recent
أخبار ساخنة

أسطورة قارئ المقام العراقي يوسف عمر الذي لا يُنسى.

Site Administration
الصفحة الرئيسية

أسطورة قارئ المقام العراقي يوسف عمر الذي لا يُنسى.

أسطورة المقام العراقي يوسف عمر، صوت لا يُنسى وإرث فني خالد. تميز بأسلوبه الفريد وأدائه الساحر الذي أسر قلوب المستمعين. هو أيقونة المقام الذي حمل التراث العراقي إلى آفاق جديدة، ليبقى اسمه محفورًا في ذاكرة الفن العربي الأصيل. 

هو يوسف عمر داود البياتي، الاسم الذي اقترن بفن المقام العراقي، كان واحداً من أبرز رواده في القرن العشرين. ولد عام 1918 (أو 1917 بحسب بعض المصادر) في منطقة جديد حسن باشا، بجانب الرصافة في بغداد، لعائلة تمتد جذورها بين أم تركية وأب عراقي. توفي والده في طفولته، فتولى عمه رعايته، وكان له دور كبير في تعليمه أصول المقام العراقي.

أسطورة قارئ المقام العراقي يوسف عمر الذي لا يُنسى.
أسطورة قارئ المقام العراقي يوسف عمر الذي لا يُنسى.

تربى في بيئة بغدادية دينية ،  كانت بداياته في قراءة وتراتيل القرآن والمناقب النبوية والأذكار والمقامات العراقية،  ويُعد من كبار رواد المقام العراقي،  له طريقه مميزة في الغناء ، تشكل خلاصة أصيلة لتجارب الكبار من قراء المقام العراقي.

تربى في وسط بيت مولع بالمقام العراقي ، وكان منذ طفولته يستمع إلى أصوات كبار مطربي المقام أمثال:

أحمد الزيدان ، رشيد القندرجي ، نجم الشيخلي ، حسين كردي ، محمد القبانجي ، حسن خيوكة ، الحاج عباس كمبير، قدوري العيشة وآخرين .

البدايات الفنية.

نشأ يوسف عمر في بيئة بغدادية دينية، حيث كانت بداية احتكاكه بالمقامات العراقية من خلال قراءة القرآن الكريم والمناقب النبوية والأذكار. تأثر بأصوات عمالقة المقام العراقي مثل أحمد الزيدان، رشيد القندرجي، ومحمد القبانجي، مما ساعده على صقل موهبته الموسيقية.

في مرحلة الشباب زاد اهتمامه بهذا الفن ، وأخذ يتقرب من قرّاء المقام ومن هواته والمهتمين بشؤونه أو العارفين بطرقه واسراره ،  أمثال إبراهيم الخشالي وجهاد الديو وغالب الخشالي ، وأصبح فيما بعد من شديدي الولع بقارئ المقام محمد القبانجي. 

وقام بتقليده من شدة تـأثره بهذا المطرب الكبير ،  الذي كان متصدراً الساحة الفنية بالعراق ، لكنه بعد فترة بدأ يصل مرحلة النضوج ، وبدأت تكون له شخصيته المتميزة ، التي جذبت له من المعجبين والمهتمين بفنه وأسلوبه .د

لم يكن يجيد فن المقام فقط ، وانما كان يجيد الابوذية والعتابة ، لتأثره بالمطرب عبد الامير  طويرجاوي والمطرب ابو جيشي .

في عام 1948، دخل الإذاعة العراقية بعد اجتيازه اختباراً صارماً، وبدأت مسيرته الاحترافية كمطرب مقامي. كان له أسلوب مميز يجمع بين الأصالة والتجديد، مما جعل صوته علامة فارقة في تاريخ هذا الفن.

محنته وسجنه:

في عام 1933، اتُهم بجريمة قتل، وحكم عليه بالسجن لمدة 15 عاماً. خلال فترة سجنه، تحول السجن إلى "مدرسة" فنية خاصة به، حيث كان يغني المقامات للسجناء ويعبر عن آلامه من خلال هذا الفن. أُطلق سراحه في عام 1948، وبدأ مرحلة جديدة في حياته الفنية.

كان خلال تلك الفترة يجأر بالشكوى المرة ، من انه زج في السجن ظلماً ، وفي السجن انطلق عنانه ، وراح يقرأ المقام ليل نهار ، كان يطرب معه السجناء ، حيث كان يرى في المقام خير معبر عن الالم الذي كان بداخله. 

