recent
أخبار ساخنة

رحلة اليورانيوم الإيراني: من التعدين إلى التخصيب

Site Administration
الصفحة الرئيسية

 رحلة اليورانيوم الإيراني: من التعدين إلى التخصيب

إن رحلة اليورانيوم الإيراني تمتد لأكثر من 20 عامًا، وشهدت استثمارًا هائلاً في المال والجهد. هذه الرحلة، التي قد تحدد مصير إيران كقوة إقليمية أو مجرد ذكرى في كتب التاريخ، تبدأ بمرحلة التعدين.

تُعدّ مرحلة استخراج اليورانيوم الخام من الأرض ليست مجرد عملية تقنية أو لوجستية، بل هي مرحلة سياسية واستراتيجية بامتياز. منذ البداية، رأت إيران أن الاعتماد على استيراد اليورانيوم الخام من الخارج يمثل نقطة ضعف. لذلك، وضعت هدفًا واضحًا منذ البداية لامتلاك السلسلة بأكملها، من باطن الأرض حتى وضعه على رأس الصاروخ.

رحلة اليورانيوم الإيراني: من التعدين إلى التخصيب
رحلة اليورانيوم الإيراني: من التعدين إلى التخصيب

بالفعل، بدأت إيران في توسيع عمليات التعدين على أراضيها بشكل كبير، خاصة بعد عام 2022. تم تنفيذ ذلك على عدة محاور:

  • منجم سغند في يزد: يُعدّ هذا المنجم حاليًا مسؤولًا عن حوالي 30% من إنتاج اليورانيوم الخام داخل إيران، وهو رقم ضخم بالنسبة لمنجم واحد. ومع ذلك، فإن جودة الخام المستخرج منه ضعيفة جدًا، حيث تصل نسبة أكسيد اليورانيوم إلى 0.05%، وهو أقل من الحد التجاري المقبول عالميًا (الذي يبدأ عادة من 0.2%). وعلى الرغم من ذلك، استمرت إيران في تشغيل المنجم بالرغم من التكلفة العالية والاستهلاك الكبير للطاقة، مما يشير إلى أنهم يعملون بمنطق الاستقلال الاستراتيجي قبل الجدوى الاقتصادية.
  • مجمع نارغان للتعدين الصناعي: في السنوات الأخيرة، واصلت إيران توسعها وافتتحت هذا المجمع، ووصفوه بأنه أكبر منجم لليورانيوم لديهم.
  • مجمع شهيد بكري الجديد: بدأت إيران أيضًا في بناء مجمع جديد في غرب أذربيجان باسم "شهيد بكري".

تشير جميع المؤشرات إلى أن هذا المشروع ليس اقتصاديًا، بل يُبنى بمنطق أمني. تسعى إيران إلى أن تكون مكتفية ذاتيًا بنسبة 100% حتى لا يتمكن أحد من الضغط عليها دوليًا، كما حدث عندما اشتروا في الثمانينيات 531 طنًا من "الكعكة الصفراء" من جنوب أفريقيا، وهو ما كان استثناءً.

تكتيكات ايران الحفية لانتاج القنبلة النووية

يبدو أن إيران قد غيرت تكتيكاتها لتقليل قدرة الغرب على تتبع إنتاجها النووي. فمنذ عام 2019، بدأت الجمهورية الإسلامية في استخدام أساليب جديدة. فبعد أن كانت تنقل الخامات من المناجم إلى المصانع، مما كان يسهل رصده عبر الأقمار الصناعية، أصبحت الآن تستخدم طرق استخلاص مباشرة داخل المنجم نفسه. وهذا يتيح لها معالجة الخام في الموقع دون الحاجة إلى نقله، مما يجعل رصد التحركات أو تقدير الكميات الداخلة في الدورة أمراً بالغ الصعوبة. وبدلاً من تتبع الشاحنات المتحركة، أصبحت العملية شبه مغلقة داخل كل منجم.

"الكعكة الصفراء": نقطة التحول

في هذه المرحلة، يتحول اليورانيوم، الذي يبدأ كصخور ترابية في باطن الأرض، إلى مسحوق مركز يُعرف باسم "الكعكة الصفراء". هذه المادة تبدو عادية من الخارج، لكنها تحتوي على نسبة تركيز عالية من أكسيد اليورانيوم، مما يؤهلها للانتقال إلى المرحلة الأكثر خطورة في دورة الإنتاج: التحويل إلى غاز. هذا الغاز هو الشكل الوحيد الذي يمكن إدخاله في أجهزة الطرد المركزي وتخصيبه في المرحلة التالية.

