قصة اكتشاف عالم الحشيشة وتأثيرها على المجتمع ونهاية شبكتها في العراق شيء من الماضي.
في حقبة مضت من تاريخ العراق، شهدت مدينة شهربان تحولات اجتماعية واقتصادية كبيرة نتيجة للسياسات الدبلوماسية والانفتاح الثقافي مع الجارة إيران. تميزت تلك الفترة بتدفق الزوار الإيرانيين إلى العتبات المقدسة، مما أدى إلى ازدهار الحركة التجارية والنشاطات الاقتصادية في البلد والمدينة.
لكن هذا الازدهار لم يخلُ من جوانب سلبية، حيث انتشرت ظاهرة تعاطي الحشيشة بشكل ملحوظ بين بين شباب البلد والمدينة، مما أثر على نسيجها الاجتماعي وصحتها العامة. في هذه السلسلة من القصص نستعرض قصة اكتشاف عالم الحشيشة وتأثيرها المدمر على المجتمع، وكيف نجحت السلطات في نهاية المطاف في تفكيك شبكات المخدرات التي كانت تنشر هذا الوباء، تاركةً وراءها درسًا قاسيًا من الماضي.
العلاقات الدبلوماسية العراقية-الإيرانية في عهد الأخوين عارف وتأثيرها على شهربان.
في عهد الأخوين عارف بين 5 أيلول 1963 و حتى 17 تموز 1968 شهدت العلاقات الدبلوماسية بكافة أوجهها مع إيران الشاه عصرها الذهبي , و كانت المدينة خير شاهد على ذلك الأوج والتألق , فكانت قوافل الزوار الإيرانيين للعتبات المقدسة في الكاظمية والنجف و كربلاء وسامراء مصدر إزدهار للحركة التجارية في المدينة , وكانت مقهى المرحوم " كريم كله " محطة توقف الباصات القادمة من إيران والمغادرة لها بعد إنهاء المراسيم , لتناول وجبات الطعام الثلاث وكانت تعتبر أكبر محطة إستراحة على الطريق الدولي الرابط بين البلدين .
وقد كانت الحركة فيها من الكبر بحيث أن ثمة مخبزين في المدينة كانا متفرغين لأنتاج الخبز للمقهى , وقد بلغت الصرفيات في أحد الأيام ما مجموعه أكثر من ألفي رغيف فقط من مخبز المرحوم " حسين الوندي " الكائن في الحي العصري , كنا صغارا ً أيامها و في طور المراهقة و كانت المقهى تستهوينا للتمتع بالنظر إلى الجمال الذي من الله به على النساء الإيرانيات .
الزيارات الرسمية والهدايا الإيرانية: مشاهد من المشكلة التي جرت.
وعندما زار وفد رسمي كبير طهران بدعوة من الشاه و كان ضمنه وزير الدفاع و رئيس أركان الجيش , قدمت قيادة الجيش الإيراني هدية لرئيس أركان الجيش آنذاك " اللواء إبراهيم فيصل الأنصاري " عبارة عن 50 باص مرسيدس من النوع المتوسط و 25 باص كبير سعة 50 راكبا ً من إنتاج المصانع الإيرانية للسيارات لأستعمالها في نقل الضباط والمراتب من بيوتهم إلى المعسكرات .
وعندما مر هذا الموكب عبر المدينة خرجنا جميعا ً لأستقباله ونحن نلوح بأيدينا فرحين , هذه الباصات كان قسم منها لا يزال مستعملا ً في أعوام الثمانينات في معسكر التاجي عندما أستدعيت لأداء خدمة الإحتياط .
وعندما طلب الإيرانيون السماح بمرور قافلة لهم تحمل الصناديق الذهبية الجديدة لضريحي الإمامين " موسى الكاظم ومحمد الجواد " في الكاظمية التي تبرع بها مواطنيهم , مر الموكب أيضا ً ليلا ً من مدينتنا بسلام و هدوء , إلا أن الأخبار وردت في اليوم التالي عن حدوث مشاكل عند مرور الموكب في منطقة الأعظمية وقيام المرافقين للصناديق بترديد شعار " ماكو ولي إلا علي .. نريد قائد جعفري " رغم ذلك الجو المتنامي في الود بين حكومتي البلدين.
تأثير العلاقات العراقية-الإيرانية: مدينة شهربان بين تجارة الحشيش وإدمان الترياق.
هذه الأجواء من العلاقات الجيدة بين البلدين سهلت الأمر الذي ستكون فيه مدينتنا معبرا ً لتجارة الحشيش ومرتعا ً خصبا ً للإدمان عليه بين شبان المدينة وشيبها آنذاك , و الأخطر منها كان مادة الترياق والتي كان الكثير من شيب المدينة مدمنين عليه , وقد أدى ذلك بأحدهم إلى الموت أيامها .
وفي تلك الأجواء أيضا ً كنت أؤدي إمتحانات الدراسة المتوسطة وكان لزاما ً علي الخروج والمذاكرة سيرا ً على الأقدام بمحاذاة الحديقة العامة الكبرى في المدينة والتي لا زالت تحمل التسمية العزيزة عليها " حديقة الزعيم " الممتدة من مدخل المدينة الغربي والتي تنتهي عند المدخل الشرقي لها .
و كانت هذه الحديقة مقسمة إلى أجزاء ينتهي أكبرها عند دائرة البريد الحالية بساحة مستديرة ثم الجزء الثاني المنتهي عند قنطرة " الإنكليز " والذي كان مقسما ً بدوره إلى ثلاثة أقسام , فجأة ومن القسم الثاني منها خرج أحدهم مترنحا ً وهو يعبر سياجها الواطئ نسبيا ً وإذا به يستمر مندفعا ً في الشارع يروم العبور إلى الجهة الثانية لكنه واظب على القيام بنفس حركة عبور السياج , رافعا ً قدمه اليمنى لخطوة ثم يرفع اليسرى بعدها ويتبعه فريق من خمسة أعضاء يؤدون نفس الحركات وهم يعبرون الشارع وكأنها سياجات لا متناهية أمامهم.