دوره في الإذاعة والتلفزيون:

بعد إطلاق سراحه، قدمه الخبير المقامي سلمان موشي للإذاعة العراقية، حيث كان يدهش المستمعين بأداء مقام الرست، الذي يُعد أحد أصعب المقامات العراقية. شارك أيضاً في مسرحية "النخلة والجيران"، التي أبرزت جوانب جديدة من موهبته. ومع افتتاح تلفزيون بغداد، أصبح يوسف عمر وجهاً معروفاً، حيث قدم حفلات أسبوعية وجذب جمهوراً واسعاً.

كان دور خبير المقامات العراقية في اذاعة بغداد اللاسلكية ، التي كانت تسمى آنذاك ، المقامي المعروف ( سلمان موشي) وقد انبهر الخبير بأداء هذا الهاوي المبتدئ ، والذي يبتدئ بقراءة مقام من الوزن الثقيل مثل الرست ، الذي يعد سمفونية المقامات العراقية ، لهذا اُعتمد يوسف عمر مطرباً مقاميا في الإذاعة ، حيث خصصت له حفلات مقامية اسبوعية.

شارك بالتمثيل في فلم (سعيد أفندي )  عام 1956 والذي كان من بطولة الراحلة الكبيرة زينب ويوسف العاني وجعفر السعدي ،  وكان دوره يصوره في حانة ، من حانات الباب الشرقي في خمسينات القرن الماضي ، مع (دعبول) البلام ، غنى فيه شيئاً من مقام الصبا.

وفي السنة نفسها أفتتح تلفزيون بغداد ، واعتمد يوسف كمطرب مقامي تلفزيوني، وأخذ حصته من الحفلات المقامية، واخذت تمتد مساحته الغنائية تدريجياً ، لتتقلص بالمقابل مساحة غيره من قراء المقام ،  لكثرة طلبات المستمعين والمشاهدين ، مما خلق له جمهرة من المتذمرين .

وفي أوائل السبعينات شارك في سهرة تلفزيونية أدى فيها شخصية المقامي المبدع القديم (رحمة الله شلتاغ) ، مع الفنان الراحل محمد القيسي  ونخبة من الممثلين.

أغانيه وأعماله:

ترك يوسف عمر إرثاً غنائياً غنياً، من أبرز أغانيه:

  • "جلجل عليه الليل"
  • "المجرشة"
  • "على جسر المسيب"
  • "داري"
  • "يا حلو يا بو السدارة"
  • "نوحي نوحي"
  • "يمه زوجيني"

من اغانيه :

مرو بنا من تمشون ، صاحي لو سكران ، مات اللمبجي ، يالولد يبني ، فراقهم بجاني ،  هاجن جنوني ، دمبلم يابو حساوية ، منك ياالاسمر ، جي مالي والي ، جواد جواد مايبي،  دشداش

تأثيره في فن المقام العراقي

يوسف عمر لم يكن مجرد مطرب عادي في عالم المقام، بل كان مدرسة متكاملة استمدت جذورها من أصول هذا الفن العريق وأعطته نكهة جديدة ميزته عن غيره من معاصريه. اشتهر بصوته العميق وأدائه المؤثر. 

الذي استطاع من خلاله أن ينقل الأحاسيس والمشاعر بدقة وإبداع. كان يُعتبر بمثابة جسر بين الأجيال، حيث استلهم أساليبه من قرّاء المقام الكبار مثل محمد القبانجي ورشيد القندرجي، وطورها ليُقدمها بأسلوب خاص حفر اسمه في ذاكرة الفن العراقي.

خصوصية أسلوبه الفني.

يوسف عمر لم يكن فقط مؤدياً ماهراً للمقام، بل كان أيضاً موسيقياً يُجيد تكييف المقام مع روح النصوص الغنائية التي يقدمها. تميز أداؤه بطابع حزين، يعكس في كثير من الأحيان معاناته الشخصية وتجربته الحياتية الصعبة، خاصة بعد السجن. كان يميل إلى المقامات الثقيلة مثل الرست والبيات والحجاز، التي تحتاج إلى مهارة ووعي موسيقي عالٍ.

