ثلاث شخصيات شهربانية" من سوق شهربان الزمن الجميل
- الحاج عباس الشيخ حسين حمد الوردي الجبوري.
- السيد كريم عباس البياتي.
- الحاج ناصر خلف سلمان الأوسي.
لا اعتقد بان هناك إنسان من أهل مدينة شهربان والقرى المحيطة بها لم تطأ قدمه أرض سوق شهربان منذُ أن أوجدت قصبه اسمها شهربان.
أن أرضية السوق هي الورقة الكبيرة التي تركنا عليها طبع أصابعنا. على أرصفتها تنام ذكرياتنا الراحلون والباقون منا نحن الشهربانيون.
سوق شهربان القديم هو (حائط المبكى) وهو القدس وهو التاريخ والتراث لكل من عاش في شهربان وهذه هي فرضيتي. كل من عاش أو أحب أو مر أو عمل في شهربان لابد أن يتذكرها ويحن لأيامه فيها مهما كانت قساوة قلبه.
في هذا السوق الواقع بين الفلكة القريبة من الحسينية والفلكة القريبة من محلة الرمادية تتركز وتصطف ذكريات وعرق ودموع أجيال بعد أجيال ~ ذكريات منسقة متواصلة منذُ بواكير الطفولة الى آخر لحظة في هذه الحياة.
السوق إذن هو ألبوم صورنا وهو مرابع حبنا وأماكن خصامنا وتصالحنا.
الى هذا السوق يهرب المتخاصم مع زوجته أو القرفان من حاله ما أو المفجوع بعزيز عليه أو المصدوم من خيانة ويلجأ إليه العاشق والمخمور... نركض إليه كلما جعنا وكلما فرغت رفوف الثلاجة في بيوتنا.
نزوره باستمرار لشراء متطلبات الزواج وحاجات العيد والمحبة وعاشوراء... نتواصل معه لقضاء الوقت للعب الدومينو والطاولي والمحيبس... نقف على ظهره حين نتعارك أو نتعاتب أو نلتقي بعد غياب …
أن هذا السوق الجميل يتحمل أحذيتنا المتسخة وبصاقنا وأعقاب سجائرنا والقناني الفارغة ومناديل الكلينس التي تحمل فضلاتنا وقاذوراتنا ولا يعترض.
حتى أهل القرى يتخاصمون في قراهم ومزارعهم وبساتينهم لكنهم ولا نعرف لماذا؟ يأتون للتصالح في مقاهي سوق شهربان. كنا نرى تجمعاتهم وصياحهم في مقهى رحمن سفر أو مقهى أبو غصوب ...
كلما تكلمنا مع احد بموضوع شخصي وسري فإننا ننتخب ركن أو زاوية من هذا السوق ونبدأ بالسرد ونخفض أصواتنا إن مر قربنا أحد... نحن لا نثق ببعضنا لذلك نتلفت حين نتكلم لكننا نثق فيه الى النهاية ...
فهو منفضة سجائرنا وحاويات فضلاتنا وصندوق أسرارنا ومدينة ألعابنا ورضاعة تغذيتنا وساحة اعتصامنا ومرابع حبنا ومصدر رزقنا... هو مكان تجمعنا و مزارنا ...
الكلام عن السوق الكبير ممتع ومثير ويصعب لملمة أطرافه ويعجز من يريد أن يضغط ذكريات عشرات السنين في مقال أو مقالين ... هو ليس المكان فحسب ... هو الزمن والإنسان وحركته ... هو ملفات متراكمة على بعضها لكل شخص تعرف أو تتذكر
الشخصية الأولى الحاج عباس الجبوري أو ماجد.
الحاج عباس الشيخ حسين حمد الوردي الجبوري ولد في قرية "التايهة . ومن ثم تحول إلى شهربان محلة النجاجير ( العروبة ) ...
كان الحاج عباس الجبوري صاحب محل موبلييات اسماها موبليات الأمل على اسم ابنته أمل البنت الكبيرة....
كان الحاج عباس حسين الجبوري وكيل الشركة الافريقية للسلع المنزلية منذُ عام ١٩٦٤ واستمر الى سنين الثمانينات ...
