الضمان مهن من الماضي عقد ايجار البساتين المثمرة.
كانت مهن من الماضي القريب تسود قريتنا هي مهنة الضمان المتعارف عليها وهي ابرام عقد بين الضمان وأصحاب البساتين اي ايجار الاشجار المثمرة. لجني المنتوج مقابل ثمن يتفق عليه وأعباء العمل يتحملها الضمان. وهذه المهنة متعارف عليها في ديالى المشهورة بالبساتين.
الضمان هي مهنة المقامرة هي سادت زمن ومن ثم بادت. هكذا رأيتهم وهي مهن من الفلكور الشعبي لقريتنا. حين تضَّمن البستان وتجني ثمارها وتعيدها بعد أن تبيع المنتوج وفق عقد شفاهي بين الطرفين. وجدت عبارة في أحد الحانات بحي سوهو في لندن. وقد كانت هذه العبارة مكتوب فيها (الحياة مغامرة ومقامرة). تنطبق هذه العبارة على مهنة الضمان بالمقامرة.
قبل منتصف القرن الماضي لم يكن هنالك دخل للعائله العراقية في مناطقنا سوى ما يأتي من مورد عن طريق بيع فواكه البساتين. من حمضيات. ورمان. وتمر وغيرها.
لم تكن الوظيفة أو العمل الحكومي معروف. لا توجد محال تجارية او دكاكين لبيع الخضار لان كل عائله لديها اكتفاء ذاتي. باستثناء الحنطة والرز والملابس.
بداية الخمسينات فتحت أبواب التطوع والانخراط في الجيش. أو الالتحاق في مجال التعليم كمعلمين والقليل من توجه الى وظائف أخرى متباعدة.
البساتين المثمرة وموسم جني الثمار وفرص العمل.
رغم أن فرص العمل والوظائف قد فتحت أبوابها لكن أبناء البساتين الغناء الوارفة الظلال لايرغبون فيها. لان بساتينهم رزقها وفير لا تحتاج جهد وعناء سوى سقايتها بالماء. والماء وفير.
كان موسم قطف الثمار موسم مساعدة وتعاون حيث يجتمعون لمعاونة بعضهم عن طريق التكاتف في العمل وأسمها (فزعة) تقلل مصاريف العمال لأنها تكون من دون مقابل.
يصدر المنتوج الى بغداد ليباع هناك. عادة لا يذهب صاحب الفواكه. إنما هناك صاحب العلوة يبيع تلك الثمار ويرسل قائمة البيع عند نهاية الموسم يذهب صاحب البستان الى العلوة ليقبض ما تم تصديره.
بهذه الحالة يكون وارد الشخص في استلام النقود دفعة واحدة في السنة أو دفعتان. على اختلاف موسم الفواكه ويكون هذا المورد سنوي.
لذلك يكون معرضاً هذا الشخص لظروف الحياة وتقلباتها. إن تعرض أحدهم الى ضائقة مالية ويحتاج الى المال بغير وقته. بسبب الحاجة الملحة فرحا او مصيبه مرض وفاة مشكله قتل وغيرها.
مما يكون مجبراً على (تضمين) البستان التي يملكها. وبيع ثمارها وهي بأشجارها قبل موسمها او نضوجها بمده. وهنالك أشخاص من داخل أو خارج المنطقة يعملون بضمان البستان لمده سنه واحيانا لمده سنتان. حسب الاتفاق المبرم بينهما.
عمليات التفاوض بين الضمان وأصحاب البساتين وأسباب تخلي أصحابها.
يعرف الضمان مهنة من مهن الماضي وهو يبرم عقد ايجار وهو يبحث عن البساتين المثمرة والمربحة و من خلال خبرته وتقديره. يقوم بتقدير هذه البستان إذ يكون إيرادها 400 دينار في السنة الماضية لذلك هو يفاوض على إعطاء مبلغ 300 دينار أو أقل.
وقسم من الضمانين يحسب مساحه البستان ويقدرها بخبرته. والقسم الأخر يقوم بحساب عدد الشجر في البستان وخاصه الحمضيات ويقدر الشجرة كم تحمل.
سابقاً كنا نبيع الرمان بالوزن والبرتقال بالعدد. فكل إلف برتقالة تباع 12 دينار. في أغلب الأحيان ودائما يكون الضامن هو الرابح وصاحب البستان هو الخاسر. تحت ظروف الحاجة ويخسر جزء من وراد السنة الماضية.
دائماً ما يكون الضَّمان هو الرابح نتيجة لتقديره الصائب لكن في مرات قليله يخسر الضَّمان نتيجة آثار الطبيعة من فيضان نهر ديالى أو الشجر لم يعط مردود وافر.
لقد أكدت الديانة السمحاء على تحريم المقامرة وضررها وما تجلبه من كوارث غير متوقعه على عوائل مستقره. جعلتها في مهب ريح عاتيه. هذه الحالة بادت منذ زمن.
ظهرت (بعد الاحتلال) حاله ضَّمان خيرات الوطن وهي في باطن الأرض لأجيال. والقسم الآخر منهم أعطى الوطن كاملاً ضماناً للمحتل وللشركات الاحتكارية.
صاحب الآسرة كان تحت ظروف قاهره يقوم بضمان بستانه. أما هؤلاء فهدفهم هو المال والفساد وعدم الانتماء لهذه الأرض المقدسة. رهنوا وباعوا ما باعوا.
في نهاية المطاف ذهب ضمان البساتين وأستبدل بضمان الوطن.
إيه ... يا عراق يا عنقاء الخلود الأبدي. سمفونيه تعزف شلال تضحية. عواصف الكبرياء بوجه الظلام والغيوم السوداء والهمجية.
إيه ... يا عراق يا غرام العشاق وتبتل الزاهد والعابد الناسك. وشجن فرح وأنين ناي وربابه فخر (هلي). بلد النخيل الباسقات وجبال راسيات ومياه جاريات وفواكه طيبات.
تموت الدنيا وتفنى العاديات وتبقى واقفاً. كثرت الخطوب وكثر من (ضَّمن) ترابك وثرواتك للأجنبي من اجل مال زائل. كثر الفساد وضاع جوهر الحياة (التعليم). تمرض لكنك تنهض سيذهب الزبد والبعوض وتبقى دماءك نقيه بنقاء تاريخك ومجدك!)!!
يا عذابات الصبر يا فرح أحلام الفقراء وجراح الذات المعذبة بغرامك. يا منديل معطر بحنان الأبوة لتمسح دموع أيتام تساقطت على ثراك المقدس. سيبزغ فجر من سماواتك الكثيرة ويعزف لحن الأبدية لأبناءك وترفرف العصافير أجنحتها من حرير فوق رباك.
تذهب الخطوب ويتبعها الفساد والغش. وتنهض وينهض أبناءك. ترتل لحن أرضك وينتهي (الضَّمان) وتبقى أرجوحة البهجة ويموت من ضمر لك الشر وانت الخلود والسرمد وأيقونة التاريخ المعطرة بعبق وشذي مجدك.
بقلم... خوام الزرفي.