خربشات قلم: قصص من أعماق الريف والحياة اليومية في الحويجة.
في قلب الطبيعة الريفية الساحرة وقضاء الحويجة، تتجسد الحياة بكل ما فيها من تفاصيل وأحداث يومية بسيطة لكنها مليئة بالعمق والمعاني. هنا، حيث التفاعل بين الإنسان وبيئته يتمثل في قصص قصيرة تلتقط مشاهدات الحياة بحساسية وبراعة.
القاص كامل الدليمي يأخذنا في رحلة عبر خربشات قلمه، ليقدم لنا لوحات أدبية تصور الحياة في الحويجة بكل ما تحمله من سذاجة وطهارة، وفي الوقت ذاته، تعكس تعقيدات النفس البشرية في هذا المجتمع.
بأسلوبه المميز، يمزج الدليمي بين الواقعية والخيال، ليجعلنا نعيش تفاصيل الحياة الريفية وكأننا جزء منها. قصصه لا تقتصر على نقل الأحداث فقط، بل تنبض بمشاعر الشخصيات وتعبر عن همومهم وأفراحهم، لترسم صورة حية عن الحياة في الحويجة.
في هذه المجموعة من الخربشات، نجد أنفسنا أمام حكايات تلخص واقع الحياة اليومية، حيث تلتقي البساطة بالسحر، والصراع بالتسليم، لتخرج لنا نصوصًا أدبية غنية تستحق أن تُقرأ بتأنٍ وتُقدر بما تحمله من عمق وإبداع.
1.سرقة الأمل بين جدران الفقر.
..قصة من الخيال...؟؟؟؟؟؟؟ اقبلت جرافات ضخمة حديدية.
الالات تعمل بأمر الانسان ليس لديها احساس او شعور بألم من ستهدم بيوتهم يقودها مسؤل كبير يرتدي بدلته غالية الثمن وربط العنق التي اختار لونها لتتلائم مع لون بدلته يحيط به الكثير ممن ادمنوا على تقبيل يديه صباحا ومساءا.
وقفوا امام باب تلك الارمله التي بنت لها غرفة من علب الصفيح فقد قتل زوجها قبل سنوات بعيدة في حرب البسوس دفاعا عن ارض الوطن.
ترجتهم ان يتركوا لها غرفتها فهي تؤيها مع اولادها الثلاثة وليس لديهم مكان اخر او مصدر يعيشون منه سوى جمع القناني الفارغة من البلاستك وعلب الصفيح.
رفضوا طلبها واصروا على الهدم.
وقالوا لها سنمهلك ربع ساعة لتخرجين اغراضك.
دخلت الى غرفتها وحملت كل عفشها في صرة واحدة.
وثيابها وثياب اولادها في صرة اخرى خرجت امام المسؤل وهي تبكي وتناثرت من يدها صرة ملابس اولادها.
رفع المسؤول احد قمصان اولادها فوجد كتابة على ظهر القميص كل من عليها فان وعلم انها لافتة للاموات سرقتها الام وحكت باضافرها الكتابة وصنعت قميص لابنها ليذهب الى المدرسة به.
وسحب القميص الاخر. ووجده قد بقيت عليه بقايا كتابه انتخبونا من اجل الفقراء من اجل ان تعيشون حياة كريمة.
سحب هاتفه وهو يكاد ان يتفجر غضباً..
وقال للشخص الذي اتصل به.
الو....لقد وجدت اللص الذي كان يسرق لافتاتنا التي كنا نعلقها صباحا وتختفي ليلا.
انها هذه المرأه.
ارسل قوة لتأخذها للسجن لتنال عقابها.
جائت سيارة الشرطة وسحب المرأة اركبوها عنوة في المقعد الخلفي للسيارة واطفالها يصرخون خلفها.
تحركت السيارة وهي تنظر للبلدوزر وهو يهدم غرفة الصفيح التي كانت تسكنها.هدموها وهم لايعلمون انها بدون تلك الغرفة غريبة في وطنها.
انها سرقت لافتة الاموات لان الاحياء احوج منهم اليها ليصنعون منها قمصان تحميهم من البرد وتستر عريهم في المدارس وسط اولاد الاغنياء
تكلم نفسها وهي تنظر لبقايا غرفتها من بعيد وتقول انا سرقت لافتة كتلتكم وحزبكم.لاصنع منها ثياب لاولادي مجبرة
وانتم سرقتم كل شيء مني..لتغلفون حدائقكم ومطابخكم من الرخام غالي الثمن
...مجرد خربشات قلم....
2. مقابلة سيدة من الحويجة.
قابلت سيدة في الحويجة لقاء غريب فخلال ابتعادي.فارقت وجوه كثيرة وحدث اللقاء مع اغلبهم من جديد..بعد زمن طويل..كنت اسير في الشارع.استوقفني صوت نسائي..الست فلان.
اجبتها نعم..من انت ايتها الاخت الكريمة.
فقد محت قسوة الايام والاحداث التي مرت بنا الكثير من ذكرياتي...
قالت..انا فلانه....يالهي.
