رمضان في إريتريا والاستعدادات لهذا الشهر الفضيل
مقدمة عن رمضان وأهميته في إريتريا:
رمضان في إريتريا ليس مجرد شهر للصيام والعبادة، بل هو موسم ينتظره المسلمون هناك بلهفة وشوق، لما فيه من طقوس وعادات متجذرة تعبّر عن وحدة المسلمين وتضامنهم. إريتريا، التي تقع في القرن الإفريقي، تضم نسبة كبيرة من المسلمين، يشكلون جزءًا أساسيًا من النسيج الاجتماعي للبلاد. ومع حلول شهر رمضان، تتغير ملامح الحياة اليومية لتُظهر أجمل صور المحبة والروحانية.
![]() |
رمضان في إريتريا والاستعدادات لهذا الشهر الفضيل |
الصيام عند الإريتريين ليس مجرد الامتناع عن الطعام والشراب، بل هو مدرسة للتقوى والصبر، وفرصة عظيمة لإعادة ترتيب الأولويات الروحية والاجتماعية. ويُلاحظ كيف تكتسي شوارع المدن والقرى بحُلة رمضانية جميلة، تعكس عمق ارتباط الناس بهذه الشعيرة المباركة.
شهر رمضان يمثل عند الإريتريين مناسبة عظيمة لتقوية العلاقات الاجتماعية، حيث تكثر فيه الزيارات والولائم، وتُقام حلقات الذكر وقراءة القرآن في المساجد والمنازل. كما يعد رمضان فرصة لتعليم الصغار أصول دينهم من خلال المشاركة في أداء العبادات والأنشطة الرمضانية، مما يجعل لهذا الشهر وقعًا خاصًا في القلوب.
أجواء رمضان في إريتريا: روحانية خاصة وعادات أصيلة
العادات والتقاليد الرمضانية:
أول ما يلفت النظر في رمضان الإريتري هو الالتزام الشديد بالعادات والتقاليد التي توارثتها الأجيال. تبدأ هذه العادات برؤية هلال رمضان، حيث يتجمع الناس في الساحات والمساجد منتظرين الإعلان الرسمي عن بداية الشهر الفضيل. ومع ثبوت الرؤية، تبدأ مظاهر الفرح والابتهاج تنتشر في كل مكان.
من العادات التي ما زال الكثير من الإريتريين يحافظون عليها هي إيقاظ الناس لتناول وجبة السحور. فحتى اليوم، يتجول بعض الشبان في الأحياء وهم يقرعون الطبول أو ينشدون الأناشيد الدينية لإيقاظ الأهالي. أما الإفطار، فيُعد جماعيًا في كثير من الأحيان، حيث تُفرش الحصائر في المساجد أو الساحات، ويتشارك الناس الأكل في مشهد يعكس روح التضامن والمحبة.
كذلك، تُخصص الليالي الرمضانية للقيام وقراءة القرآن، وتُقام حلقات الذكر والدروس الدينية التي تشرح فضائل الصيام وأهمية العبادة. ويحرص الإريتريون على اصطحاب أبنائهم لهذه المجالس ليشبّوا على حب الدين والتعلق بالمساجد.
دور المساجد والمراكز الإسلامية:
تلعب المساجد والمراكز الإسلامية دورًا محوريًا في إحياء رمضان في إريتريا. فهي ليست فقط أماكن للصلاة، بل تتحول إلى مراكز حيوية تعج بالأنشطة الرمضانية. تبدأ اليوم بصلاة الفجر جماعة، ثم تليها دروس دينية خفيفة، بينما تشهد صلاة التراويح حضورًا كثيفًا من الرجال والنساء وحتى الأطفال.
تُنظم المساجد أيضًا موائد الإفطار الجماعي، حيث يجتمع الصائمون من مختلف الطبقات والمناطق لتناول الإفطار معًا، وهو ما يعزز روح الأخوة واللحمة الاجتماعية بين أبناء المجتمع المسلم.
الاستعدادات لشهر رمضان في إريتريا
تجهيز الأسواق والسلع الرمضانية:
قبل حلول رمضان بأسابيع، تبدأ الأسواق في إريتريا بالاستعداد لاستقبال الشهر المبارك. المحلات التجارية تزدحم بالزبائن الذين يشترون مستلزمات رمضان من الحبوب، والبهارات، والسكر، والطحين، والزيوت، وكل ما تحتاجه المائدة الرمضانية.
