محمد القبانجي: صوته خلد المقام العراقي.
يُعدّ محمد القبانجي عملاق المقام العراقي، أول من سجل هذا الفن الأصيل على أسطوانات عام 1924. رغم اختلاف التواريخ حول مولده، إلا أن العام 1901 هو الأكثر قبولاً. نشأ في بغداد لأسرة موصلية، وسرعان ما برز صوته الشجي ليصبح أيقونة للمقام العراقي.
محمد القبانجي، واسمه الأصلي محمد عبد الرزاق الطائي، أيقونة المقام العراقي. بصوته العذب، كان أول من وثّق هذا الفن الأصيل على أسطوانات عام 1924، مسجلاً بصمة لا تُمحى في تاريخ الموسيقى العربية. رغم عدم وجود تاريخ مؤكد لميلاده، حيث تتراوح التقديرات بين 1897 و1904، إلا أن العام 1901 هو الأكثر قبولاً.
محمد القبانجي: صوته خلد المقام العراقي. |
نشأ في بغداد لأسرة موصلية، وتأثر بجوها الموسيقي الغني، فنشأ صوتاً فريداً أذهل المستمعين، ليصبح فيما بعد أشهر قارئ للمقام في العراق.
بصوته الشجي الذي لا يُنسى، ساهم محمد القبانجي في حفظ المقام العراقي وتقديمه للعالم. كان أول من سجل هذا الفن العريق على أسطوانات عام 1924، ليصبح بذلك رائداً في مجال التوثيق الصوتي للموسيقى العربية. ولد في بغداد حوالي عام 1901 لأسرة موصلية، وسرعان ما برز نجمه كأشهر قارئ للمقام في العراق.
البيئة العائلية ومرحلة الطفولة.
نشأ محمد القبانجي في قلب بغداد القديمة، في محلة سوق الغزل، متأثراً بجو عائلي فني. فقد كان والده، الذي يعمل قبانجياً، يُقيم مجالس أدبية غنائية في منزله، حيث يتردد عليها كبار قارئي المقام. هذه البيئة الغنية بالموسيقى والفنون صقلت موهبة القبانجي منذ صغره، وزرعت فيه شغفاً عميقاً بالمقام العراقي.
ورث محمد القبانجي عن والده مهنة القبانة وحبه للموسيقى. في محلة سوق الغزل ببغداد، نشأ الصبي وسط أجواء تجارية وفنية متداخلة. كان والده، الذي يعمل قبانجياً، يُقيم مجالس أدبية في منزله، حيث يتردد عليها كبار قارئي المقام. هذه البيئة الحاضنة للفنون شكلت شخصية القبانجي، فحفظ الألحان والأغاني، وتدرب على الغناء، حتى أصبح أحد أبرز أعلام المقام العراقي.
في قلب سوق الغزل ببغداد، ولد محمد القبانجي لأسرة موصلية. ورث عن والده، القبانجي، مهنة التجارة وحب الموسيقى. كانت بيئة سوق الغزل حافلة بالحياة الشعبية، حيث تتداخل أصوات الباعة المتجولين بألحان المقام التي كانت تملأ البيوت. هذه البيئة التراثية الغنية غذت موهبة القبانجي، وجعلته يحمل لواء المقام العراقي عالياً.
البداية الفنية: من مقاهي بغداد إلى الشهرة.
ينقل صديقه عقيل النساج في أحد اللقاءات الصحافية عن القبانجي قوله: “كان (العيشة) يدندن ويلحن ويغني وأنا اقرأ له الشعر من نظمي، وكان يستفيد مني في هذا المجال، فيما استزدت من حفظ الشعر قبل الغناء وصولاً لتحقيق حلمي في أن أكون مغنياً وقارئاً للمقام على أساس جديد”.
طريق النجاح والتفرّد في المقام العراقي.
رحلة إلى البصرة ونجاح تجاري.
في رحلة إلى البصرة، التقى محمد القبانجي بالشيخ كاظم الشمخاني، أحد وجهاء المدينة، الذي أعجب بصوته وأدائه. هذه الصدفة السعيدة فتحت أمام القبانجي أبواباً جديدة، فقد أغدق عليه الشيخ الشمخاني بالعطايا والمال، مما سمح له بإنشاء مشروع تجاري ناجح في بغداد. ورغم ثرائه الجديد، لم ينس القبانجي شغفه بالمقام، بل زاد إصراره على تطوير موهبته، ليصبح في العشرينات من عمره أشهر قارئ مقام في العراق.