مجمع أصفهان: عنق الزجاجة النووي

تخرج "الكعكة الصفراء" من مصانع الطحن لتتحول إلى غاز قابل للتخصيب. وهنا، يجب أن تنتقل هذه "الكعكة" إلى مكان واحد محدد للغاية في البرنامج النووي الإيراني، وهو مجمع أصفهان، وبالتحديد منشأة جديدة تُدعى "مركز تحويل اليورانيوم". تعتبر هذه المنشأة عنق الزجاجة للبرنامج بأكمله، حيث لا يمكن إجراء التخصيب بدونها، ولا توجد منشأة أخرى تؤدي دورها. 

وذلك لأن "الكعكة الصفراء" يجب أن تمر بمراحل معالجة كيميائية متعددة لتحويلها إلى غاز يُسمى سداسي فلوريد اليورانيوم (UF6​). هذا هو الشكل الوحيد الذي يصلح للدخول إلى أجهزة الطرد المركزي وبدء عملية التخصيب.

تتم عملية التحويل هذه من خلال سلسلة من التفاعلات الكيميائية المعقدة، تبدأ بتنقية "الكعكة" نفسها، ثم تفاعلها مع مواد مثل حمض الهيدروفلوريك، حتى تصل إلى شكل غاز قابل للتبخير والنقل والتخصيب. هذه ليست مجرد إجراءات صناعية، بل هي نقطة التحول الرئيسية في رحلة اليورانيوم، والتي بدونها لا يمكن إجراء التخصيب.

كشف النقاب عن خطة النقل الإيرانية

يكشف الملف الإيراني عن تفاصيل مهمة في هذا الصدد. على سبيل المثال، في يناير 2019، أعلنت إيران رسمياً أنها نقلت 30 طناً من "الكعكة الصفراء" من مصنع أردكان إلى مركز التحويل في أصفهان. هذا الرقم بحد ذاته كبير، ولكن الأهم أن هذا النقل كان جزءاً من خطة متكاملة لإعادة تشغيل القدرة التخصيبية بعد الانسحاب الجزئي من الاتفاق النووي مع أمريكا والغرب في عام 2015.

تنتج المنشأة نفسها الكمية المطلوبة من غاز اليورانيوم الذي تغذي عليه أجهزة الطرد المركزي في نطنز وفوردو. ومن الجدير بالذكر أن أصفهان لا تضم فقط منشأة التحويل هذه، بل هي مجمع ضخم يضم منشآت أخرى لتصنيع أجزاء من أجهزة الطرد المركزي نفسها، بالإضافة إلى مصانع لإنتاج ألواح الوقود النووي. 

وهذا يجعل أصفهان بأكملها نقطة استراتيجية حرجة؛ فإذا تعرضت لضربة أو تعطلت، سيتوقف البرنامج بأكمله، حتى لو كانت المناجم تعمل والمفاعلات جاهزة. وقد اتضحت هذه النقطة جلياً عندما كانت أصفهان من أوائل الأهداف التي تعرضت للضرب في الهجوم الأمريكي الإسرائيلي في يونيو 2025، لأنها ببساطة تمثل منتصف الخط، وإذا قُطع، يصبح كل ما بعده بلا معنى.

من "الكعكة الصفراء" إلى تخصيب اليورانيوم

مع انتهاء هذه المرحلة، تتحول "الكعكة الصفراء" إلى غاز جاهز للدخول إلى أجهزة الطرد المركزي لبدء عملية التخصيب. وهنا سينتقل من مجمع أصفهان إلى المفاعلات في نطنز أو فوردو. ومن المهم الإشارة قبل الانتقال إلى المرحلة الثالثة، أن منتجات المرحلتين الأولى والثانية ليست مشعة بشكل خطر، وبالتالي فإن ضرب هذه المنشآت لن يتسبب في انتشار تلوث إشعاعي، ولكنه قد يسبب تلوثاً كيميائياً يسمم من يتعرض له.

تخصيب اليورانيوم: أخطر مرحلة

وصلنا الآن إلى المرحلة التي يبدأ فيها تخصيب اليورانيوم، وهي أخطر مرحلة في دورة الوقود النووي. لقد تحولت "الكعكة الصفراء" إلى غاز، وتم تعبئة هذا الغاز في أسطوانات خاصة، وانتقل من منشأة التحويل في أصفهان إلى منشآت التخصيب الرئيسية في نطنز وفوردو.

