الإسلام السياسي بين الحداثة والتغيير: رؤية نقدية
بقلم: راسم العكيدي.
على مر التاريخ، أثبتت المجتمعات أن التطور الحقيقي يبدأ بفصل الدين عن السياسة واعتماد نهج حداثي يقوم على الحريات وحقوق الإنسان. وفي الوقت الذي تسعى فيه دول إلى تحقيق هذا الفصل، نجد الإسلام السياسي يحاول بشتى الوسائل المزج بين الدين ومفاهيم الحداثة، لتقديم صورة متجددة توائم العصر، لكنها في الواقع تعاني من التناقضات والانتهازية.
![]() |
الإسلام السياسي بين الحداثة والتغيير: رؤية نقدية. |
منذ أن تطورت نظم الحكم وتبنت سياسات الحداثة ونهضت أوروبا حين قوضت حكم الكهنة والغت المحاكم الدينية وفصلت الدين عن الدولة والإسلاميين يحاولون بشتى السبل التمسك بالحكم او العودة له من خلال خلط مفاهيم الحداثة ورؤاهم للظهور بمظهر الحداثة والتطور لكي يكونوا متناسقين مع العصر ومع الشارع ومتطلبات الشعوب في الحريات وحقوق الإنسان والديمقراطية.
الإسلام السياسي ومحاولات الاندماج مع الحداثة
الإسلام السياسي قدم نفسه كبديل يحمل رؤية "حداثية"، لكنها مبنية على تفسيرات دينية تقليدية. تبنى الإسلاميون مصطلحات مثل "الإسلام والديمقراطية" و"الإسلام والاشتراكية"، محاولين دمج هذه المفاهيم مع رؤيتهم الدينية. ورغم محاولاتهم، بقيت تلك التجارب مشوهة وغير قادرة على تلبية احتياجات الشعوب.
الإسلام السياسي وتجربة الإسلاميين في الحكم ومن خلاله بالدولة والسياسة ولكي يكونوا ضمن النظام العالمي, طرحوا ويطرحون رؤاهم كلما برزت مفاهيم جديدة. نسبوها لهم كنسخ غربية مطورة عن الاسلام ففي البداية طرحوا الاسلام والديمقراطية.
وربطوا الديمقراطية بالاسلام السياسي كتجربة ليست بالجديدة على الاسلام السياسي ثم الاسلام والحداثة والاسلام والاشتراكية حيث قدموا نماذج وتجارب اشتراكية من صدر الاسلام وبعدها تكلموا عن الاسلام والرأسمالية وان الاسلام في كثير من رؤاه الاقتصادية رأسمالي النزعة وطرحوا فكرة الاسلام والتنمية والاسلام والاقتصاد.
ازدواجية الرؤية بين الحداثة والدين
الإسلاميون يدّعون الإيمان بالديمقراطية، إلا أن مفهومهم للديمقراطية يناقض مبادئها الأساسية، حيث يؤمنون بالشريعة كمصدر وحيد للتشريع، ما يتعارض مع سيادة الشعب كمصدر للسلطة. كذلك، مفهوم التعددية الذي يعد أساس الحداثة، يقف على النقيض من العقيدة الأحادية التي يتبناها الإسلام السياسي.
والحقيقة ان الاقتصاد الاسلامي نموذج استمد من بيئته وقتها تجربة واقع يختلف ويتشابه في جزء من تجاربه مع الاشتراكية ومع الرأسمالية لكنه امتلك رؤية متفردة مختلفة ولا يمكن نسبها للنظريتين وان بدت بعض نقاط التشابة فلا يمكن اعتبارها نسخ مطورة عن تجارب الاسلام وهذا ينطبق على الديمقراطية والحداثة ايضاً.