كانت رحلة القبانجي إلى البصرة نقطة تحول في حياته. هناك، التقى بالشيخ كاظم الشمخاني الذي أبدى إعجابه الكبير بصوته. بفضل دعم الشيخ الشمخاني، تمكن القبانجي من تحقيق الاستقرار المادي، مما أتاح له التركيز على موهبته الفنية. وفي فترة وجيزة، أصبح أشهر قارئ مقام في العراق، حيث سجل العديد من الأسطوانات التي لاقت رواجاً واسعاً.
تغيرت حياة محمد القبانجي تماماً بعد رحلته إلى البصرة، حيث التقى بالشيخ كاظم الشمخاني. هذه الصدفة السعيدة أمدته بالثروة التي مكنته من تأسيس مشروع تجاري ناجح في بغداد. ورغم انشغاله بالتجارة، لم يتخل القبانجي عن حبه للمقام، بل استثمر جزءاً من ثروته في تطوير مسيرته الفنية. فقد سافر إلى ألمانيا لتسجيل أسطواناتأخرى خلال الأعوام من 1926 الى 1929 ، مما زاد من شهرته وأصبح أيقونة للمقام العراقي.
القبانجي والفرقة التمثيلية الوطنية.
لم يكن القبانجي غائباً عن أول فرقة مسرحية احترافية في العراق عام 1927، والتي عرفت باسم الفرقة التمثيلية الوطنية، فقد شارك إلى جانب الفنان حقي الشبلي، والفنان أحمد حقي الحلي، والفنان عزيز علي في مسرحيات “وحيدة”، و”صلاح الدين الايوبي”، و”جزاء الشهامة”.
مؤتمر الموسيقى العربية 1932.
يُعدّ المؤتمر الأول للموسيقى العربية في القاهرة عام 1932 نقطةً مفصلية في حياة القبانجي، حيث مثّل العراق في هذا الحدث التاريخي الذي رعاه الملك فؤاد الأول. وضم الوفد العراقي كبار الموسيقيين، وعلى رأسهم القبانجي. سجّل القبانجي في هذا المؤتمر عشرين أسطوانة تضمّنت أهم المقامات العراقية، ليكون ذلك بداية لتوثيق الموسيقى العراقية ونشرها.
مع كل ذلك، تبقى العلامة الفارقة في تاريخ القبانجي هي مشاركته في المؤتمر الأول للموسيقى العربية الذي عقد في القاهرة عام 1932، تحت رعاية الملك فؤاد الأول؛ بهدف الحفاظ على التراث الموسيقي والغنائي العربي وتوثيقه صوتياً، خصوصا بعد وفاة أعلامه الكبار أمثال يوسف المنيلاوي وسيد درويش ورثة وتلاميذ موسيقي القرن التاسع عشر.
وقد نقلت مجلة الصباح المصرية في عددها الصادر في 18 مارس 1932 عن سكرتير مجلس الوزراء العراقي قوله إن بلاده قررت إيفاد الأستاذ محمد القبانجي قارئ المقامات وعزوري هارون عازف العود، ويوسف زعرور الصغير عازف القانون وصالح شميل عازف الكمان ويوسف بتو عازف السنطور وإبراهيم صالح عازف الإيقاع للمشاركة في المؤتمر.
وفي العدد اللاحق، يوم 1 أبريل 1932، أجرت مجلة الصباح مقابلة مع القبانجي أكد فيها قبول لجنة المؤتمر جميع المقترحات التي تقدم بها لتسجيلها على الأسطوانات التي بلغ عددها 20 أسطوانة احتوت أهم المقامات العراقية.
وأوضح القبانجي أنه سئل عن المقام الإبراهيمي فقال إنه نفسه المقام المعروف في مصر باسم البياتي على الحسيني، وأنه من زمن الموسيقي إبراهيم الموصلي (742م – 806م) المعاصر للخليفة هارون الرشيد، وأن المقام على اسمه. وكذلك سئل عن المقام المنصوري فقال إنه منسوب لعازف العود منصور زلزل. وقال إن اللجنة سمعت منهم البستات العراقية وهي مماثلة للطقاطيق المصرية.
