recent
أخبار ساخنة

قصيدة "إليكِ أكتب في العيد يا صغيرتي"

Site Administration
الصفحة الرئيسية

 **"إليكِ أكتب في العيد يا صغيرتي"**

✍️ بقلم: مالك المهداوي

🌸 مقدّمة

هذه القصيدة ليست مجرّد بوحٍ شعري، بل هي **صفحة من الذاكرة** وقطعة من القلب. كتبتها وأنا أستعيد أيّام خدمتي ضابطاً في **القوة الجوية العراقية** بقاعدة الوليد غرب الوطن، بينما كانت أسرتي تقيم بعيداً عني في **خانقين شرق العراق**.

جاء العيد يومها وأنا غائب عن أحبّتي، تتلقّى ابنتي الصغيرة وعودي عبر الهاتف، وتعاتبني ببراءةٍ جارحة: *"متى تعود يا بابا؟"*، فلا أجد ما أواجه به دموعها سوى الصمت.

وبعد سنوات، كبرت الطفلة وأصبحت طبيبة، لتقف في أول عيدٍ لها على جبهة الواجب الإنساني، فأتذكّرها لتكتمل دائرة الزمن… لقد تعادلت المواقف وتساوت التضحيات.

قصيدة "إليكِ أكتب في العيد يا صغيرتي"
قصيدة "إليكِ أكتب في العيد يا صغيرتي"

إنها قصيدة عن **الغياب والحنين**، عن **الأبوة والواجب**، عن **العيد حين يتحوّل من فرحة إلى اختبار صبر**.

قصيدة تذكّرنا أن التضحية من أجل الوطن والإنسان، قد تكون أثمن هدية في العيد.

**"إليكِ أكتب في العيد يا صغيرتي"**

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

إليكِ أكتبُ، في العيد يا صغيرتي،

وقد تعادلنا بالمواقف والزمان...

منذ سنينٍ طويلةٍ،

كلما أطلّ العيدُ،

أراكِ في ذاكرتي،

مرةً تبكيني… ومرةً تُضحكني…

لكنها تبقى ذكرياتٍ منقوشةً

على جدار القلب والوجدان.

*****

كنتُ هناك...

في غرب حدود الوطن،

وأنتِ هناك...

في شرق الحدود،

تفصلنا مسافاتٌ كالبحر،

لكنها لم تفصلني عن شوقكِ،

ولا عن لهفة عينيكِ الصغيرة.

*********

كنتُ أعدكِ أن أعود،

في ثاني أيام العيد،

كي نحيا الفرح،

ونركض خلف المراجيح،

ونصعد مع دولاب الهواء،

كما وعدتكِ يا طفلتي.

**********

لكن حدث ما لم يكن بالحسبان…

الإجازات توقفت،

والنزول قد مُنع،

وبقيتُ أسيراً لواجبٍ أثقل روحي،

بين وحدتي… والحركات… وجناح الطيران.

*********

رنّ الهاتف...

رفعتُ السماعة،

وإذا بصوتكِ العذب،

يخترق صمتي:

"متى تعود يا بابا؟

ننتظرك لتكتمل فرحتنا،

نريد أن نذهب معك للعيد…"

**********

كلماتكِ كسرتني،

حاولت أن أُقنعكِ،

أن الغياب قَدَر،

لكن قلبكِ لم يقبل الأعذار…

كنتِ تُعيدين السؤال كل يوم،

حتى رحل العيد،

وانطفأت أضواء المراجيح،

وبقيَ في قلبكِ عتاب،

وفي عينيكِ دموعٌ لا تُنسى.

*********

واليوم يا قُرّة عيني،

تبدّلت المواقع...

أصبحتِ أنتِ البعيدة عني،

تحملين الواجب على كتفيكِ،

تخدمين الناس والوطن،

بروحكِ النقية وإيمانكِ العميق.

********

تعادلنا يا صغيرتي،

وتعلمنا معاً،

أن الواجب أقدسُ من كل شيء،

وأن التضحيةَ عنوانُ العيد.

*********

وبعد أعوامٍ طويلة…

همستِ لي:

"سجّلتُ رقم هاتفك

على بقايا علبة سجائرك،

وكلما اتصلتُ…

كان عاملُ البدالة يسألني،

فأجيبه: أنا ابنته…

فتغصُّ كلماتي بالبكاء."

**********

فأبكاني حديثكِ من جديد،

وأيقنتُ أن الذكرياتِ

لا تشيخُ أبداً…

********

عيدكِ مبارك يا ابنتي،

يا فلذة كبدي،

عيدكِ مبارك يا زوجتي الغالية،

وأبنائي، وأهلي وأحبابي…

عيدٌ مبارك على وطني العراق،

وعلى الأمة الإسلامية جمعاء،

جعله الله عيداً للفرح،

وقبول الطاعات.

القصة والمشاعر

تنتقل القصيدة بين الماضي والحاضر بأسلوب عاطفي:

في الماضي: يصف الشاعر مشاعره كأب بعيد عن أطفاله في العيد. يتذكر مكالمة ابنته وهي تسأله بلهفة: "متى تعود يا بابا؟"، وكيف أن كلماتها كسرت قلبه. يُظهر كيف أن الواجب العسكري منعه من أن يكون جزءًا من فرحة العيد معهم، تاركًا في قلب ابنته دموعًا وعتابًا. يصف الأب شوق ابنته له ولهفتها، وكيف أن المسافات الجغرافية لم تفصل بين قلبه وقلبها.

في الحاضر: يعود الشاعر إلى اليوم الذي كبرت فيه ابنته وأصبحت طبيبة، وأصبح الواجب يحول بينها وبين عائلتها في أول عيد لها في العمل. هنا، يجد الشاعر وابنته أنهما "تعادلا في المواقف والزمان". هذا التعادل ليس مجرد صدفة، بل هو درس عميق تعلمته الابنة من أبيها: أن الواجب والتضحية أقدس من كل شيء.

🌸 خاتمة:

هكذا يبقى العيد في ذاكرة الشاعر **علامةً فارقة بين الفرح والواجب**، وبين صوت الطفولة البريء وصدى السلاح.

لم يكن غياب الأب يومها تخلّياً، بل كان وفاءً للوطن، ولم يكن عتاب الابنة ضعفاً، بل كان حباً نقيّاً يفيض صدقاً.

واليوم، وقد كبرت الصغيرة وأصبحت طبيبةً تخدم الناس في لحظة عيد، يتكرّر المشهد وتتعادل الأقدار، لتؤكّد أن التضحية لا تعرف جيلاً بعينه، بل هي ميراث قلوب صادقة تؤمن أن **خدمة الوطن والإنسان أقدس من كل احتفال**.

إنها قصيدة لا تحكي زمناً مضى فحسب، بل تزرع فينا يقيناً بأن العيد الحقيقي هو في العطاء، وأن الذكريات، مهما مرّ الزمن، تظل حيّةً كأنها كُتبت للتو.


google-playkhamsatmostaqltradent