أول ما يجب فهمه هو أن عملية التخصيب هنا ليست هدفها إنتاج سلاح مباشرة، لكنها هي التي تمكّن من ذلك إذا اكتملت. التخصيب يعني زيادة نسبة اليورانيوم الذي يمكن أن ينفجر في العينة. في الطبيعة، تبلغ هذه النسبة حوالي 0.7%، بينما تحتاج مفاعلات الكهرباء إلى تخصيب يتراوح بين 3% و 5% تقريباً، وهذا ما يُطلق عليه "نسبة الاستخدام السلمي". أي نسبة تتجاوز ذلك لا تُخصص للاستخدامات السلمية، وإذا أردت الوصول إلى مستوى السلاح النووي، فيجب أن تتجاوز 90%.

إيران على بعد خطوة من السلاح النووي

تمكنت إيران رسمياً من الوصول إلى مرحلة 60% تخصيب، وهذا بحد ذاته يعتبر قريباً جداً من خط الـ 90%. وذلك لأن النقلة الأهم هي الزيادة من 0.7% إلى 20%، حيث تستغرق جهداً هائلاً، لكن من 20% إلى 60% ثم من 60% إلى 90%، تصبح العملية أسرع وأسهل. وهذا هو السبب الذي يجعل العالم يرى أن 60% هو الخط الأحمر الحقيقي.

أجهزة الطرد المركزي: تقنية التخصيب

يتم التخصيب نفسه باستخدام أجهزة تُسمى "الطرد المركزي". هذه التقنية ليست جديدة، فقد بدأت في ألمانيا منذ زمن، لكن إيران حصلت عليها بطرق ملتوية من سوق السلاح النووي السري، خاصة من شبكة العالم عبد القدير خان، الذي كان مسؤولاً عن البرنامج النووي في باكستان.

كان أول طراز استخدموه هو IR-1، وهو تصميم بدائي جداً وغير مستقر، ومع ذلك عملوا به لسنوات طويلة. بعد ذلك، قاموا بتطويره بأنفسهم من خلال بحث علمي عميق، ووصلوا إلى طرازات أخرى مثل IR-2m و IR-4، وأخيراً IR-6، الذي يعتبر حالياً الأهم في التشغيل.

يعمل هذا الجهاز بفكرة بسيطة جداً: أسطوانات تدور بسرعة هائلة تصل إلى عشرات الآلاف من الدورات في الدقيقة. وعندما يدخل الغاز إلى الداخل، تدفع القوة الطاردة اليورانيوم الأثقل (الذي لا ينفجر) نحو الخارج، بينما يظل اليورانيوم الأخف (الذي ينفجر ويستخدم في الطاقة والأسلحة) في المنتصف. تتكرر هذه العملية آلاف المرات في سلسلة مترابطة، وفي كل مرة تزداد النسبة تدريجياً حتى يتم الوصول إلى التركيز المطلوب.

حتى بداية عام 2025، كان لدى إيران حوالي 18 إلى 20 ألف جهاز طرد مركزي مثبت، من ضمنها أكثر من 14 ألف جهاز من الطرازات المتقدمة. والأهم من العدد هو النوع، لأن الأجهزة الحديثة هذه كفاءتها أعلى بثلاث إلى خمس مرات من الأجهزة القديمة، مما يعني أنهم لا يحتاجون إلى آلاف الأجهزة لتحقيق نفس الهدف.

لقد أصبح إنتاج كيلوغرام واحد من اليورانيوم المخصب أسرع وأقل تكلفة بشكل ملحوظ. فوفقًا للأرقام التي أعلنتها الوكالة الدولية للطاقة الذرية في مايو 2025، امتلكت إيران حوالي 408 كيلوغرامات من اليورانيوم المخصب بنسبة 60%. هذه الكمية تكفي نظريًا لصنع ما بين 9 إلى 10 رؤوس نووية إذا تم تخصيبها حتى نسبة 90%. 

والأخطر من ذلك، أن إيران كانت تنتج حوالي 37.5 كيلوغرامًا من اليورانيوم المخصب بنسبة 60% شهريًا، وهو معدل سريع للغاية. هذا يعني أنه إذا اتخذت إيران القرار، يمكنها إنتاج أول قنبلة نووية في أقل من أسبوع، وسبع قنابل في ثلاثة أسابيع، وعشر قنابل في أقل من شهر.

