الصراع الصفوي العثماني: قراءة جديدة برؤية معاصرة
بقلم: ساجد الدوري.
يمثل الصراع الصفوي العثماني أحد أبرز الأحداث التاريخية التي شكلت ملامح المنطقة على مر العصور. إلا أن هذا الصراع يعاد كتابته اليوم برعاية غربية لتحقيق أهداف استراتيجية جديدة.
![]() |
الصراع الصفوي العثماني: قراءة جديدة برؤية معاصرة. |
في هذا المقال، سنتناول بالتحليل السياقات التاريخية والسياسية لهذا الصراع وتأثيراته على الشرق الأوسط، مع التركيز على التحولات الجارية في المشهد الإقليمي.
مشروع الشرق الأوسط الجديد: بين التحولات السياسية والتوازنات الدولية
يبدو أن عام 2025 يحمل في طياته نهاية عهد الدولة الصفوية التي قادت مشروع إضعاف العرب لعقود. هذا المشروع الذي دفع العديد من الدول العربية إلى قبول التطبيع كأهون الشرين، مقارنة بتمدد النفوذ الإيراني في المنطقة.
التغيرات في المشهد الإقليمي: مع انتهاء دور إيران كأداة غربية، يظهر تحالف جديد بين الدول السنية والغربية لإعادة ترتيب الأوراق الإقليمية. الهدف الأساسي لهذا التحالف هو تفكيك المحور المكون من الصين وروسيا وإيران، مما يعيد تشكيل خارطة التوازنات الدولية.
التحولات في المشهد الإقليمي
انتهاء دور إيران كأداة غربية: منذ عقود، استُخدمت إيران كوسيلة لإضعاف الموقف العربي، حيث كانت تعمل كحجر زاوية في تنفيذ أجندات غربية تهدف إلى إضعاف وحدة المنطقة. ومع انتهاء دورها الوظيفي، تتجه الأنظار الآن إلى تشكيل تحالف جديد يضم الدول السنية بالتعاون مع الغرب.
تفكيك المحور الثلاثي (الصين - روسيا - إيران): الهدف الأساسي لهذا التحالف الجديد هو إضعاف المحور الثلاثي المكون من الصين وروسيا وإيران، والذي أصبح يُنظر إليه كتهديد لمصالح القوى الغربية. ومن المتوقع أن يتم تنفيذ هذا الهدف عبر خطوات استراتيجية تشمل:
إعادة ترتيب التوازنات الإقليمية.
- تعزيز النفوذ الغربي في الدول العربية.
- تحجيم دور إيران اقتصاديًا وسياسيًا وعسكريًا.
- مشروع الشرق الأوسط الجديد: الرؤية والأهداف
المشروع الجديد يقوم على إعادة ترتيب الأوراق في المنطقة بحيث تصبح أكثر توافقًا مع المصالح الغربية. تركيا تلعب دورًا محوريًا في هذا السياق، حيث تسعى برعاية غربية إلى قيادة الدول السنية في مواجهة النفوذ الإيراني والحد من التمدد الروسي والصيني.
تحقيق التوازنات الدولية
تهدف هذه الاستراتيجية إلى:
- تطويق النفوذ الإيراني: من خلال تحجيم دورها الإقليمي وإعادة هيكلة مراكز السلطة داخلها إذا لزم الأمر.
- منع توسع الصين وروسيا: عبر تعزيز الشراكات الاقتصادية والعسكرية بين الدول العربية والغرب.
- إعادة بناء المنطقة: بما يتماشى مع رؤية سياسية تحقق الاستقرار النسبي دون الإضرار بالمصالح الغربية.