في تلك الفترة عرفه زبائنه بانه إنسان متفهم إلى أحوالهم المادية وحاجتهم للسلع فابتكر طريقة كانت نادرة في تلك السنين وهي بيع السلع والأثاث بالتقسيط المريح.
كان يفعل ذلك لمعرفته بحال الناس المادي وأيضاً لانسيابية حركة البيع. ولربما كان قلائل من تجار سوق شهربان يتعاملون بهذه الطريقة. وهذا أن دل على شئ فهو يدل على كرمه وكونه من عائلة كريمة وعريقة.
لقد كان عونا وسنداً للفقراء بدون استثناء وخصوصا لإصحاب الحرف البسيطة ولم يتردد بان يكون كفيل ضامن لطلبة الجامعات في كفالات السكن الجامعي أو التعيين.
بعد أن أغلقت الشركة الأفريقية تعاملها مع الوكلاء حول محله الى تسجيلات الشرق بإدارة المرحوم زاهر من سكنة محلة العروبة.
بعدها بفترة قصيرة تحول الى محل بيع للألبان وكان شريكه في محل بيع الألبان جمال صادق ولم تدم فترة عمله في هذا المجال طويلاً.
أثناء ذلك تحول مسكنه الى حي فلسطين وتقاعد عن العمل الحر في سوق شهربان الذي حمل في حياته اجمل أيامها وتفرغ إلى تربية أسرته التي تتكون من ولد واحد اسمه ماجد وتسع بنات.
معظم أهل شهربان الأصليين يعرفون الحاج عباس ويكنون له التقدير والاحترام ويذكرون محاسنه ويعتبروه من وجوه شهربان ومن رموزها ... رحمه الله.
الشخصية الثانية السيد كريم البياتي أبو علي.
ولد السيد كريم البياتي في العام ١٩٣٧ في شهربان (قرية قزلجة) ودرس في مدرسة الشهيد هشام الابتدائية قرب العيادة الشعبية وأكمل الدراسة المتوسطة وحصل على شهادة الثالث متوسط ...
هو يتيم الأب حيث كان عمره سنة واحدة حين توفى والده إثر نوبة قلبية ولم يبلغ السابعة من العمر حين رحلت والدته أيضاً فسكن مع أخيه الأكبر في قرية سلامة ...
كان يعمل في سكة القطار بعدما ترك الدراسة لحين الخدمة إلزامية حيث خدم طيلة خمس سنوات بعدها أحيل على التقاعد لأسباب صحية ...
في سنين السبعينيات بدأ خطوة نجاحه الأولى في محل صغير ( دكان ) للمواد الغذائية يقع مجاور مصرف الرافدين عند مدخل محلة الرمادية واستمر لعدة سنوات ...
لكنه استثمر عقليته الذكية وتطور بسرعة فكان لديه نهاية الثمانينيات عمارة تجارية مقابل المحل شراكة فيها مع المرحوم الشاعر سلمان مراد رحمه الله وبعدها دخل مجال العمل للمقاولات والتجارة فأنجز بنجاح عدد من البنايات المهمة في مدينة شهربان منها دائرة كهرباء المقدادية ودائرة التجنيد ومدرسة التجارة في محلة الحرية ...
كأحد اليافعين في تلك السنين أكثر شيء لفت انتباهي هي أناقته وهدوئه فهو شخص أنيق مقل بالكلام …
سكن الحي العصري في عام ١٩٦٠ وبقي هناك لحين أن توفي إثر جلطة دماغية عام ٢٠٠٦ عن عمر٦٣ عام ودفن في مقبرة الأمام المقداد عليه السلام رحمه الله …
الشخصية الثالثة الحاج ناصر خلف سلمان الاوسي.
ولد الحاج ناصر خلف الأوسي في العام ١٩١٠ في منطقة إمام ويس لأسرة محافظة ذات صيت وجاه ...
اشتغل في التجارة وكانت له علوة لتجارة الحبوب في عمارةً مالك الحلاق قرب الشاخة مجاور مصلح الساعات أبو فؤاد الساعاتي وبائع المواد الاحتياطية الحاج مجيد سيتاو.
عمل الحاج ناصر أيضا حملدار لنقل الحجاج وكان شريكه الحاج خليل كريكط والحاج علي كريكط (رحمهم الله) وذهب الى الحج ١٨ مرة فيما ذهب الى العمرة ٣ مرات ...