البرنامج النووي الإيراني: هيكل وتنظيم

ينقسم البرنامج النووي الإيراني بشكل منظم للغاية. يتولى نطنز، وهو خط إنتاج صناعي، عملية التخصيب الأولي من نسبة 0.7% حتى 20% أو 25%. أما فوردو، فقد كان يتعامل مع المستويات العالية والحساسة من التخصيب، من 20% إلى 60%. الفرق بينهما هو أن نطنز مكان واسع تحت الأرض ولكنه ليس عميقًا، بينما فوردو مدفون داخل جبل على عمق يتراوح بين 90 إلى 110 أمتار، مما يجعله محصنًا ضد الضربات الجوية التقليدية ويعتبره البعض المنشأة الحربية الحقيقية. 

لهذا السبب، لعب فوردو دورًا مزدوجًا: رفع مستوى التخصيب من 20% إلى 60%، وتخزين اليورانيوم المخصب فوق 60% بانتظار الأوامر لرفع النسبة إلى 90%، وهي النسبة الجاهزة للاستخدام كسلاح نووي. وقد وصل حجم الكمية المخزنة بنسبة 60% إلى 400 كيلوغرام، بمعدل حوالي 37 كيلوغرامًا شهريًا.

خطورة اليورانيوم المخصب: المخاطر والتخزين

هذه الكمية خطيرة جدًا، ليس فقط لقدرتها على التحول بسرعة وسهولة إلى عدة قنابل، بل لأن الأخطر يكمن في طبيعة الغاز المخصب من 20% إلى 60%، والذي يسمى علميًا UF6 (سادس فلوريد اليورانيوم). في شكله الغازي، يكون هذا الغاز ليس فقط مشعًا، بل يعتبر شديد السمية. 

في العادة، يكون هذا الغاز في شكله البلوري الصلب عند درجة حرارة الغرفة العادية، ولكن عندما ترتفع الحرارة قليلًا (حوالي 64 درجة مئوية)، يتحول إلى غاز. إذا حدث أي تسرب أو تعرض للهواء الرطب، فإنه يتفاعل فورًا وينتج غازًا آخر يسمى HF (فلوريد الهيدروجين)، وهو قاتل حرفيًا ويسبب حروقًا في الرئة والجلد والعين.

تخزين ونقل اليورانيوم: إجراءات معقدة

لهذا السبب، يجب تخزين هذه المادة في أسطوانات معدنية خاصة، ويجب وضع هذه الأسطوانات في بيئة محكمة جدًا، خالية من أي نسبة بخار ماء أو حرارة عالية. يجب أن تكون كل الأماكن المحيطة بها مؤمنة بكواشف تسرب وكاميرات وحراسة مشددة. هذا يجعل عملية نقل هذه المادة أمرًا معقدًا بحد ذاته. تُنقل هذه الأسطوانات في عربات خاصة مجهزة لمقاومة الحرارة والصدمات، وغالبًا ما يتم استخدام مسار سري لمنع تتبعها. في حال حدوث تسرب على الطريق، يتم تفعيل إجراءات طوارئ لتجميد مكان التسرب ومنع التفاعل.

بناءً على الكمية التي كانت مخزنة في فوردو، والتي وصلت إلى حوالي 408 كيلوغرامات من اليورانيوم المخصب بنسبة 60%، يمكننا القول إن إيران كانت بحاجة إلى حوالي 160 أسطوانة من نوع "30B" لتخزين هذه الكمية بأمان. هذه الأسطوانات مصممة خصيصًا لتخزين المواد عالية التخصيب، وتوضع فيها كميات صغيرة لتجنب أي تفاعل تلقائي.

قافلة النقل: سرية وتأمين عالٍ

هذا يعني أن عملية نقل اليورانيوم من فوردو لم تكن بسيطة. نحن نتحدث عن قافلة كاملة من الشاحنات، كل شاحنة تحمل مجموعة من الأسطوانات، ومجهزة بتبريد وحماية وتأمين عالي جدًا. 

يجب تثبيت هذه الأسطوانات داخل شاحنات مبطنة بالرصاص، ويجب أن تكون مصحوبة بثلج جاف لتجميد المادة فورًا في حال حدوث أي تسرب. يتم النقل ليلًا وبمسارات غير معلنة، مع عمليات تمويه وخداع وتشويش معقدة، وغالبًا ما لا تمر الشاحنات بمناطق سكنية.

