مقهى مانع" مقاهي شهربان بالزمن الجميل
بقلم / ابن شهربان (Ibn shahrban)
مقهى مانع" مقاهي شهربان بالزمن الجميل. اكثر معلم ملامس لمزاجي الشهرباني في مدينة طفولتنا وعشقنا شهربان. هو مجرى نهر الشاخة القديم.
إن اجمل مكان يؤم في ضميري هو مجرى نهر الشاخة" تحت فضوة الخبز الفلكلورية الجميلة. إن اكثر نقطه تذكرني لحد الحزن فيها هي "قنفات" مقهى السيد مانع المرصوفة في الخارج عند مدخل المقهى على حافة مجراه الأثري، في مواجهة شروق شمس شهربان.
عندما تصعد فوق كذائل سعف النخيل. إن جلست عليها كأنك تسمع خريرها الأزلي خلف ظهرك. تكاد تشم روائح طحالبه وطين دهلته وعطر نعناع ضفافه وزفرة أسماكه.
لم أشاهد في حياتي مجرى نهر الشاخه القديم المار كالشريان من قلب سوق مدينة شهربان. لكني عرفت مساره وكنت أرى بعضاً من آثاره.
فهو يدخل سوق شهربان من فضوة الخبز تماما بين مقهى مانع ومدخل سوق البزازين، ليمر متخفياً لا تراه ولكنك تسمع خريره الجميل من أمام دكان كبة السيد قادر الشهيرة، ومحل بقالة السيد جلال صادق (اخو جمال صادق).
فهو بهذه المسافة القصيرة يكون مغطى وكانت الناس تسير من فوقه واترك لخيالكم حرية التصور لسحر وجمال هذا المكان الخرافي. فضوة الخبز وخرير نهر الشاخة تحتها.
ماذا لو بقيت الى اليوم ورصفت أرضية تلك الفضوة الساحرة بالزجاج لكي يمشي فوقها الناس؟ يا إلهي إنها جنة الأحلام !.
بعد مسافة قصيره (خطوات) من فضوة الخبز يظهر النهر مكشوفاً. ينحدر يساراً واضعاً محلة التوراة على يمينه والجامع الكبير على يساره.
كانت هناك قنطرة تربط مدخل محلة التوراة والجامع الكبير ومن تحت هذه القنطرة يخرج سريعا متدُهدراً وتزداد قوة تياره لشدة انحداره مندفعا بعنفوان وهدير كبير.
- لا اعرف. من قرر تغير مجرى نهر الشاخه الخالد من وسط مدينة شهربان الى طرفها. ولا اعرف لماذا هم فعلوا ذلك؟
- ولا اعرف ماهي الأسباب والمبررات المقنعة التي دعت من قرر أن يقتل مجرى الشاخه الجميل ودفنه حياً في وسط درابين محلة النجاجير وسوق شهربان ومحلة التوراة والجيروان والمصاليخ ؟
- هل هي دواعي التلوث البيئي ؟ أم لأغراض التوسع ؟
- أيٌّ كانت هي الأسباب فهو خطأ جسيم وكل المبررات هي غير مقنعه. إن معظم مدن العالم تقع على انهار تمر من وسطها.
- تخيل الحال لو أن مدينة باريس بدون نهر السين Seine. أو مدينة لندن بدون نهر التايمز Thames. أو برلين بدون نهر سبري Spree. او موسكو بدون نهر الفولكا Volga. او بغداد بدون نهر دجله.
- سوق شهربان القديم الجميل كان بدون نهر الشاخه الخالدة. لكنه الآن بدون أهله كذلك... ملعون يا زمن!
مقهى السيد مانع موقعها وروادها.
بين مدخل سوق القماش المغطى وسوق صاغة الذهب تقع مقهى السيد مانع التي تتوسد ضفاف نهر الشاخه.
دكان كبة ابو قيس الشهية جدا وكنت أرى الناس عليها طابور في الصباح الباكر. تذوقنا الكبة في العديد من مدن العراق وفي بلدان العالم . لا ادري لماذا لم احس بنفس مذاق كبة ابو قيس أو كبة محمد كبجي. أين السر(ليش) ؟
اشعر وكَإنّ أهلنا طعامهم كان يُدْافُ بالحب ويعجن بالمحبة ويطبخ بالطيبة ويقدم لنا بنفوس راضية مرضيه.
هو ليس تعنصر او تحجر عقول وامزجه. طعام أهلنا كان أطيب وألذ في زمن شهربان الجميل. تذكري يسيل لعابي لِكُبَةْ السادة ابو قيس ومحمد كبجي.
