علي جمعة امين المكتبة عاشق الكتاب, الراحل هو ملهم مثقفي مدينة شهربان. من مسطبة مكتبة كامل ركاع الى رفوف المكتبة العامة. مع سيرة عاشق الكتاب هو امين المكتبة في المقدادية الاستاذ علي جمعة.
كل من سيقرأ هذا المنشور من أطفال زمن شهربان الجميل. تحديداً أبناء جيلي - أطفال الستينات - سيتنهد ويسحب حسره وربما تخونه عيونه فتنسكب دمعه أو دمعتين. ولوعة لأيام تشبه الخيال إن لم تكن هي الخيال ذاته.
من مكتبة كامل ركاع الى عاشق الكتاب علي جمعة مسافات.
جميعكم تتذكرون كيف كانت البنات تتوافد لتشتري مجلات المرأة المتوفرة آنذاك ~ ومنها مجلة الموعد المشهورة. التي كانت تهتم بالفن والسينما والممثلين وأزيائهم وقصصهم الغرامية وأخبارهم الفنية.
حتماً انتم تتذكرون كيف كان شباب شهربان المثقف يشترون من مصروفهم اليومي القليل. مجلة العربي والمجلات والصحف الرياضية وكيف كانت تعج بهم قاعة المكتبة العامة وأروقتها. حينها ستجد عاشق الكتاب علي جمعة بانتظارك هناك إنه امين المكتبة في شهربان.
ويذكرون آبائهم وكبار السن وإدمانهم على قراءة الصحف اليومية من الصفحة الاولى الى صفحة الوفيات. لقد كانت عادة قراءة الكتب إدمان أو شبه إدمان عند الناس من كلا الجنسين وفي كل مراحل العمر. من الأطفال إلى الشباب الى الكبار.
أهل شهربان الزمن الجميل كلهم مثقفين أطفالهم وبالغيهم ~ نسائهم ورجالهم ~ كانوا هم من يذهبون بأنفسهم للبحث عن المعلومة. فهي لم تصل إليهم دليفري جاهزة كما هو حاصل في هذه السنين.
الكتاب لم يعد المصدر الرئيس للمعلومة.
لم تكن تلك المعلومات هي من تدخل عليهم معلبة مرتبة في غرف نومهم من خلال وايرات شبكة الأنترنيت عن طريق محرك كوكل. أو محرك ياهو او من الفيسبوك او اليوتيوب او الانستكرام او شاشة التلفزيون. أو مزوره هابطه ومنافقه أو سياسيه مسمومه مبثوثه من آلاف من قنوات التلفزة والعشرات من الأقمار الصناعية.
و كونهم كانوا يتعبون كثيرا كي يجدوا المعلومة يجمعونها فإن لها طعم ثاني وتأثير ثاني وهي حتما أصيلة من مصادرها وغير مزورة او مكرره أو محوره. ليس هذا فحسب إنما كانوا أصدقاء القلم للتدوين وكتابة المذكرات تفصيليا.
كما ترون فان القلم الجميل الأثير كان أول ضحايا ثورة التكنولوجيا الحالية بعد أن ساد الزر او الماوس او مفاتيح الطبع في الحاسوب والموبايل والايباد. مع كل ما تقدم من متاعب مضنية ~ فأن أجيال زمن شهربان الجميل أكثر إنتاجا من أجيالكم الحالية. فترون أن خيرة المثقفين والأدباء والكتاب والعلماء ( أمهاتكم وآبائكم ) ينتمون الى جيل الزمن الجميل ~ فماذا تنتج الأجيال الحالية؟
منافسة ثقافة عند الذهاب الى المكتبة العامة.
كنا نذهب إلى المكتبة العامة كل يوم بنين وبنات كأننا نتنافس على الثقافة. هي ليست فقط منافسة ثقافه هي أيضا منافسة أناقة. الذهاب الى المكتبة العامة يعني التهيؤ ولبس أفضل الملابس. فالكل يلبس افضل ما عنده واهتمام كبير بالمظهر العام.