كما أبدع في تقديم الأنواع الأخرى من الغناء التراثي العراقي، مثل الأبوذية والعتابة، متأثراً بمطربي الريف مثل عبد الأمير طويرجاوي وأبو جيشي، مما أضاف لمسة فريدة إلى مشواره الفني.

مواقفه وإرثه الفني.

عرف عن يوسف عمر اعتزازه بالمقام العراقي ودفاعه عنه كفن أصيل يمثل الهوية الثقافية للعراق. كان يعتبر المقام لغة الروح، التي تلامس الوجدان وتُعبر عن أعمق مشاعر الإنسان. ولهذا السبب، رفض تقديم أي عمل تجاري يسيء لهذا الفن، بل حافظ على أصالته وقيمته.

رغم المنافسة الكبيرة مع مطربي عصره، استطاع يوسف عمر أن يفرض وجوده من خلال إبداعه المستمر وشخصيته الفنية الفريدة. لقد ألهم جيلاً جديداً من قراء المقام الذين ساروا على خطاه وأخذوا على عاتقهم مسؤولية الحفاظ على هذا الفن من الاندثار.

كان يوسف عمر وفياً لبغداد وهو يُجسد عشقاً خاصاً لبغداد، المدينة التي احتضنت طفولته وشبابه وشكلت ملامح فنه. كثير من أغانيه ومقاماته كانت تفيض بحب عميق لهذه المدينة، وكأن صوته كان يروي قصص أزقتها وأسواقها ونهرها الخالد.

كصبغ النيل ، داري ، عفاكي عفاكي ، ام العباية ، سايب ، وشلون حالي وشلون ، كلبي ركن بغداد  ، ربيتك زغيرون حسن ، ومكافش من الروس ، ون يا كلب ون ون ، جلجل عليه الرمان ، آمنين اجاني اهواي وهاليلة حلوة وجميلة وغيرها الكثير.

قصة يوسف عمر وفوبيا الطيران.

كان مطرب المقام العراقي يوسف عمر مصاب "بفوبيا الطائرات " ولا يسافر ابداً بالطائرة, غير انه اُجبر على ركوب الطائرة من اجل العلاج في اوروبا على نفقة ألدولة بسبب اصابته بمرض الرعاش, وعند ركوبه للطائرة وإقلاعها ،، ذهب مرافق الراحل لكابتن الطائرة و قال له :

ان المطرب يوسف عمر في الطائرة ،، وهو متخوف جداً اضافةً لمرضه ،، فارجوا منك الذهاب اليه وطمأنته على الفور بادر الكابتن بالذهاب الى يوسف عمر و جلس جانبه ، و قال : 

استاذ يوسف اهلاً بك ، ثق ان الخطوط الجوية العراقية هي من اكفأ شركات الطيران و ان الطائرة هي اكثر وسائل النقل اماناً 

التفت اليه يوسف عمر ورأسه ُ يهتز يميناً وشمالاً و قال له : 

انت منو ؟

فقال له : 

انا كابتن الطائرة 

فقال له يوسف عمر :

والطيارة شلون دا تمشي هسه ؟

فأجابه الكابتن : 

تركتها بيد المساعد.

فأجابه يوسف غاضباً  : 

خرب بيومك ،، آني بيك ما عندي ثقة ،، انوب اثق بـ ( السِكن ) مالتك ؟!!.

اعتزاله ووفاته:

في عام 1985، أجبرته حالته الصحية المتدهورة على اعتزال الغناء. وفي ليلة 14/15 يوليو 1986، توفي إثر نوبة قلبية، تاركاً وراءه إرثاً فنياً خالداً في تاريخ الموسيقى العراقية. رحمه الله وأسكنه فسيح جناته.

مكانته بعد الرحيل: حتى بعد وفاته، بقي يوسف عمر رمزاً خالداً لفن المقام العراقي. يتم استذكار اسمه وأعماله في المحافل الفنية، ويُعتبر نموذجاً يُحتذى به لكل من يسعى للغوص في عوالم هذا الفن التراثي. 

أعماله لا تزال تدرس وتؤدى من قبل محبي المقام في العراق وخارجه، مما يعكس مدى تأثيره واستمرارية إرثه الفني. إن يوسف عمر لم يكن مجرد مطرب مقامي، بل كان "صوتاً عراقياً" خالصاً يحمل في نبراته عمق تاريخ وطنه وأصالته.

google-playkhamsatmostaqltradent