الإسهامات الموسيقية والابتكار في المقام العراقي.
يُعتبر المؤرخ الموسيقي حسين الأعظمي أن تسجيل القبانجي لمقام المنصوري من أبرز الأعمال التي تركها للتاريخ، حيث وُصف أداؤه لهذا المقام بأنّه الأكثر تعبيراً عن مشاعر الشعب العراقي. ويؤكد الأعظمي أن طريقة القبانجي في أداء المقامات كانت متميّزة بالرومانسية والابتكار، مما جعله أحد روّاد التجديد في الفنّ العراقي.
يقول المؤرخ الموسيقي العراقي حسين الأعظمي إن القبانجي سجل في القاهرة مقام المنصوري “كيف يقوى على الجفا مستهام، وأنه لو لم يسجل غيره لكان كافياً أن يخلده التاريخ”. ويضيف أنه “من أجمل المقامات المعبرة، وهو أيضا من أصعب المقامات، مكثف بشكل غريب في تعابيره الشجية، ويكاد يكون المقام الأكثر من غيره تعبيراً عن مأساة العراقيين على مدى التاريخ، كثف في ربع ساعة كل تاريخ العراق في تعابير أدائية..
الكثير من المقامات حقيقة أداها محمد القبانجي وتعتبر منعطفاً كبيراً، والأهم من ذلك طريقته الرومانتيكية المتفجرة دائما بثورات وإبداعات جديدة”. ويؤكد الأعظمي أن طريقة القبانجي في غناء المقامات العراقية “ستبقى على مدى الدهر، وكل ما يخرج من تجديدات أخرى فهي من صلب الطريقة القبانجية، لأنها الأصل في الحداثة التي خرجت لأول مرة عن طوق المحلية”.
مواقف القبانجي وعاداته الشخصية.
وحول مشاركة القبانجي في المؤتمر الموسيقي، يكتب تلميذه المطرب الشهير ناظم الغزالي (1921- 1963م) في مذكراته ما يلي: ” سافر الأستاذ القبانجي إلى القدس عام 1932 وهناك أقام حفلتين. بقي الأستاذ القبانجي ثلاثة أشهر في القاهرة أثناء انعقاد المؤتمر الموسيقي هناك وكانت مصاريف الإقامة والمأكل على حساب الحكومة المصرية، سجل المؤتمر خمسا وثلاثين أسطوانة، لم يبق منها سوى خمس أو عشر أسطوانات وقسم من هذه الأسطوانات محفوظ في معهد فؤاد الأول”.
ولا ينسى الغزالي الإشارة إلى بعض عادات أستاذه فيقول: “الأستاذ محمد القبانجي لا يشرب القهوة مطلقاً ولا يدخن مطلقاً، ويأكل على طريقته الخاصة، يكره أن يرى نفسه في المرآة لأن المرآة في نظره تظهر عيوب البشر، لذلك فهو لا يحلق عند حلاق حتى لا يرى نفسه في المرآة، بل يرسل على الحلاق، وإذا سافر القبانجي خارج العراق يطلب من الحلاق أن يكون الكرسي معكوسا”.
الاعتراف الدولي وتكريمه.
تحوّل محمد القبانجي إلى رمزٍ وطني، ليس في العراق فقط، بل على المستوى العالمي، حيث كرّمته منظمات دولية مثل اليونسكو، التي منحته وسامها عام 1980 اعترافاً بدوره البارز في الموسيقى الآسيويتحول القبانجي خلال حياته وبعد مماته إلى أحد الرموز الوطنية العراقية، وقد ذكره المطرب كاظم الساهر في مواله الشهير عن “الغربة” كأحد معالم العراق التي يشتاق إليها مثل نهر دجلة ساعة الغروب، كما حظي القبانجي بالتكريم من بلاده ومن منظمات أممية مثل اليونسيكو التي منحته عام 1980 وسامها، باعتباره واحداً من أعظم موسيقيي قارة آسيا