موقف الضابط المسيحي العراقي النبيل وإجازة عيد الميلاد المجيد؟
من مذكرات الحرب العراقية الإيرانية. مع موقف الضابط العراقي المسيحي وذلك الموقف النبيل حين رفض إن يترك أرض المعركة وإجازة عيد الميلاد المجيد هو يستحقها. فضرب مثلاً يستحق أن يذكر وما جرت من أحداث بدل أن يكون مع أهله يحتفل بأعياد الميلاد المجيد. كان بمكان أخر بين الموت والحياة لا فصله إلا شعره. مع قصة أخرى العروس والطائرة وموقف الطيار منها.
كتب السيد غازي خضر الياس اسطيفان في مدونته. من أجل أن لا ننسى ذلك التاريخ من يوم 25 من (ديسمبر) كانون الأول عام 1981. تبدأ الحكاية عن موقف ذلك الضابط العراقي النبيل المسيحي وبكل شجاعة أن يرفض الأجازة ويستمر بالدفاع عن وطنه ويقود وحدته في معركة عنيفة.
أهم الأعياد عند المسيحين في العراق أعياد الميلاد.
للمسيحين في العراق مكانة كبيرة ولهم دور العبادة يمارسون طقوسهم بكل حرية. مندمجين مع المجتمع لأنهم من العراقيين الإصلاء. وللمسيحين أعياد متعددة وأهمها:
- عيد الميلاد المجيد وهو يوم مولد نبي الله عيسى عليه السلام المسيح عيسى بن مريم ويكون موعده في يوم 25 ديسمبر من كل سنة.
- عيد الفصح يعد هذا العيد واحد من ابرز الأعياد المسيحية لاعتقادهم وإيمانهم من عودة المسيح بعد صلبه بثلاثة أيام وموعده 16نيسان وهو عيد القيامة ويستمر لمدة ثمانية أيام.
- عيد حلول روح القدس ويحل بعد خمسين يوماً من عيد القيامة أو يوم الجمعة العظيمة أو عيد الحصاد.
وقد اختلفت التوقيتات بين الكنيسة الشرقية والكنيسة الغربية في تحديد المواعيد كل واحد منهم حسب تفسيره للتوقيتات.كي لا ننسى ذلك التاريخ من يوم 25 كانون الأول 1981. مع موقف الضابط العراقي المسيحي النبيل وقصته في الحرب وإجازة أعياد الميلاد المجيد.
أعياد الميلاد وإجازة العيد الإجبارية لمنتسبي الجيش من الأفراد المسيحيين.
والحديث لذلك الضابط العراقي المسيحي النبيل وإجازة أعياد الميلاد ففي مساء يوم 23 كانون الأول من عام 1981. اتصل بي آمر ل2 ، فق مش 2 ، العميد الركن سالم قاسم حمّو. وأمرني بالتهيؤ غداً صباحاً بالنزول من موقعي بالراقم. للتمتع بإجازة العيد الإجبارية ، وسيرسل لي في الصباح أحد الضباط كبديل مؤقت لقيادة وحدتي لحين التحاقي ؟
رفضتُ التمتّع بالاجازة لاشتباكنا بقتال شرس مع العدو (معركة گيلان غرب) ولكون نفسي لا تطاوعني أن أترك ضباطي وجنودي يقاتلون وحدهم أو بإمرة غيري. فتخوّف آمر اللواء من مسؤولية عدم تنفيذ أمر السيد الرئيس.
قلت لأمر اللواء سيدي سأرسل رسالة سرية وفورية لمقر اللواء. أؤكد فيها رفضي وبمحض إرادتي بامتناعي عن التمتع بالإجازة الإجبارية لظروف المعركة. لكي تقع المسؤولية فقط على عاتقي. فوافق ، وأرسلت الرسالة.
تفاصيل المعركة التي يقودها الضابط العراقي المسيحي في كيلان غرب.
صباح يوم العيد 25-11-1981. اشتدت المعارك وأصبحت معركة جحفل فيلق. اشتبك الحابل بالنابل بمعركة گيلان غرب. قدّر عدد المقاتلين في ذلك اليوم بالخطوط الأمامية والمقرات الخلفية ب 45 ألف مقاتل عراقي مسلم + مسيحي واحد فقط، وهو أنا . وذلك لتمتع جميع المسيحيين في جبهات القتال بالإجازة الإجبارية.