فلانه كانت اجمل فتيات زمنها والان تقف امامي فتاة اكلت التجاعيد ملامح وجهها وتكالبت عليها ارقام روزنامات الايام وتركتها كبيت خرب تركه اهله منذ زمن بعيد...كانت جميلة في شبابها وكانت تحمل من الادب الكثير......وكان طابور المتقدمين للزواج منها لانهاية له.....سالتها..كم طفل عندك.
صدمتني حينما...صمتت وردت بحشرجة.صوت اليائس المهزوم.
انا.لم اتزوج...
تكلمت بعدها كلمات قليلة وانسحبت من امامها بعد كلمات الوداع وفرحتي انني التقيت بها.
سرت بعيدا عنها..وسالت نفسي كيف لم تتزوج وكانت الاولى بالحصول على فرص الزواج المناسبة جدا...بل وتختار كما تريد بل كانت ترفض كل من يتقدم لها حتى لو كانت هناك اسباب بسيطة بالمتقدم يمكن تجاهلها.
قلت لها في نفسي كلام كنت اتمنى ان اقوله لها بوجهها اتركي الغرور..وتعلمي البساطة ولاتكون احلامك..اكبر من حجمك وحجم مجتمعك..تعلمي البساطة وارتدي حذاءك البلاستيكي...ولاتحلمي يوما ان تكوني سيندرلا ليأتيك الامير ويلبسك حذاءك المفقود.المصنوع من زجاج الكرستال...
عيشي واقعك سيدتي....فلن تجدين ارض تمنحك قيمتك..الا هنا بين اهلك..وناسك..ومجتمعهم البسيط...ارتدي حذائك البلاستيكي...فلديك عمل كثير......واتركي احلامك جانبا.اتعلمين مجنونة هي المرأه....عندما تتصور انها مختلفة عن كل النساء..بنظرها هي..ولاتعلم انها مختلفة فقط بعيون ذلك الرجل الذي كان.يعشقها فقط.
اما بعيون الجميع فهي عادية جدا...مجنونة تلك المرأة..التي تظهر علامات الرفض لرجل جاء يطلب يدها..بل وتظهر ذلك الرفض بعلامات الاستهزاء...والتحقير محركة شفائفها ..او كما نقول بلغتنا الدارجة بوزها يمينا ويسارا.
مجنونة تلك المرأه....التي تعيش وسط احلام لاوجود لها...ترفض الجميع..وتكتشف انها الخاسرة الوحيدة في النهاية ..تكتشف ان قطار العمر راح يجري مسرعا وتركها وحيدة..بل تركها بقايا انثى...كبريائها قتل كل شيء جميل فيها.......هذا قصير..وذلك ليس جميلا..وذلك معقد...وذلك فقير لن يقدم لي غير الحب.
وتنتهي حياتها دون حلم...دون طفل يلعب بين احضانها..والاغرب من ذلك....تبقى تكابر...رغم انها اصبحت لاتصلح..لتعيش قصة حب...اخرى
3. الاصدقاء القدماء في الحويجة.
حينما التقيت اصدقائي القدماء في الحويجة..لاحظت حجم تقدمهم في العمر ولاحظت حجم التجاعيد التي تكاد تطغى على كل ذرة من مسامات جلودهم.شعرت بالكبر..وشعرت انني اسافر في.رحلة غريبة....وتمنيت لو بقينا..صغارا.
ولم نعرف..الكثير من الاشياء.....والاسماء.
لقد.كبرنا وعرفنا ان هناك اشياء تخيف اكثر من حكايات العفاريت.
كبرنا وعرفنا ان هناك اشياء مخيفة اكثر من تخيلات الاطفال الذين كانو يعيشون في أجسدنا.
كبرنا وعرفنا ان هناك مشاعر وحسابات في عقول الكبار كنا نجهلها.
كبرنا وعرفنا ان هناك الم وحرمان اقوى من رؤية قطع الحلوى بيد اولاد الاغنياء.
كبرنا وعرفنا ان سندباد.....مجرد شخصية مجنونة من حكايات الف ليلة وليلة.....انطوى على نفسه وكره السفينة والبحر......وعلاء الدين وغناء ياسمينة.
كبرنا وعرفنا ان الحياة ليست مجرد حلم..جميل.
بل هناك خلف ذلك الحلم واقع....يجرحنا دون ان يأبه لحجم المنا.
كبرنا وعرفنا ان هناك كلمات كنا نسمعها في طفولتنا.لاتحمل ذلك المعنى الذي كنا نضنه.
كبرنا....وياليتنا...لم نكبر.
كلنا.....نقبل على الحياة.....كشريط فارغ..ستملؤه الحياة باغاني الالم والضجيج.
سنقبل على الحياة وحتى صرختنا الاولى تتسم بالبراءه....لماذا تلك الصرخه..لانعلم..هل تنبع من الم....او بشعور يمنحه لنا الرب...اننا سنكون جزء.من هذه الحياة الرتيبة....الكل يتضاحكون..بقدومنا...ونكبر وتدور الايام.
