الفنان ناجح كبة رائد المسرح في شهربان.
كتب البروفسور الدكتور ابن شهربان في مدونته عن الفنان ناجح كبة ويصفه بأنه رائد المسرح في شهربان. فهو شهرباني متعدد المواهب ممثل ومخرج رحل مبكراً وهو عز شبابه. ناجح كبة يعد أبو المسرح الشهرباني.
سيرة الفنان محمود نجم عبدالله فنان مسرحي تحت المجهر للكاتب نفسه.عرفت ناجح كبة في أول يوم دراسي في ثانوية المقدادية طالبا في الصف الأول. جمعنا نفس الصف ( شعبة أ ) وبقينا معاً في نفس الصف. غالباً على نفس الرحلة ست سنوات دراسية في المرحلتين المتوسطة والاعدادية .
كان ناجح كبة شاب يافع اجتماعي مبالغ في أناقته وفي طريقة تصفيف شعره حد لفت الانتباه. وكان كثيرا ما يأتي متأخراً عن وقت الدرس الأول. لأنة وباعترافه يصرف وقت لاختيار القميص والبلوز والسترة. ويحتاج وقت آخر لتسريح شعره. بحيث كان يصفف كذله معقوفة مميزة على جبينه تذكرني بتسريحة مطرب الفالس الفيس بريسلي.
فأعطيناه - نحن طلبة الشعبة - لقب أو تعليقه فكنا ننادي مازحين فرع كذله. كان الجميع يحب أناقته وكذلته وابتسامته التي لا تفارق وجهه بما فيهم المدرسين.
إن ناجح كبة شاب أنيق ومبتسم ومتفائل بالحياة جداً ... أناقته وظرافته قد مكنته من الإفلات من عودة المدير حسيب ونائبه أسعد شكري ومن بعدهم المدير المخيف عبود فرج.
حينما كان المدير يقف في مدخل المدرسة والعصى في يده لتأديب الطلاب المتأخرين. الطالب الظريف ناجح كان متأخر دائم لكن منظره وطريقة تسريحة شعره ووجهه البشوش كثيرا ما يضحك المدير ويبدد عصبيته ويفلت منها.
كيف تضرب طالب أنيق صاحب نكته يقف أمامك ! إلى الحد الذي يجبرك على الضحك! ناجح كبة وحده كان يفلت من عودة المدير المخيفة (كنا نسميها الحجية).
السفر الى بغداد والسينما والافلام الهندية برفقة ناجح كبة.
أحياناً كنا نذهب معا أو برفقة الفنان الفطري صاحب الديالي الى مدينة بغداد لدخول السينما مرتين وفي كل مرة نشاهد فيلمين في بطاقه واحده. ( يعني أربعة أفلام في يوم واحد) على الأغلب أفلام هنديه إنسانية -عاطفية او أفلام الغرب الأمريكي ( الويسترن - الكاوبوي).
وهي أيضا فرصة لشراء القمصان المعروضة بأناقة على فاترينات مَحَالّ شارع الرشيد الجميلة وأشياء أخرى. كان ناجح كبة مدمن على شراء الملابس ذات الألوان والموديلات النادرة كي يكون متميزا بلبسه ولا يشبهه أحد ... كان ناجح كبة يقاتل ليكون فريد في لبسه واختياراته.
وقد كان نجاح كبة مولع بالسينما والأفلام الهندية خصوصا الى درجة كان يحفظ أغانيها باللغة الهندية ( ومنها أغاني فيلم سينكام الشهير آنذاك) و يغنيها لنا في كل يوم .كذلك ولع ناجح كبة بأفلام الكاوبوي إلى درجة فصل ملابس الكاوبوي واشترى مسدسات تشبه مسدساتهم لٌعَبْ) ووضع شارة الشريف.
كنا نذهب إلى منطقة الصدور الجبلية ونصور حركات ولقطات من أفلام الكاوبوي. وأنا اعرف بان الأخ عدنان هادي (احد أصدقاء ناجح المقربين) قد صاحبهم إلى الصدور لهذا الغرض.
بدايات الفنان ناجح كبة بهواية التمثيل.
كل هذه الهوايات والتفوق في الدراسة لم تكفيه فاقترح علينا التمثيل ... أستطيع أن أدعي لنفسي أني اشتركت في تمثيل أول عمل مسرحي مع الراحل ناجح كبة في شهربان. في مسرحية اسمها حلاق الطرف وهي تحاكي مسرحية تحت موس الحلاق المشهورة للفنان سليم البصري والفنان حمودي الحارثي.
