أهداف أمريكا الاستراتيجية في العراق؟
عندما اتخذت أمريكا القرار في غزو العراق كانت لها أهداف تتعلق بالاستراتيجية الجديدة في الهيمنة على الشرق الأوسط! بشكل مباشر من دون أي وسيط .
كانت أهداف أمريكا بعد أن أصبحت دولة عظمى وأزاحت الامبراطوريات التي شاخت كبريطانيا وفرنسا. التي حررت عواصمها التي احتلتها دول المحور بقيادة ألمانيا. بعد أن حسمت أمريكا الحرب العالمية الثانية بضرب اليابان بالقنبلة النووية هو السيطرة على العالم . وقيادته والتربع على القمة وكان الشرق الأوسط وسيلة مهمة لتلك الأهداف.
أمريكا ودائرة الاهتمام بالشرق الأوسط والعراق.
كان العراق المحطة الثانية بعد مصر التي استغلت أمريكا حرب السويس لإخراج بريطانيا وفرنسا من المنطقة فكان الانقلاب على الملوك حلفاء بريطانيا في العراق ثم عملية وضعه تحت المجهر ومشرط العمليات.
أمريكا تعودت سياسة النفس الطويل عبر استراتيجياتها في التعامل مع القضايا الحيوية وضمن مهمة مطاردة افضل الفرص وبناء شراكتها مع الدول ضمن سياسة الأحلاف والمحاور وضم الدول تحت سياستها او قبضتها او وضعها تحت سياسة الاحتواء كدول مارقة.
فحين وصل وضع العراق الى سيطرة تيار اليسار منذ حكم عبد الكريم قاسم وعدم تمكن الانقلابات والتبدلات! من احتواء المد اليساري في العراق وتخوف وقلق أمريكا من وصوله للسلطة في فترة عبد الرحمن عارف! حجزت لاتباعها المعدين مقاعد في قطارها الصاعد نحو بغداد. فكان انقلاب البعث سنة 1968 وسيلة للحيلولة دون وصول اليسار لحكم العراق.
هدف أمريكا عبر الستينيات من القرن الماضي تفكيك اليسار في الشرق الأوسط.
وتمكن حلفاء أمريكا من قضم اليسار وتفكيكه وإضعافه ثم إنهاءه عبر التصفيات والسجن والإبعاد والهجرة.
ثم جاء دور إيران التي اقلق مرض الشاه بسرطان الغدد اللمفاوية واحتمال موته المفاجئ وسيطرة اليسار على حكم إيران. وهي المجاورة للاتحاد السوفيتي فكان التيار الديني المتطرف افضل خيار لأمريكا. لأنها تعتقد وهو الحقيقي أنها تتمكن من التعامل معه واحتوائه وترويضه بوسائلها وسياساتها الاستراتيجية وبالنفس الطويل.
فكان الاحتواء بالحرب العراقية الايرانية التي عملت أمريكا على إضعاف إيران والعراق؟ لمنع أي منهما من الهيمنة على منابع الطاقة الرئيسة لها وللغرب والعالم وممرات نقلها.
وبعد الحرب وقع العراق في الفخ المعد سلفاً وبتخطيط محكم وسقط في المحضور فكان غزوه وساعدت إيران هذا المسعى سراً ثم عملت علناً وسراً على تقويض الوجود والهدف الأمريكي.
انسحبت أمريكا من العراق انسحابا اسمته أخلاقياً. وهو ليس سوى انسحاباً يمثل تكتيك سياسي وليس استراتيجي. فلا يعقل أن أمريكا تجيش الجيوش وتغامر بعظمتها وسمعتها بمشروع سطحي. ينتهي بانسحاب خالي الوفاض وكأن حاكمها بريمر جاء باحثاً عن فرصة عمل! أو أن جنرالاتها جاءوا لزيارة أثار العراق. او ان سفرائها المخضرمين من نغروبونتي الى زلماي خليل زاده أو رايان كروركر جائوا لزيارة العتبات المقدسة.