كان يملك أسطول سيارات كبيرة كانوا يسمونها آنذاك (ابو ردين) يقودها الحاج محمود ضباب والحاج عيسى من الحساوية ...
بعد ذلك افتتح محل الافريقية لبيع الاجهزة الكهربائية ... وأثناء تلك الفترة حصلت حادثة له مع مدير المبيعات في وزارة التجارة ...
حين أرسل شريكه السيد سلام النعيمي كي يستلم حصته من المواد الكهربائية رفض مدير المبيعات تسليمه السلع المطلوبة إلا بحضور الوكيل الأصيل. فكان لابد من ذهابه لمقابلة المدير وحال وصوله وصل بادرة المدير بهذا السؤال " كل الهلا بيك الحاج ناصر الويسي ... بس ويسي شنو ؟؟ ... فرد عليه بشعر أرتجالاَ ":
منً جاء اسمهم بالكتاب منزلً
واجارو خير خلق الله رغماً على الاعداءُ
وكانــــــــــو لــــــدين الله خيرُ ناصرً
تشهــــــد لهم الأمــــلاك والبيداءُ
جدنُا الذي اهتز له عرش الرحمان مرحبا
كما رحب بالمومنونٓ حين هاجرو وجائوا
مــن قال لو خِضت البحر لخِضناه
معاك فاسعِ يـا حبيبُ الله ماتشاءُ
فكان رد المدير (اهلاً وسهلاً بالاًوس الانصارِ)
الحاج ناصر الاوسي ... هو شيخ عشيرة (البو سليمان) من قبيلة الأوس القاطنين في حمرين وامام ويس وكان وجه عشائري يصلح ذات البين بين عشائر ديالى وخارجها ... أهل شهربان كانوا يلقبونه ( ابو حلك الذهب ) ...
كان ديوانه مفتوح لجميع من يقبل عليه يعرفه ام لا يعرف وكان معروف بالمروءة والشهامة ... رحمه الله.
احبتي اصدقائي أهل شهربان ...
لقد مرت الآن خمس سنوات ومنشوراتي الشهربانيه مستمره معكم اسبوعياً بنفس قيم الحب الإنساني النظيف وانتم شهود عليها ...
انا لست واحد يعرف له كم كلمه ويتفلسف فيهم عليكم او العب بهن على مشاعركم ... وليس عندي مشروع انتخابي كي أجمع أصوات الناخبين ... ولست واعضاً دينياً ابحث عن حسنات كي ارضي ربي ...ولست منظرا سياسيا انشر سياسة حزبي ... انا لست واحداً من هؤلاء ...
انا مثل اي واحد منكم مسكون بحب مدينتي وعاشق لها وارغب ان اكتب عنها ومنها وفيها بدون الدخول بمناظرات او جدل ...
أعاهدكم بضمير مرتاح بأنني سوف لن أدعي يوما من الايام اني مؤرخ ولن انصب نفسي فيلسوف أو أديب ... ببساطه شديده خالية من المبالغة والنفاق تماما انا اكتب بلغة الحب وغربة وطن عن مدينة عشقنا والهامنا شهربان ~ وتواصلكم الكبير وتفاعلكم الجماعي مع منشوراتي وتشجيعكم المستمر كان ومازال هو محركي على البوح ...
ويوم اقتنع باني غير مفيد او اني ثقيل سأختفي بدون إنذار ولن تجدوا لي بعدها أثر .. والرجال مواقف وأفعال
احبتي واصدقائي أهل شهربان اغنوا منشورات شهربان هذه بما تعرفون ولا تبخلوا بمعلوماتكم
ابن شهربان
كما قد اشرت سابقاً بأني سأبدأ بنشر مختصرات تعريفية عن رموز ووجوه سوق شهربان الزمن الجميل وفي كل منشور سأسلط الضوء على ثلاثة رموز منهم …
فكما يهمنا زمان ومكان شهربان الزمن الجميل يهمنا ايضاً رموزه وابطاله ... يهمنا الانسان الشهرباني الذي جعل من تلك السنين بتاريخ نحن إليه ونحلم بالعودة له ...
اختيار شخصيات المنشور الثلاثه يحدد ظهورها توفر المعلومات والتفاصيل وليس أي معيار آخر.