تنتشر في الأسواق أنواع التمور المختلفة، والتي تعتبر أساسية على مائدة الإفطار. كذلك يزداد الطلب على العصائر الطبيعية مثل عصير الليمون والتمر الهندي والعرقسوس، والتي تروي عطش الصائمين بعد يوم طويل من الصيام.
المثير في الأمر أن هناك بعض الأسواق التقليدية التي لا تزال تحتفظ بعبق الماضي، حيث تُعرض البضائع على الأرض أو على عربات خشبية بسيطة، ويجلس الباعة ينادون على بضائعهم بصوت عالٍ يجذب الزبائن، مما يضيف لمسة خاصة على أجواء رمضان في إريتريا.
تنظيف البيوت وتزيين الأحياء:
واحدة من أجمل مظاهر الاستعداد لرمضان في إريتريا هي حملة التنظيف والتزيين التي تنطلق في كل بيت وحيّ. فقبل حلول الشهر الفضيل، تبدأ الأسر بتنظيف البيوت وتعطيرها بالبخور والمسك، وترتيب المجالس لاستقبال الضيوف والجيران خلال أيام رمضان.
الأحياء أيضًا تكتسي بحُلة جميلة، حيث تُعلق الزينة والفوانيس، وتُضاء الشوارع بالفوانيس التقليدية، بينما يتعاون الشباب في تنظيف المساجد وتزيينها استعدادًا لاستقبال المصلين. هذا العمل الجماعي يعكس روح التعاون والتكاتف بين أبناء الحي الواحد.
ولا يقتصر الأمر على الشكل الظاهري فقط، بل تحرص العائلات على تنقية النفوس والتصالح مع الأقارب والجيران، حتى يدخل الجميع الشهر بروح صافية خالية من أي ضغائن.
وجبات وأطباق رمضانية مشهورة في إريتريا
أبرز الأطعمة والمشروبات الرمضانية:
المطبخ الإريتري غني ومتنوع، وخاصة في رمضان حيث تظهر الأكلات التقليدية التي تُعد خصيصًا لهذا الشهر. ومن أبرز هذه الأطباق "الهومبولو"، وهي نوع من العجين المخمر يُطهى على البخار ويُقدم مع مرق اللحم أو الدجاج. ويُعتبر طبق "الزغني" أيضًا من الأكلات الشعبية الأساسية، وهو عبارة عن لحم يُطهى بالصلصة الحارة مع البهارات الخاصة.
أما "الشيرو"، فهو طبق نباتي يُعد من الحمص أو الفول المطحون ويُطهى مع الثوم والبهارات، ويُقدم عادة مع الخبز الإريتري الشهير "إنجيرا". هذا الطبق مثالي للصائمين لأنه غني بالبروتين النباتي ويعطي شعورًا بالشبع لفترة طويلة.
لا يخلو المائدة الرمضانية من المشروبات التقليدية مثل "الحليب بالهيل"، و"القهوة الإريترية" التي تُعد بطريقة مميزة وتُقدم عادة بعد الإفطار، حيث يجتمع حولها أفراد الأسرة والجيران في جلسات السمر.
الحلويات الرمضانية:
أما الحلويات الرمضانية فلها مكانة خاصة على مائدة الإفطار. وأكثر ما يُشتهر في رمضان هو "اللقيمات" أو ما يُعرف محليًا باسم "البلوشة"، وهي كرات صغيرة من العجين تُقلى وتُغمر في القطر، وتتميز بقرمشتها من الخارج وطراوتها من الداخل.
كذلك تُعد السيدات الإريتريات "السوسو"، وهو نوع من الحلوى المصنوعة من الطحين والسكر والسمن، ويُقدم عادة مع الشاي بعد صلاة التراويح.
دور الأسرة والمجتمع في رمضان
تجمع العائلات على مائدة الإفطار:
رمضان في إريتريا موسم لجمع شمل العائلات، حيث تُعد وجبة الإفطار الحدث الأبرز يوميًا. يتجمع أفراد الأسرة الواحدة، بل وأحيانًا العائلات الممتدة، حول مائدة واحدة مليئة بالخيرات، في مشهد يعبّر عن التلاحم الأسري والمحبة.
الإفطار الجماعي لا يقتصر على الأسرة فقط، بل يمتد للجيران والمعارف، حيث يتبادل الناس الدعوات، ويشارك الأغنياء الفقراء في إفطارات جماعية تُقام في الساحات والمساجد. هذا التشارك يعزز الروابط الاجتماعية ويجعل من رمضان مناسبة لتقوية الأواصر بين الناس.