وفي الساعة 14:00 من أول أيام العيد شاء القدر! أن تسقط قنبلة مدفع إيراني ثقيل عيار 175 ملم بقربنا ونحن نصول على الهدف، ليستشهد من جرائها 12 مقاتل مسلم. أصبتُ أنا بشظيّة كبيرة مزّقت عضلات فخذي الأيسر وقطعت الشريان الرئيس والوريد المغذيان لساقي، وليقذفني عصفها لمسافة عشرة أمتار تقريباً (حسب وصف شهود العيان من ضباطي وجنودي).
قام بإخلائي من أرض المعركة ستّة من المسلمين ضابط وضباط صف وهم:
- الملازم البطل سلمان كمر عبود (عميد معوّق حرب متقاعد حالياً ومن أهالي الخالص في محافظة ديالى ).
وضباط الصف كل من:
- عريف حسين عبد شيّال.
- عريف صالح محسن.
- نائب عريف محمد جويعد.
- نائب عريف حيدر علي حمزة.
- نائب عريف كريم علي حسين.
(رحمهم الله استشهدوا جميعهم تباعاً بالحرب).
تفاصيل عملية الأخلاء من أرض المعركة.
عشرات المسلمين ينقذون مسيحي من الموت المحقق في يوم أعياد الميلاد المجيدة؟ وجاهدوا جميعهم في معاناة إخلائي عبر طرق نيسمية لسفوح الجبال والوديان تحت نيران القناصين الإيرانيين والقصف المدفعي وصواريخ الراجمات.
في يوم ممطر وبارد جداً يصحبه البرق والرعد ، مما تسبب بإنزلاقهم من على الصخور عدة مرات وبسقوطهم تسقط السدية التي كانوا يحملوني بها في الوديان وأنا عليها ؟
ثمَّ يعاودون إنقاذي من جديد، يتكرر سقوطهم وتدحرجي في الوادي لخمسة مرات وسط ليل دامس، ينتظرون حدوث البرق أو شعاع انفجار القنابل الايرانية.
لكي يتوضَّح لهم بوميض ضوئها مكان سقوطي في الوديان لإعادة رفعي وحملي على النقالة ، واستغرق جهادهم بإخلائي تسع ساعات؟ استطاعوا بعدها من إيصالي لمستشفى العروبة العسكري في خانقين بالساعة 23:00 ؟
فقدتُ حينها كل طاقتي الحركية وأصبحتُ عديم القدرة على فتح حتى جفوني لأرى ما يحدث ، لفقداني كل دمي وسوائل جسمي بسبب النزف من الشريان والوريد المقطوعين.
لكنني كنتُ أسمع فقط ولم أفقد وعيي؟ كانت تلك الأحداث أصعب موقف تعرض له الضابط العراقي النبيل وما جرى له في أجازة أعياد الميلاد التي رفض التمتع بها.
مستشفى العروبة العسكري في خانقين وموقف الكادر الطبي الماهر.
عند إيصالي للمستشفى سمعتُ حديث الكادر الطبي من الضباط الأطباء المقيمين ونواب الضباط المضمدين في صالة الطوارئ ويتحاورون بما يلي:
- ضغط الدم العالي والواطئ صفر لنزف كل دمه.
- روح كعده للعقيد مشرق من النوم. ناوشني المعقم والشاش.
- شدلة قنينتين دم.
- قلبه ينبض ببطء 32 ضربة بالدقيقة.
- أربط قنينة ماء مغذّي.
إجا الدكتور ، تفضل سيدي.
الدكتور يسأل ساعة بيش إتصوب ؟
أجابه ملازم سلمان: بالساعة الثانية بعد الظهر سيدي.
عقّب الدكتور مشرق بتعجب! يعني صارلة تسع ساعات مقطوعة شرايينه وينزف وما مات؟
فأجبته وأنا مغمّض العينين لا بعدني.
فتعجب الدكتور وقال تكدر تحجي؟
فقلت نعم.
فسألني سؤال ذكي لكي يتحقق سلامة خلايا الدماغ والذاكرة وقال "شنو رقم تلفون بيتكم ؟
فقلت له: 5410894 .
فسأل الدكتور الملازم سلمان كمر هل رقم التلفون هذا صحيح؟
فأجابه نعم صحيح. ،
ثمَّ قال الدكتور لهم أعطوني الطبلة وقرأ اسمي الرباعي بصوت مسموع. غازي خضر الياس إسطيفان.
فوجه الدكتور سؤاله للملازم سلمان وقال، هل هذا الضابط مسيحي ؟
فأجابه: سلمان نعم سيدي .