التخزين النهائي: تحصينات عميقة

عند وصول اليورانيوم إلى الموقع النهائي، يتم تخزينه في غرف تحت الأرض ذات جدران سميكة جدًا، وغالبًا ما تكون مجهزة بنظام تبريد بالنيتروجين أو غازات أخرى للحفاظ على المادة صلبة ومنع تحولها إلى غاز. 

إذا حدث أي اختراق أو تسرب، يتم تفعيل نظام طوارئ يشمل خزانات احتواء احتياطية ورشاشات ثلج جاف، وحتى أنظمة تفجير ذاتي إذا خرج الوضع عن السيطرة. هذه الحركة هي بالضبط ما شوهد في صور النقل قبل الضربة التي استهدفت فوردو.

سيناريوهات الحرب الكبرى: من التصعيد المحدود إلى المواجهة النووية

مصير اليورانيوم بعد الضربة: تكهنات محتملة: بعد الضربة التي استهدفت فوردو، يبقى السؤال الأهم: أين ذهب اليورانيوم الذي كان بداخلها؟ على الرغم من رصد شاحنات يُرجح أنها كانت ضمن عملية نقل اليورانيوم، إلا أنه من الصعب جدًا التأكد من مكان وجوده الآن.

  1. أولًا: تعتمد الصور على الأقمار الصناعية التي تدور حول الأرض، وبالتالي فإنها توفر لقطات في لحظات محددة. لتوفير مراقبة دائمة ولحظية على مدار اليوم، يتطلب الأمر مئات الأقمار الصناعية المخصصة لفوردو وحده، وهذا مستحيل.
  2. ثانيًا: من المؤكد أن إيران نفذت عشرات عمليات النقل التمويهية من الصور التي تم رصدها، لجعل من الصعب على من يرصد تحديد أي مرة حدث فيها النقل الحقيقي.
  3. ثالثًا: اتجهت الشاحنات إلى أكثر من مكان وخطط تمويه معقدة، ورصد مسارها الكامل سيعطي مئات الاحتمالات التي يصعب رصدها.

مع ذلك، يمكننا تقديم أمثلة على الأماكن المحتملة التي قد تكون إيران قد خزنت فيها شحنة بهذه الخطورة، مع احتمالية توزيعها على أكثر من مكان لتقليل المخاطر. 

من هذه الأماكن، على سبيل المثال، جبل كولانجا، وهو موقع تحت الأرض بالقرب من نطنز، ويحتوي على أنفاق عميقة ومحصنة. طبقًا لصور الأقمار الصناعية من أبريل، تم بناء حواجز جديدة بارتفاع 6 أمتار حوله، وإنشاءات أمنية واضحة حول المداخل. كما كشف التحليل الحراري عن وجود تبريد شديد في منطقة غير مأهولة، مما يشير إلى وجود مادة تحتفظ بدرجات حرارة تحت الصفر، وكما ذكرنا، التبريد شرط أساسي لمخزن يورانيوم مخصب محتمل.

مواقع التخزين المحتملة

كان يجري تجهيز مكان لتخزين الشحنة أو جزء منها، لكن الموقع الأكثر غرابة وسرية هو موقع منجم جتشين جنوب شرق إيران. هذا الموقع كان في السابق منجمًا لليورانيوم، وقد أُغلق لاحقًا. إلا أن التقارير الأخيرة للوكالة الدولية للطاقة الذرية أشارت إلى نشاط إشعاعي غير مفسر في أبريل الماضي، أعلى من المعدل الطبيعي بعشر مرات، مصحوبًا بأعمال تهوية وأجهزة حديثة حول مدخل المنجم. هذا يشير إلى عملية إعادة تأهيل جارية، مع احتمال كبير لتحويله إلى مستودع غير معلن للمواد النووية.

هناك احتمال آخر، أقل شهرة ولكنه مطروح، وهو منشأة كوجير العسكرية في طهران. تقع هذه المنشأة تحت جبل ضمن سلسلة جبال البرز، بعمق يصل إلى 80 مترًا تحت الأرض تقريبًا، وتتميز بنظام تبريد بالنيتروجين السائل ونظام أمني مشدد. وقد رُصدت شاحنات محمية تدخل الموقع في بداية عام 2025، مما يعزز احتمال أنها أحد المواقع التي نُقل إليها المخزون.

