recent
أخبار ساخنة

الكاتب والروائي والناقد داود سلمان الشويلي

Site Administration
الصفحة الرئيسية

كاتب وكتاب مع الزميل محمد الحسيناوي ضيف الحلقة الناقد داوود سلمان الشويلي إذاعة الوعد,الفرق بين النظام الشمولي والدكتاتوري د.عدنان ابراهيم,عبد الناصر و اشكالية الحرية و الدين.wmv,إشكالية العلاقة بين الحرية والتنمية,المعرفيون والأحزاب الشمولية,الديني و السياسي و إشكالية الحرية - مصطفى بن تمسك,لشعب العلمية واللغات. الحرية والمسؤولية. مشاهدة ممتعة,لتقى عمان الشعري السابع/ الأمسية السابعة,الكاتب والناقد داودسلمان الشويلي,امسية شعرية للشاعر الكبير كريم العراقي "
الكاتب والروائي والناقد سلمان داود الشويلي

الكاتب والروائي والناقد

داود سلمان  الشويلي

عزيزاتي أعزائي القراء الكرام أصدقائي صديقاتي مرحباً بكم.
دعونا نحتفي بالزميل والأخ والصديق بماذا يحب أن أدعوة! هل أقدم ما أفنى شبابه في خدمة الوطن؟ أم أقدم بما تجود أنامله من روائع ونتاج عامر في رحلة بين دفات وصفحات الكتاب بل بين الكلمات التي نسجها وصاغها بأسلوب دقيق ثلاثي الابعاد أحداث شخوص مرت مثل السراب أو ذكريات تنساب من بين دفات كتابة اتخذهم أبطال حكايته في غير زمانهم ومكانهم قد كانوا يعيشون معة بل بقوا في تلك المخيلة الخصبة التي تعطينا جرعة من الأمل وطريق أخر للنجاح أضافة الى النجاح المهني، لم تتعود مجلة شهربان الالكترونية أن تتدخل أو تضيف للمقال أي أضافة فأن الكاتب حر فيما يكتب من أفكار ولكن صديقي يستحق ذلك الترحيب والاحتفاء حين تتابعون المقال ستعرفون السبب! إنه الضابط المهندس والكاتب والناقد والقصصي والروائي الاستاذ داود سلمان الشويلي رحبوا معي بقامة من قامات الأدب العربي وروائي من الطراز الفريد وهو يكتب سيرته وحياته بما نضخ به حبر يراعة عن سيرتة الذاتية التي هي كالبحر كلما تغور فية تزداد تشوق لما يكتبه.
كلمة رئيس تحرير المجلة   


قال الكاتب فيما نشر على جدار صفحته سيرته الذاتية ويقول فيها:-

انجزت قبل فترة رواية، أو يمكن تسميتها رواية، تتحدث عن ابطال رواياتي منذ روايتي الاولى "أبابيل" التي صدرت عن دار الشؤون الثقافية العامة عام 1988 وحتى روايتي الاخيرة المنشورة في دار فنون في مصر بداية هذا العام، وقد التقيت ببعض شخوص رواياتي بعد الموت، أوهكذا تصورت اللقاء، وجرى بين الشخوص حديث طويل، وبينهم وبين خالقهم، الروائي نفسه، حديث عن اسباب اختيارهم وكيفية موتهم. الروايةبعنوان "الخزاف الماهر" تنشر متسلسلة في جريدة العراقية التي تصدر في استراليا، وهذا الفصل الاول من الجزء الاول. شكرا د. موفق ساوا.

رواية "الخزاف الماهر" الفصل الاول

داود سلمان الشويلي
"هل أنا جسد حلم إنه روح، أم روح حلم إنه جسد" 
محاجر عيون لا ترصد، وحفر آذان لا تسمع، وفتحات أنف لا تشم، وفجوة لسان لا ينطق، وسلاميات أصابع لا تتحسس، هذا عالمنا المكبلين به كالعبيد، هكذا بقينا، وهكذا سنبقى، لا أحد يأتي، ولا شيء يحدث، إلّا أن هذه اللحظة تراءت لي من بعيد كأنها حدثت للتو، وها أنا أحكيها لكم أعزائي القراء.