هذا الخلط بين مفاهيم الحداثة ورؤية الاسلام السياسي طروحات تمييعية لمفاهيم الحداثة والديمقراطية في رؤى المتاسلمين السلطويين وهي لم تذيب مفاهيم الحداثة والديمقراطية في الاسلام بل اذابت رؤى الاسلام حين بدت تجربة الاسلام السياسي في الحكم مسخ وتشويه لا لون ولا طعم ولا رائحة
لها وكانت تجربة لم تنضج ولم تقدم متطلبات الناس ولم تطور وتنهض بالدول وكانت تجارب استخدمت الاسلام كغطاء للمتاسلمين واردية مزركشة لبسها الفاسدين وكانت ولازالت تجارب تحت مبررات التغيير والتطور للاسلام السياسي مع العصر لتكون ممرات لمرور الانتهازيين والمتلونين والفاسدين الى السلطة.
الاسلام السياسي حمل في كل تجاربه ازدواجية فاضحة انكشفت رغم كل الاغطية التي حاول المتاسلين تغليف تجربتهم بها وحمل ازدواجيين كشفتهم مغريات السلطة فالديمقراطية التي يدعون تبنيها والايمان بها هي في منطقهم الخفي مقت للايمان لانها تحكم باسم الشعب وتعتبره صاحب السيادة ومصدر التشريع والماسلمين واسلامهم السياسي يؤمن بالشريعة مصدر اوحد لا يبدل للحكم.
والحداثة التي يدعي الاسلام السياسي الجنوح لها كسمة العصر من ابسط سماتها الايمان بالتعددية والمتاسلمين واسلامهم السياسي يؤمن بالوحدانية والعقيدة الاحادية وكما ان تجربة الاسلام السياسي هي تجربة اصبحت طائفية في ظل الاختلاف والانقسام المذهبي نتيجة الفهم المختلف والتفسير المتعدد للشريعة ووفق ذلك فان الاسلام السياسي لا يؤمن بالدولة كبناء سياسي واجتماعي واقتصادي ولا يؤمن باي وعاء وفكرة ومحتوى للدولة تحت اي مفهوم سواء كان وطني او قومي.
الإسلام السياسي في العراق: تجربة تكشف الزيف
في العراق، برزت الأحزاب الإسلامية كقوى سياسية تبنت الإسلام السياسي بعد سقوط النظام السابق. خلال أربعة عشر عامًا، أثبتت تلك الأحزاب عجزها عن تحقيق تطلعات الشعب، بل أظهرت تناقضًا واضحًا بين شعاراتها وسلوكها في الحكم.
الديمقراطية المزيفة: رغم تبني الإسلاميين شعارات الديمقراطية، إلا أن ممارساتهم أثبتت أن الهدف كان الوصول إلى السلطة، وليس تحقيق الديمقراطية الحقيقية. استغلوا النظام الديمقراطي كوسيلة للهيمنة، متجاهلين متطلبات الحكم الحديث.
الحداثة والاقتصاد الإسلامي: على الرغم من محاولات الإسلام السياسي تصوير الاقتصاد الإسلامي كنموذج متفرد، إلا أنه لم يقدم حلولاً عملية تلبي احتياجات العصر. اقتصرت تلك المحاولات على استنساخ أفكار رأسمالية أو اشتراكية، مما جعلها تبدو كمزيج مشوه.
وفي العراق بعد تجربة الاحزاب الاسلامية التي تبنت الاسلام السياسي في ادلجة احزابها واستخدمت الخيارات المخادعة, في تبني الحكم الديمقراطي والحريات المزيفة والتعددية وحقوق الانسان. فان اربعة عشر سنة كانت أكثر من كافية، لكشف زيف الإسلام السياسي وازدواجية معتنقي الأحزاب الإسلامية وانتهازيتهم.
التي وجدوا انفسهم امام قوى عظمى حملتهم الى منصة السلطة فلهثوا لإثبات حداثتهم وايمانهم بالتحولات الديمقراطية لها, وحين كشفتهم السلطة ومغرياتها. وفشلوا في تقديم ما يثبت ايمانهم بمفاهيم الحكم الحديث المعاصر ومتطلباته ادركوا انها تجربة لاحتوائهم وترويضهم.