التكافل الاجتماعي ومساعدة الفقراء:
لا يمكن الحديث عن رمضان دون التطرق لمظاهر التكافل الاجتماعي التي تتجلى بوضوح في إريتريا خلال هذا الشهر الكريم. فالأسر الميسورة تحرص على توزيع الزكاة والصدقات على الأسر المحتاجة، ويتم تنظيم موائد رحمن لإفطار الصائمين من الفقراء والمساكين.
الجمعيات الخيرية والنشطاء الاجتماعيون يطلقون حملات لجمع التبرعات وشراء المستلزمات الرمضانية وتوزيعها على العائلات الفقيرة، حتى لا يشعر أحد بالحاجة أو الحرمان في هذا الشهر الفضيل.
الصلاة والعبادات في رمضان بإريتريا
أهمية صلاة التراويح والقيام:
صلاة التراويح في إريتريا واحدة من أهم الطقوس التي تحيي ليالي رمضان، ولا تكاد تجد مسجدًا إلا ويمتلئ بالمصلين كبارًا وصغارًا بعد الإفطار. ورغم بساطة الكثير من المساجد إلا أن الروحانيات التي تملأ الأجواء تجعل من الصلاة تجربة إيمانية لا تُنسى.
يحرص الأئمة على قراءة القرآن بصوت شجيّ مؤثر، ويتسابق الناس على حضور الصفوف الأولى، بل ويأتي البعض من مسافات بعيدة لأداء الصلاة جماعة. وتستمر هذه الأجواء حتى ساعات متأخرة من الليل، حيث يُكمل البعض قيام الليل في بيوتهم بالدعاء والاستغفار والتضرع إلى الله.
البعض الآخر يخصصون الليل لتلاوة القرآن، حيث تجد البيوت مليئة بصوت التلاوة، والمصاحف مفتوحة على موائد الإفطار والسحور، وهو مشهد يعكس مدى تعلّق الإريتريين بكتاب الله في هذا الشهر الفضيل.
الإقبال على قراءة القرآن والذكر:
إرتيريا في رمضان تتحول إلى ما يشبه مدرسة لتحفيظ القرآن الكريم، حيث تنشط حلقات التلاوة والمراجعة في المساجد والمنازل. يُخصص الناس جزءًا كبيرًا من يومهم للجلوس مع المصحف، سواء بعد صلاة الفجر أو قبيل المغرب، في محاولة لختم القرآن أكثر من مرة خلال الشهر.
ويظهر اهتمام خاص بالأطفال، حيث يُحرص على إدخالهم حلقات تحفيظ القرآن، مما يجعل رمضان فرصة ذهبية لغرس حب القرآن والعبادة في نفوس الصغار.
كما تنتشر حلقات الذكر والابتهال، فتجد مجموعات من الشباب والشيوخ يجلسون بعد الصلاة يرددون الأذكار والتهليل والتسبيح، في أجواء تعجّ بالطمأنينة والسكينة.
ليلة القدر وخصوصيتها في إريتريا
تحري ليلة القدر والقيام فيها:
ليلة القدر في إريتريا لها مكانة عظيمة، وتُعد من أهم الليالي التي يتحرى المسلمون بلوغها بكل الطرق. تبدأ الاستعدادات منذ العشر الأواخر من رمضان، حيث تشهد المساجد توافدًا كبيرًا للمصلين الذين يُحيون الليالي بالصلاة والذكر والدعاء.
في هذه الليالي، تتزايد حلقات الاعتكاف، حيث يبيت الكثيرون في المساجد، تاركين وراءهم مشاغل الحياة ومتاعبها، ومُقبلين على الله بقلب صادق متضرع. ويُكثر الناس من قراءة القرآن والابتهال طلبًا للعفو والمغفرة.
أما مظاهر الاعتكاف فبسيطة جدًا، حيث يفترش الناس الحصائر، ويكتفون بالقليل من الطعام والماء، لينعموا بالسكينة والصفاء في بيوت الله، وكلهم أمل في نيل فضل هذه الليلة المباركة.
الدعاء والتضرع إلى الله:
لا تمر ليلة من ليالي العشر الأواخر إلا وتُسمع أصوات الدعاء تتعالى في المساجد والبيوت. الجميع يدعو الله بقلوب واجفة، يبكون ويرجون رحمته وغفرانه، ويطلبون من الله أن يبلغهم ليلة القدر وينالوا أجرها.
