هل الانتحار ظاهرة اليأس؟
بقلم الأستاذ خوام الزرفي.
الانتحار قضية حساسة وشائكة، تُثير تساؤلات عديدة بين الناس حول أسبابه، آثاره، وحكمه الديني. هل المنتحر يخلد في النار؟ وهل الانتحار دليل على فقدان الإيمان؟ ولماذا تتزايد حالات الانتحار في بعض الدول دون غيرها؟
الموت لا يُوجِع الموتى، بل يوجِع الأحياء. وهذا ما يجعل هذه الظاهرة تستحق الدراسة والبحث، فارتفاع معدلات الانتحار يشير إلى أزمة نفسية، اجتماعية، واقتصادية يعيشها الكثيرون. وفقًا لآخر الإحصائيات، سُجلت 134 حالة انتحار في العراق خلال الربع الأول من هذا العام، أغلبها في وسط وجنوب البلاد، لكن التساؤل الأكبر:
|
| هل الانتحار" ظاهرة الياس |
لماذا لم يُسلط الإعلام الضوء على الأسباب الحقيقية لهذه الظاهرة؟ ولماذا لم يتم تنظيم ندوات تجمع بين علماء النفس والاجتماع ورجال الدين لمناقشتها؟ في هذا المقال، سنحاول فهم ظاهرة الانتحار، أسبابها، وأفضل الحلول للحد منها.
ما هو الانتحار؟
الانتحار هو فعل متعمد لإنهاء الحياة، وهو نتيجة تراكم ضغوط نفسية واجتماعية واقتصادية لا يستطيع الشخص تحملها. وفقًا لمنظمة الصحة العالمية، يحاول أكثر من مليون شخص الانتحار سنويًا، أي أن هناك شخصين يُقدمان على محاولة الانتحار كل دقيقة!
طرق الانتحار الشائعة:
-
تناول المواد السامة: مثل المبيدات الحشرية أو الأدوية بجرعات زائدة.
-
الشنق: وهو أحد أكثر الوسائل شيوعًا.
-
استخدام الأسلحة النارية: خاصةً في المجتمعات التي تمتلك نسبة عالية من السلاح الشخصي.
-
إلقاء النفس من أماكن مرتفعة: مثل الجسور أو المباني الشاهقة.
لماذا يرتفع معدل الانتحار؟
1. العوامل النفسية والاجتماعية:
-
الاكتئاب الحاد: حيث يعيش الشخص حالة من اليأس المستمر دون أمل في تحسن وضعه.
-
العزلة الاجتماعية: فالوحدة تجعل الإنسان أكثر عرضة للأفكار الانتحارية.
-
الصدمات العاطفية القوية: مثل فقدان شخص عزيز أو الفشل في تحقيق أهداف حياتية.
-
التفكك الأسري والمجتمعي: مما يزيد شعور الإنسان بالضياع وعدم الأمان.
2. العوامل الاقتصادية:
-
الفقر المدقع: حيث يصبح الشخص عاجزًا عن تلبية احتياجاته الأساسية.
-
البطالة: فقدان العمل وعدم القدرة على تأمين مستقبل مستقر يدفع الكثيرين لليأس.
-
الديون المتراكمة: حيث يعيش الفرد تحت ضغط نفسي شديد دون حلول واضحة.
3. العوامل الصحية:
-
الأمراض المزمنة: مثل السرطان، العجز الكلوي، وغيرها، تدفع بعض المرضى إلى اختيار الموت بدلًا من المعاناة.
-
الإدمان على المخدرات والكحول: حيث يؤدي إلى اضطرابات عقلية وسلوكية خطيرة.
-
الاضطرابات النفسية: مثل الفصام أو اضطراب ثنائي القطب، حيث يعيش المريض نوبات اكتئاب حادة.
الانتحار في الدول النامية مقابل الدول المتقدمة
من المفارقات الغريبة أن الدول النامية تسجل معدلات انتحار أعلى من الدول المتقدمة، رغم أن الأخيرة تعاني من نسب عالية من الإلحاد وفقدان الإيمان.
لماذا معدل الانتحار أقل في الدول المتقدمة؟
-
وجود دعم نفسي واجتماعي أكبر.
-
ارتفاع مستوى الوعي حول أهمية الصحة النفسية.
-
توفر فرص عمل أكثر واستقرار اقتصادي.
-
توفير برامج علاجية مجانية لمرضى الاكتئاب والإدمان.
هل المنتحر يخلد في النار؟
رأي الإسلام في الانتحار:
الانتحار محرَّم في الإسلام تحريمًا قاطعًا، فقد قال الله تعالى:
"ولا تقتلوا أنفسكم إن الله كان بكم رحيمًا" (النساء: 29).
"ولا تلقوا بأيديكم إلى التهلكة" (البقرة: 195).
لكن هل المنتحر يُخلد في النار؟
يؤكد علماء الدين أن المنتحر لا يخرج من ملة الإسلام، لكنه يرتكب ذنبًا عظيمًا يُحاسب عليه. وبما أن الله هو العدل المطلق، فإن أمره يوم القيامة بين يدي الله، وهو أعلم بحاله وظروفه.
هل الانتحار أسوأ من غيره من الذنوب؟
كثير من الناس يموتون وهم غارقون في المعاصي، مثل الفساد، السرقة، والقتل، ومع ذلك لا يُحكم عليهم بالخلود في النار، فلماذا يُنظر إلى المنتحر بشكل أكثر قسوة؟
كيف نواجه ظاهرة الانتحار؟
لا يمكن مواجهة الانتحار بدون اتخاذ خطوات فعلية لمعالجة أسبابه، ومنها:
1. الحد من الوسائل المميتة:
-
تقليل انتشار الأسلحة النارية.
-
فرض قيود صارمة على بيع الأدوية السامة والمبيدات الحشرية.
2. تحسين الدعم النفسي:
-
توفير مراكز دعم نفسي للأشخاص الذين يعانون من الاكتئاب.
-
إنشاء خطوط ساخنة مجانية لمساعدة من لديهم ميول انتحارية.
3. توفير فرص العمل:
-
دعم الشباب العاطلين عن العمل من خلال خلق فرص وظيفية جديدة.
-
تشجيع المشاريع الصغيرة لمنح الناس مصدر دخل مستقر.
4. تعزيز الروابط الاجتماعية:
-
توعية الأسر بأهمية الحوار مع أبنائهم.
-
تنظيم أنشطة مجتمعية تُشعر الشباب بالانتماء والدعم.
5. التوعية الدينية:
-
تعزيز الوعي بأن الدنيا دار ابتلاء، وأن الفرج يأتي بعد الضيق.
-
نشر قصص عن الصبر والتوكل على الله، خاصة في أوقات الأزمات.
خاتمة:
الانتحار مشكلة خطيرة تحتاج إلى اهتمام جاد. الفقر، البطالة، الاكتئاب، والتفكك الأسري من أبرز أسبابه. الحل ليس في التجاهل أو الحكم القاسي على المنتحر، بل في تقديم الدعم والمساعدة للناس قبل أن يصلوا إلى مرحلة فقدان الأمل.