وان البديل قادم بتبدلات النظام الدولي وما أفرزته الفوضى من صراعات دموية ومأساوية للمنطقة والتي أصبح وفقها التغيير ضرورة ملحة تفرضها معطيات عالم فقد أمنه وتنميته في حرب الكل ضد الكل الذي افقد الشعوب صوابها ودفعت اليمين المتطرف للسلطة في أمريكا وخلفها أوروبا في تجربة الحكم الشعبوي الذي سيزحف حتماً نحو منطقة الشرق الأوسط.
كما زحفت الحداثة والديمقراطية ومفاهيم اخرى ولذلك سعى المتاسلمون لتبديل أرديتهم وتغليف سياستهم بلون جديد لكي ينقلوا من اللاعقلانية إلى العقلانية ليتناسقوا مرة أخرى مع عصر متغير.
التلون السياسي: من الإسلام السياسي إلى الدولة المدنية
مع التغيرات العالمية والصراعات الإقليمية، بدأ الإسلاميون يتجهون نحو تبني شعارات مثل "الدولة المدنية". لكن هذا التحول لم يكن نابعًا من قناعة، بل كان محاولة للتماهي مع التغيرات السياسية والاجتماعية. عملية التحول هذه أظهرت انتهازية واضحة، حيث باتوا يرتدون "رداء المدنية" فقط لتحقيق مكاسب سياسية.
الاسلام السياسي ومعتنقيه من المتاسلمين يغيروا مسمياتهم السياسية ووجوه مقدمة المعتنقين لكنهم يبقون بمسميات حائرة واحزاب حائرة, لها سلطة برؤوس مدببة متعددة اصبحت غير مقنعة للشعوب ومخيفة في ضررها المتواصل وما تغيرها الا لاستحداث ضرر جديد.
اوله سرقة خيارات الشعوب وركوب موجة الشارع وتشويه اي تجربة حقيقية باحلال معتنقيها والمنتمين الذين غيرت شكلهم وشكلها ليندسوا ويشوهوا التجربة ويتسللوا للسلطة مرة اخرى ليمارسوا هوايتهم في خلط المفاهيم الحديثة برؤاهم المتخلفة التي ليس لها اي مكان في العصر.
تحديات الإسلام السياسي في العصر الحديث
تواجه حركات الإسلام السياسي تحديات كبيرة مع التحولات العالمية. التغيير في النظام الدولي وانتشار الشعبوية في الغرب أظهرت محدودية قدراتهم على التكيف مع متطلبات العصر. ومع زيادة وعي الشعوب، باتت هذه الحركات غير قادرة على إقناع الجماهير برؤيتها.
وهذه المرة ركبوا موجة الشارع في مسمى المدنية والدولة المدنية وهي عملية سرقة رداء فضفاض عليهم يؤكد انه ليس ملكهم وليس خيارهم وهي انتهازية مكشوفة وتلون فاضح اكد ان المتاسلمين لا يتوانوا عن لبس اي رداء مهما كان لونه ليس من اجل التغيير الحقيقي بل من اجل التشبث بالسلطة والتمتع بمزاياها ومغرياتها.
الخيارات المخادعة تسقط في لحظة طرحها لان اساس تجربتها تتكلم عنها لانها متعارضة مع المفاهيم التي تطرحها وتتبناها.
خاتمة: ضرورة التغيير الحقيقي الإسلام السياسي فشل في تقديم نموذج حكم يتماشى مع متطلبات العصر. ازدواجيتهم وانتهازيتهم أصبحت مكشوفة، مما يجعل من الضروري تعزيز التوجه نحو دولة مدنية حقيقية تقوم على مبادئ الديمقراطية والتعددية وحقوق الإنسان. الشعوب تحتاج إلى تغيير حقيقي، بعيدًا عن استغلال الدين لتحقيق مكاسب سياسية.