لقد كان عدد المشاركين في المسرحية أربعة أشخاص فقط أنا وصاحب الديالي والراحل ناجح كبة وضياء مكي. وقد عملنا البروفات ولعدة أيام في الفضاء الفسيح في منطقة المطار والعزي.
وقد تم عرض هذه المسرحية لثلاث أيام في نادي الضباط. يوم للرجال وآخر للنساء وآخر الى منتسبي معسكر المنصور. عدّت هذه المسرحية الرائدة هي الحافز والمحرك لانطلاقة الفنان صاحب الديالي وزميله الراحل ناجح كبه لإنتاج مزيد من الأعمال المسرحية للسنوات اللاحقة.
لتتوسع الحركة الفنية في شهربان وانضمام العديد من شباب شهربان إليها , ولم أشارك أنا بعدها في أي عمل مسرحي.
أسجل للأمانه هنا بأن رواد الحركة المسرحية في شهربان هما:
- صاحب الديالي والراحل السعيد ناجح كبه وانضم لهما لاحقا الفنان صباح أيوب مع حفظ أدوار العديد من شباب شهربان في السنوات اللاحقة.
- كلما تذكرت صاحب الديالي والراحل ناجح كبه أنهما يشبهان الفنانين الكوميديين الإنجليز لوريل وهاردي (Laurel& Hardy).
- لقد شكل هذان المبدعان القطب المغناطيسي الذي تجمع حوله الموهوبين من شباب شهربان. وفي مقدمتهم الفنان صباح أيوب والفنان المخرج محمود نجم ولا أعرف أين أخذته هذه الدنيا.
مسيرة الفنان ناجح كبة بعد التخرج من الاعدادية.
بعد انتهاء الدراسة الاعدادية تفرقنا على الجامعات والمعاهد العراقية وتم قبول ناجح كبة في كلية الإدارة والاقتصاد - جامعة بغداد. و قبلت انأ في جامعة الموصل. قلت فرص اللقاء بيننا، وحين تخرجنا من الجامعات بنفس العام. التحقنا إلى كلية الضباط الاحتياط وبعد شهور تم فك ارتباطي من الجيش والتحاقي بجامعة بغداد لغرض إكمال دراسة الماجستير.
فيما تخرج ناجح كبة ضابط احتياط. كانت وحدته على قمة أحد الجبال المطلة على الحدود الإيرانية. ... وحدثني كيف كان يقضي لياليه محورا راديو عنده لالتقاط صوت مطربة ايرانية تغني بصوت جبلي متشظي جميل. كان صوتها كسمار ليلي ونديم لهذا الشاب الحالم حد الثمالة ... إذ لم أكن أصدق بأن هذا الشاب الرومانسي يمكن أن يصلح ليكون ضابط في الجيش ويقضي خمسة أسابيع متواصلة على قمة جبل ولياليه الظلماء المدلهمة تباعدت كثيرا لقاءاتنا.
بعد أن تسرح ناجح كبة من الخدمة العسكرية عمل مدير إحصاء المقدادية. أتذكر بأن مكانها في أحد البيوت في محيط الحي العصري. وقد زرته مرة واحدة هناك وكان هو الوحيد هناك ولا أدري إن كان هناك موظف آخر غيره.
شرح لي ناجح كبة طبيعة عمله وقلب لي العديد من المعاملات التي أنجزها ..... المرة الأخيرة التي رأيته فيها وانطبعت كل تفاصيلها في عقلي إلى هذه اللحظة وكأنها البارحة.
زيارتي لدار الفنان ناجح كبة بمناسبة الزواج.
حصلت بعد مرور شهر واحد من زواج ناجح كبة حين دعاني لزيارته في بيت الزوجية الجديد وقد لبيت دعوته. كان موقع البيت في حي فلسطين على الجهة اليمنى من الشارع الخارج من وسط الحي العصري و المتجه إلى برشته.
وصلت الى بيتهم وقت الغروب حسب الوقت الذي حدده ... وكوني اعرف شفافية ناجح فان اختياره لوقت الغروب هو كي يريني أضواء وألوان رومانسيته المجنحة أبداً .... حين دخلت بيته وجدته واحة من الأضواء والدانتيلات والألوان وقد وضع فيه كل تفاصيل حلمه المخملي وذوقه وأناقته.