من أجمل ما يُميز أهل إريتريا في هذه الليالي، هو تضرعهم لله بدعوات بسيطة وعفوية نابعة من القلب، يطلبون الخير والبركة لأنفسهم وأهليهم وأمتهم. ويحرصون على أن يختموا الليل بالتضرع لأجل الفقراء والمحتاجين، وهو ما يعكس عمق القيم الإنسانية والإيمانية في نفوسهم.
الأسواق والاقتصاد خلال شهر رمضان
ارتفاع الطلب على السلع الرمضانية:
من الطبيعي أن تشهد الأسواق حركة تجارية نشطة مع دخول رمضان، لكن في إريتريا تأخذ هذه الحركة طابعًا مختلفًا، حيث ترتفع الأسعار وتزداد الحاجة للسلع الأساسية، ما يجعل الأسر تُعيد حساباتها المالية لتلبية متطلبات الشهر.
الطلب يكون مرتفعًا جدًا على التمور، والدقيق، واللحوم، والسمن، والزيوت، والأرز، إلى جانب العصائر والبهارات. ويُلاحظ أن بعض التجار يستغلون هذا الطلب المرتفع لزيادة الأسعار، ما يُثقل كاهل الأسر الفقيرة.
لكن في المقابل، تُطلق الجمعيات الخيرية مبادرات لتوزيع سلال غذائية على المحتاجين، وهو ما يُسهم في تخفيف العبء على الكثير من الأسر، ويُظهر الجانب المشرق من رمضان في إريتريا.
تحديات الأسر ذات الدخل المحدود:
ورغم الأجواء الروحانية الجميلة، إلا أن رمضان في إريتريا لا يخلو من التحديات الاقتصادية، خاصة على الأسر ذات الدخل المحدود التي تجد نفسها في حيرة بين تلبية احتياجات المائدة الرمضانية وبين ضيق الحال.
كثير من العائلات تلجأ إلى تقليل الوجبات أو شراء ما يكفي بالكاد لتجاوز الشهر، بينما تتكفل الجمعيات والجهات الخيرية بسد جزء من النقص. ومع ذلك، تبقى روح الرضا والقناعة حاضرة، ويحرص الناس على مشاركة ما لديهم مع جيرانهم وأقاربهم، مهما كان بسيطًا.
الأنشطة الشبابية والثقافية خلال رمضان
دور الشباب في إحياء ليالي رمضان:
شباب إريتريا لا يقفون موقف المتفرج خلال رمضان، بل لهم دور كبير في إحياء ليالي الشهر الكريم. تجدهم ينظمون جلسات سمر دينية وثقافية بعد التراويح، يتدارسون فيها السيرة النبوية، ويتناقشون في مواضيع دينية واجتماعية تهم مجتمعهم.
البعض يُشارك في تجهيز موائد الإفطار الجماعي، أو تنظيف المساجد وترتيبها، مما يمنحهم شعورًا بالمسؤولية والانتماء. كما تنتشر الفرق الشبابية التي تقوم بجمع التبرعات وتوزيعها على المحتاجين، في مشاهد تُظهر أجمل معاني التكافل والتعاون.
المسابقات الثقافية والدينية:
من العادات الجميلة التي تنتشر في إريتريا خلال رمضان، تنظيم المسابقات الثقافية والدينية التي تستهدف جميع الفئات العمرية. تُطرح الأسئلة حول القرآن الكريم، والحديث الشريف، والسيرة النبوية، بالإضافة إلى مسابقات في الشعر والأدب.
هذه الفعاليات لا تهدف فقط للتسلية، بل تُعد وسيلة فعّالة لتثقيف الشباب والأطفال، وتعميق فهمهم لدينهم وهويتهم الثقافية. وفي نهاية الشهر، تُوزع الجوائز على الفائزين، ما يجعل من رمضان موسمًا للتعلم والمرح معًا.
تأثير رمضان على الحياة اليومية في إريتريا
تغيير نمط الحياة والعمل:
من الطبيعي أن تتغير وتيرة الحياة اليومية في رمضان، حيث تقل الحركة في الأسواق والشوارع خلال ساعات النهار بسبب الصيام والحرارة، بينما تنشط الحياة بشكل ملحوظ بعد غروب الشمس وحتى ساعات متأخرة من الليل.
