الأهداف الاستراتيجية للولايات المتحدة في العراق
بقلم الدكتور راسم العكيدي.
عندما قررت الولايات المتحدة غزو العراق في عام 2003، لم يكن الأمر مجرد تدخل عسكري عابر. بل كان قرارًا استراتيجيًا يحمل أهدافًا سياسية واقتصادية وجيوسياسية تهدف إلى ترسيخ الهيمنة الأمريكية في منطقة الشرق الأوسط. أمريكا كانت لها أهداف تتعلق بالاستراتيجية الجديدة في الهيمنة على الشرق الأوسط! بشكل مباشر من دون أي وسيط .
![]() |
الأهداف الاستراتيجية للولايات المتحدة في العراق |
كانت أهداف أمريكا بعد أن أصبحت دولة عظمى وأزاحت الامبراطوريات التي شاخت كبريطانيا وفرنسا. التي حررت عواصمها التي احتلتها دول المحور بقيادة ألمانيا. بعد أن حسمت أمريكا الحرب العالمية الثانية بضرب اليابان بالقنبلة النووية هو السيطرة على العالم . وقيادته والتربع على القمة وكان الشرق الأوسط وسيلة مهمة لتلك الأهداف.
الأهداف الاستراتيجية الأمريكية في العراق
1. السيطرة على موارد الطاقة
- لطالما كان النفط العراقي واحدًا من أهم الدوافع وراء السياسات الأمريكية في العراق. يمتلك العراق واحدًا من أكبر احتياطيات النفط في العالم، وهو ما يجعل السيطرة عليه أو على الأقل التأثير فيه هدفًا استراتيجيًا لضمان استمرار تدفق الطاقة إلى الأسواق العالمية بأسعار معقولة.
2. منع النفوذ الإقليمي المنافس
- أحد أهم أهداف الولايات المتحدة في العراق كان منع أي قوى إقليمية، سواء إيران أو دول عربية أخرى، من السيطرة على العراق أو استخدامه كمنصة لتعزيز نفوذها في المنطقة.
3. تعزيز الهيمنة العسكرية والسياسية
- كان وجود قواعد عسكرية أمريكية في العراق هدفًا أساسيًا لواشنطن، ليس فقط لتأمين مصالحها في العراق، ولكن أيضًا لتكون نقطة انطلاق للتدخل في شؤون الدول المجاورة.
4. احتواء "الدول المارقة"
- اتبعت الولايات المتحدة سياسة "الاحتواء المزدوج" تجاه العراق وإيران، حيث سعت إلى إضعاف كلا البلدين من خلال استراتيجيات متباينة مثل العقوبات، والحرب الاقتصادية، والدعم السري لمعارضين داخليين.
الولايات المتحدة والعراق: دائرة الاهتمام بالشرق الأوسط
منذ بداية القرن العشرين، كان العراق مركز اهتمام القوى الكبرى، ولكن الولايات المتحدة زادت من تركيزها عليه بعد الحرب العالمية الثانية. تطلع واشنطن نحو العراق لم يكن وليد اللحظة؛ فقد رأت فيه موقعًا استراتيجيًا مهمًا يربط بين الخليج العربي وبلاد الشام، إضافة إلى ثرواته النفطية الهائلة.
مع نهاية الاستعمار البريطاني والفرنسي في المنطقة، سعت الولايات المتحدة إلى ملء الفراغ من خلال بناء علاقات استراتيجية مع دول المنطقة، وكان العراق إحدى هذه الدول. بدأت واشنطن بمراقبة الأحداث السياسية في العراق عن كثب، خاصة بعد انقلاب 1958 الذي أطاح بالنظام الملكي الموالي لبريطانيا.
مع صعود المد اليساري في الستينيات، خشيت الولايات المتحدة من أن يصبح العراق قاعدة نفوذ للاتحاد السوفيتي. فدعمت انقلاب حزب البعث عام 1968 كخطوة استباقية لوقف التمدد اليساري والشيوعي في المنطقة، ما عزز هيمنتها غير المباشرة على الساحة العراقية.