لن ينسيني مقهى مانع. لمقهى مانع شجون وذكريات هي أولا واقعه تماما على مجرى الشاخه الخالدة القديم. كانت بمنزلة نادي اجتماعي لشباب مَحَالّ النجاجير والحداحدة .
فهم لا يذهبون الى بيوتهم ظهرا إنما يفضلون الجلوس في المقهى على قيلولة ظهاري مدينة شهربان اللاهبة يتحاورون ويلعبون مختلف الالعاب.
فعلاً كانت المقهى البيت الثاني لنا وربما فاق وقت بقائهم هناك على وقت مكوثنا في بيوتنا. المكتبات العامرة والمقاهي الوافرة وضلال السوق المسقف هي بيتنا الثاني.
كثيرا ما نهواها اكثر والمقاهي لها وظائف أخرى فحين تسمع هموم الآخرين ترى همومك تصغر كلمات المفكر كريم كبة.
ثانيا كانت مقر فريقي المفضل اتحاد المقداد. كثيراً ما كنت أذهب متعنياً الى هناك ليس شغفا في شرب استكان الشاي او "قنداغ الحامض".
إنما للذهاب إلى الحائط الداخلي البعيد لكي أرى صور الفرق الرياضية الانكليزية وأعلام الفرق التي لعب معها الاتحاد ...
- كثيرا ما كنت أجد هناك بعض لاعبي الاتحاد مثل الكابتن أمير أنور وصديقنا غانم حسين جدوع (ابو ذيبه) ، زاهد عطيه ، وليد كريم ، صباح كبه، قيس عزيز، شامل كامل، علاء مانع وأخوته وغيرهم.
- كثيرا ما كنت اختلس السمع لكلامهم وتعليقاتهم. لكي اسرق موعد المباراة التالية عصر يوم جمعة شهربان الجميل.
- دون أن يكترثوا لوجود طفل فضولي قربهم على القنفه. لا ادري هل أنا فرحان أم حزين بعد أن حصل التواصل حالياَ مع أولئك اللاعبين الأفذاذ .
- حصل التواصل غير المرئي بيني وبين أبطال كرة قدم شهربان في الزمن الجميل. منهم اللاعبين الذين كنت اركض ورائهم طفلا في السوق والملعب.
- الكابتن أمير انور" وشامل كامل" وغانم حسين جدوع" واحمد غائب" وقيس عزيز" وصباح كبه" وعلاء مانع" وخالد حميد صالح" ومحمد مرزه" وآخرين.
لقد جمع الله ذلك الطفل الفضولي مع نجوم كرة القدم القدامى ولكن ليس على قنفات مقهى السيد مانع إنما نتحاور من خلف البحار والمحيطات ( ليش؟؟ ) .....
لقد جمعني وإياهم حديثًا الحنين الى شهربان الزمن الجميل لكني حزين كونهم لا يعرفوني ولم يروني ~ فانا لم اكن واحداَ من جيلهم ......
الشيء الوحيد الملموس عني هي كتاباتي الحالية عنهم وعن تاريخهم وهم يصدقوا... كونها صحيحة وهم شهود عليها.
و بعد ....
كلما كتبت عن دربونة أو شارع في مدينة طفولتنا وعشقنا شهربان او احد من أهلها اغوص عميقاَ في ولهي الشهرباني فيظهر المنشور وأقول لنفسي لن استطيع ان اصيغ بعده أي كلام ...
يختلط حنيني ومشاعري مع تتابع الذكريات وبلاغة الكلام أحيناَ حد الغرق ولا أعرف من أين أبدأ الكلام من فيض بلاغة المفردات التي تتراقص بين أناملي ومفاتيح الحاسوب ولا أعرف كيف اختصر هذا الكم الهائل من التفاصيل التي احس بها وكأنها حية تتنفس وتتنافس على الظهور كي اقدمه لكم بصفحة واحدة او صفحتين ...
لكني ما أن أغوص في المنشور التالي أجد نفسي تعوم طايفة فوق أمواج متكسرة من ذكريات لا تنتهي وأحتار من أين أختار كلماتي واحيانناً آتية متسكعا بين التفاصيل الشهربانية كما كنت اتسكع ذات يوم في درابين سوق شهربان الساحر ودكاكينها ومقاهيها.
انه عشق فيه هيام ... أرضعتني شهربان مصل الهيام ... لقد فهمت معنى الهيام ... وقد لامني البعض عليه ….