كل شيء خارج عن المألوف، لقد قضي الأمر، وكان هذا اليوم يبدو، رغم أن لا زمان ولا مكان في عالمنا الموحش في المقبرة، يوما عاديا بعد أن نهضت من رقدتي الأبدية، أو هكذا بدا لي، وتركت الأسلوب البدائي المنعزل في الوجود، كما كان جدنا الأول يعيش في حالته الإنعزالية، وكان جسمي متصلبا لأنني، وفي رقدتي الطويلة، بلا حركة ولا أي شيء، لأن لا شيء يذكر في هذا العالم، رقدتنا كانت في غاية النقاء وغاية الكمال، على الرغم من أن الجو خانق، أو هكذا يبدو، ولون فضاء المكان أسودا حالكا كالليل أو مثل الكحل، أو هكذا يبدو، ولا ثقب يتخلل منه ضوء الشمس، وفي عالم الشهادة، فإن العمل الوحيد الذي يذكر بعد ممات الإنسان هو ما كان يقدمه من عمل يفيد الإنسانية، وقد كان عملي في ذلك العالم هو ما قدمته من روايات، وكتب نقدية، وبحثية، وأظن أن هذه أعمال سيذكرها أبناء عالم الشهادة بعد انتقالي إلى عالم الغيب لفترة طويلة.
كان كل شيء صامتا، حتى الصمت تحوّل إلى صمت ثقيل، فكانت الأرض من تحتي، والسماء فوقي عذبتين، ساكنتين، مملوءتين بالصمت.
أوقظ ذاكرتي لأتذكر إن كان في هذا العالم ذاكرة، في ذاكرتي هذه كادت الصور المشوشة أن تتلاشى، إلّا أنها بدأت تتضح قليلا قليلا. فقد كانت في عالم الشهادة، العالم الدنيوي، محنة لا ككل المحن، وقد طالت كل شعوب العام، ومحنة أخرى طالت شعب العراق فقط، المحنة الأولى هي محنة مرض كورونا الذي أوقع شعوب العالم تقريبا في قبضة يده المميتة، فأنتقل الناس من عالمهم إلى عالمنا الأخروي، فأنسلت التكهنات بين الدراسات في الانترنت من أكثر من عقل وفكر، فمنهم من قال بالمؤامرة الأمريكية على الصين بسبب رغبتها إحياء طريق الحرير، ومنهم من قال إنها مؤامرة من الصين ذاتها حتى لو مات أكثر من مليون صيني، ضد الشركات الأمريكية والأوربية لتحيي اقتصادها، فربحت الصين كثيرا في شراء أسهم تلك الشركات التي رخصت في أزمة المرض، ومنهم، ومنهم، وهكذا، والمحنة الثانية هي محنة الثورة التي قام بها شباب وشابات العراق ضد الطغمة الفاسدة في شهر تشرين عام 2019، وفيها انتقل بعض الشباب إلى عالمنا أيضا، وقد طرحت ذلك في روايتي المنشورة أخيرا تحت عنوان "نخلة خوص سعفها كثيف".
أنا هنا، في كتابتي هذه، لا أريد إخباركم فقط بما حدث، وإنما أريد أن أجعلكم في هذه الظروف نفسها التي وقع تحت وطأتها شخوص رواياتي، لكي تعرفوا كيف أن معاناتهم كانت صميمية، وذات ثقل مميت. لقد غربت شمسهم، وأعتمت الدنيا في ناظرهم، كما غربت شمسي، وأعتمت الدنيا في ناظري.
