الزراعة: نفط دائم أم نقمة مستترة؟
بقلم: راسم العكيدي
مقدمة
لطالما وُصِفَت الزراعة بأنها "النفط الدائم"، فهي العمود الفقري لأي اقتصاد مستدام، وأساس الأمن الغذائي لأي دولة. لكن في واقع الحال، تحولت الزراعة في العراق من مصدر للخير إلى ساحة للمضاربات والتلاعب، حيث أصبح الاستثمار الزراعي مجرد غطاء لتحقيق المكاسب الشخصية. فيما تلاشت الفرص الحقيقية لتطوير القطاع الزراعي وتحقيق الاكتفاء الذاتي. فهل ما زالت الزراعة تمثل نفطًا دائمًا، أم أنها أصبحت نقمة بفعل السياسات الخاطئة والاستغلال غير المشروع؟
![]() |
الزراعة: نفط دائم أم نقمة مستترة؟ |
لان الزراعة نفط فلابد ان تخضع لسيطرتهم ليحولوها لنقمة بدل نعمة، لان الزراعة مهنة الاغلبية يجب ان يهيمنوا على الاغلبية من خلالها.لكن الارض محدودة ويجب ان يخضع استغلالها الى محددات استثمار امثل، وتكون ملك الدولة والشعب لا ملك لاقطاع جديد يلبس فروة الثعالب.
يبكي على الفلاح ويبكي معه، يضع عينه على الارض والاستيلاء عليها بغطاء انصاف الفلاحين، فالارض لمن يزرعها طيلة حياته ومادام هو يزرع وينتج وبعقد طوال عمره وهذا انصاف للفلاح وللدولة والشعب.
1. الأرض بين الملكية والاستثمار: لمن الحق؟
إن قضية ملكية الأرض الزراعية في العراق تحولت إلى صراع بين من يسعون للزراعة فعليًا، وبين من يتخذونها وسيلة للربح السريع عبر المتاجرة بها. فتاريخيًا، ومنذ زمن الطابو العثماني والإصلاح الزراعي.
تعرضت الأراضي الزراعية إلى تفتيت ممنهج، ما جعلها عرضة للبيع والتوريث، بدلاً من استغلالها في الإنتاج الزراعي. وهنا تكمن المشكلة الأساسية: هل الأرض ملك للدولة والشعب، أم أنها باتت مجرد سلعة بيد المتنفذين؟
منذ الطابو العثماني والاصلاح الزراعي واراضي العراق تفتت وتقسم وتذوب وتتلاشى بالتمليك والتوريث وتحت ذريعة انصاف شريحة وهي غطاء لهيمنة فئة لا تزرع ولا تنتج بل تتملك بغريزة التملك وتتاجر بالاراضي وتحولها لسلعة في بورصة العقارات.
تمليك الارض يعني توريثها لمن ليست مهنته الزراعة فالتوريث حق شرعي يفرضه العرف والدين. لا يمكن منعه او الحد منه فلذلك هم يسعون للتمليك من اجل الارض كسلعة تجارية وليس من اجل زراعتها والانتاج منها وهم يسعون للتمليك للتوريث لابنائهم وزوجاتهم من بعدهم.
2. التمليك والتوريث: خطر يهدد مستقبل الزراعة
تمليك الأراضي الزراعية يعني بالضرورة توريثها، ما يخلق طبقة جديدة من الإقطاعيين الذين لا علاقة لهم بالزراعة. فالقوانين التي سمحت بالتمليك تحت غطاء "إنصاف الفلاحين" أدت عمليًا إلى خلق سوق سوداء للأراضي، حيث يتم تحويلها إلى قطع سكنية أو بيعها في سوق العقارات بدلاً من استثمارها في الإنتاج الزراعي. وهذا ما يفسر التدهور الحاصل في القطاع الزراعي، حيث تحولت الأراضي الخصبة إلى كتل إسمنتية بلا جدوى اقتصادية حقيقية.
من يهتم بالزراعة ويدير شؤونها يجب ان يعي ويعلم ان النهوض الاساسي والمجدي على الاطلاق هو الاهتمام بالزراعة كانتاج وليس الاهتمام بالمزارع كفرد ومهنة له حق التصرف بالارض وفق ما تقتضيه مصلحته وثرائه على حساب الاتجار بالارض.
اغلب الذي يعملون في وظائف حكومية ويشغلون مناصب في السلطات متعاقدين على مئات الالاف من الدوانم رغم ان القانون لا يسمح للموظف بالتعاقد ولا يسمح للجمع بين التعاقد على ارض زراعية والوظيفة. لكنهم يتحايلون على القانون ويكيفوه لصالحهم ومصالحهم ويتمادون في تسويق ذرائع انصاف الفلاح لكي يتملكوا الاراضي المتعاقدين عليها ليتصرفوا بالاتجار بها.
