recent
أخبار ساخنة

القصيدة الزينبيه" الشاعر العباسي صالح عبد القدوس

Site Administration
الصفحة الرئيسية


القصيدة الزينبيه" الشاعر العباسي صالح عبد القدوس" 

قراءة مالك المهداوي

الشاعر العباسي صاحب شعر الحكمة صالح بن عبد القدوس أبو الفضل البصري، هو صالح بن عبد القدوس بن عبد الله بن عبد القدوس الأزدي الجذامي. 

وهو شاعر عباسي كان مولى لبني أسد. كان حكيماً متكلماً يعظ الناس في البصرة، له مع أبي الهذيل العلاف مناظرات، واشتهر بشعر الحكمة والأمثال والمواعظ، يدور كثير من شعره حول التنفير من الدنيا ومتاعها، وذكر الموت والفناء، والحثّ على مكارم الأخلاق، وطاعة الله، ويمتاز شعره بقوة الألفاظ، والتدليل، والتعليل، ودقة القياس.

مرت أحداث في حياة الشاعر جعلته يقارن بين الأسباب كما يقارن بين النتائج؛ فيَصل إلى آراء مُحكمة مستخلصة من تجاربه وتجارب غيره. 

قال المرتضى: (قيل رؤي ابن عبد القدوس يصلي صلاة تامة الركوع والسجود، فقيل له ما هذا ومذهبك معروف؟ قال: سنة البلد، وعادة الجسد، وسلامة الولد!) وعمي في آخر عمره.

اتهم بالزندقة وقتل بها؛قيل إن الخليفة المهدي العباسي قتله وصلبه على جسر بغداد، فنقل الوُشاة أحاديثَ زندقته إلى الخليفة المهدي، فقال له بعد أن مَثَلَ بين يديه: ألست أنت القائل:

والشيخ لا يترك أخلاقه*** حتى يُوارَى في ثَرى رَمْسه

فقال: بلى يا أمير المؤمنين! … فعاد الخليفة يقول: وهكذا أنت، لا تترك أخلاقك حتى تموت! وأمَر به فصُلِبَ ومات …

يروي ابن القارح في رسالته الى أبي العلاء المعري: "أحَضرَ - أي المهدي- صالح بن عبد القدوس واحضرَ النطْعَ (شبيه بكرسي الإعدام) والسيافَ، فقال صالح: عَلامَ تقتلني ؟!

فاخذ غفلته السيافُ فإذا رأسه يتدَهدأُ على النطعِ، يذكر ان "المهدي" نفسه ضربه بالسيف فشطره شطرين، وُصلب بضعة أيام ثم دفن عام 778م . 

يظل سؤال بن عبد القدوس: علامَ تقتلني ؟! عالقاً في الأذهان وشاخصاً في صفحات التاريخ المشوهة والمخفية ليومنا هذا ليشكل ادانة قوية وفاضحة لكل عصور الاستبداد التي نهشت العقل والقلب والجسد!

ويقول ابن الاثير في تاريخه: "كانت تلك التهمة في زمنه وسيلة للإيقاع والانتقام" وقد أعدم العديد من الشعراء والمفكرين بتهم ظنية تقوم على الوشايات الكيدية الكاذبة .

يقول عباس محمود العقاد: ّأن هذا الحكيم قد حوسب بقوله وقتل؛ لأنه درج منذ صباه على رأي في الدين لم يعدل عنه بعد بلوغ الشيخوخة كما قال مُتَّهِمُوهُ، فالزموه الحجة من كلامه؛ حيث قال في قصيدة أخرى من قصائد الحكمة:


لا يبلغ الأعداء من جاهل*** ما يبلغ الجاهل من نفسه
والشيخ لا يترك أخلاقه*** حتى يُوارَى في ثَرى رَمْسه
إذا ارْعَوَى عاد إلى جهله*** كذي الضنى عاد إلى نكسه

بل هو القائل كل كلام يحتاج إليه الفتى المنصوح من الشيخ الحكيم؛ ليعرف طريق الخلاص من المصير الذي صار إليه، بمنطق لسانه، بعد أن عرف كل ما عرف، وقال كل ما قال! ولكنَّه القدر، كما قيل، يعمي البصر، وقد عمي ابن عبد القدوس وفقد بصره قبل أن يفقد حياته (سنة 167للهجرة) …

ولعله (غفر الله له) قد عاش ومات مفترًى عليه؛ إذ ليس الافتراء على أمثاله بالعجيب ولا بالقليل!"

القصيدة الزينبية

تُنسب القصيدة الزينبية للإمام علي بن أبي طالب كرم الله وجهه في عدة مصادر، بينما يرجح الكثير من رواة الشعر ومؤرخي الأدب نسبتها إلى الشاعر العباسي صالح بن عبد القدوس. 