عندما وصلت إلى "المسنّاية" المقابلة لمندي الصابئة الذي يحمل منحوتة على شكل ريليف "للدرفش" رمزهم الديني، بعد أن وصلني نداء يدعوني إلى رحلة نهرية إلى البساتين، وفرحت، وسررت بها، كدت أطير، وبلمح البصر وجدتني قرب المسنّاية. تراءت لي مدينة الناصرية مدينة بيضاء، مثل غيمة لامعة في وجه الزمن، وعلى بُعد أكثر من مئة متر عن المسنّاية توجد آثار بناية حمام النساء الذي بابه يفتح على نهر الفرات. وكذلك آثار بناية "مكينة" طوبيا لصنع الثلج، وطحن حبوب الحنطة والشعير، وقد أصبحا أثرا بعد عين. كان هناك، على سطح ماء النهر، "بلم" قعره عريض، وقد عمّت فيه حركة أفراد الجمع الخيّر الذين توزعوا عليه بين جالس على حافاته الجانبية، أو جالس على عوارضه الخشبية، وبين الواقف في منتصفه، أو الجالس في قعره، حملهم جميعا، ولم يترك أحدا، وما زالت آثار الرقاد على عيونهم واضحة، بيّنة، وهي في سبيلها إلى الإيقاظ القسري. حتما إنهم لم يتدافعوا في الركوب، أو يتنافسوا في الحصول على مكان مميز. إنهم هادئون. كانت أجسادهم نحيلة إلّا أنها تبدو في كامل صحتها. أخذ كل واحد منهم مكانه في البلم الذي هُيئ لنا مسبقا ولم أسأل عمن هيأه، كان يضمنا كلنا أنا والجمع الخيّر، جلس الصبي "فائز" في المكان المخصص لمن يمسك "الدفّة"، فيما أخذ كريم مكانه واقفا وبيده "مردي" الدفع، وكلنا لن نرضى بوجود بشر، أو حيوان، أو نبات. ولم نر واحدا من أولئك أبدا، لأن الذي نراه غير معروف في أنه حقيقة أو خيال متصوّر.
كان كل الذين حضروا، حضروا من خلال صرخة واحدة أنهضتهم من رقدتهم، فيما أنا أعيش حلمي، حلم جميل، ومستمر، وهل أنا أفقه ما الحلم؟ شملتهم بنظرة من عينيّ الكليلتين بسبب نزول الماء الأبيض فيهما، الناضحتين بالحب والثقة، أو هكذا كانت، فلا ترى إلّا القريب منها بصورة ضبابية. تفحصت الوجوه بدافع غريزي تعودت عليه في عالم الشهادة، عالم الحياة، فوجدتها تعكس ملامح الحذر من الآخر. إلّا أن وجهي لم يعكس تلك النظرة المرسومة على وجوه الجمع الخيّر كوني عرفت كل أفراده.
الجمع الخيّر كله مات وشبع موتا ولم يحدث له شيء، رقد رقدته الأخيرة بعد أن عاش القليل، أو الكثير، من السنوات ولم يعرف أكانت سنواته حلوة أو أنها مرّة لا تطاق، خرج منها بجسم كامل أو بجسم ناقص الكثير من أجزائه كما هي صباح، بطلة روايتي "المأساة"، وكما هو النقيب الطيار ياسين عبد الرحمن الذي لم يجد له أهله جزء من جسمه، وهو بطل روايتي "أبابيل". خرج الجميع وهم غاضبون على سنوات حياتهم وهم أحياء، ولم يدروا أن ذلك سيحدث لهم، لم تقف الحياة لموتهم، إن كان ذلك في الرواية أو كان ذلك في الواقع، والحقيقة، كل شيء سار كالمعتاد اليومي، هذه هي الدنيا تنفّذ ما تمليه عليها أسباب أفعال الحياة، لا تنطبق على الموتى كما يقال: (( وَتَرَى النَّاسَ سُكَارَى وَمَا هُمْ بِسُكَارَى وَلَكِنَّ عَذَابَ اللَّهِ شَدِيدٌ ((، لم يشملهم عذاب ما، لا في القبر ولا فيما بعده، إنهم أموات لا يسمعون، بل لا يعرفون أي شيء.
لا توجد في هذا الكتاب شخصيات وهمية، ولا أي حدث وهمي، إذ أن الأسماء، والأشياء، والأحداث، والأمكنة، هي مسميات بما كان يطلق عليها في الحقيقة، وما يتداول عنها في الواقع، ولكنها مخزونة في ذاكرتي المخيالية النشطة.
تذكرت، إن كانت للميت ذاكرة حية، عندما كنت في الصف الأول، أو الثاني المتوسط، إني اكتشفت البهجة التي تخلّفها الكلمات في الروح، من خلال القراءة. واليوم صار لي سنوات طويلة عندما نشرت لي دار الشؤون الثقافية العامة روايتي الأولى "أبابيل" عام 1988، وهي تتحدث عن زملائي الضباط الطيارين، والمهندسين، والفنيين، في سرب/29، إذ كان عمري وقت ذاك ستة وثلاثون عاما، هذا العنوان مأخوذ من اسم طائر ذكر في القرآن في سورة الفيل، ووجد في نحت جداري "ريليف" آثري من العهد الآشوري على شكل طير يحمل حجارة صغيرة، وهو يتقدم إلى الأمام فوق رؤوس الجند. وكانت الدار نفسها قد نشرت لي مجموعة قصصية بعنوان" طائر العنقاء" مع الرواية في الوقت ذاته، ويذكر طائر العنقاء في خرافات وأساطير كثيرة، هذا الطائر الذي يُحرق ويموت ومن رماده ينهض من جديد، وتذكرنا هذه الأسطورة بأسطورة دموزي السومرية، وعشتار، إنه يرمز للخصب وتجدد الحياة. وقبل هذه الرواية، والمجموعة القصصية، صدر لي كتاب بحثي عن الفولكلور العراقي عام 1986، وكان بعنوان "القصص الشعبي العراقي في ضوء المنهج المورفولوجي" من الدار نفسها، ومن ضمن منشورات الموسوعة الصغيرة.
