ليالي رمضان في شهربان وكيفية إنقضائها.
كتب الكاتب الشهرباني الأصيل عامر كامل الخياط في مدونته (Shahraban - Downtown) عن ليالي رمضان في المدينة القديمة شهربان وكيفية إنقضائها وهذا فيض من ذكريات الماضي الجميل. انها بصمات تبقى وتجدد كل عام رغم تقادم الزمن فتحية لكاتبنا الاستاذ عامر كامل الخياط.
من أجمل الذكريات التي تعلق في الذهن عن وفي مدينتي القديمة هي تلك التي تتعلق بليالي رمضان و كيفية إنقضائها. حيث البساطة والألفة والمحبة كانت هي السائدة في ذلك الزمن الجميل و أقصد به أواسط الخمسينات وطيلة عقد الستينات من القرن الماضي.
في ساعة ما قبل الفطور تدب حركة نشطة بين البيوت في تقليد كان متبعا ً حتى في أيام السنة العادية. الفتيات يحملن الصواني ويوزعن الأواني على البيوت المجاورة. هذه تحمل في صينيتها نوع المرقة التي طبختها أمها للفطور , وتلك في صينيتها نوع الحلوى التي أعدتها الأم لما بعد الفطور ( المحلبي و حلاوة الشعرية ,.......إلخ ). وأخرى تحمل آنية أمتلأت بالأكلة العراقية الشهيرة التي لا تكاد تخلو منها مائدة أفطار و أعني بها ( الدولمة , البرياني , الكبب بأنواعها).
الجامع الكبير في المقدادية بعد الافطار وصلاة التراويح.
بعد الفطور ينسل الرجال المتدينين إلى الجامع الكبير لأداء صلاة التراويح. بينما القسم الآخر إلى الحسينية للإستماع إلى المواعظ وقراءة الأدعية الخاصة برمضان.
ليلتقوا بعد ذلك كأخوة متلاحمين في تلك المقهى الواقعة على مدخل الزقاق المؤدي محلة التوراة. للإستماع للـ " قصتخون " وهو يروي لهم قصص حرب البسوس وداحس والغبراء وقصة عنترة وعبلة.
أيام لم يكن هناك تلفزيون يتجمع حوله أفراد العائلة اليوم لمشاهدة ما يعرض من مسلسلات دينية أيام الشهر الفضيل. تلك هي ليالي رمضان في مدينتي القديمة شهربان وكيفية تلك الليالي يتم أنقضائها.
ألعاب رمضان الشعبية في مقاهي شهربان.
بينما فرق أخرى تتوزع على باقي مقاهي المدينة. قسم منهم يلعبون المحيبس التي تتوزع بعدها صواني الحلويات من " زلابية وبقلاوة " على الرواد وعلى حساب الفريق الخاسر.
والقسم الآخر يلعب " الصينية " التي تحتوي على عدة كؤوس نحاسية مقلوبة يوضع تحت أحداها خرزة. أعتقد كانت تسمى " عين الذئب " وعلى الفريق الثاني أن يستخرجها من تحت ذلك الكأس.
بعد أن توضع الصينية أمامه ويجري لفها عدة لفات حتى تسهم في تشتيت فكر الجانب المقابل. وكمساعدة له يكشف من وضع الخرزة أحد الكؤوس والذي يسمى " طزكه " .
أما قسم آخر فهم يلعبون لعبة الورق والقسم الأخر يلعبون الدومينو ومجموعة أخرى يلعبون الطاولي. وبذلك تنقضي ليالي رمضان الجميلة في مقاهي شهربان.
مساعدة الوالد في الخياطة أستعداداً للعيد.
وسط هذه الأجواء وأنا الشاب المفعم بالحيوية كانت سلوتي هي مساعدة الوالد في محل الخياطة العائد له في فرع السوق المؤدي إلى محلة الحداحدة. وسط محلات بيع الذهب العائدة للأخوة والأعمام من طائفة الصابئة المندائيين.
ومقابل العم الحداد " مندو " صديق الوالد المزمن و صاحبه في سلوته الصيفية بالحضور اليومي في السينما الصيفي العائدة للمرحوم " جاسم يزلي القيسي".
حيث كنت أساعده في بعض الخياطات البسيطة لحشوة الجاكيتات. وتعديل ما يخيطه هو بالمكواة الأثرية " مكواة الفحم " حيث لم يكن لا للمكواة الكهربائية وجود أيامها ولا لبخاخات الماء .. حيث كنا نستعمل قطعة من القطن نبللها بالماء ونسيرها على الجزء المراد تعديله قبل وضع المكواة عليها .
كان قسيم ليالينا تلك شخصية سأظل محتفظا ً بذكراها العزيزة حتى لحظات الرحيل عن هذا العالم لما تركته في عقلي و قلبي من حب و إحترام شديدين لها. وأعني بذلك قامة من القامات التي يفخر الإنسان بها كونها من نتاج مدينته. الأستاذ الفاضل المغفور له " محمود شكري ".
الذي نوهت عن حضوره الدائم معنا في رمضان للإستماع لأغاني السيدة التي تبث من مختلف الإذاعات العربية لا بل حتى إذاعة لندن و إبتداء ً من منتصف الليل و حتى ساعة متأخرة منه .