شيخ غريب" نازح في وطن غريب.
بقلم... كامل الدليمي
شيخ غريب" نازحٌ في وطن غريب. تعددت فيه أسباب الغربة. لم يكن بيده القرار أن يترك الديار إلا أن يهاجر ويبحث عن الأمان. في وطن غريب وشيخ غريب.
دخل شيخ قد تجاوز العقد السابع... عرفت انه من النازحين... تلك الصفة التي أطلقت على من بحث عن أمان نفسه من بين أكوام الدمار. صفة قد تكون فيها نوع من الذلة.
بدا لي ...أنه شيخ كبير متألق. رجل ذو منطق. شيخ عشيرة أصيل. ديوانه عامر قبل النزوح. مجلس ديوانه كان قبلة لشيوخ العراق الآخرين. حتى بيشكان تعرف قدر هذا الشيخ النازح.
تغيرت الأحوال بعد أن ترك الشيخ النازح الديار. استنزفت الموارد بلا بديل أو وارد. بدت عورات الغربة تضرب أطنابها. في وطن سماك غريب أو نازح.
أي غرابة أراها. كل الأحوال تغيرت خلافاً لما كان يرجو أو يأمله. الاستقرار الأمان. شيخ غريب.......في وطن غريب......والم غريب.
اشتياق للماضي. كل ما تبقى لديه هو عز وكبرياء... حاضره ذل وحرمان… يمزقه ألم غريب. بل أنه غريب في الوطن.
راقبت حركة يديه وهي ترتعش. تتساقط الأشياء من بين أصابعه. حتى لفافة التبغ لاتستيطع صابعه أكمالها.
لعل دخانها القاتل ينسيه ألم العوز ومشاعر الذل التي يعيشها. مع أنّه مشاق لتلك اللفافة.
أثر على نفسه السكن بهيكل دار لم تكتمل. لا تقيه برد شتاء أو لهيب صيف لا يحتمل. أن بقي بدارة وصم بالإرهاب. وأن نزح عنها وصف بالتعاون. وهو بين هذا وذاك لم يكسب الرهان.
تمنى الموت أمامي... لفضها بلسانه... قال إن الموت لي أرحم ... من هذا الزمان… هو للأجساد راحة ...وإلى الأرواح سكينة .
فقلت له....يا شيخ…إن عذاب القبر والأخرة شديد؟
أجابني…بضحكة يملأها الألم... نعم...لكنك لن تحاسب…على فعل لم ترتكبه... لن تحاسب هناك على أساس... جنسك ... عرقك ... مذهبك ... عرقك ... وطائفتك ... هنالك ... عدل.
سرقت تحاسب....لم تسرق... أنت مع الأبرياء ... هنالك إن قتلت تحاسب... إن لم تقتل.....فانت من الأتقياء ... تحاسب على ذنبك ... تنادى باسمك…حسابك على قدر ذنبك ... إن كنت علي أو كنت عمر...
أم كنت زيداً ... ليس لاسمك تأثير... فإما سوط الجلاد يلسعك ... أو تغشاك رحمة من الباري تفرحك...
قد كنت شيخاً أثيراً في أهلي ... حتى دارت بي نواعير الحياة ... جاءت طيور الظلام لتأكل مزارع الحب التي بذرناها... تركت كل ما أملك خلف ظهري… هربت من المجهول الى المجهول.
تركت فناجين قهوتي ودﻻلها… هي لم تزل ساخنة... تركت خلفي تأريخي ... مازالت جدران قريتي تذكرها... تتكلم عنها فتروي تأريخنا للأجيال.
أنا الآن مهجر...انتظر منحة الذل من أأيادي السار قين ... أي زمن هذا؟ زمن ذل فيه الشريف… وكرم فيه الديوث ... أي زمن هذا؟ جلد العفيف بعصي السارقين ....
صمت ذلك الشيخ الغريب ... قال لي وداعا؛ لكنه قال لي؛ كلمه أخيرة ... تمنى لي الموت يا بني في صﻻتك…وداعا؟ شيخ غريب نازح في وطنه غريب...