حققت شلالة المقدادية الشاخة" حلم كان بعيد المنال
بقلم... عامر كامل الخياط.
كان لدي حلم بسيط لكنه يحتاج الى مبلغ بسيط وفي ضربة حظ ,حققت شلالة نهر المقدادية" الشاخة" حلم بعيد المنال هو حضور ,مباراة كرة قدم في أول افتتاح لملعب الشعب.
في محاولة لتناسي الهم والغم كنا نصرف معظم الوقت في المقهى في لعب الدومينو كمجموعة أذكر من أفرادها الأصدقاء عباس غائب الرحماني , سيد هاشم سيد أحمد النعيمي و مالك حسن عربي.
الأصدقاء لم يكونوا على علم بما يدور في رأسي وما يعتمر في داخلي من رغبة متعاظمة في تحقيق حلمي الكبير.
أيام قليلة متبقية على الموعد ( لم تتجاوز الأربعة أيام على ما أتذكر) إذ جاء من ينقل لنا خبرا ً عظيما ً في حينه , " الشاخة مقطوعة " ...
عبارة ٌ اهتز لها قلبي طربا ً وكان المخبر يقصد بها أمرا ً معروفا ً لدينا وفحواه أن بوابات الناظم قد أغلقت من منطقة " صدور ديالى ".
وفي لحظات كنا قد جمعنا ما لدينا من نقود وذهبنا لشراء ثلاث أمتار من قماش " الجنفاص " الذي يتميز بوجود ثقوب صغيرة جدا ً تسمح بخروج الماء منه بسرعة.
بعد ساعة تقريبا ً (قرابة العاشرة صباحا ً) كان اثنان منا يتقدمان الموكب على الدراجة الهوائية واثنان سيرا ً على الأقدام بإتجاه " الشلالة " جنوب شرق مدينة المقدادية "شهربان.
ومنها نزولا ً مع مجرى نهر المقدادية "الشاخة إلى منطقة " الزندان " حيث تكثر هناك الحفر في قاع النهر التي يتبقى فيها الماء وتنبت على جانبي النهر هناك كميات كبيرة من القصب الذي تتغذى الأسماك على جذوره وعلى ما ينبت من أعشاب وطحالب هناك.
على مدى 4 ساعات تقريبا ً كان الصيد وفيرا ً بحيث امتلأ به كيس الحبوب ذو خطين حمر على طوله الذي كان يسع 50 كغم من الحبوب على ما أذكر.
كان السمك من مختلف الأحجام والأنواع ( حمري , شبوط , بني ) عندما وضعنا الكيس على المنصة الخلفية للدراجة الهوائية ارتفعت عجلتها الأمامية في الهواء من ثقل وزن الصيد.
الأمر الذي اضطر معه اثنان منا لمسك المقود من كل جانب شخص والثالث يمسك الكيس حتى لا يسقط على الأرض والرابع يتناوب معه على مسك الكيس.
مع أذان صلاة العصر كنا قد وصلنا " قنطرة الإنكليز" وكان الجوع والتعب قد أخذا منا مأخذا ً.
اقترح " مالك عربي" أن نأخذ استراحة في امتداد حديقة الزعيم في القسم القريب من القنطرة والمقابل لدار المرحوم (خليل إبراهيم الحلاق – أبو عطارد).
بينما يذهب مالك إلى الجهة المقابلة ويعبر سياج بستان المرحوم (هيجل) ليجلب لنا بعض العنب فيما معناه سرقة مستغلا ً كون المرحوم "هيجل" كان ضعيف البصر.
لكن " مالك " كان يخشى "هيجل" لإنه قوي السمع وسريع بتحديد الإتجاه وإطلاق آلة " تكريب" النخل " الجِلّاب " بإتجاه أي حركة يسمعها.
أستنتجنا أن "مالك عربي" له سوابق في هذا الموضوع حاولنا نهيه عن الأمر لكن محاولتنا لم تجدي نفعاً, لأن مالك كان قد وصل السياج وأبتدأ بالعبور.
مضت قرابة الربع ساعة قبل أن يظهر "مالك" من خلف السياج مرة أخرى محملا ً ما بين دشداشته والفانيلا من فوق الحزام ( وفق ما أصطلح على تسميته " العب " ) بكمية وفيرة من العنب.
ومالك يكاد يغشى عليه من الضحك حتى أثناء عبوره الشارع وحتى لحظة وصوله إلينا. وسقوطه على أرض الحديقة المزروعة بالنجيل " الثيل " و هو يضحك بشكل هستيري ويخرج عناقيد العنب لنا من "العب".