يشير مشروع الشرق الأوسط الجديد إلى أن المنطقة تدخل مرحلة إعادة تشكيل عميقة في موازين القوى والتحالفات. هذه التحولات تحمل تحديات وفرصًا للدول العربية، التي يجب أن تعمل على تحقيق أكبر قدر من المكاسب ضمن هذه التغيرات. سيكون عام 2025 بداية لمرحلة جديدة، حيث يتم إعادة توزيع الأدوار بما يحقق التوازن الدولي، ولكن يبقى السؤال: هل ستتمكن الدول العربية من استغلال هذه المرحلة لصالحها؟
النظرية السياسية بين الواقع والاستراتيجية
في عالم السياسة، تتجلى النظريات الناضجة في قدرتها على التعامل مع التحديات المعقدة من خلال رؤية استراتيجية تعتمد على إدارة الأولويات واتخاذ القرارات في الوقت المناسب. ومن أبرز المبادئ التي تستند إليها هذه النظريات:
"التضحية بجزء صغير في الوقت المناسب أفضل من خسارة الكل."
تطبيق النظرية على قضية فلسطين: تعد قضية فلسطين واحدة من أعقد الملفات السياسية في العالم العربي، حيث تتشابك فيها الأبعاد التاريخية، والدينية، والجيوسياسية. وفقاً للنظرية السياسية الناضجة، فإن العرب يواجهون معركة وجود طويلة الأمد، لكنها ليست محصورة بزمن أو توقيت محدد.
أسباب تعقيد القضية:
- الدعم الأمريكي اللامحدود لإسرائيل: يوفر هذا الدعم حماية سياسية وعسكرية واقتصادية لكيان الاحتلال، مما يجعل زواله أمراً بعيد المنال في الأمد القريب.
- الغياب العربي المستمر: يتمثل هذا الغياب في ضعف التنسيق بين الدول العربية وعدم وجود استراتيجية واضحة للتحرير أو المواجهة.
الواقع السياسي: غياب الاستعداد العربي
لا تزال الدول العربية تفتقر إلى الاستعداد الكافي لتحرير فلسطين، سواء على المستوى العسكري أو السياسي أو الاقتصادي. وفي ظل هذه الظروف، تبدو إدارة الصراع الخيار الأكثر واقعية للحفاظ على ما تبقى من الحقوق الفلسطينية وحمايتها من التآكل.
استراتيجية إدارة الصراع
- التركيز على تعزيز الوحدة العربية: ضرورة بناء تحالفات إقليمية قوية لتعزيز الموقف العربي في المحافل الدولية.
- إعادة صياغة الأولويات: وضع فلسطين في مقدمة الأجندة العربية مع مراعاة توازن المصالح الإقليمية والدولية.
- تعزيز الدعم الشعبي والدبلوماسي: العمل على كسب تأييد الشعوب العربية والمجتمع الدولي لتعزيز الضغط على الاحتلال.
تشير النظرية السياسية الناضجة إلى أهمية الموازنة بين الطموحات والواقع، خصوصاً في القضايا المعقدة مثل فلسطين. وبينما يبدو التحرير هدفاً بعيد المنال حالياً، فإن التركيز على إدارة الصراع والتخطيط الاستراتيجي يظل الخيار الأكثر منطقية للحفاظ على الحقوق العربية في مواجهة التحديات الكبرى.
معادلة التطبيع: مكاسب متبادلة
لم يعد التطبيع يُنظر إليه اليوم كخيانة صريحة بقدر ما أصبح يُفهم على أنه تكتيك استراتيجي في إطار لعبة المصالح الدولية، برعاية القوى الغربية. تتجلى هذه المعادلة في صيغة توازن دقيقة تضع على الطاولة مكاسب متبادلة لكل الأطراف المعنية.
قبول العرب بالتطبيع: مقابل هذا القبول، يتم تقديم تعهدات بإنهاء النفوذ الإيراني الذي طالما كان مصدر قلق رئيسي لدول المنطقة. فإيران لعبت دوراً محورياً في زعزعة استقرار الدول العربية، سواء من خلال التمدد السياسي أو التدخل العسكري.
استثمار الغرب في التطبيع: يقابله كبح التوسع الصيني والروسي في المناطق العربية. فالولايات المتحدة وحلفاؤها يدركون أهمية الشرق الأوسط كموقع استراتيجي، ويدركون أن أي نفوذ صيني أو روسي في المنطقة قد يُضعف الهيمنة الغربية بشكل كبير.