أستغرب الدكتور وقال منو بقّاه بالجبهة واليوم عيدهم وكلهم مجازين إجبارياً بأمر السيد الرئيس ؟
فأجابه الملازم سلمان: هو من رفض الإجازة الإجبارية وارسل رسالة سرية وفورية لمقر اللواء بذلك، وفضّل البقاء لقيادة وحدتنا.
فابتسمت قليلاً وأنا مغمّض العينين.
فَقَال الدكتور وإچمالة تضحك؟
غرفة العمليات الطارئة والطبيب الماهر في عملية صعبة.
ثمَّ سمعته يأمر كادره الطبّي ويقول لهم بسرعة أيقظوا جميع المنتسبين واسحبوا الدم منهم لأننا سنحتاج لكمية كبيرة من الدم له.
أدخلوه لغرفة العمليات وإحقنوه بالمخدّر فوراً لحين تغيير ملابسي ؟
في الساعة 07:30 من صباح يوم 26-12 فتحت عيناي بعد زوال تأثير المخدّر لأرى أكثر من خمسة عشر مسلماً يحدّقون بعيونهم نحوي وهم يبتسمون وفرحين لنجاح العملية. يتوسطهم ضابط طبيب برتبة عقيد ويقف في نهاية سريري.
لاحظتُ أن ساقي اليسرى مبنيَّة بالجبس من نهاية الورك لغاية مفصل القدم.
قال لي الطبيب صباح الخييييييير . فأجبته صباح النور سيدي.
ثمَّ أمسك الطبيب بإبهام قدمي وسألني هل تشعر بأني أمسكت إصبعك ؟
فقلت له نعم .
فأبتسم فرحاً ثمَّ طلب مني تحريك إصبع الإبهام ، فحرَّكت جميع أصابع القدم ؟
فطار الطبيب من الفرح ورفع كفيه الى السماء وقال الحمد لله والشكر.
قال لي الطبيب ؛ الله يحبك وهو الذي أبقاك على قيد الحياة.
أذ كنت قد قررت يوم أمس عندما شاهدتُ إصابتك وحالتك بعد فقدانك لكل دمّك أسرعتُ لغرض القيام ببتر ساقك وغلق الشريان المقطوع.
أمسكت بالمنشار لبتر الساق ولكني شعرت بأن هنالك قوّة ما أوقفت يدي وجعلتني أفكّر عن أسباب عدم موتك لكون نزف هذا الشريان يؤدي إلى الوفاة خلال 15 دقيقة.
في حين أنك بقيت على قيد الحياة أكثر من تسع ساعات ؟
فقلتُ في نفسي لأجرب ترقيع شريانك لأحافظ على ساقك من البتر ما دمت لم تموت خلال 15دقيقة، فقمت باستئصال وريد من تحت الركبة بطول 10 سنتمترات ورقعت به الشريان المبتور.
استغرقت العملية 7 ساعات، وأعطيناك 37 قنينة دم تبرع بها منتسبي المستشفى لغرض استمرار القلب بضخ الدم لأعضاء الجسم والرأس لحين ربط الشريان وترقيعه ووقف النزيف؟
الموقف النبيل للضابط العراقي وتزامن الحظ في وجود ذلك الطبيب الماهر؟
وأضاف الطبيب قائلاً؛ أنت جداً محظوظ لكوني جئتُ إلى مستشفى خانقين العسكري (العروبة) للمعايشة لمدة أسبوع واحد فقط ، وأنتهي الأسبوع أمس ليلاً.
رقدت للنوم في العاشرة ليلاً بغية أن استيقظ صباح هذا اليوم لكي أعود لمقر عملي الرئيس في مستشفى الرشيد العسكري.
لكن حالتك استدعت الكادر الخافر من إيقاظي من النوم لإجراء العملية لك، وأنا العقيد الطبيب “مشرق منير حلمي” الاختصاصي الوحيد بترقيع الشرايين في العراق.
ولو كان غيري من الأخصائيين هنا يتعايش أمس لبتر ساقك على أقل تقدير؟
فحمدتُ الله والسيد المسيح له المجد لإنقاذي من الموت في يوم ميلاده، شكري للدكتور مشرق وكادر المستشفى العسكري ومن أخلاني من أرض المعركة لدورهم الرائع في إنقاذ حياتي وعدم بتر ساقي. وكانت هذه القصة من موقف الضابط العراقي المسيحي النبيل والحرب وإجازة أعياد الميلاد.