الحاكم المصلح
وبناء الدولة
راسم العكيدي
ليس سهلاً ان يكون الحاكم مصلح وليس ببساطة ان يعيد بناء الدولة فالامر يحتاج الى عمل شاق وعميق ومنظم ومتواصل ومستمر...
بمتابعة وتركيز ويحتاج الى المزيد من الرقابة والتنظيم وتحويل المصالح الى مكاسب دولة تتوزع بانصاف وعدالة ومساواة.
الامر ايضاً ليس مستحيل رغم كونه يحمل مصاعب نظراً لتوسع النشاطات وتشعبها ووجود مافيات الاحزاب ومافيات المتنفذين وعصابات السطو والاستيلاء...
التي استغلت الفراغ والتراخي وعدم المسؤولية واستثمرت استغلال شاغلي المناصب لمناصبهم وصلاحياتهم اولائك المعينيين بالمحاصصة والمساومة والصفقات السياسية والفئوية.
يذكر لنا التاريخ ان مدينة لكش في مملكة سومر كان يحكمها اورناش وقد ترك الكهنة والاثرياء يستغلون ابناء المدينة باسم الدين.
يدخل الكاهن الاعظم بيوت الفقراء ويسلبهم الحطب في الشتاء ليتدفأ وتركهم عراة دون دفأ وحطب لنار يشعلوها لتدفأهم.
فأطاح اهل لكش بالحاكم اورناش واختاروا حاكم من سلالة اخرى هو اوروكاجينا الذي اصدر مرسوم منع بموجبه الكهنة والاثرياء من استغلال اهل لكش باسم الدين ومنع الكاهن الاعظم من دخول حدائق الفقراء وسلبهم الحطب.
واعفى الارامل والايتام من الضرائب وكانت الضرائب لا تعد ولا تحصى في المدينة وتجمع ثروة ضخمة لكنها لا توزع بعدالة وانصاف...
يستأثر بها الكهنة والمتنفذين ويثرون بها باسم الدين والسلطة ولا ينال منها اهل لكش ويتركون فقراء دون دخل يمنحهم المعيشة.
وقد اعاد اوروكاجينا هيبة الدولة والقانون؛ ومن ضمن القوانين التي شرعها قانون يمنح الرجل الفقير ان يضع ثمن لبيته المجاور لبيت رجل متنفذ او كاهن...
ان رغب ببيعه لا برغبة وارادة الرجل المتنفذ او الكاهن ولا بثمن يفرضه والا فانه لن يستطيع اخذه.
وقد كان سلب الفقراء بيوتهم شائع ومن قبل الكهنة والاثرياء والمتنفذون وقد اوقفت هذه الظاهرة بقانون رادع.
كان هذا في مدينة ووملكة صغيرة ومحدودة الجغرافية لكنها كانت مملكة كبيرة في التاريخ ورغم ان السكان قليلون والنشاطات محدودة الا ان الاستغلال واسع...
الان البلاد كبيرة والناس كثيرون والنشاطات واسعة ومعها اتسعت ظواهر السلب والاستئثار بالثروة وسلب الموارد والسطو والاستيلاء باسم الدين...
واستغلال السلطة ومع هذا التوسع يحتاج الحاكم الى مزيد من التنظيم والرقابة والقوانين والتطبيق الامين لها وادوات لتنفيذها ويحتاج الى اجراءات وتدابير لاجبار المشمولين بها لتطبيقها.
لكي يكون مصلحاً يجب ان يشرع قوانين تواكب الزمن والمرحلة ويحتاجها الاصلاح واعادة بناء الدولة فالتاريخ يتكرر ويعود ولكن بوجوه اخرى.