كان عملي في الكتب الثلاثة المذكورة أعلاه صعبا جدا، لكوني كنت ضابطا مهندسا في زمن الحرب بين العراق وإيران، فكان وقتي موزعا بين عملي على الطائرات، وبين واجباتي العسكرية الأخرى، وواجباتي العائلية، وبين الكتابة والقراءة الأدبية.
كان أبطال روايتي، وقصصي، والتي كتبت جلّها في دولة الأردن التي بقيت فيها أكثر من شهرين بداية الحرب، مستلين من الواقع العياني، إذ جعلت من زملائي الضباط، والمراتب، في السرب هم أبطال رواياتي، ولهم صلة بالكاتب.
في عام 1989 بدأت بكتابة روايتي الثانية "التشابيه" والتي أعدتُ كتابتها أكثر من مرة ولم أنشرها إلّا في عام 2019، ومن ثم بدأت في عام 1990 بكتابة روايتي الثالثة "طريق الشمس" ولم تنشر إلّا في عام 2001 عن دار الشؤون الثقافية العامة.
وفي عام 2008كتبت روايتي القصيرة الرابعة "حب في زمن النت" التي ما زالت مخطوطة، وفي العام نفسه كتبت روايتي السادسة "أوراق المجهول" التي نشرتها عام 2018، وفي عام 2009كتبت روايتي القصيرة أيضا الخامسة "المأساة" وهي مخطوطة، وكتبت روايتي السابعة "الهاوية" عام 2019 وهي مخطوطة، وروايتي الثامنة "نخلة خوص سعفها كثيف" عام 2019، والتي نشرت على صفحات جريدة "العراقية" التي تصدر في استراليا، ثم نُشرت ككتاب ورقي في مصر وصدرت عن دار فنون للنشر والطباعة والتوزيع في شهر ك2 من عام 2020، وكتبت روايتي التاسعة "حكايات مدينتي الثلاث" عام 2020 وهي مخطوطة، وكتبت روايتي العاشرة "كمامة بيضاء وقفاز أزرق" وهي مخطوطة وقد نشرت على صفحات جريدة العراقية. 
ما زلت أذكر وأسمع أقوال أبطال رواياتي، وما زالت عناوين الروايات باقية في ذاكرتي، إن كانت لنا ذاكرة في هذا العالم، عالم الغيب، وليس بودي أن أغيرها مهما كانت الأسباب.
كتبت الكثير من الكتب الأدبية في النقد، منها: "القصص الشعبي العراقي ضمن المنهج المورفولوجي"، وكتاب "ألف ليلة وليلة وسحر السردية العربية"، وكتاب "الذئب والخراف المهضومة"، وكتاب "الجنس في الرواية العربية"، وكلها منشورة، وكتب أخرى ما زالت مخطوطة مثل: "الطبيعة في شعر أبي تمام"، وكتاب "إشكاليات الخطاب النقدي العربي الحديث"، وكتاب "أسئلة السرد – دراسات في القصة القصيرة والرواية"، وكتاب "أسئلة الشعر- دراسات نقدية في الشعر"، ومجموعة قصصية بعنوان "أحلام المغني الصغير"، وكتب أخرى لم تُطبع بعد ولكنها منشورة في الصحف، والمجلات، والمواقع الالكترونية.
