recent
أخبار ساخنة

غريزة التملك " والكوابح المضادة

Site Administration
الصفحة الرئيسية
الحجم
محتويات المقال

غريزة التملك والكوابح المضادة

✍️ راسم العكيدي

غريزة التملك نزعة متجذرة في النفس البشرية، تعاملت معها المجتمعات والدول عبر التاريخ بوضع أطر قانونية وتشريعية تحكمها وتحدّ من هيمنتها. لهذا، جاءت الدساتير والأنظمة الداخلية كصمامات أمان تهدف إلى كبح هذه الغريزة ومنعها من التسلل إلى مفاصل السلطة والحكم.

غريزة التملك " والكوابح المضادة
غريزة التملك " والكوابح المضادة

في الفكر الليبرالي، تُفهم السلطة على أنها حالة من النشوة التي قد تدفع صاحبها إلى تجاوز حدوده، لذا يتم وضع ضوابط دقيقة تكبح جماحها حتى لا تتحول إلى أداة لاضمحلال الدولة أو إغراقها في الفوضى. هنا، يتم التمييز الحاد بين الملكية العامة والخاصة، وبين النفوذ الشخصي ومتطلبات الحكم، بحيث لا تصبح الدولة في يد فرد أو مجموعة بعينها.

عندما تتحول السلطة إلى ملكية شخصية

حين تتسلل غريزة التملك إلى كيان الدولة، تفقد الأخيرة توازنها، إذ تتحول إلى ساحة صراع بين من يرى في المنصب امتيازًا أبديًا. في النظم الديكتاتورية، يتمسك الحكام بزمام السلطة حتى يقتنعوا بأن البلاد ملك شخصي لهم، وأنها لم توجد إلا بفضلهم، وكأنها امتداد لممتلكاتهم الخاصة. من هنا تنشأ الحركات الداعية إلى التحول الديمقراطي وكتابة دساتير تُحدد الفترات الزمنية للحكم، منعًا لتمركز السلطة في يد واحدة.

إلا أن الوضع في العراق يتخذ منحى مختلفًا؛ فمن يخرج من دائرة الحكم يظل مرابطًا عند أبوابها، مترصدًا لمن يخلفه، مستخدمًا كافة الأساليب لتعطيل عمله، أملاً في العودة. ويتم استغلال الشرعية الديمقراطية بطرق تخدم مصلحة البقاء في السلطة أو استعادتها تحت مظلة "الانتخابات".

عائلات وأحزاب بملكية خاصة

لهذا، يُنشئ بعض الساسة أحزابًا تُدار كملكيات عائلية، مناطقية، طائفية أو عرقية، بحيث تُصبح وسيلة مضمونة للوصول إلى المناصب والاحتفاظ بشرعية الوجود السياسي. 

وهذه النزعة لا تقتصر على رأس الهرم السلطوي، بل تمتد إلى كافة المستويات، من الوزراء إلى كوادر الوزارات، والمؤسسات، والمحافظات، حيث يسعى الجميع إلى ترسيخ سلطته عبر وسائل متعددة، مدفوعة بغريزة التملك والرغبة في البقاء أو العودة إلى موقع القرار.

ازدواجية في السلوك والمواقف

من المفارقات أن كثيرًا من النشطاء والمنظمات المدنية والنقابات، التي تُدين هذا السلوك، تمارسه بنفس الطريقة. فتجدهم يُهيئون أنفسهم للبقاء أطول فترة ممكنة، بل ويسعون لتوريث مناصبهم لأبنائهم أو المقربين منهم. يقومون بتشكيل هيئات إدارية من دائرة معارفهم، ويشترون الولاءات من خلال المخصصات المالية لتلك المؤسسات، لضمان استمرارهم في مواقعهم دون منافسة حقيقية.

يبررون ذلك بأنهم يعملون تحت مظلة منظمات مدنية ومهنية، تخضع لانتخابات تفرز الأصلح، إلا أن هذا الخطاب ذاته هو ما يردده الساسة والحكام. وفي النهاية، يغيب الإنجاز، وتنعدم المهنية، ويظل التغيير معطلاً، في ظل منظومة تقتات على تكرار ذات الأخطاء.

الخاتمة:

غريزة التملك، حين تنفلت من عقالها، تتحول إلى أداة تدمير بطيء للمجتمعات والدول. سواء في السياسة أو المؤسسات أو حتى النقابات، فإن التعلق بالسلطة والرغبة في توريثها يولّد بيئة راكدة، تُغلق فيها أبواب التغيير، ويتحول الحكم والإدارة إلى مشاريع شخصية بدلًا من كونها مسؤولية وطنية. الحل يبدأ من ترسيخ وعي مجتمعي يُدرك خطورة هذه النزعة، ويعمل على بناء مؤسسات حقيقية تقوم على الكفاءة والاستحقاق، لا على الولاءات والعلاقات الشخصية.


google-playkhamsatmostaqltradent