الدوام الرسمي في معظم المؤسسات الحكومية والخاصة يتقلص، وتُخفف ساعات العمل حتى يتمكن الموظفون من التفرغ للعبادة والاستعداد للإفطار. أما أصحاب المحلات التجارية فيبدأ نشاطهم الحقيقي بعد المغرب، حيث تزدحم الأسواق بالمتسوقين حتى منتصف الليل.
حتى الأطفال تتغير حياتهم، حيث يقضون النهار في النوم أو قراءة القرآن، بينما يخرجون للعب والسمر ليلًا في الأزقة والحارات، في مشهد يعكس الحيوية والفرح الذي يحمله رمضان معهم.
الهدوء والسكينة في الشوارع:
من أجمل ما يُميز رمضان في إريتريا هو حالة السكينة والهدوء التي تسيطر على الشوارع والأحياء، خاصة مع اقتراب موعد الإفطار. الجميع يعود إلى بيته، والطرقات تخلو إلا من بعض المارة المتأخرين، وكأن المدينة بأكملها تستعد لاستقبال لحظة الأذان.
هذا الهدوء لا يعني الركود، بل هو جزء من الطقوس اليومية التي تُضفي على رمضان طابعًا خاصًا ومميزًا، حيث يتفرغ الناس للعبادة والتقرب إلى الله، بعيدًا عن صخب الحياة اليومية وضجيجها.
الأعياد والتجهيز لعيد الفطر في إريتريا
التحضيرات لاستقبال العيد:
مع اقتراب نهاية رمضان، تبدأ أجواء عيد الفطر تلوح في الأفق، حيث تعيش العائلات الإريترية حالة من الفرح والاستعداد لاستقبال هذا اليوم المبارك. تُعد الأيام الأخيرة من رمضان فرصة لتنظيف البيوت وتعطيرها، وتجهيز الملابس الجديدة للأطفال والكبار، وتحضير الحلويات التقليدية التي ستُقدم للضيوف خلال أيام العيد.
تزدحم الأسواق في الأيام الأخيرة، حيث يخرج الناس لشراء مستلزمات العيد، من الملابس إلى المواد الغذائية التي تُستخدم في إعداد أطباق العيد الخاصة. ويُلاحظ إقبال كبير على شراء الزيوت، والسكر، والمكسرات، والبهارات، استعدادًا لطهي أشهى الأطباق.
أما النساء، فلهن دور كبير في تجهيز المنزل وترتيب أثاثه استعدادًا لاستقبال الزوار، حيث يعتبر عيد الفطر فرصة لتبادل الزيارات بين العائلات والأصدقاء والجيران، مما يزيد من أواصر المحبة بين الناس.
زكاة الفطر والتكافل الاجتماعي:
زكاة الفطر تُعد واحدة من أهم الشعائر التي تسبق عيد الفطر في إريتريا، حيث يحرص الجميع على إخراجها قبل صلاة العيد لضمان وصولها إلى مستحقيها. وتكون زكاة الفطر غالبًا من الحبوب أو الدقيق أو الأرز، حيث يُفضل الكثيرون تقديمها على شكل مواد غذائية ليستفيد منها المحتاجون بشكل مباشر.
في المساجد، تُجمع زكاة الفطر ليتم توزيعها على الفقراء، كما تقوم بعض الجمعيات الخيرية بحملات لجمع التبرعات وتوزيعها على الأسر المحتاجة، ليتمكن الجميع من الاحتفال بالعيد دون الشعور بالحاجة أو العوز. هذه المظاهر تعكس روح التكافل والرحمة التي تسود المجتمع خلال هذه الأيام المباركة.
صلاة العيد ومظاهر الاحتفال في إريتريا
أجواء صلاة العيد في الساحات والمساجد:
في صباح العيد، وقبل شروق الشمس، تبدأ الأسر الإريترية بالخروج إلى المساجد والساحات المفتوحة لأداء صلاة العيد. يُلاحظ منذ الفجر تدفق الناس في أبهى حُلّتهم، مرتدين الملابس الجديدة أو الملابس التقليدية المزينة بالنقوش الجميلة.
يُعد مشهد تكبيرات العيد من أروع اللحظات التي تُشعر المسلمين بالبهجة، حيث يردد الجميع التكبيرات بصوت واحد، مما يُضفي على الأجواء طابعًا روحانيًا رائعًا. وبعد الصلاة، يتصافح الناس ويتبادلون التهاني، حيث يُعتبر العيد فرصة لنشر المحبة والسلام بين الجميع.
