تحليل ما قبل الثورة في العراق 1958.
مقال الكاتب راسم العكيدي في تحليل أحداث ما قبل الثورة التي غيرت العراق في العام 1958.عند عام 1945 كان الرئيس الأمريكي روزفلت يجتمع بزعماء مافيات إيطاليا في المغرب حين تبعه تشرشل ويفتح معه حديث حول ما يفكر به.
وكان تفكير روزفلت أن دول الشرق الأوسط مهمة لأمريكا ومصالحها ويجب أن تنصب أمريكا حكام تلك الدول لتضمن تلك المصالح وترتب تلك الأهمية. ولم يعترض تشرشل بل قال له انك تقسم ارث رجل على قيد الحياة.
ورغم اعتراض وزير الحرب البريطاني على تخطيط أمريكا وارسل مذكرة بذلك لتشرشل إلا أن تشرشل أجابه بمذكرة قصيرة. مفادها انه يخشى على بريطانيا أن دخلت عالم ما بعد الحرب العالمية الثانية وهي بمواجهة أمريكا.
كان العراق من اهم دول الشرق وكان النسر الأمريكي يحلق في سماء العراق ولذلك تحرك السفير البريطاني في بغداد ( مايكل رايت ) لخلط الأوراق وارباك التخطيط الأمريكي وتعقيد مهمة أمريكا في العراق لكي تضطر للجوءها الى بريطانيا لمساعدتها. وتضمن بريطانيا بقاء دورها وضمان مصالحها في العراق.
تحرك السفير على عبد السلام عارف الذي تربطه به علاقة ويعرف اندفاعه وسهولة برمجته وحركه وفق خطة مرسومة بان يفاتح عبد الكريم قاسم ويكون شريك له وان يتحرك عارف على غازي الداغستاني ويكسبه بوعد تنصيبه رئيساً للوزراء ويكون في موقع نوري السعيد للعهد الجديد.
كذلك التحرك على رفيق عارف رئيس أركان الجيش ويكون موقعه وزيراً للدفاع.
وأوحى السفير لعبد الإله بان يكون ملك العراق بديل لفيصل الثاني الصغير السن والقليل الخبرة.
كان عبد الإله عكر المزاج ممتعض من خروجه من الوصاية ويمني نفسه بالعودة للعرش وكان كثير لاحتساء الخمر نتيجة أحساسه بفراغ السلطة رغم سيطرته على تفكير الملك لكن كان كبار مسؤولي الدولة لا يأخذون توجيهاته على محمل التنفيذ.
وكانت خطة السفير هي بث الشائعات عن ثورة قريبة وكان يوجه الاستفسارات لكبار الضباط عن رأيهم بتولي غازي الداغستاني لرئاسة الوزراء لكي تصل الأخبار للداغستاني وتؤكد صدق ما فاتحه به عبد السلام.
ففي سهرة في نادي الحبانية فتح السفير الموضوع مع عارف عبد الرزاق عن رأيه بتولي الداغستاني بديل للسعيد وتهرب عارف عبد الرزاق من الإجابة وطلب غلق الموضوع .
كما فتح السفير رايت نفس الموضوع مع ضباط آخرين وكان يقصد متعمداً وهو يعلم أن الخبر سيصل للداغستاني بسرعة البرق وهذا طمأن الداغستاني بان ما سمعه من عبد السلام مؤكد.
وكان عبد السلام كثير التردد على رفيق عارف رئيس أركان الجيش وينفردون بلقاءات تعددت قبيل انقلاب 1958 وكان لتأكيد دور ومنصب رفيق عارف وضمان حركة القطعات وسلاحها.
كان الوصي يرفض سماع أي معلومة عن وجود انقلاب ويثور بوجه من ينقله.
وفي اكثر من مرة رمى الأوراق بوجه بهجت العطية مدير الأمن العام عندما قدم له أسماء القائمين بالانقلاب.
ونهر عبد الإله موفد شاه إيران الذي ابلغه بمعلومة من السافاك بوجود انقلاب وشيك عليهم. وكذلك رفض تصديق معلومات من الملك حسين ملك الأردن حول وجود تخطيط لانقلاب في بغداد.
وكان عبد الإله كمن يخدر الملك والموقف العام للمملكة ويكذّب المعلومات لكي يمرر الحدث ويبطل مفعول أي إجراء مضاد للانقلاب ويطمأن الملك.
وكان عبد الإله كلما ثمل من الشرب يبكي على الملك خوفاً عليه وكأنه يعرف مصير الملك.
وعند تنفيذ الانقلاب كان الأجراء بقتل عبد الإله مع العائلة المالكة واعتقال غازي الداغستاني ورفيق عارف وانفراد عبد السلام وعبد الكريم بالحدث والمناصب.
وكان عبد السلام يتصرف على انه من فجر الانقلاب وقاده وما عبد الكريم إلا أداة له حتى أقصاة عبد الكريم وتوالت الاقصاءات والانقلابات لعراق في مهب الريح تمضي فيه أمريكا في ظلام نحو مجهول وتمسك بأكتاف بريطانيا نحو الهدف.
ولازالت أمريكا تمضي في العراق تتوكأ على الموقف والقرار البريطاني التي لم تزل تصنع الظلام والمجهول لضمان بقاء نفوذها ومصالحها مع أمريكا في العراق