recent
أخبار ساخنة

الورقة الصفراء" أخر ما نرثها

Site Administration
الصفحة الرئيسية

yellow paper،الورقة الصفراء" أخر ما نرثها

 الورقة الصفراء" أخر ما نرثها 

بقلم كامل الدليمي

الورقة الصفراء" أخر ما نرثها... جلسنا... أنا والعامل البسيط المهجر الذي كان يعمل في سكلتي…على كومة من الحصى.

سالته… أبو احمد.:. كيف… وأنا اكبر منك بعشر سنين... لكنك تبدوا اكبر مني بعشرين سنة؟

ابتسم… ظهرت أسنانه…من اسفل شاربه الكثيف.

قال سأجيبك بما لا تعلم؟ 

في احد الانفجارات... قتل أخي... وضاع ابني الكبير بين أكوام رماد المواد المحترقة... لم نجد له جثة! يبلغ من العمر تسع سنين واحد عشر شهراً.

في اليوم التالي. من عزاء أخي... وصلني... خبر؟

خبرٌ" هز كياني... أخبروني أن ابني ما زال حياً... في احد القواعد الأمريكية... في الدجيل. أخبروني أن اذهب لاستلام ابني.

سارت بي المركبة نحو القاعدة الأميركية.... كان أطول طريق سرت فيه… رغم قصر تلك المسافة... عيوني تتقلب تنظر بإمعان للاشيء… لكني أشعر بفقدان شيء عزيز... ﻻ اعرف أين هو الأن.

استقبلتني…وجوه جافه…تخلوا من الحب…دربت كي تكون أدوات للقتل… من دون رحمة... ﻻ تعرف ما معنى الفقدان.

وقفت مرتعشا...أمام باب الاستعلامات اطلب منهم… أن أرى ابني فلذة كبدي.

طلبوا مني أن أسير خلف احد جنودهم ومعه مترجم…كان المترجم ينظر لي بين الحين والحين... نظرات غريبة...ﻻ اعرف ما تلكم النظرات؟ 

هل ينظر لي بنظرات احتقار! أم نظرات يريد فيها أن يقرأ ما تخبئه عيوني من كلمات. وأنا أقول له في سري ... تبا لك أأنت تعمل مع غزاة بلدي.

اخيرا وصلنا... الى بناية. لم اشعر في حياتي ببرد مثله من قبل. قدر ما كنت أعاني في ممر تلك البناية... كانت الكآبة تحيط بالمكان. 

دخل المترجم والجندي الأمريكي معاً... أخرجوا لي كيساً أسود... له سحابة طويلة... فتحوه لي... وإذا هو به ابني... قد تجمد الجسد البرئ. 

قال المترجم هل هذا هو ابنك؟

فقلت: نعم.

تناولت الكيس حملت ابني في أحضاني ممدد على طوله... ترفض أعضاءه الانطواء بسبب

تعرض جثته للتجمد.

فتحت الكيس في منتصف الطريق…وجدت ورقة صفراء اللون مربوطة بذراعه... مكتوب عليها حروف وأرقام غريبة...لا افهم ما معناها... سحبتها ووضعتها في جيبي.

اخرج لي تلك الورقة الصفراء من جيبه... يحتفظ بها من تاريخ ذلك اليوم.

قال هذه الورقة أعدّ ها أثمن إرثٍ في حياتي…لو قايضوني بأغلى الأشياء لن أتخلى عنها.

تمسكها زوجتي أحيانا... تسألني ما هذه الورقة؟ 

أقول لها أنها هدية من صديق... فتقول…هل هذا الصديق عزيز عليك لهذه الدرجة؟ بحيث تحتفظ بورقة منه في محفظتك وتبقيها دائما قريبة.... من قلبك؟

أحاول أن اخفي عنها دموعي… ﻻ أريد أن يتسلل الحزن إليها اكثر مما نحن فيه.

أوهمها بصدق ابتسامتي... انزوي بعيداً وأهرب من سيرة تلك الورقة... وذلك الصديق العزيز الذي تختزنه  الذكراة…

امسك أبو أحمد كومة من الحصى الناعم... اخذ يرمي بيده الواحدة تلو الأخرى.

قلت في سري؛ ليت أني لم ألح عليه بالسؤال... ليت أني لم أقارن بين شكله وعمره... ليت أني لم أوجه له السؤال.

لماذا غزى الشيب شعرك قبل الأوان؟... لماذا أرى التجاعيد تخط أثرها على وجهك؟

ذهلت من قصة ابو أحمد المؤلمة... ذهلت من كمية الألم الهائل التي يختزنها ويحملها أبو أحمد في داخله. 

شكل أبو أحمد يوحي لك أنه يوشك أن يكون في العقد السادس... وفي الحقيقة أن سنين عمره قد تجاوزت العقدة الرابع في السنين الأولى. 

انزويت منفرداً…في احد زوايا مكان عملنا... الحزن يمزقني لقصة صديقي وزميلي أبو أحمد في العمل.

هنالك صوت في داخلي يصرخ... ما أقساك أيها القدر... تفرقنا عمن يسكنون قلوبنا... تبعد بيننا وبين من نحبهم. 

حين لن يتبقى لنا منهم... سوى ورقه صفراء… تحمل حروف غريبة ومبهمه... نخفيها في محافظنا.....تذكرنا لأمد بعيد بهم. وهي ورقة صفراء أخر ما نرثها.

google-playkhamsatmostaqltradent