وإن وردت في ديوانيهما معا مع تفاوت طفيف، أولا لورود اسم علي في ختام قصيدة الامام علي كرم الله وجهه ، وثانيا لورود أسماء لم تكن في عصره، كشخصية أشعب، الذي عاش بعده بقرن ونيف، والأكيد أنها مجمعة من عدة مصادر أدبية، ولا نكاد نجزم أنها لشاعر واحد

صَرمتْ حبالكََ بعد وصلكَ زينبُ ** والدهر فيه تصرمٌ وتقلبُ
نشرت ذوائبها التي تزهو بها ** سوداً ورأسُك كالثغامةِ أشيبُ
واستنفرت لما رأتك وطالما ** كانت تحن إلى لقُاكَ وترغبُ
وكذاك وصلُ الغانيات، فإنه ** آلٌ ببلقعةَ وبرقٌ خُلبُ
فدَّعِ الصِّبا فلقدْ عداكَ زمانُهُ ** وازهَـدْ فعُمرُكَ مرَّ منهُ الأطيَـبُ
ذهبَ الشبابُ فما له منْ عودةٍ ** وأتَى المشيبُ فأيـنَ منـهُ المَهـربُ
دَعْ عنكَ ما قد كانَ في زمنِ الصِّبا ** واذكُر ذنوبَكَ وابِكها يـا مُذنـبُ
واذكرْ مناقشةَ الحسابِ فإنه ** لا بَـدَّ يُحصـي مـا جنيـتَ ويَكتُـبُ
لم ينسَـهُ الملَكـانِ حيـنَ نسيتَـهُ ** بـل أثبتـاهُ وأنـتَ لاهٍ تلعـبُ
والرُّوحُ فيكَ وديعـةٌ أودعتَهـا ** ستَردُّهـا بالرغـمِ منـكَ وتُسلَـبُ
وغرورُ دنيـاكَ التـي تسعـى لهـا ** دارٌ حقيقتُهـا متـاعٌ يذهـبُ
والليلُ فاعلـمْ والنهـارُ كلاهمـا ** أنفاسُنـا فيهـا تُعـدُّ وتُحسـبُ
وجميعُ مـا خلَّفتَـهُ وجمعتَـهُ ** حقـاً يَقينـاً بعـدَ موتِـكَ يُنهـبُ
تَبَّـاً لـدارٍ لا يـدومُ نعيمُهـا ** ومَشيدُهـا عمّـا قليـلٍ يَـخـربُ
فاسمعْ هُديـتَ نصيحـةً أولاكَهـا ** بَـرٌّ نَصـوحٌ للأنـامِ مُجـرِّبُ
صَحِبَ الزَّمانَ وأهلَه مُستبصراً ** ورأى الأمورَ بمـا تـؤوبُ وتَعقُـبُ
لا تأمَنِ الدَّهـرَ الخَـؤُونَ فإنـهُ ** مـا زالَ قِدْمـاً للرِّجـالِ يُـؤدِّبُ
وعواقِبُ الأيامِ في غَصَّاتِهـا ** مَضَـضٌ يُـذَلُّ لـهُ الأعـزُّ الأنْجَـبْ
فعليكَ تقوى اللهِ فالزمْهـا تفـزْ ** إنّّ التَّقـيَّ هـوَ البَهـيُّ الأهيَـبُ
واعملْ بطاعتِهِ تنلْ منـهُ الرِّضـا ** إن المطيـعَ لـهُ لديـهِ مُقـرَّبُ
واقنعْ ففي بعضِ القناعةِ راحةٌ ** واليأسُ ممّا فـاتَ فهـوَ المَطْلـبُ
فإذا طَمِعتَ كُسيتَ ثوبَ مذلَّةٍ ** فلقـدْ كُسـيَ ثـوبَ المَذلَّـةِ أشعـبُ
وتوًّقَ من غدر النساءِ خيانةً ** فجميعهن مكايدٌ لك تنصبُ
لا تأمن الأنثى حياتكَ إنها ** كالأفعوان يراع منه الأنيبُ
لا تأمن الأنثى زمانكَ كلُه **يوماً، ولو حلفَت يميناً تكذِبُ
تغُرى بليِن حديثها وكلامها ** وإذا سطت فهي الصقيلِ الأشطبُ
وابـدأْ عَـدوَّكَ بالتحيّـةِ ولتَكُـنْ ** منـهُ زمانَـكَ خائفـاً تتـرقَّـبُ
واحـذرهُ إن لاقيتَـهُ مُتَبَسِّمـاً ** فالليـثُ يبـدو نابُـهُ إذْ يغْـضَـبُ