ما كان متوفر في دواليبهم من الملابس والاحذية ليس بالكثير ولم يكن من الماركات العالميه. لكنهم يعرفون كيف يرتبون بين الممكن وينسقون بين الألوان. وفعلا كما قالوا اعطي للأنيق كيس (كونية) سيتغير حالها وسوف يظهر أناقته (كشخه).
بدون اي مبالغه لقد كانت شابات وشباب شهربان في منتهى الأناقة ~ حين يمرون يجبرونك على الالتفات - شعر مرتب واحذيه تلمع تسر الناظرين. فهي مجرد زيارة إلى المكتبة لاستعارة كتاب. لكنك تراهم وكأنهم ذاهبون الى دور السينما او الى دار الاوبرا او الى حفلة عرس. فصارت الحالة وكأنها برستيج.
الأمر الذي رسخ لديهم احترام للمكتبة وصارت مع الايام وكأنها مكان مقدس لشباب شهربان. يستقبلهم امين المكتبة عاشق الكتاب علي جمعة, ذلك كان يحصل في يوم كانت قراءة الكتب هواية اغلب الناس. يوم كانت الثقافة منافسة ضارية بين بنات وأبناء شهربان.
أجيالا بنت ثقافتها وشخصيتها بالتعب المرير والسهر المضني فكان اعتيادي. عندما يسهر احدهم الى بعد منتصف الليل ليقرأ كتاب ليس له علاقة بمقررات المدرسة أو الجامعة. أنا أعرف أن البعض منكم سيقول ابن شهربان في كل شيء يدخل الحب. نعم اعترف بذلك ولا أخجل منه ولكن أؤكد لكم ما أقوله هو ما حصل بدون مبالغه.
أن طريق المكتبة العامة واستعارة الكتب اللازمة منها لإجراء بحوث الطلاب كانت سبيلا لقصص حب عنيفة! لكنها طاهرة وانتهت بعضها بالزواج. ولو بعد سنين عديدة ~ المهم أول قدحة كانت من هناك ~ من طريق المكتبة العامة أو من أمام بوابتها.
بداية تأسيس المكتبة العامة في المدينة.
تم أنشاء بناية المكتبة العامة في العام ١٩٥٩م. ولكن تم افتتاحها لاستقبال القراء في العام ١٩٦١م. وتعاقب على أمانة المكتبة العامة في المقدادية من يوم افتتاحها ولحد الآن اثنا عشر أميناً وهم كل من:-
- غضبان محمد كاظم ( ١٩٦١ - ١٩٦٤) .
- طالب الخشالي (١٩٦٤ - ١٩٧٠).
- علي جمعة مايوك ( ١٩٧٠ - ١٩٨٢ ) وموظف الإعارة هو السيد خالد عبدالله عياشي.
- فردوس لطفي غيدان جزء من العام ١٩٨٢.
- غضبان محمد كاظم جزء من العام ١٩٨٢.
- قيس عواد كاظم الخزرجي ( ١٩٨٢ - ١٩٩١) .
- بروين محمد غلام ( ١٩٩١ - ١٩٩٥ ).
- عبد الرضا خليفة كاظم الدليمي ( ١٩٩٥ - ٢٠٠٣).
- قيس عواد كاظم ( ٢٠٠٣ - ٢٠١٢ ).
- عبد الرضا خليفة كاظم الدليمي ( ٢٠١٢ - ٢٠١٣) .
- صالح عبد الكريم سليم ( ٢٠١٣ - ٢٠١٤ ) .
- معن عبد الحسين كاظم (٢٠١٤ - ٢٠١٥ ).
- ويتولى حاليا إدارة المكتبة السيد سعد عبد حسين مسير التميمي.
عاشق الكتاب الاستاذ علي جمعة امين المكتبة.
حسب معلوماتي فان الراحل الاستاذ علي جمعة هو ليس من أهل مدينة شهربان لكنه خدمها بحرص يضاهي حرص اخلص أبنائها. هو من قره لوص - مندلي. لا اعرف هل التسمية (قره لوس) هي قرية أم ناحية أم هي طائفة أو قبيلة. لكني أعرف أنها مرتبطة بقضاء مندلي واعرف كذلك حقيقة أخرى عنها ... هي ... لم تمدد مدينة شهربان بالإنسان المنتج مثلما فعلت قره لوس.