لقد حول التفاصيل البسيطة في البيت إلى جمال وابتكار وحول ذلك البيت الصغير إلى متحف ومعرض رومانسي. جلسنا على مائدة طعام صغيرة حولها أربعة كراسي غطاء المائدة والكراسي المزينة المحزمة بالمخمل الشفاف وطريقة وضع مناديل النابكن الملون واتكيت توزيع الشوكات والملاعق والسكاكين بحرفيه مطاعم الخمسة نجوم.
فأدركت فوراَ بأن هذا الشاب المهووس بالرومانسية قد اقترن بملاك مثله يشاطره ألتجنح أو هو من حلق بها فوق السحاب... حدثني عن أحلامه الجديدة والسفر مع حبيبة القلب والأطفال وغيرها من القصور التي تحتل مخيلتنا في مطلع الشباب ونشيدها بدون تكاليف على تلال الرمل.
رحيل المبدع الفنان ناجح كبة شهيداً نتيجة الحرب.
اندلعت حرب الثمان سنوات مع إيران وتم سوق جميع أجيال شباب العراق إلى الحدود وتم استدعاء جميع وجبات الضباط الاحتياط. فارتدى ناجح بدلة الضباط والنجمات من جديد. التحق الى جبهة الحرب بعد أن وضع أحلامه وقصوره المشيدة وديعة لدى حبيبة القلب...
هو ذهب إلى الجبهة وأنا سافرت إلى إنكلترا للدراسة. لم تمض شهور حتى وصلني الخبر الأليم ... ناجح مفقود في الجهة الجنوبية . كان رحيل ناجح كبة خسارة كبيرة لمدينة شهربان وأهله وفاجعة مروعة للإنسانه التي انتخبها من بين كل بنات" شهربان لتكون ملكته المتوجة ورفيقة دربه.
التي حملته ألقاً في قلبها وقذا في أحداق عيونها وحفظت العهد فطوت أحزانها ولفت جروحها العاوية وتبرعت بحياتها لرعاية وتربية وتعليم أبنهما الوحيد محمد ناجح كبة. كبر محمد ناجح كبة أمام عيونها نسخة مكررة ومَّنَّ الله عليها ليجعله شبيهاً لأميرها الراحل ناجح كبة.
حين أكمل ابنها محمد ناجح كبة الدراسة الاعدادية بتفوق وتم قبوله في كلية الطب جامعة الأنبار لم تبق في شهربان لكي تنتظره كل خميس إنما حزمت حقائبها وانتقلت معه إلى مدينة الرمادي.
فمحمد هو ولدها الوحيد وهو نسخه من ناجح كبة الغالي ... فعلا لقد حفظت العهد وضحت بكل شيء من أجل عهدها... فلها نقف باحترام كبير.
عائلة رائد المسرح في شهربان ــ ناجح كبة - أبن شهربان الاصيل.
الفقيد ناجح كبة إبن عائلة شهربانية معروفة فوالده السيد محمد محسن الكبجي المشهور وإخوانهوهم:
- أستاذ كريم كبة.
- أ د صباح كبة.
- الكادر الطبي جاسم كبة.
- أ د محسن كبة.
- وثلاثة أخوات باهرات … اثنان منهن هنا ضمن عائلتنا الشهربانية الفيسبوكية الكبيرة.
الراحل الغالي ناجح كبة... اليوم يتذكرك أهل شهربان وزملائك وأصدقائك ورفاق دربك وأخواتك وإخوانك. وفي مقدمتنا جميعاً زوجتك الوفية الى حد البكاء والى جانبها ابنك الدكتور المتفوق فائق الأدب محمد.
انه الآن فخر لك فهو طبيب مقيم أقدم في احد مستشفيات بغداد ... أخبرك انه يحملك تاجاَ مرصع فوق رأسه ولم تصلني رسالة منه إلا ويسميني عمي الغالي ...هو نسخه مستنسخه منك ... نفس الروح المجنحة ونفس القلب الحنون ونفس السطوع .
ناجح يا صديقي المغَرِبْ بدون وداع للموت عيون مثل عيون البشر ... كما تنجذب عيوننا للجمال فإن عيون الموت تعشق الجمال وتبحث عنه. وكما ننتقي الوردة الجميلة ونقطها بأنانية للامتلاك حين تصادفنا.
فان الموت الأناني قطفك وامتلكك وَحْدَهُ وكسر قلوب كما تكسر قوارير الكريستال متشظية لا تُصَلَحْ ... ناجح لن ينساك من عرفك وعاشرك.
بقلم البروفسور أبن شهربان.