إنَّ العدوُّ وإنْ تقادَمَ عهـدُهُ ** فالحقـدُ بـاقٍ فـي الصُّـدورِ مُغيَّـبُ
وإذا الصَّديـقٌ لقيتَـهُ مُتملِّقـاً ** فهـوَ العـدوُّ وحـقُّـهُ يُتجـنَّـبُ
لا خيرَ فـي ودِّ امـريءٍ مُتملِّـقٍ ** حُلـوِ اللسـانِ وقلبـهُ يتلهَّـبُ
يلقاكَ يحلفُ أنـه بـكَ واثـقٌ ** وإذا تـوارَى عنـكَ فهـوَ العقـرَبُ
يُعطيكَ من طَرَفِ اللِّسانِ حلاوةً ** ويَروغُ منكَ كمـا يـروغُ الثّعلـبُ
وَصِلِ الكرامَ وإنْ رموكَ بجفوةٍ ** فالصفحُ عنهـمْ بالتَّجـاوزِ أصـوَبُ
واخترْ قرينَكَ واصطنعهُ تفاخراً ** إنَّ القريـنَ إلـى المُقـارنِ يُنسـبُ
إنَّ الغنيَ من الرجالِ مُكـرَّمٌ ** وتـراهُ يُرجـى مـا لديـهِ ويُرهـبُ
ويُبَشُّ بالتَّرحيـبِ عنـدَ قدومِـهِ ** ويُقـامُ عنـدَ سلامـهِ ويُقـرَّبُ
والفقرُ شينٌ للرِّجالِ فإنـه ** حقـاً يهـونُ بـه الشَّريـفُ الأنسـبُ
واخفضْ جناحَكَ للأقاربِ كُلِّهـمْ ** بتذلُّـلٍ واسمـحْ لهـمْ إن أذنبـوا
ودعِ الكَذوبَ فلا يكُنْ لكَ صاحباً ** إنَّ الكذوبَ يشيـنُ حُـراً يَصحـبُ
وزنِ الكلامَ إذا نطقـتَ ولا تكـنْ ** ثرثـارةً فـي كـلِّ نـادٍ تخطُـبُ
واحفظْ لسانَكَ واحترزْ من لفظِهِ ** فالمرءُ يَسلَـمُ باللسـانِ ويُعطَـبُ
والسِّرُّ فاكتمهُ ولا تنطُـقْ بـهِ ** إنَّ الزجاجـةَ كسرُهـا لا يُشعَـبُ
وكذاكَ سرُّ المرءِ إنْ لـمْ يُطـوهِ ** نشرتْـهُ ألسنـةٌ تزيـدُ وتكـذِبُ
لا تحرِصَنْ فالحِرصُ ليسَ بزائدٍ ** في الرِّزقِ بل يشقى الحريصُ ويتعبُ
ويظلُّ ملهوفـاً يـرومُ تحيّـلاً ** والـرِّزقُ ليـسَ بحيلـةٍ يُستجلَـبُ
كم عاجزٍ في الناسِ يأتي رزقُـهُ ** رغَـداً ويُحـرَمُ كَيِّـسٌ ويُخيَّـبُ
وارعَ الأمانةَ * والخيانةَ فاجتنبْ ** واعدِلْ ولا تظلمْ يَطبْ لـكَ مكسَـبُ
وإذا أصابكَ نكبةٌ فاصبـرْ لهـا ** مـن ذا رأيـتَ مسلَّمـاً لا يُنْكـبُ
وإذا رُميتَ من الزمانِ بريبـةٍ ** أو نالـكَ الأمـرُ الأشـقُّ الأصعـبُ
فاضرعْ لربّك إنه أدنى لمنْ ** يدعـوهُ مـن حبـلِ الوريـدِ وأقـربُ
كُنْ ما استطعتَ عن الأنامِ بمعزِلٍ ** إنَّ الكثيرَ من الـوَرَى لا يُصحـبُ
واحذرْ مُصاحبةَ اللئيم فإنّهُ ** يُعدي كمـا يُعـدي الصحيـحَ الأجـربُ
واحذرْ من المظلومِ سَهماً صائباً ** واعلـمْ بـأنَّ دعـاءَهُ لا يُحجَـبُ
وإذا رأيتَ الرِّزقَ عَزَّ ببلـدةٍ ** وخشيـتَ فيهـا أن يضيـقَ المذهـبُ
فارحلْ فأرضُ اللهِ واسعةَ الفَضَا ** طولاً وعَرضاً شرقُهـا والمغـرِبُ
فلقدْ نصحتُكَ إنْ قبلتَ نصيحتي ** فالنُّصحُ أغلى مـا يُبـاعُ ويُوهَـبُ

*****
مع تحيات
مالك عبد القادر المهداوي
google-playkhamsatmostaqltradent