الاستخدام العسكري لليورانيوم المخصب بنسبة 60%

يفترض البعض أن امتلاك إيران ليورانيوم مخصب بنسبة 60% يعني قدرتها على صنع قنبلة نووية في أي لحظة، وهو أمر غير دقيق. فنسبة 60% وحدها لا تكفي لصنع قنبلة فعالة، لكنها تضع إيران في المرحلة ما قبل الأخيرة. لصنع قنبلة نووية، يجب الوصول بنسبة التخصيب إلى 90% أو أكثر، لأن هذه هي النسبة التي تسمح بالتفاعل المتسلسل المطلوب للانفجار النووي.

يمكن صنع قنبلة بدائية من اليورانيوم المخصب بنسبة 60%، لكن حجمها سيكون كبيرًا وتأثيرها ضعيفًا وغير موثوق به عسكريًا. للوصول إلى قنبلة فعالة، يجب أولاً تخصيب الكمية المتوفرة من 60% إلى 90%. كانت إيران قادرة على القيام بذلك في غضون أسبوعين إلى أربعة أسابيع لو استخدمت أجهزتها الحديثة مثل أجهزة الطرد المركزي IR6 الموجودة في فوردو قبل ضربها، والتي أصبح مصيرها مجهولًا الآن. تمتلك إيران حوالي 400 إلى 500 كيلوغرام من هذه المادة، وهو ما يكفي لصنع 6 إلى 10 قنابل إذا وصلت نسبة التخصيب إلى 90%، لكن المؤشرات حتى الآن لا تدل على حدوث ذلك.

تحديات صنع القنبلة النووية

حتى بعد الحصول على المادة المناسبة، تحتاج القنبلة نفسها إلى مكونات أخرى كثيرة:

  • تصميم الانفجار: يتطلب هذا القدرة على ضغط اليورانيوم إلى حالة تُعرف بالكتلة فوق الحرجة. هذا يحتاج إلى عدسات متفجرة مصممة بدقة عالية، ومتفجرات من نوع خاص مثل HMX، ونظام دقيق لتوجيه الصدمة في جميع الاتجاهات.
  • مُبادئ النيوترونات: جهاز صغير يتكون من مواد مثل البلوتونيوم-210 والبيريليوم، ويطلق النيوترونات في اللحظة المناسبة لبدء التفاعل النووي. بدونه، قد تفشل القنبلة تمامًا.
  • تصغير الحجم: لوضع القنبلة على صاروخ، يجب تقليل وزنها وحجمها قدر الإمكان دون التأثير على كفاءتها، وهي عملية معقدة للغاية.

اختبار القنبلة النووية

العقبة الثانية هي اختبار القنبلة نفسها. أي دولة نووية تجري على الأقل تجربة تحت الأرض قبل أن تعلن نفسها قوة نووية. إيران لم تجرِ أي اختبار حتى الآن، مما يجعل أي تصميم جديد غير مضمون وقد يفشل إذا نُفذ دون تجريب.

يمكن تخصيب اليورانيوم إلى مستوى السلاح بسرعة، وهذا معروف، بشرط وجود مفاعل يعمل. تعتمد المدة على نوع أجهزة الطرد المركزي: إذا كانت حديثة، قد يستغرق الأمر من أسبوعين إلى أربعة أسابيع، وإذا كانت قديمة، قد يصل إلى عام. قد يكون لدى إيران مفاعل سري صغير نقلت إليه يورانيوم فوردو وتعمل عليه، لكن لا توجد مؤشرات على ذلك حتى الآن.

العوائق الحقيقية حاليًا هي: التخصيب من 60% إلى 90%، الهندسة الدقيقة، المواد المكملة، الخبرة، والاختبار. في النهاية، وجود اليورانيوم بنسبة 60% يقرب إيران بشدة من امتلاك القنبلة، لكنه لا يضمن لها إكمال الطريق. 

تمتلك إيران الأساس والمواد وبعض الخبرة، وأصبح لديها الدافع الآن، لكن هل يمكنها النجاح في الخطوات الفنية الحساسة المتبقية للوصول إلى قنبلة نووية عاملة ومحمولة على صاروخ في هذه الظروف؟ هذا سؤال لا يمكن لأحد الإجابة عليه، وستكشفه الأيام وحدها.

