يوميات مسيطر جوي
كتاب شكر من الامم المتحده
*************************
يعملون خلف الكواليس يتوخون الدقة في عملهم يتكلمون لغة غريبة بعض الشئ هم يستطيعون أن يتعاملوا مع جميع الطائرات سواء المحلية او الأجنبية يعملون في أماكن لا يزورها العامة وأن زاروها لا يمكن لهم أن يعلموا ما يقولون أو يفعلون وما هي هذه النقاط على شاشة الرادار وكيف هم يتعاملون مع قطعة من معدن الالمنيوم طائرة بالسماء لقد تم إعدادهم إعدادا جيدا لكي يكونوا بتلك المهارة العالية في عملهم لتقديم الخدمة للسلامة .
أتحدث في قصتي هذه عن عمل وجهد أحد المسيطرين الذي رفض كتابة أسمه وأنا وعدته بذلك وتأتي ضمن سلسلتي التي أكتبها لكي أذكر لكم ما لم تعرفوه عن عمل المسيطر أو المراقب الجوي والجهد والعمل المضني الذي يتحمله من خلال ما يعانيه من شد عصبي خلال عمله وهو يتحمل مسؤولية ملقات على عاتقه وأن أي خطأ يكلفه غالياً.
مابعد حرب 1991 تعرض العراق الى حصار ظالم تحمله الشعب وتعرض من ارتبط عمله بالدولة الى حاله ماديه صعبه جداً ولكنه بقي مستمر بالعمل يقدم ويؤدي واجباته بصورة جيدة وكانت لجان التفتيش تجوب أرض البلاد لتطبيق قرار الحصار الاقتصادي والعسكري وتحاول إيجاد ذرائع ومشاكل سياسية لكي تزيد من الاحباط والتضييق على الدولة فكانت لجان التفتيش تنتقل بواسطة طائرات الأمم المتحدة القادمة من مطار لارنكا في قبرص الى مطار بغداد ومطار التحويل هو مطار الحبانية بعد أن تنزل لجنة المفتشين في مطار الحبانية تنتظرهم طائرات الهليكوبتر أو عجلات الأمم المتحدة في العراق وتقلع الطائرة وهي ذاهبه الى مطار البحرين ولهذا السبب كان هناك مراقبين جويين قادمين من مطار بغداد الدولي متواجدين في ضيافتنا مع المسيطرين الجويين لأداء واجب في قاعدة تموز الحبانية في تلك السنوات تعرض العراق الى موجات متعاقبة من تقلبات جوية وخصوصاً العواصف الترابية الحمراء وقلة تساقط الأمطار مما تؤدي الى انعدام الرؤيا وتتسبب في غلق المطارات العراقية لأنها تصبح غير صالحة للطيران .
أنا أكتب كما يروي لنا بطل قصتنا في ذلك اليوم الذي يذكر تفاصيله وما حدث بكل ثوانيه ودقائقه فإنها محفورة في الذاكرة من عام 1992 تم ابلاغي من قبل آمر وحدة السيطرة الجوية العقيد المسيطر نجاة علي زينل (رحمه الله) قال نقيب ( أ . إ ) اذهب الى غرفة الرادار واستعد لأن هناك اتصال قد جاء من القيادة وقد قدمت شكوى ضدنا من قبل لجان الأمم المتحدة على اننا نرفض أن نستقبل الطائرات القادمة من مطار لارنكا وقد عادت طائرتين بعد أن رفض العراق استقبالهم بسبب العواصف الترابية والغبار العالق ومدى الرؤيا المعدومة وقد غرم العراق مبالغ تكلفة هاتين الرحلتين وان هذه اللجان تحتاج الى ذريعة أو سبب لكي تجعلها ازمه سياسيه نحن في غنى عنها قدمت طائرة ثالثة من مطار لارنكا ودخلت الأجواء العراقية عن طريق الممر الجوي التنف - حديثة ثم مطار الحبانية .