ثم جاء دور إيران التي اقلق مرض الشاه بسرطان الغدد اللمفاوية واحتمال موته المفاجئ وسيطرة اليسار على حكم إيران. وهي المجاورة للاتحاد السوفيتي فكان التيار الديني المتطرف افضل خيار لأمريكا. لأنها تعتقد وهو الحقيقي أنها تتمكن من التعامل معه واحتوائه وترويضه بوسائلها وسياساتها الاستراتيجية وبالنفس الطويل.
فكان الاحتواء بالحرب العراقية الايرانية التي عملت أمريكا على إضعاف إيران والعراق؟ لمنع أي منهما من الهيمنة على منابع الطاقة الرئيسة لها وللغرب والعالم وممرات نقلها.
وبعد الحرب وقع العراق في الفخ المعد سلفاً وبتخطيط محكم وسقط في المحضور فكان غزوه وساعدت إيران هذا المسعى سراً ثم عملت علناً وسراً على تقويض الوجود والهدف الأمريكي.
السيطرة على موارد الطاقة
أحد أبرز الأهداف الاستراتيجية للولايات المتحدة في العراق هو السيطرة على النفط. العراق يمتلك أحد أكبر احتياطيات النفط المؤكدة عالميًا، وهو ما يجعله مصدر جذب رئيسي لكل القوى الكبرى. بعد الغزو الأمريكي عام 2003، تم إعادة هيكلة قطاع النفط العراقي بما يتماشى مع المصالح الأمريكية.
من خلال عقود النفط والشركات متعددة الجنسيات، أصبحت الولايات المتحدة تسيطر بشكل غير مباشر على تدفق النفط العراقي إلى الأسواق العالمية. هذا لا يعني فقط تأمين الإمدادات، بل أيضًا التأثير على أسعار النفط عالميًا بما يخدم الاقتصاد الأمريكي.
بالإضافة إلى ذلك، تضمن السيطرة على النفط العراقي لأمريكا نفوذًا كبيرًا في المنطقة، حيث يمكنها استخدام هذه الثروة كأداة للضغط على دول أخرى تعتمد على النفط العراقي في تلبية احتياجاتها الطاقوية، مما يعزز دورها كقوة عظمى في الساحة الدولية.
منع النفوذ الإقليمي المنافس
لطالما كان العراق ساحة صراع بين القوى الإقليمية، والولايات المتحدة أدركت مبكرًا أهمية منعه من السقوط تحت سيطرة أي قوة إقليمية منافسة، خاصة إيران. بعد سقوط نظام صدام حسين، أصبح العراق نقطة توازن حساسة بين النفوذين الأمريكي والإيراني.
سعت واشنطن إلى منع إيران من بسط سيطرتها الكاملة على العراق، وذلك من خلال دعم بعض القوى السياسية، وتعزيز وجودها العسكري، والتأكيد على شراكاتها مع الدول السنية المجاورة. هذا التوجه يهدف إلى إضعاف الهيمنة الإيرانية وإبقاء العراق في دائرة التأثير الأمريكي.
كذلك، لعبت الولايات المتحدة دورًا في تشكيل ملامح العملية السياسية في العراق، بحيث تضمن توازنًا يمنع استفراد أي طرف بالنفوذ، مع الحرص على إبقاء العراق في حالة من الاعتماد السياسي والاقتصادي على واشنطن.
تعزيز الهيمنة العسكرية والسياسية
الوجود العسكري الأمريكي في العراق لم يكن مجرد عملية غزو مؤقتة، بل كان جزءًا من خطة استراتيجية طويلة الأمد. بعد عام 2003، أسست الولايات المتحدة قواعد عسكرية رئيسية في العراق، بهدف استخدامها كنقاط انطلاق للتدخل في شؤون المنطقة.