ونفقدهم ونفقد محبتهم..واحد تلو الاخر.
ونكبر وتكبر احزاننا.....ونخرج من وطننا الاول...رحم امهاتنا..ونفقده للابد.
ونكبر لنجد انفسنا..نفقد كل وطن تقف عليه اقدامنا.
وتغمرنا الاحزان.
ونعلن الحداد....ونلتحف بجلباب اسود....مرغمين.
ونرسم ابتسامات على شفاهنا مرغمين.
ونتظاهر بالقوه..وبالنصر على كل شيء مرغمين.
رغم ان خيول الزمن داست رايات استسلامنا.
ونرحل...ونحن نرتدي تلك القماشه البيضاء....قد نبتسم حينها.
عندما نجد الكل حولنا ...يتباكون...لبداية رحلتنا تلك.
من رحم......لحياة قاسيه..لشاخص قبر....قد يندثر مع الريح.
وكأننا....لم......نكن احد ركاب تلك الرحله الغريبة.
...مجرد خربشات قلم...
<><>
3. قصة العامل البسيط.
احتجت لعامل....عندي عمل بسيط مدته ساعة ونصف..ذهبت بسيارتي الى السوق وركنتها قرب النافورة قبل ان افتح الباب. تجمهر عدد كبير من العمال حولي اغلبهم بوجوه سمراء اضناها التعب يتأملون العمل والعوده لعيالهم في المساء باكياس المؤنه.
اخبرتهم انني بحاجه لعامل واحد واعتذرت لهم بقلبي قبل ان يلفظ لساني كلمات الاعتذار..كنت اتمنى لو كنت استطيع ان اخبرهم بذلك باعلى صوتي فعندما توقفت بسيارتي كنت سبب بتجدد سراب الامل لديهم بالحصول على عمل وكنت سببا بان يتملكهم اليأس من جديد عندما علموا..انني لااحتاج اليهم.
صعد معي العامل.وعند وصولنا للبيت بدأ بالعمل.قال لي اريد سيكارة...سحبت علبة سكائر كاملة واعطيتها له اخذ يدخن بشراهه.. اتفقنا على اجره وهو عشرة الاف دينار رغم بساطة المبلغ لكنه كان سعيد لانه حصل على عمل كان مبتسم ابتسامة البسطاء.واشعر ان في داخله سعادة يفتقدها اصحاب الملايين.
قلت له هل انت مدخن جديد .
قال نعم فشراهته بالتدخين تشعرني انه مستجد على هذه العادة السيئة.
قلت له اتركها وانت لازلت حديث العهد بها.
واذا تركتها فقسما لك مني هدية رغم انني لم اعرفك الا قبل ساعة....اكمل عمله واعطيته اجره وقال هل توصلني..قلت له تأمر كنت اظن انه سيعود الى ساحة النافوره.فيمكن ان يحصل على عمل اخر فلازال الوقت مبكرا.
ركب السيارة وفي الطريق قال اوصلني للبورصه اريد ان اغير لصقة تلفوني.
قلت له عملت كي تصرف على اهلك ام على المبايل..ضحك بسعاده ونزل من السيارة وقال لي خذ علبة السكائر لن ادخن بعد الان ولكن لاتنسى وعدك بالهدية..نظرت اليه وهو يغيب بين الناس في بورصة المبايلات..وقلت في نفسي.
مااجملكم ايها الفقراء...
تصنعون احلامكم من العدم.
من الاشيء....وتبنون قلاع غناكم وترفكم في احلامكم الساذجة فقط.بين الفقر والغنى.خيط رفيع.نسج من شباك اﻻلم.
الفرق ليس كبيرا.الغني ياكل متى شاء.
والفقير ياكل متى ماتوفر له الطعام.
الفقير.يستره كل شيء.حتى لو خرقة بالية.
والغني...يحتار بين تنسيق اﻻلوان بين مئات القطع من اﻻثواب البراقة.
لانه مهما لبس سيرى نفسه عاريا في مجتمع النفاق.الفقير ﻻيخاف من الغد. فليس لديه شيء يخسره..فهو خاسر بماضيه..وحاضره.
فلايهمة الى اين ينتهي المستقبل.
اما الغني.يخاف من حاضره ومستقبله.
واول شيء يخاف منه هو الفقر.
هناك فرق بسيط بين الغني والفقير.
فكل منهم حجم احلامه على قدر مايملك.هذا حلمة لصقة جديدة لهاتفه.وهذا حلمة ان يغير سيارته الجكسارة لانها صناعة العام الماضي.
الغريب. انهم يرحلون عن الحياة.الغني....والفقير.
وهم يرتدون كفن ..جديد..يلبس ﻻاول مرة. واخر مرة...
والمضحك في اﻻمر...ان ثمنه... واحد.
...رجعت الى البيت..فتحت علبة السكائر التي اعادها لي العامل وجدت فيها اربعة سكائر فقط..فقد دخن ستة عشر سيكارة في ساعة ونصف..فقط.
...مجرد خربشات قلم. ..