أنا أكتب كهاوي كتابة لا كموظف، وظيفتي ضابط مهندس في القوة الجوية العسكرية، كمعلم أولا في مدرسة الصنائع الجوية، ثم كضابط مهندس جوي على طائرة اليوشن، وبعدها كضابط مهندس على الطائرة الحربية نوع ميڴ 23 بي أن، ( MIG – 23 BN)
***
في كثير من الأحيان أعود بذاكرتي إلى أول مرة كتبت فيها، وأول مرة قرأت فيها، إلّا أنني لن أنس تلك اللحظات الجميلة التي عرّفتني على الأدب والسباحة في بحره الواسع والعميق.
***
لولا وظيفتي لما اشتريت كتابا واحدا، فقد كان ربع راتبي يصرف على شراء الكتب، وبعد التقاعد كان راتبي التقاعدي هو المعين لي، لأن مهنة الأدب في العالم العربي لا "توكّل خبز" كما يقال، إّلا لفترات قصيرة عندما تستلم من بعض دور النشر الحكومية خاصة مكافأة التأليف، فقد استلمت أكثر من مرة من دار الشؤون الثقافية العامة في العراق عن نشر كتبي الأربعة، واستلمت من اتحاد الكتاب العرب في دمشق مكافأة نشر كتابي "ألف ليلة وليلة وسحر السردية العربية"، واستلمت من الشارقة مكافأة عن نشر الكتاب نفسه في طبعته الثانية، وكذلك استلمت مكافآت من بعض الصحف والمجلات قبل عام 2003، وبعض المجلات بعد عام 2003.
إن الاعتماد على الكتابة والنشر ليست مهمة سهلة في الوطن العربي فحسب، إذ حتى بعض الكتّاب في العالم يجدون صعوبة كبيرة في العيش من الكتابة الأدبية، مثل تولستوي (اعترافات تولستوي- تر: محمود محمود)، ودوستويفسكي ( الرسائل ج1 ج2 ت: خيري الضامن)، وجابريل غارسيا ماركيز (مجلة نوافذ- نادي جدة الأدبي- ع/ 23 مارس 2003م - ترجمة: مزاور الإدريسي)، وجراهام جرين (تجربتي في كتابة الرواية- ت:أحمد عمر)، وأكيرا كوروساوا في كتابه (عرق الضفدع – تر: فجر يعقوب – منشورات المتوسط – ايطاليا - 2017) وغير ذلك.
إن الكثير من الناس لا يشكّون بأن الضابط الطيار ياسين عبد الرحمن في روايتي "أبابيل" قد استشهد عندما ضربت طائرته على أرض العدو، وكذلك لا يشكّون في أن "كريم" قد استشهد في ساحة التحرير عندما ضربت رأسه قنبلة دخان في روايتي "نخلة خوص سعفها كثيف"، إلّا أن الناس يشكّكون في أن الرئيس العراقي صدام حسين قد القي القبض عليه، كما تظهر الصور، في الحفرة، أم كان يصلي، كما قال محاميه؟ وهكذا أبطال روايتي عندما تدخل مخيالي وتخرج منه تبقى محتفظة بشيء من واقعها الذي أتت منه، ولا تمسخ مسخا تاما. 
لنتساءل: من أين يأتي الكاتب، الروائي، أو القاص، أو المسرحي، أو الشاعر، وحتى كاتب العمود الصحفي، بأبطاله؟ لا جواب عن هذا السؤال، لأن الإجابة ستكون مختلفة، إلّا أني سأجيب عنه، وأقول: أأتي بأبطال رواياتي وقصصي من الواقع المعاش والحقيقي، وألبسها لبوسا من خلال إدخالها في أتون مخيالي، فتخرج مرتدية لبوسها الخاص الذي يجمع بين ما هو واقعي/ حقيقي، وبين ما هو خيالي/ متصوّر، لهذا تجد أولئك الشخوص مثل شخوص حكاية "أولاد حواء المختلفون" كما ذكرت في كتاب "حكايات الأخوين كريم - تر:د. نبيل الحفار- دار المدى – 2016، "، فمنهم القبيح ومنهم الجميل، نعم وشخوصي كذلك هكذا، فمنهم الخيّر ومنهم الشرير، ومنهم الجيد ومنهم السيئ، ومنهم الذي يمتلك أخلاقا وقيما رائعة ومنهم من يمتلك أخلاقا وقيما رديئة، إنهم من المجتمع، والمجتمع يضم الجميع.