أذْ لم أقابل أو اسمع بشخص قره لوسي إلاّ تميز بصفتين أساسيتين هما: الطيبة - الوفاء الفائق وإتقان الحرفة. أي كانت تلك الحرفة سواء كانت عامل بناء عادي أو (معمار دار) بناء بيوت. أو صناعة الكليم السجاد الحصران وغيرها. وطبعاَ تفوقاَ باهرا في المهن والوظائف. أي كان نوع تلك الوظائف وخصوصاً مهنة التربية والتعليم ولن أذكر الأسماء كي لا أغفل أحدا منهم .
أنهم أوفياء لعراقيتهم ~ فهم يضعونها قبل الطائفة والقومية. كل من عاشرت منهم تركوا أثراً طيباً في نفسي منذٌ سنين طفولتي الى الآن. جميع الذين صادفتهم أو جاورتهم يقطرون حلم وحميمية وطيبه ~ واستطيع أن ادعي أنهم إضافة نوعيه الى مدينة شهربان. غير متيقِّن هل فعلا كل ناس قره لوس طيبين أم أنا محظوظ بإفراط .
إذ لم التقي بإنسان قره لوسي غير وفي أو غير مخلص. لقد تعرفت وصادقت الكثيرين خلال مسيرة حياتي فقط أصدقائي القره لوس ما زالوا على تواصل معي منذُ زمن الطفولة وإلى الآن. وبعد مرور عقود من الفراق وبينكم هنا العديد منهم. على صداقة مستمرة من زمن الطفولة الى هذا اليوم.
بدايات معرفتي بعاشق الكتاب الاستاذ علي جمعة.
ارتبطت بعلاقة صداقة حميمه مع هذا الإنسان الحميم. وقد كان هو من ابتدأها عندما اقترب مني بلطف شديد يوم كنت زائراً شبه يومي للمكتبة. ولن أنسى ما حييت أول جملة قالها لي " لقد التهمت كتبنا يا شاب فماذا نفعل؟
كانت لي علاقة مكتبية رائعة وتحولت الى صداقه. وحين تغربت في مطلع الثمانينات بقيت على تواصل مستمر من خلال المراسلة مع عاشق الكتاب الاستاذ علي جمعه امين المكتبة العامة. وقد أرسلت للمكتبة عدة رسائل علق صديقي الاستاذ علي جمعة قسم منها على جدار غرفته كما خبروني في حينها.
كان الأستاذ علي جمعة مهتم جدا بمثقفي المدينة وأدبائها من كلا الجنسين يتابعهم ويلم شملهم ويوفر لهم الكتاب والمعلومة ويتحاور معهم. وكم مرة دخلت المكتبة لأرى تجمع من كتاب وشعراء هناك حوله أو في رواق وقاعة المكتبة. لقد تعدى حدود وظيفته كموظف لإدارة شؤون المكتبة العامة الى كادر اجتماعي ومحاور ثقافي لمثقفي مدينة شهربان.
لقد حول الاستاذ علي جمعة بناية المكتبة وأروقتها من غرف ومخزن كتب إلى مركز ثقافي وبنك معرفي وصرح المثقفين العالي. هذا الإنسان الرائع لا يتكلم معك إلاّ الابتسامة على وجهه وما أجمل ابتسامته وهي تشع حميمية وترحيب حار. آخر مرة رأيته فيها محرر عرائض أمام مديرية مرور ديالى في بعقوبة.
الراحل الاستاذ علي جمعة راعي الثقافة ترك أثراً كبيراً وبصمة في مدينة شهربان لأكثر من عقد من السنين. فعلا يستحق تمثال أو شجره تزرع وتحمل اسمه في حديقة المكتبة العامة أو أمامها.
رحل عاشق الكتاب امين المكتبة المحبوب علي جمعة.أحبتي أهل شهربان الغوالي تذكروه وقولوا ما عندكم عنه وترحموا عليه.
ابن شهربان