تداعيات انسحاب أمريكا وأثارها على العراق؟
وفي ظل ظروف تغيرت وتداعيات قاسية بعد انسحاب أمريكا وما حدث ولآزال من صراعات بعد تغيير أنظمة دول المنطقة. وتدخل دولي وإقليمي بشؤونها يهدد مصالح أمريكا فإنها عدت العدة لرجوع فني محبوك. وعودة مشروطة بأفضل المصالح كما عملت حين انسحبت من أوروبا بعد الحرب العالمية الاولى. بضغط شعبي وسياسي أوربي رأى ان وجود أمريكا بلا مبرر ولا لازم. له فلذلك تركت عواصم دول أوروبا تسقط بيد هتلر ثم حررتها وصنعت لهم وحش وعدو قائم. يجاورهم في أوروبا الشرقية هو الاتحاد السوفيتي ولازالت أمريكا هناك الى اليوم وستبقى.
فقد وقع البعض في داخل العراق وفي العملية السياسية منهم حلفاء لأمريكا وأصدقاء لها ومنهم مناهضين لوجودها. سواء سراً وهم يعلنون صداقتها او يناهضوها علناً وهم في الخفاء معها. وقع هؤلاء في وهم أن أمريكا غزت العراق واحتلته لسواد عيونهم ولأجل أن يحكموا. ويتمتعوا بالنفوذ والثروة والغنى والقوة وعقد تحالفات خارجية مع من يوالون ويتبعون.
وقعت دول في نفس الوهم حين تصورت أن أمريكا منحتها العراق غنيمة وهبة ووليمة.
دول عربية وخليجية تنفذ بإيماء من أمريكا وبنظرة عين حمراء وهي هرولت الى بغداد بأمر من أمريكا للتهيئة للتبدل الأمريكي القادم. ولكن إيران لها رأي أخر وسياسة اخرى تراها تناسب محددات علاقتها مع أمريكا.
حيث تتعامل مع كل قضية بعد أساليب وتتكلم بلسانين وتسير عربتها بشارعين. احدهما رئيسي مكشوف واخر خلفي سري وهي تهدد منابع الطاقة.
وتعلن سيطرتها عليها وعلى ممراتها لتقول لأمريكا انك لم تفعلي شئ منذ حرب الخليج والى الآن. فمازلنا نهيمن على المنطقة ولم تنفع معنا أي سياسة لاحتواء أو ترويض.
مضى على استراتيجية أمريكا قرابة أربعون عام وقد وصلت استراتيجيتها الى موضع قرب أهدافها. وتجمد موقفها بعد أن كان سائل يبحث عن أهدافه.
بعد ضرب أمريكا في 11 سبتمبر لم تعد مثل قبلها؟
بعد ضرب أمريكا في 11 سبتمبر صارت أمريكا غير أمريكا والعالم غير العالم والمنطقة غير المنطقة. وكان العراق الضحية وكبش الفداء. والآن بعد عاصفة وصدمة ترامب وما أحدثه اوباما من تراخي وسلفه بايدن. ووقوع في العشق الممنوع ووهم الدبلوماسية الناعمة.
فان أمريكا غير أمريكا والعالم غير العالم والمنطقة غير المنطقة. وكما ان روسيا غير الاتحاد السوفيتي. فهي ليست دولة يسار أو يمين ولا اشتراكية. بل هي دولة رأسمالية ودولة ايضاً تبحث عن مصالحها التي تلتقي مع مصالح أمريكا.
فمن سيكون كبش الفداء والضحية في ظروف لا تنفع معها العنتريات وخداع الشعوب ببيع الوهم. فالعراق فعلها ولم يقف معه احد وحين سقط كلهم شحذوا سكاكينهم وعلى الباغي تدور الدوائر.
التسوية الدولية فتحت بابها ولن يقفل والحل يأتي من الخارج كما هو معتاد وكما حدث ويحدث وسيحدث.
بقلم :ـ راسم العكيدي.