القنبلة القذرة

يتحدث البعض عن احتمال استخدام هذه المادة في ما يسمى بـ القنبلة القذرة، وهي جهاز تقليدي ينفجر وينشر مادة مشعة في الجو. من الناحية النظرية، هذا ممكن، لكن عمليًا صعب للغاية لسببين:

  1. شدة الإشعاع: إشعاع اليورانيوم، حتى المخصب، ليس قويًا مثل مواد أخرى أخطر بكثير مثل السيزيوم-137 أو السترونتيوم-90.
  2. التحويل المادي: تحويل اليورانيوم المخصب من حالته الغازية أو البلورية إلى مسحوق مناسب للانفجار مع قنبلة تقليدية يتطلب تقنيات معقدة، ولم تعلن إيران أو تظهر لديها قدرات تصنيع بهذا المستوى. وحتى لو انفجرت، فلن يكون الإشعاع فعالًا إلا في نطاق لا يتجاوز 500 متر حول موقع الانفجار.

خيارات إيران في حال التصعيد

إذا قررت إيران التصعيد وضرب إسرائيل بأسلحة دمار شامل، فإن الخيارات النووية لن تكون السيناريو الأول المحتمل. فلدى إيران أسلحة أخرى أقوى وأسهل في التنفيذ، مثل:

  • الأسلحة الكيميائية: هذه الأسلحة قديمة ومتطورة لدى إيران في نفس الوقت. بدأت إيران برنامجها في الثمانينيات ردًا على استخدام العراق لغاز الخردل، ولديها مخزون يقدر بـ 2000 طن من غاز الخردل والفوسجين، وحتى العوامل العصبية. تؤكد تسريبات من عام 2023 أنهم يطورون نسخًا من غازات مماثلة للدموع لتحويلها إلى قنابل جوية تُحمل بطائرات مسيرة، مما يعني أن هذا السلاح جاهز للنشر الفوري حتى بدون منصات إطلاق تقليدية.
  • الأسلحة البيولوجية: هذا البرنامج أقل ضجة إعلامية، لكنه أخطر من ناحية التأثير. بدأت إيران العمل عليه منذ الحرب العراقية-الإيرانية، مع التركيز الأولي على السموم، ثم توسع البرنامج في عام 2001 بإطلاق خطة "الدفاع الميكروبي الوطني" بهدف زيادة القدرة على إنتاج العوامل البيولوجية والفيروسات. والأخطر من ذلك هو استعانتهم بعلماء سوفيت سابقين عملوا في برنامج الأسلحة البيولوجية للاتحاد السوفيتي، مما يعني توفر الخبرة الفنية. أماكن العمل متنوعة وتشمل جامعة الإمام الحسين وجامعة مالك الأشتر ومختبرات وزارة الدفاع، وجميعها تعمل على تطوير وتصنيع وتخزين هذه العوامل.

البرنامجان الكيميائي والبيولوجي ليسا جاهزين فحسب، بل تم بناء بنية تحتية لهما منذ سنوات ويعملون فيهما باستمرار. يديرهما إدارات تابعة للحرس الثوري مباشرة، مما يجعل القرار والتنفيذ أسرع ويمكن أن يتم في أي لحظة.

هل يتحول الخليج إلى ساحة حرب شاملة؟

تمتلك الأطراف المعنية القدرة على استخدام هذه الموارد، إما عبر الطائرات المسيّرة، أو بوضعها في رؤوس صاروخية، أو حتى بنقلها إلى وكلاء إقليميين كحزب الله أو الحوثيين. هذا الواقع يجعل التهديد لا يقتصر على إيران بشكل مباشر فحسب، بل يمتد ليشمل مجموعات أخرى قد تستخدم هذه الأسلحة بالنيابة عنها، مما يصعّب عملية التتبع والرد.

هذا ما يجيب على السؤال حول سبب عدم قدرة إسرائيل على ضرب "فردو" بالنووي. فحتى لو لم تمتلك إيران السلاح النووي حاليًا، فإن لديها ما يمكنها الرد به بقوة. ما يمكننا قوله بوضوح هو أن اليورانيوم المخصب بنسبة 60% لا يكفي لصنع قنبلة نووية الآن، لكنه يمكن أن يكون أساسًا لقنبلة في المستقبل القريب. إن امتلاك هذه الكمية يشكل تهديدًا قائمًا بذاته، ليس لاستخدامها الفوري، بل لإمكانية استخدامها في أي لحظة تخدمها الظروف.

هذا هو جوهر الخطر الحقيقي الذي تمثله إيران اليوم، ففي أخطر لحظة في تاريخها، إما أن تنجح في الصمود واستكمال طريقها للانضمام إلى النادي النووي، أو أن يتحول برنامجها النووي إلى مأساة. ففي الحالة الثانية، لن تضيع كل ما حققته وما تم استثماره فحسب، بل ستصبح مجرد ذكرى في كتب التاريخ.