و يقول : " كلوا أولا ً ومن بعدها إسألوني عن سبب الضحك ".
بعد أن تناولنا العنب اللذيذ وهممنا بالخروج من الحديقة بإتجاه المدينة , تذكر مالك وسألنا:
لماذا نسيتم أن تسألونني عن سبب الضحك الهستيري ؟
أخذ مالك يشرح لنا ما جرى قائلا ً :
تعرفون" طريقة زراعة العنب في البستان تعتمد على حفر ساقية عريضة وعميقة يمكن للإنسان أن يسير فيها براحته حتى يقطف عناقيد العنب المتدلية فوق رأسه ,
عندما نزلت في إحدى تلك السواقي وبدأت بالقطف مضت ثواني وإذا أنا أسمع صوت حفيف أقدام تسير في البستان , تصورته العم " هيجل "!!
فأخذت بالتراجع إلى الوراء على أمل الخروج من نهاية الساقية قبل أن يلمحني وتحصل الكارثة, ما أن تراجعت خطوات قليلة حتى اصطدمت به ظهرا ً لظهر , أستدرت بسرعة لأمنعه من ضربي و أنا أصرخ بصوت عال...
وإذا به يستدير أيضا ً صارخاً بوجهي , عندما تلاقت وجوهنا, تعالى الضحك الهستيري من كلينا.
لقد كان من تصورته العم "هيجل" وكان هو يتصورني بنفس الإتجاه , لقد كان " سامي برنو " الذي نزل من سطح بيتهم الملاصق للبستان لنفس الغرض ".
ضحكنا كثيرا ً ونحن نسير باتجاه سوق المدينة لبيع ما حصلنا عليه من رزق وفير من السمك , في المكان الذي يتم فيه بيع السمك من قبل " البياعة شراية ".
الذين أشتهر من بينهم البياع شراي "حكمت" الذي ما أن شاهدنا قاصدين الساحة الواقعة أمام معرض المرحوم "عبد اللطيف كريم" وصحبتنا كيس الحبوب ذاك المملوء بالسمك حتى جاء مسرعا. ً
أبتدأ "حكمت" بالمساومة بطريقته المعهودة وكما يلي :
حكمت : أتبيعون بلا شوف 3 دنانير ؟
الجميع : لا ما نبيع هيج كوتره ... نبيعهن أحنه أحسن ... صدك جذب تحجي , إذا تريدهن مو أقل من 10 دنانير .
حكمت : 3 دنانير ونص ومثل ما كلت بلا شوف.
الجميع : لا عيني ما يصرف , فلوس الجنفاص أشكد , تعبنه من الصبح ليهسه أشكد .
حكمت : على راحتكم .
أفرغنا الكيس وبدأنا بتصنيف السمك حسب النوع والحجم وانتظرنا من يتقدم للشراء ولكن دون فائدة , مضت قرابة الساعتين "وحكمت" الذي وضع له كرسيا ً خلفنا.
مع كل نصف ساعة تمر يزيد "حكمت" نصف دينار على السعر حتى نفد صبرنا وبلغ سعره 5 دنانير قررنا أن نبيعه الصيد.
اقتسمنا المبلغ بيننا وصار لدى أي واحد منا ثروة على أيامها , لكن ما آلمنا ساعتها أن الناس ابتدأت تشتري من " حكمت " و بالأسعار التي يطلبها.
ففي اللحظات التي كنا واقفين فيها بجانب حكمت باع أعداداً قليلة جدا ًمن السمك بما يقرب 3 دنانير.
لكن قناعتنا بأن الرزق يعتمد على طريقة الإنسان في البيع وكون حكمت كان صاحب خبرة في التعامل مع الناس هو الذي جعل الشراء منه كما وصفت.
ها قد ,حققت شلالة الشاخة, حلم كان بعيد المنال. كنت أفكر في ثروتي وكيف سأوزعها حتى أضمن كفايتها لحضور المباراة والعودة إلى البيت ليلا ً.
لكن المفاجأة كانت جميلة جدا ً عندما عرفت بأنني لن أكون لوحدي , إذ كان هناك مجموعة كبيرة من هواة كرة القدم من أبناء المقدادية " شهربان قد قرروا أستئجار باص 18 راكب للذهاب صباحا ً والإياب ليلا ً.
ابتدأ صاحب الفكرة بتسجيل الأسماء و كان لي نصيب في التسجيل معهم , تبقت المشكلة الكبرى في كيفية إقناع الوالد الذي أعرف أنه سيرفض مقدّمًا ً.