نحن مثل اليهود في البرية حيث يبدأ تيههم وينتهي وهم يحملون وعد الله معهم كما تزعم الأساطير التوراتية، نحن كذلك نحمل ذكرياتنا معنا، مدافة في روحنا الباقية بعد الموت، حسب الكثير من الأديان، وأجسادنا الميتة، كاليهود، ولكننا نختلف عنهم، إذ إنهم يؤمنون بأسطورة وعد الله، ونحن نؤمن بالذي رسمه الواقع والحقيقة، أو كتبه، إذا كان في عالم الحياة، عالم الشهادة، أشياء ميتة، ففي عالم الغيب، العالم الأخروي، أشياء حية، نابضة بالحياة، كما أنا والجمع الخيّر هذا، نحن عند اجتماعنا نشكل شيئا حيا، ننبض بالحياة، نكّون المستحيل، والممكن التكوّن، وهو عالم سنتعرف عليه في الفصل الأخير من هذه الرواية. 
قبل مئة عام تقريبا كان العراقيون يعيشون، يولدون، ويكبرون، ويتزوّجون، ويخلّفون، ويأكلون، ويشربون، ويعملون، ويشترون، ويبيعون، وهم بين الأساطير والخرافات ينامون، ويستيقظون، وكأنها دنياهم التي خلقوا من أجلها، ومن أجلها سيموتون.
تركت ذلك العالم لأكون في العالم الآخر، عالم عام 2100، متحررا من كل شيء، حتى من جلدي، وأعرف جيدا أنه عالم يسقط فيه الزمن ولا يحسب له حساب، لقد توقف الزمن بالكلية، والمدينة التي أنا فيها معلقة في الأبدية، لا شيء فيها يتحرك، ولا أكتمكم سرا إذا قلت إنني قد متّ منذ زمن طويل، ولم أكن الأخير لأن هناك من دفنني بعد الممات، ووضعني في هذه الحفرة الضيقة، فأنا لم أكن الميت الأخير، في هذا العالم، إذ كُشف عني الغطاء، وتحول الشعور عندي إلى أمر نسبي، حدث لي وكأن الأمر مفاجأة، أو كما في الخرافات، والأساطير، ولتكن كذلك، وبعض الناس كالجنّ، أو يفوقونهم في الحيلة، وأذى الآخرين. قمت من القبر كما قام الكثير من الموتى، وكما جاء في الأساطير إن السيد المسيح قد قام في اليوم الثالث من دفنه من القبر ورُفع إلى السماء. ومقولة المسيحيون ما زالت تترد عاليا (هليلوليا إنه قام، قام المسيح)، أما أنا، أو نحن، فقد عدنا إلى عالم الشهادة، أو هكذا خيل لي ولنا، وكنت أود التنزّه، والترفيه عن نفسي في أماكن كنت أرتادها في حياتي في عالم الحياة الواسع الاتجاهات، والمرامي، والغايات، العالم الجميل، والقبيح، عالم النهب، والسلب، عالم الزواج، والطلاق، عالم كل شيء ايجابي، وكل شيء سلبي، أما عالمنا الآخر، عالم الغيب، فإنه عكس ذلك، ولا ينبغي له أن يكون مثل العالم الحياتي، عالم الشهادة.
كنت ذاهبا في سفرة نهرية، أو هكذا دعوني لها، إلى منطقة مزدهرة بالنخيل، والخضرة، والطيب أهلها كالتفاح الأخضر، أو التمر الذي ينتجه نخيلها، والغافية على نهر الفرات الذي ماؤه مالحا، ولم يكن عذبا كما جاء في المصادر والمراجع، وذلك لأنه يمر بعد محافظة المثنى بمنطقة كلسية مالحة فيصير عندها الماء مالحا، ومجّا، ويختلف مذاقه عن ماء الفرات الجاري في شمال محافظة المثنى حتى مصادره في تركيا. كان الفرات ينساب على هواه، إلّا أنه قد امتلأ كثيرا فبدا وكأنه إلى الفيضان أقرب، كان غير منتبهٍ لنا. 
كان ضوء ذلك اليوم، أو ما يمكن أن نسميه يوما، كشيء مريض، أبيضا مصفرا باهتا، لا شهيق ولا زفير، لا شمس تثقل الطرقات، ولا برد أو حر، لا مطر، ولا رياح، إلّا أن الفضاء مضيء ويمكن أن ترى كل شيء بوضوح دون نظارات طبية، أو منظار ليلي.