بعد أن تمت كل الاستعدادات من تشغيل أجهزة الرادار والاتصال وجهاز النزول الدقيق (PAR ) بعدها تنظيم جهاز الاتصال على التردد 121.5 وهو تردد مخصص للطائرات المدنية للاتصال على القنوات العسكرية وقمت بالاتصال بقسم الانواء الجويه لاعداد تقرير جوي أني وكان التقرير يتضمن أن هناك غبار عالق مدى الرؤيا معدومة الغيوم لاترى بسبب الغبار واتجاه الريح وسرعتها والضغط الجوي بالإضافة الى أن هنالك تحذير جوي ساري المفعول لمدة 3ساعات ويجدد في حال استمر الجو على ما هو عليه وبعد طول انتظار تم إبلاغنا من قبل مسيطر قاطع الدفاع الجوي الأول أن الطائرة قد دخلت الحدود العراقيه هنا بدأت طائرة الـــ(UN) بالظهور على شاشة راداري قمت بالاستعداد لتسلم الطائرة من قبلي من مسافة 50 كم وبدأت بتحويل (QFE) المعطى من قبل قسم الانواء الجوية الذي يناسب الطائرات الغربية لانها تستخدم الضغط الجوي بالمليبار بينما الطائرات الشرقية تستخدم الضغط الجوي المليمتر هنا واستخرجت مقياس(َQNH)وهي عملية تستغرق بضع من الثواني هنا قد تم تحويل الطائرة على مسؤوليتي وقدمت للطائرة بعد تحديد موقعها والمسافة عن المطار الحالة الجوية والمدرج المستخدم والضغط الجوي وانحدارها الى ارتفاع 3000 قدم أي 1000متر وهذا سياق التقرب الراداري هنا بدأت أول عمليات المراقبة وتم توجيه الطائرة الى نقطة تبعد عن بداية المدرج باتجاه التقرب الى المدرج بمسافة 18 كم مع أنحدار الى 1500قدم أي 500 متر وعند الوصول بمحاذات النقطة المختاره أتم أعطاءه دوران بأتجاه المرج مع أمر بأنزال عجلات الطائرة وهو على أرتفاع 500 متر وعندها أستقر بأتجاة 300 وعلى مسافة 14 كم تم أعطاءه الاستعداد لبداية الانحدار بمعدل أنحدار ْ3 درجه مع أعطاءه الضغط وأعاده الطيار وفي هذه الاثناء بلغت برج المراقبه أن يقوموا بتشغيل أنارة المدرج وعند وصوله 12 كم قمت بأعطاءه الانحدار وأنا كل مسافة 1كم أعطيه التصليحات أن كان يحتاج لها أنها لحظات بل ثواني تفصله عن بداية المدرج وأنا متحفز في المراقبه حتى وصل الى مسافة 6 كم متر فكررت علية أن يتأكد من عجلاته الطائره نازله ومقفله وهنا بدأت بسؤاله هل يرى المدرج أم لا ولكنه أجاب بالنفي وقال أنه لايرى المدرج أو الارض والثواني تتسارع والطائرة تقترب من بداية المدرج عندها تيقنت أن الطيار لازال لا يرى بداية المدرج وقررت أن أستمر معه لغاية ملامسة عجلات طائرته أرض المدرج والمعطيات أمامي على جهاز (PAR) كلها صحيحة حتى وصلت الطائرة فوق منطقة الملامسة أمرت بإغلاق ضاغطة الوقود لانه فوق منطقة الملامسة والحمد لله هبطت الطائرة بسلام وأخذ يردد ( THANK YOU THANK YOU GOOD RADAR CONTROLLER) وبعدها قال( I want to meet you now ) وفعلاً ذهبت له وشكرني وأهداني علبة من الحلويات لقد أديت واجبي وأنا كلي اعتزاز وثقة بما قدمت.
لم تنتهي القصة بعد لقد قام المراقب الجوي مشكوراً ولا أتذكر أسمه بابلاغ مسؤولية بما قمت به من إنجاز ونقل الصورة وبوضوح تام وهو يشعر بما نحن نشعر به لان مجال عملنا نفس المجال ونفس المعاناة وقد جاءني كتاب شكر من إدارة الطيران المدني ويعود الفضل لما نقله من تقرير عن العملية الرادارية الدقيقة والناجحة وكانت هنالك مفاجآت وليست مفاجأه واحده أن يأتيني كتاب شكر من وزارة الخارجية العراقية وكتاب آخر من قائد القوة الجوية مع تكريم 100 ألف دينار وأخيراً يأتيني كتاب شكر وتقدير خاص من الأمم المتحدة عن طريق وزارة الخارجيه .
من المؤسف أن هذه الطاقات الخلاقة قد هدرت وتم تركها لهذه السنوات التي تلت عام 2003 وكانت الأسباب أنهم مسيطرين عسكريين وليس عندهم إجازة عمل وكذلك أرى نظرة بعض وليس كل المراقبين الجويين المدنين عدم تقبل مثل هذه الطاقات في حين أن من جاء بعقود أجنبيه هم من المراقبين العسكريين أن النظر بعيون مختلفة ونظرة ضيقة وأنانية مفرطة والنظر ماهو أجنبي بعين والنظر إلى ابن البلد بعين أخرى ولم نكن نحن السبب ولكننا لم نفكر ونحن في الخدمه ونحتاج الى إجازة العمل كمراقبين جويين لان عملنا لايختلف وإحساسنا واحد ونحن اليوم قلوبنا معهم كي ينصفهم المسؤولين في استرداد حقوقهم ومساواتهم أسوة بالمراقبين الجويين في العالم أنهم نخبة من النخب العراقية المهمة.
لم تأتي هذه الخبرة والثقة العالية في إنقاذ الطائرات بالمصادفة بل من خلال تدريب شاق وتمارين مستمرة فقد كان في نشرة التدريب السنوية حيث كانت هذه العمليات الراداريه تسجل مثل ما تسجل ساعات الطيران وكان مطلوب من كل مسيطر ردار أن يعمل 150 عملية رادارية في السنة وتثبت في سجل خاص وتجمع وترسل الى القيادة شهرياً وأن مسيطري الرادار أكثرهم خريجي إنكلترا مركز شوبري وإيطاليا والهند وبعد شراء مدربة الرادار أصبح جناح تدريب هو من يقوم بتخريج الكوادر وبنفس مناهج مركز شوبري وبنفس الشدة ونفس المواصفات التي يتطلبها مسيطر الرادار …
شكراً لكل القراء الأعزاء والى قصة اخرى …
**************************
بقلم مالك عبد القادر المهداوي