خاتمة: اليورانيوم الإيراني... من باطن الأرض إلى حافة الانفجار, تُجسّد رحلة اليورانيوم الإيراني قصة دولة تمسكت بعناد استراتيجي استثنائي لإكمال سلسلة نووية من التعدين إلى التخصيب، متحدية العقوبات والمراقبة الدولية، ومغامرة بكل أوراقها في مواجهة غير متكافئة. هذه الرحلة لم تكن فقط تكنولوجية، بل سياسية وأمنية وعقائدية، تشكّل العمود الفقري لمشروع إيران في التحول من قوة إقليمية إلى تهديد عالمي محتمل.

أصبحت الكمية المخصبة بنسبة 60% اليوم ليست مجرّد رقم، بل مؤشراً وجودياً. فهي تمثل مقياسًا للزمن الفاصل بين السلام والانفجار، بين الردع والانتحار السياسي، بين بقاء النظام أو اندثاره تحت قصف الردع الدولي.

الخطورة الحقيقية لم تعد في منشآت مثل نطنز وفوردو فحسب، بل في المادة نفسها: غاز سادس فلوريد اليورانيوم، الذي قد يتحول في لحظة قرار إلى قنبلة نووية فاعلة. فإيران لا تملك فقط المواد الخام أو أجهزة الطرد المركزي المتطورة، بل تملك كذلك المعرفة والبنية التحتية والإرادة – وهو ما يجعل برنامجها ليس مشروعًا مؤجلًا، بل خطرًا آنيًا متجددًا.

ومع التصعيد الأخير، بات مستقبل هذا البرنامج مرهونًا بمسارين: إما نجاح إيران في التخصيب إلى 90% وخطوة ما بعد السلاح، أو تكرار سيناريوهات العراق وسوريا... منجزاتٌ مهددة بالانهيار في ليلة ضربة واحدة. وبين هذا وذاك، يبقى السؤال الأهم بلا إجابة: متى تقرر إيران تجاوز الخط الأحمر الأخير؟

🔶 الأسئلة الشائعة (FAQs)

حتى الآن، لا تملك إيران قنبلة نووية مكتملة، لكنها تملك المواد (408 كجم من اليورانيوم المخصب بنسبة 60%) والبنية التحتية (أجهزة طرد مركزي متطورة) والمعرفة الفنية. ما ينقصها هو تخصيب هذه الكمية إلى 90%، وتصنيع القلب النووي واختبار القنبلة، وهي خطوات قد تتم خلال أسابيع إذا صدر القرار السياسي.

. ".

لأن الوصول إلى 60% يعني أن إيران تخطت الاستخدامات السلمية، وباتت على بعد خطوة واحدة من السلاح النووي. الانتقال من 60% إلى 90% أسهل وأسرع بكثير من المراحل السابقة، ما يجعل هذه النسبة هي النقطة الفاصلة بين مشروع نووي مدني وآخر عسكري.

"

نظريًا نعم، لكن عمليًا لا يُرجّح ذلك. فالإشعاع الناتج عن اليورانيوم ليس بالقوة التي تُحدث تلوثًا مدمرًا كما هو الحال مع السيزيوم أو البلوتونيوم. كما أن تحويله إلى شكل يُستخدم في "قنبلة قذرة" يتطلب عمليات معقدة وتقنيات متقدمة لا توجد دلائل قاطعة على امتلاكها حاليًا في إيران.

تشير التحليلات إلى عدة مواقع محتملة: جبل كولانجا قرب نطنز منجم جتشين جنوب شرق إيران منشأة كوجير العسكرية قرب طهران جميعها محصنة تحت الأرض، وتحتوي على أنظمة تبريد وتأمين مشدد، وتم رصد نشاطات غير اعتيادية فيها مؤخرًا.

رفع نسبة التخصيب من 60% إلى 90% تصنيع "قلب القنبلة" النووي تجهيز العدسات المتفجرة والمُبادئ النيوترونية تصغير حجم القنبلة لوضعها على صاروخ إجراء اختبار فعلي للتأكد من فعالية السلاح كل خطوة من هذه تحتاج خبرة وتقنيات يصعب الوصول إليها أو تنفيذها دون اكتشاف دولي.

google-playkhamsatmostaqltradent