السياسة كفن تحقيق المصالح تُظهر هذه المعادلة أن السياسة ليست إلا لعبة مصالح، حيث يتم بناء التحالفات وعقد الصفقات على أسس الربح المتبادل. وفي هذا الإطار:
- العرب يضمنون الاستقرار النسبي والتخلص من النفوذ الإيراني.
- الغرب يحقق مكاسب استراتيجية بالحد من نفوذ منافسيه، الصين وروسيا.
رغم الجدل الكبير حول مسألة التطبيع، فإن هذه الخطوة تُفسر ضمن سياق أوسع يراعي التغيرات في التوازنات الدولية والتحولات الإقليمية. ما يُظهره هذا الواقع هو أن السياسة ليست مجرد شعارات، بل هي قرارات تُبنى على التوقيت والظروف بما يخدم المصالح الكبرى.
معادلة التطبيع تعكس واقعاً جديداً في الشرق الأوسط، حيث تتحرك الدول على رقعة شطرنج دولية لتحقيق أكبر قدر من المكاسب. لكن يبقى السؤال قائماً: هل ستتمكن الدول العربية من استغلال هذا الواقع لصالحها، أم ستظل أسيرة لمعادلات تُرسم خارج حدودها؟
تركيا ودورها في ضبط الحركات الإسلامية
لعبت تركيا دوراً محورياً في إعادة صياغة مسار الحركات الإسلامية خلال العقدين الماضيين، مستفيدة من دعم غربي لتعزيز هذا الدور. تمكنت أنقرة من تحويل هذه الحركات من أيديولوجيات تقليدية مغلقة إلى حركات أكثر براغماتية قادرة على التكيف مع التغيرات السياسية والاجتماعية في المنطقة.
التحول البراغماتي في الحركات الإسلامية: قبل هذا التحول، كانت الحركات الإسلامية تعتمد على رؤى أيديولوجية صارمة ومثالية بعيدة عن الواقع. إلا أن تركيا نجحت في إعادة ضبط "مصنع الفكر الإسلامي"، حيث أصبحت هذه الحركات أكثر انفتاحاً على التوازنات الدولية والإقليمية، مركزة على درء المفاسد وجلب المصالح بدلاً من الالتزام المطلق بالأيديولوجيات.
النموذج التركي في سوريا: كان تأثير تركيا واضحاً بشكل خاص في الأزمة السورية، حيث تمكنت من توجيه الحركات الإسلامية لتخدم أجندتها الإقليمية. هذا التوجيه ساعد تركيا على تعزيز نفوذها في سوريا وتحقيق مكاسب سياسية وعسكرية، مع الحفاظ على توازنات دقيقة بين القوى الكبرى المتنافسة.
العوامل المساهمة في نجاح تركيا:-
- الدعم الغربي: وفرت الدول الغربية غطاءً سياسياً واقتصادياً لتركيا لتتمكن من لعب هذا الدور المحوري.
- البراغماتية السياسية: تبنت أنقرة سياسة توازن قائمة على المصالح المتبادلة، مما جعلها شريكاً أساسياً للقوى الدولية.
- القوة الناعمة: استغلت تركيا أدوات مثل التعليم والإعلام لنشر رؤيتها وإعادة تشكيل الحركات الإسلامية بما يتوافق مع أهدافها.
نجحت تركيا في تقديم نموذج جديد للحركات الإسلامية قائم على التكيف البراغماتي مع الواقع السياسي. هذا النموذج عزز من نفوذها الإقليمي وساهم في تحقيق مصالحها، ولكنه يظل مثاراً للجدل بشأن مدى خدمته للقضايا الجوهرية في المنطقة.
الخاتمة: نحو مرحلة جديدة من التحولات الصراع الصفوي العثماني لم يعد مجرد تاريخ مدفون، بل هو واقع يتجدد في سياقات مختلفة. التحولات الجارية تشير إلى إعادة ترتيب كامل للمنطقة، حيث تتحرك قطع الشطرنج من اليمن إلى اليسار لتخدم توازنات دولية جديدة.