زيارة الأقارب والجيران وتبادل التهاني:
بعد العودة من صلاة العيد، تبدأ الزيارات العائلية التي تُعد من أهم عادات العيد في إريتريا. يقوم الصغار والكبار بزيارة الأقارب والجيران وتقديم التهاني، وتقديم الحلويات والمشروبات الخاصة بالعيد.
يحرص الأجداد على تقديم "العيدية" للأطفال، وهي مبالغ مالية بسيطة تُمنح لهم كهدية بمناسبة العيد، مما يُدخل السعادة في قلوبهم ويجعل العيد أكثر بهجة بالنسبة لهم.
أشهر الأكلات الإريترية في عيد الفطر
أطباق العيد التقليدية:
بعد شهر كامل من الصيام، يكون عيد الفطر فرصة للاستمتاع بأشهى الأكلات التقليدية التي تُعد خصيصًا لهذه المناسبة. من بين الأطباق الأشهر في عيد الفطر بإريتريا:
-
الزغني: وهو طبق لحم حار يُعد من اللحم الطري المطبوخ بصلصة الطماطم والبهارات القوية، ويُقدم مع خبز "إنجيرا" التقليدي.
-
الشيرو: طبق نباتي يُعد من الحمص أو الفول المطحون ويُخلط مع البهارات ويُطهى حتى يُصبح قوامه كريميًا، ويُتناول مع الخبز أو الأرز.
-
الهومبولو: نوع من الخبز المخمّر الذي يتم طهوه على البخار ويُقدم عادة مع اللحوم أو الشوربات.
الحلويات والمشروبات الخاصة بالعيد:
لا يكتمل العيد دون الحلويات والمشروبات المميزة التي تُقدم للضيوف بعد وجبة الفطور. ومن أشهر الحلويات الإريترية في العيد:
-
السوسو: وهي حلوى مصنوعة من الدقيق والسكر والسمن، ولها مذاق فريد يُقدم عادة مع الشاي أو القهوة الإريترية.
-
اللقيمات (البلوشة): كرات العجين المقلية التي تُغطى بالقطر، وهي من الحلويات التي تحظى بشعبية كبيرة خلال العيد.
-
القهوة الإريترية: تُعد القهوة أحد أهم المشروبات التي لا تخلو منها موائد العيد، حيث تُقدم مع التمر أو المكسرات، وتُعد بطريقة تقليدية على الفحم لتعطي مذاقًا مميزًا.
دور الجمعيات الخيرية في دعم المحتاجين خلال العيد
موائد العيد للمحتاجين:
كما كان الحال خلال رمضان، تستمر الجمعيات الخيرية في تقديم الدعم للمحتاجين خلال عيد الفطر. يتم تنظيم موائد العيد في المساجد والساحات العامة، حيث تُقدم وجبات خاصة للفقراء والمحتاجين، مما يُشعرهم بفرحة العيد مثل بقية الناس.
توزيع المساعدات والملابس:
الكثير من الأسر الميسورة تتبرع بالملابس الجديدة للأطفال الأيتام والفقراء، حتى يتمكنوا من الاحتفال بالعيد مثل غيرهم. كما يتم توزيع الطرود الغذائية واللحوم على العائلات المحتاجة، لضمان أن يكون يوم العيد يومًا سعيدًا للجميع.
خاتمة: رمضان والعيد في إريتريا.. مزيج من الروحانية والتكافل.
رمضان في إريتريا ليس مجرد شهر للصيام، بل هو موسم تتجلى فيه أسمى معاني التضامن والمحبة، حيث يجتمع الناس على موائد الإفطار، ويُكثرون من العبادات، ويُحيون ليالي الشهر بالذكر والصلاة. ومع اقتراب عيد الفطر، تتحول الأجواء إلى فرحة غامرة تعكس الترابط الاجتماعي العميق بين أفراد المجتمع.
فرحة العيد في إريتريا لا تكتمل دون تبادل الزيارات، وصلاة العيد الجماعية، والأكلات التقليدية التي تجمع العائلات حول مائدة واحدة. وعلى الرغم من التحديات الاقتصادية التي تواجه البعض، إلا أن روح التكافل الاجتماعي تجعل الجميع يشعر بجمال العيد وبركته.
رمضان وعيد الفطر في إريتريا ليسا مجرد مناسبات دينية، بل هما تجربة روحية واجتماعية متكاملة تُظهر أجمل ما في المجتمع من حب وتآزر ومشاركة.