وتحويل صنفها وتحويلها الى عشوائيات سكنية فهم وشركاء لهم قد جرفوا اراضي متعاقد عليها ووزعوها قطع سكنية لكن الاسعار تتضاعف مع التمليك. لقد استدركت النخب الزراعية ما افسدته الانظمة والسياسة بتسويات هدفها ترضيات اجتماعية وسياسية على حساب عدم تحقيق اهداف اقتصادية تنهض بالزراعة.
3. كيف يُستغل القانون في تدمير الزراعة؟
القوانين الزراعية التي كان يُفترض أن تحمي الأراضي الزراعية أصبحت أداة بيد المتنفذين لتحقيق مصالحهم. فقد تم إصدار عدة قوانين، مثل (35) و(350) و(364)، لمعالجة تفتيت الأراضي الزراعية، لكنها لم تتمكن من وقف نزيف الأراضي بسبب التلاعب المستمر بالقوانين السابقة، مثل قانوني (30) لعام 1958 و(117) لعام 1970، اللذين تسببا بفقدان العراق قرابة 4 ملايين دونم لصالح فئة صغيرة، على حساب الملايين من أبناء الشعب.
حيت سنت قانون ( 35 ) و(350 ) و (364) لمعالجة تقسيم وتجزئة وتفتيت الاراضي الزراعية بالتوريث والتي احدثها قانوني (30) لسنة 1958 و(117) لسنة 1970. والذي خسر بهما العراق قرابة 4 مليون دونم لصالح (157) الف فرد على حساب ملايين من الشعب واقتصاد البلد.
ان الذين يديرون شؤون الزراعة في السلطتين التنفيذية والتشريعية متمثلة بوزارة الزراعة وكوادرها العليا واللجنة الزراعية يبسطون غايات متنفذين لاغراض سياسية وانتخابية وهي عملية تجريف مشرعن لما تبقى من اراضي. لا يمكن للقانون الوقوف بالضد منها ومنعها والحد منها لانها مملوكة وتورث وبها حق التصرف وتضاف لتجريف البساتين وتحويل العقود الزراعية لعشوائيات سكنية شوهت المدن.
4. هيمنة المسؤولين على الأراضي الزراعية
من المفارقات العجيبة أن العديد من المسؤولين وأصحاب المناصب في الحكومة يمتلكون عقودًا زراعية على مئات الآلاف من الدونمات، رغم أن القانون يمنع الجمع بين الوظيفة الحكومية والتعاقد على الأراضي الزراعية.
لكن هؤلاء المسؤولين تحايلوا على القانون واستغلوا نفوذهم للاستحواذ على الأراضي، ليس بهدف زراعتها، بل لتحويلها إلى وحدات سكنية وبيعها بأسعار مضاعفة، مما أدى إلى تدمير الإنتاج الزراعي وتشويه المدن.
هذه الممارسات تهدد الانتاج والتكامل والاكتفاء الذاتي وهي خدمة لمتنفذين ومن خلفهم دول الجوار ينفذها من يدير شؤون الزراعة لكي يبقى بمنصبه بتسويات وصفقات مكشوفة واللعب كله اصبح على المكشوف.
5. مستقبل الزراعة في ظل الفوضى الحالية
إذا استمرت هذه السياسات، فإن مستقبل الزراعة في العراق سيكون في خطر حقيقي. فبدلاً من تشجيع الاستثمار الزراعي والإنتاج المحلي، يتم تدمير الأراضي الزراعية عبر تجريف البساتين وتحويل العقود الزراعية إلى مشاريع سكنية غير منظمة.
والأسوأ من ذلك، أن هذا كله يجري بدعم وتسهيلات من الجهات المسؤولة عن الزراعة، والتي باتت تُستخدم كأداة لخدمة مصالح المتنفذين ومن ورائهم دول الجوار، التي تسعى إلى إبقاء العراق سوقًا استهلاكية تعتمد على الاستيراد بدلاً من تحقيق الاكتفاء الذاتي.
الخاتمة: إن الزراعة في العراق ليست مجرد قطاع اقتصادي، بل هي أمن غذائي واستراتيجي يجب حمايته من الاستغلال السياسي والتجاري. وإذا لم يتم وضع حد لسياسات التفتيت والتمليك غير المدروس، فإن العراق سيخسر ثروته الزراعية بالكامل، وسيتحول إلى بلد يعتمد كليًا على الاستيراد، ما يجعله عرضة للأزمات الاقتصادية والسياسية.
لذا، لا بد من إعادة النظر في القوانين الزراعية، ووضع خطط حقيقية تضمن استغلال الأراضي لصالح الإنتاج الزراعي، وليس لصالح المتاجرة بها وتحويلها إلى مشاريع سكنية عشوائية.