انيسيات يومية | رحيل خالد المعموري هكذا قال انيس.
أنيسيّات ; Aneesiyyat: انيس السعيدي.
في خضم الحياة اليومية، مع كل انشغالنا بشؤوننا، تأتي لحظات يتوقف فيها الزمن. لحظات نستعيد فيها ذكريات عزيزة، ونودع فيها من نحب. هذا ما فعله الكاس السعيدي تب انيفي "أنيسيات يومية | رحيل خالد المعموري هكذا قال انيس". إنها رحلة عاطفية مؤثرة، يسرد فيها الكاتب ذكرياته مع صديقه الراحل، وكيف أثر رحيله على حياته اليومية.... في تموز من عام ١٩٠٧ رفضت جامعة بيرن السويسرية رسالة الدكتوراة للطالب المعجزة ألبرت بن آينشتاين في نصه الرد عليه :
-- عزيزي السيد آينشتاين : طلب الدكتوراة الخاص بك لم يكتب له النجاح هذه المرّة ، وهذا مايجعلك غير مؤهل لنيل منصب أستاذ مشارك رغم أنك طرحت نظريةً مثيرةً للإهتمام في مقالتك التي نشرت في مجلة Annalen der physik ، إلاّ أننا نشعر بأنّ استنتاجاتك المتعلقة بطبيعة الضوء والارتباط المهم بين الزمان والمكان هي متطرفة نوعاً ما ، وبشكل إجمالي نجد أنّ افتراضاتك تنتمي الى الفن أكثر من كونها تنتمي الى الفيزياء الحقيقية !!
... علاقتي بخالد منذ أيام والده المرحوم أحمد علوان أبو طارق أتهرب منه كثيراً ، يطاردني مزاحاً ، يدغدغني من تحت أبطي وأنا أغار من هذه البقعة نقطة ضعفي دائماً ، وبعد أن يفحطني ويقطع أنفاسي يبرر فعلته : ماأدري ليش أحبك أبو أسامة من دون الناس
أجيبه : لأنك تحب جميع الناس ياأبا طارق ، ولكنّ المجيبُ أنا !!
... ورث خالد المعموري عن أبيه سمو الأخلاق ونزعة الخير وبعد تقاعده بسلام ضابطاً فنياً كبيراً ، افتتح ورشة تصليح الأجهزة الكهربائية يزينه اثنان حسنُ الخُلق والشيمُ ، ولمن لايعرفه لايشعر به جنرالاً لامعاً من شدة تواضعه وتهذيبه خلاف قادة الجيش من الآخرين ، يهمبلون على الناس عن منجزاتهم مناسبةً أو بدونها
... يمرّ خالد من أمام دكاني أربع مراتٍ في اليوم ذهاباً وإياباً على البايسكل لايشعرك قائداً عسكرياً (سلام خذ) في باب النظام لزوماً ولعل أخطر مااجترحه خالد في مسيرته العلمية أن دشن قناة في تعليم الشباب مهنة الكهرباء يلحقها دوراتٍ مجانية لهم في ورشته المتواضعة ، يثير غضب وحنق أصحاب الصنف منه أنه أفشى سر الصنعة ، يقابلونه ازدراءً يجهلون عبقريته مثل جامعة بيرن ردت طلب الفطحل الداهية آينشتاين ، لكنّ خالداً واصل طريقة بإصرار الثوار ورجاحة العلماء ، وحين يشتكي لي أشد عضده أنشده :
شققتَ فجاجه لم تخشَ تيهاً .. ومذئبةً وليلاً وانفرادا.
... عند عودته ظهراً يشتري مني بعضاً من قناني سينالكو نتجاذب أطراف الحديث ، نصحني مرةً أركب البايسكل علاجاً لقلبي يعالج أعضائي المبعثرة يطيل العمر ، فحسمت النقاش يائساً : أبو أحمد ، إذا إجت ساعتها كلشي ميفيد ، لارياضة ولابايسكل ولا أي شي !!
... مساء الأثنين هذا ، قرأت نعيه على صفحات التواصل صعقت فاتصلت بولدي أسامة يؤكد صحة الخبر نقلوه الى المستشفى في محاولة إنقاذه بالصعقات الكهربائية على قلبه المغدور ليلةً ظلماءَ
... مرت بي عاصفةٌ من الفلتان النفسي والذهني ، فتوجهت نحو الله ، ادورها عليه ادواره ، مكروهة وجابت بت ، يابه مولانا : هذا الزلمة اتعشى ويه اعويله بتمام الصحة والعافية وراها حفلة عيد ميلاد على گدهم ، يعني معقولة يتعشى عند اهله ويبات بالمگبرة شنو هالعبث ؟ هاي الحياة اللي انطيتنياها ، عذاب وقهر وشلعان گلب ، جوع وعطش وخوف وموت بأي لحظة ، وحتى من نضحك انخاف من تاليها : ربّي اجعلها ضحكة خير وشرها على كل بلاع ؟ وفوگاها انته ناعل والدينا ، هارينا هري ، أذبحكم أصلخكم ، أحرگ اجدادكم ، أسمط امهاتكم ، أشويكم بالنار شوي ، واذا رحنا للگبر يجونا منكر ونكير يزربون بينا زربان ، وبالآخرة ماندري شورانا ؟
... البارحة في جلسة الغداء تحدث أسامة : أنّ عامل المستشفى طلب ثلاثة أرباع المليون لقاء تسليمهم الجثة دون تشريح ، فأبوا مخالفة القانون ، وهو فوق الجميع شئنا أم أبينا ، وفوگاها فلوس؟
فأمرت عائلتي : إذا آني متت ، لاتنطوهم ولادينار ، عود خليهم يشرحوني ، الشاة الميتة لايؤلمها السلخ حتى حرگ خل يحرگوني مثل الهنود ، وإذا يگدرون يدفنوني بمعرفتهم ، هم بعد احسن !!
... مع الأسف الشديد فقدت أخاً وجاراً وصديقاً ، رحل نقي القلب طاهر السريرة ، عفيف الوجه واليد واللسانِ، لم يؤذ بشراً أو شجراً أو دابةً أو حجراً ، سخر حياته ومواهبه لخدمة الفقراء والعاطلين رغم ذلك لم يسلم من الحاسدين والحاقدين ينشد راحة الضمير :
مَن لم يخَف عقبى الضميرِ ... فمن سواهُ لن يخافا.
... وحتى في موته لم يقلق عائلته في مرضٍ أو رقادٍ أو تطبيب ، مثل الأشجار تموت واقفةً أو فارسٍ أدركه الردى على ظهر جواده لم ينحنِ ، خسرنا خالد المعموري بينما كسب محبة الخلق أجمعين
أسفي عليك ، على غيابك كبير ، أيها الكبير الخالد أبو أحمد !!