وأنا أسير إلى هدفي "المسنّاية"، كنت أستمع لهذه الأغنية في ذهني المتقد:
(إذا رغبت أن تولد من جديد،
فلا بد لك أولا من أن تموت.).
وأنا ميّت منذ زمن، أنهض من جديد كما نهضت العنقاء من الرماد، ولا أعرف كيف نهضت، ربما أنا في حلم، وهل الأموات يحلمون؟ سؤال وجيه أطرحه على نفسي، أو كنت مثل ذلك الفيلسوف الصيني الذي حلم أنه صار في الحلم فراشة، وعندما استيقظ تاه ولم يعرف إن كان في الأصل إنسانا، حَلَم أنه صار فراشة، أو أنه فراشة حلمت أنها صارت إنسانا؟ وهل الفراشة تحلم؟ سؤال ثاني وجيه. أو أنا مثل غريغور سامسا بطل رواية "المسخ، أو الانمساخ، أو التحول – حسب الترجمات" لكافكا، الذي وجد نفسه حشرة كبيرة عندما استيقظ صباح يوم ما.
كان ذهني هو الذي يغني بصوت عذب، وجميل، وكنت منتشيا، فقد كانت أوتار صوتي كما في الحياة الدنيا محتفظة بعذوبتها، وصفائها، وقوتها، تائها في جو مفروش بالخضرة، والأزهار، والورود الملونة، وتحلّق فيه طيورا ملونة، هكذا تراءى لي، غبت عن الوجود في عالمي هذا، إلّا أن ضربة بالكتف غير مدبّرة، أو مفكّر فيها، وهل هناك تفكير يعمل؟ سؤال ثالث وجيه، أو متكلم فيها، وهل الكلام موجود وشغال في عالم الغيب؟ سؤال رابع وجيه، قد أخرجتني من الغياب والتوهان الذي كنت فيه، إلى الانتباه المعلن، والواعي وعيا أخرويا.
وقفت عند "المسنّاية" المقابلة لمنطقة الصابئة بالقرب من الجسر الخشبي الذي أتذكر أنه قد أصابته الطائرات الأمريكية عند العدوان على العراق عام 1991، وقد مات عليه - كما أتذكر- بائع الصحف الذي عبر من الصوب القديم إلى الصوب الجديد ليأتي بالصحف اليومية القادمة من بغداد، والتي تضم أخبار العدوان على العراق. 
كنت لا أرى فرحا مثل هذا الفرح، على الرغم من أنني لا أعرف معنى كلمة فرح في العالم الآخر، والذي جاء به هذا التجمّع بدعوة وصلتني من أحدهم. في هذه "المسنّاية" "بلم" متوسط السعة، ومجموعة من الناس، رجالا ونساءً، مسطّرون فيه وهم ينتظرون شخصا ما. أنا لا أعرف مَن ينتظرون، إلّا أن الضابط الذي كان في حياته الدنيوية أكثر مثالية، راحة وأمان، مما هو عليه ألآن، بعد أن حلّ الحاكم الأمريكي للعراق بعد غزوها عام 2003 الجيش العراقي البطل، مما اضطره إلى الرحيل لأمريكا، اللواء الطيار الركن سيف الدين الناصر، بعد أن رحب بي، قال لهم:
- يا جماعة الرائد وصل.
عندها عرفت إنهم بانتظاري.
طفت ببصري بينهم، مددت يدي لهم لأسلم على كل واحد منهم، هم ينادونني بالأستاذ، وضع اللواء الطيار الركن سيف الدين الناصر حدا لتأملاتي عن هذا الجمع الخيّر، فسألني قائلا:
-هل تعرفهم؟
قلت له وأنا أحدق في وجوههم الصفراء من كثرة الرقاد الطويل تحت طبقات من التراب، وما زالت القماشات البيضاء الحاملة لذرات التراب تحيط بأجسامهم كما يخلف الثلج النازل لون جذوع الأشجار بنيا داكنا أو أسودا، في غابات روسيا:
- أعرفهم كما أعرف أي شخص من خلف زجاج نظيف كالبلور.
تحول كل شيء في المدينة إلى دخان أبيض، وتلاشوا بلمح البصر، ولم يبق سوى البلم، والنهر، والنخيل، والجمع الخيّر.
كانوا بلا ظل، كانوا داخل ظلِّهم.
********
بقلم الكاتب والناقد
 داود سلمان الشويلي
google-playkhamsatmostaqltradent