.
تلك الأيام حملت ذكريات مليئة بالفرح والشغف، حيث عاش الناس حياة بسيطة لكنها غنية بالود والتعاون. غادرنا هؤلاء الأجداد الطيبون، لكنهم تركوا لنا إرثًا من القيم الإنسانية التي ما زلنا نسترجعها بحنين واعتزاز.
ذكريات لا تُنسى
الفزعة كانت تعبيرًا عن روح التعاون بين الناس، حيث تشارك الجميع في لحظات سعيدة مليئة بالحب والوفاء. هذه الذكريات تُحيي مشاعر الحنين إلى زمن عاش فيه الناس ببساطة، يجمعهم شغف الحياة وروح الأخوة.
لحظات تبقى فرحتها تلسع ذاكره لمواسم عشق ابديه، كانوا هناك في متاهات اشواق جميله تنعش درب حياتهم بازهار وورود رازقي وجلنار. بقى صدى تلك الايام سرمدا يخرج من وادي النسيان ليصف شذى زمان راحل، صدى قهقه ليل حالم لارواح تتناغم مع متعة عشق خالد!
ليل فيه شجن غناء زهور حسين الذي يفعل مشاعر شاخها الذبول، كان في ذلك الزمن مطرب اسمه "حمدان الساحر له اغنيه تقول:
فسرت انها "فتاتان او "حبان لا يمكن لقلب ان يشترك بهما، كانت لنا هوسه نرددها من ناكل رمانه طيبه من احدهم لنهوس (رمان فلان رد روحي). اه يازمان الرمان الراحل هل تعود ويعود وطننا معافى معك لان نزيف الوطن احمر كعصيرك الذي كان اكسير الحياة اه ايها الرمان الخالد والفزعه المقدسه متى تعود لبناء وطن هدمت احلامه كراهيه سوداء وثار جاهلي متى.
خاتمة: أمل في عودة الزمن الجميل, في زمن قطف الرمان، كانت الحياة تعجّ بالأمل والحب. نتمنى أن تعود تلك الأيام مع وطن معافى يحمل قيم التعاون والمحبة التي عُرف بها أجدادنا. الرمان الأحمر، الذي كان رمزًا للحياة، يظل شاهدًا على عصور ذهبية مليئة بالعطاء والوفاء.