recent
أخبار ساخنة

من سلطة صعبة المنال إلى سلطة مباحة للجميع.

Site Administration
الصفحة الرئيسية

من سلطة صعبة المنال إلى سلطة مباحة للجميع.

لطالما كانت السلطة والمناصب العالية في العراق بمثابة حصن منيع يصعب الوصول إليه. فكان الحصول على منصب سياسي أو إداري يتطلب صراعات طويلة وشاقة، ناهيك عن الحاجة إلى علاقات واسعة ودعم من ذوي النفوذ. ولم يكن حتى مجرد التفكير في مثل هذه المناصب يخطر على بال أغلب العراقيين، الذين اعتبروها بعيدة المنال ومحصورة في فئة محددة من المجتمع.

ولكن، مع مرور الوقت تغيرت الأمور بشكل كبير. فقد أصبحت السلطة، التي كانت صعبة المنال، مباحة للجميع. فلم يعد الحصول على منصب سياسي أو إداري يتطلب كل ذلك الجهد والصراعات، بل أصبح الأمر متاحًا لمن يملك المال أو النفوذ أو حتى مجرد الحظ.

من سلطة صعبة المنال إلى سلطة مباحة للجميع.

كان أصحاب المناصب مسؤولون ونادراً ما يفكر أي منا في التقرب منهم ولا حتى بناء علاقة من أي نوع بل كان الاعتقاد السائد أبعد عن الشر وغني له. 

صداقات تحت الحصار وتأثير الأحداث على الصداقة.

في خضمّ تسعينيات القرن الماضي، جمعنا العمل والاهتمامات، كنا مجموعة من الأصدقاء، نلتقي ونفترق، نختلف ونتفق، ونبقى أصدقاء. كنا مجموعة أصدقاء جمعنا العمل والاهتمامات والسهرات وأشياء اخرى وكل منا له معتقده وتفكيره وارائه. لكننا مع اختلاف التوجهات نلتقي حتى حين يشتد الاختلاف يتبخر في اليوم الثاني على سهرة بعد أن يكمل كل منا عمله.

مع أزمة الكويت والحصار، اشتدت الأزمة على بعضنا، خاصة الموظفين، بينما تمكن من يعمل في الأعمال الحرة من تدبر أمره.

  1. واجه أحدنا ظروفاً قاسية، فساعدناه بطريقة معينة، ببضاعة يصرفها في محل أخيه ويستفيد.
  2. تمكن آخر من الحصول على وظيفة في ديوان الرئاسة بمساعدة عمه، ليصعد بسرعة ويصبح من ذوي الأملاك.
  3. مع مرور الوقت، أصبح صاحبنا الذي نساعده مدير قسم ثم قريب من المحافظ، ليترقى بسرعة ويصل إلى قمة دائرته.
  4. نسق عمل صاحبنا مع المحافظ، فأثرى وبدأ يتصرف معنا بتعالي، رافضاً أي نقد للسلطة أو المحافظ
  5. ازداد تعاليه، وبات لا يلتقي معنا بل مع من هم من شاكلته.

هكذا تغيرت مساراتنا مع مرور الوقت، فبينما واجه بعضنا صعوبات، تمكن آخرون من الصعود. وبينما حافظ بعضنا على صداقتنا، تغيرت مشاعر البعض الآخر مع تغير ظروفهم.

كانت السلطة والمناصب العالية من أصعب الأمنيات.

ومرت سنتين وتم إعفاء المحافظ وخرج صاحبنا من إدارة الدائرة ولأنة تعامل مع زملائه بقسوة وتكبر انقلب الأمر عليه فأخذ إجازة بدون راتب وتدبر أمره في شركة مع متنفذ في حينها. وعاد لنا وهو في ترف بعد أن اخرج ما خبأه من مال واشترى سيارة فخمة وبيت فخم وارتدى ملابس آخر مودة وادعى انه يعمل مع قصي إبن الريس.

بالمناسبة كان يدعي انه يساري ويميل للشيوعية فاصبح بعثي. وكان عمله يرتبط بوزارة أستوزر بها وزير قوي مدعوم مرسل لتنظيف ما ترسب من فساد نتيجة الحصار وأوقف مصالح للشركة التي يعمل بها صاحبنا.  وفي يوم زارني وطلب أن نذهب لاصدقائنا في مكان ملتقانا. 

وشرح لي مشكلة حدثت له مع الوزير الجديد وهو مدعوم من رئيس الجمهورية حينها. وقال لي انه كان على موعد لمقابلة الوزير بطلب منه وكان الموعد في الواحدة ظهراً فذهب واحتسى نصف قنينة خمر من نوع (جن) ودخل على الوزير واخبره انه من جماعة قصي صدام حسين وان القرار الذي اتخذه بحق الشركة قرار خطا. 

وقف الوزير وقال له انت مخمور وبإمكاني ان ألقيك بالسجن وأعزلك عن الوظيفة رغم انك تتمتع باجازة من دون راتب ولكن اخرج افضل فلا أريد أن اسبب لك ضرر بالغ. كان الوزير رغم انه قوي ومسنود لكنه صاحب أخلاق وضمير إنساني. 

وبعد التغيير انتمى صاحبنا لحزب ديني متنفذ وتسلق حتى وصل ليكون وزير في نفس منصب الوزير الذي دخل مكتبه مخموراً وجلس على نفس المكتب. قبل أيام التقيت بأحد أصدقاء تلك الفترة وقلبنا صفحات ذلك الزمن. فمنا من هاجر ومنا من يعمل في دولة وأموره عال لكن اغلبهم رغم صعوبة الظروف يعيشون بحبوحة وراحة. 

ولكن صاحبنا وزير وقد اتصل بواحد من المجموعة ليقول له انه كان يحلم واصبح الحلم حقيقة ولم يبقى شئ حلم به ولم يحققه وقد كان على يقين أن يوم ما سيكون في منصب وزير. السلطة كانت سهلاً ممتنع فأصبحت مباحة. 

خاتمة: تحولت السلطة في العراق من حلم بعيد المنال إلى سلطة مباحة للجميع. فلم يعد الحصول على منصب سياسي أو إداري يتطلب جهدًا وصراعات طويلة، بل أصبح متاحًا لمن يملك المال أو النفوذ أو حتى مجرد الحظ.

ولكن، مع هذا التحول، ظهرت مخاطر جديدة. فمع سهولة الوصول إلى السلطة، ازدادت فرص الفساد والمحسوبية وسوء استخدام السلطة.

google-playkhamsatmostaqltradent