القواعد الأمريكية في العراق لم تكن فقط لتأمين مصالح الولايات المتحدة داخليًا، بل كانت أيضًا أداة لفرض السيطرة على ممرات الطاقة والتصدي لأي تهديدات محتملة من دول الجوار، سواء إيران أو حتى بعض الحركات المتطرفة.
علاوة على ذلك، استُخدم العراق كنقطة ضغط سياسية، حيث سعت الولايات المتحدة من خلال تواجدها إلى فرض سياسات إقليمية تتماشى مع رؤيتها الاستراتيجية، وضمان ألا يتحول العراق إلى عامل عدم استقرار يهدد مصالحها أو مصالح حلفائها في المنطقة.
احتواء "الدول المارقة"
اتبعت الولايات المتحدة استراتيجية واضحة في التعامل مع العراق وإيران تُعرف بسياسة "الاحتواء المزدوج". الهدف من هذه السياسة هو إبقاء كلا الدولتين في حالة ضعف تمنعهما من تهديد المصالح الأمريكية في المنطقة.
في العراق، استخدمت واشنطن مزيجًا من القوة العسكرية والسياسية لتحقيق أهدافها، بينما مع إيران، لجأت إلى العقوبات الاقتصادية والدبلوماسية. هذه السياسة ضمنت عدم وجود قوة إقليمية تهيمن على المنطقة وتعرقل الاستراتيجية الأمريكية.
ومع ذلك، كان لهذه السياسة آثار جانبية، حيث عززت من حالة عدم الاستقرار في المنطقة، ودفعت العراق إلى أن يكون ساحة صراع دائم بين القوى الكبرى والإقليمية، مما ترك أثرًا طويل الأمد على شعبه واقتصاده.
ما بعد الغزو: تداعيات وانسحاب تكتيكي
انسحاب الولايات المتحدة من العراق في عام 2011 لم يكن سوى خطوة تكتيكية ضمن استراتيجيتها طويلة الأمد. الهدف من هذا الانسحاب كان تقليل التكاليف المادية والبشرية، مع الحفاظ على نفوذها السياسي والاقتصادي من خلال علاقاتها مع النخب الحاكمة.
هذا الانسحاب فتح المجال أمام إيران لتعزيز وجودها في العراق، ما خلق توازنًا جديدًا في المنطقة. لكن واشنطن لم تغب تمامًا، حيث أعادت التدخل بعد ظهور تنظيم "داعش"، مما أتاح لها فرصة جديدة لتبرير وجودها العسكري والسياسي في العراق والمنطقة.
في النهاية، يبدو أن الولايات المتحدة ترى في العراق ورقة ضغط استراتيجية، ستظل تستخدمها لتحقيق مصالحها في الشرق الأوسط، سواء كان ذلك من خلال التدخل المباشر أو التواجد غير المباشر عبر حلفائها.
العراق بين مطرقة الطموحات الأمريكية وسندان الأجندات الإقليمية
العراق اليوم يقف عند مفترق طرق تاريخي. فبينما يحاول إعادة بناء نفسه بعد عقود من الصراعات، يجد نفسه في مواجهة تحديات داخلية وخارجية تهدد استقراره ومستقبله.
الولايات المتحدة، التي جاءت بدعوى تحرير العراق ونشر الديمقراطية، لم تحقق سوى جزء بسيط من وعودها، تاركة وراءها بلدًا منهكًا بالصراعات. أما إيران، فتواصل استغلال حالة الفراغ السياسي لتحقيق مصالحها الإقليمية، مما يزيد من تعقيد المشهد.
الخاتمة: على العراق أن يجد طريقه الخاص نحو الاستقلال السياسي والاقتصادي، بعيدًا عن التدخلات الأجنبية. هذا يتطلب قيادة سياسية واعية، ومجتمعًا متماسكًا قادرًا على مواجهة التحديات بروح الوحدة والعمل المشترك.
في النهاية، يبقى السؤال مفتوحًا: هل يستطيع العراق كسر قيوده واستعادة سيادته، أم سيظل عالقًا في دوامة الصراعات الإقليمية والدولية؟