recent
أخبار ساخنة

الشراكة السياسية: فلسفة السيطرة والاستبداد في العملية السياسية

Site Administration
الصفحة الرئيسية

الشراكة السياسية: فلسفة السيطرة والاستبداد في العملية السياسية

بقلم: ساجد الدوري.

تُعدّ الشراكة السياسية من المفاهيم التي تحمل معاني متعددة، تتراوح بين التعاون لتحقيق أهداف مشتركة وبين السيطرة والاستبداد تحت ستار الشراكة. لكن في واقع العملية السياسية في العراق، يبدو أن مفهوم الشراكة قد تحول إلى أداة للاستغلال والمكائد السياسية.

الشراكة السياسية: فلسفة السيطرة والاستبداد في العملية السياسية
الشراكة السياسية: فلسفة السيطرة والاستبداد في العملية السياسية

يظهر نموذج واضح للشراكة التي تتسم بالاستبداد. فنوري المالكي، باعتباره أحد أبرز الشخصيات المؤثرة، يستخدم التحالفات ليس لتحقيق أهداف وطنية، بل كوسيلة للسيطرة على خصومه السياسيين. يقوم المالكي بدعم شخصيات معينة للوصول إلى مناصب سيادية مثل رئاسة البرلمان، لكنه يضع "الحبل على الرقبة" عبر ملفات فساد أو دعاوى كيدية معدة مسبقًا.

دكتاتورية السلطة و"شراكة الضحايا"

في الواقع السياسي العراقي، تتحول الشراكة إلى أداة للاستغلال، حيث يُظهر نوري المالكي نموذجًا واضحًا لاستبداد السلطة. المالكي، بصفته شخصية محورية في الإطار التنسيقي الشيعي، لا يتردد في التحالف مع شخصيات سياسية يدعمها للوصول إلى مناصب سيادية، مثل رئاسة البرلمان، ولكنه يحتفظ بملفات فساد أو دعاوى كيدية يستخدمها كسيف مسلط على رقابهم.

تلك الملفات ليست سوى وسيلة للتحكم بشركائه وتحويلهم إلى أدوات تخدم مصالحه. بدلًا من أن تكون الشراكة السياسية آلية لتحقيق التوازن والعدالة، تصبح فخًا يحكم فيه القوي قبضته على الضعيف. هذا السلوك يعكس انعدام الثقة بين الأطراف السياسية ويعمّق الفجوة بين الأحزاب المختلفة، مما يضعف العملية السياسية ويعوق أي تقدم حقيقي.

في هذا السياق، يتساءل العراقيون: كيف يمكن الحديث عن شراكة في ظل ممارسات تهدف إلى الإقصاء والتهميش بدلاً من التعاون والبناء؟

شراكة الظاهر والاستبداد المخفي

الشراكة السياسية كما تظهر في المشهد العراقي اليوم لا تعكس سوى مظهر خادع يهدف إلى تضليل الشعب والمجتمع الدولي. في الواقع، هذه الشراكة تخفي وراءها استبدادًا ممنهجًا يمارسه الطرف الأقوى على الأطراف الأخرى. من خلال استغلال المناصب والسلطة، يُجبر الشركاء السياسيون على الانصياع لمطالب وتحكمات القوى المسيطرة.

إن من يدّعي الشراكة في هذا السياق لا يبحث عن بناء وطن، بل يسعى لتوطيد نفوذه الخاص. الأطراف الأضعف تُستخدم كورقة ضغط أو كبش فداء عند الحاجة، مما يجعلها في حالة من الخضوع الدائم. هذا النوع من الشراكة ليس سوى أداة لتفكيك النسيج السياسي والاجتماعي، حيث تُضعف الإرادة الجماعية وتُستنزف الطاقات الوطنية.

الاستبداد المخفي في شراكة كهذه يجعل الشعب هو الضحية الكبرى، حيث تُهدر الموارد والفرص بسبب صراعات داخلية لا تخدم سوى مصالح محدودة.

"شراكة الثعلب والأرنب": دروس من الموروث الشعبي

المثل الشعبي الذي يقول "شراكة الثعلب مع الأرنب تنتهي عندما يجوع" يلخص ببراعة واقع الشراكة السياسية في العراق. الأطراف القوية، مثل المالكي والإطار التنسيقي، تستخدم الشراكة كوسيلة للهيمنة والاستحواذ. عندما تُشبع مصالحها الشخصية، تتخلى عن شركائها أو تحولهم إلى ضحايا.

الثعلب هنا يمثل القوى السياسية التي تستغل ضعف الأطراف الأخرى لتحقيق مآربها. أما الأرنب، فهو رمز للطرف الأضعف الذي يُجبر على الدخول في شراكة يجهل مخاطرها أو تُفرض عليه بالقوة. النهاية الحتمية لهذه العلاقة تكون استنزاف الأرنب بالكامل حتى يصبح بلا قيمة.

هذا النموذج يُظهر أن ثقافة التآمر والخداع ليست فقط سلوكًا فرديًا، بل باتت جزءًا من المشهد السياسي. الحاجة إلى تغيير هذه الثقافة أصبحت ضرورة ملحّة لتجنب تكرار هذه السيناريوهات المؤلمة.

الإطار التنسيقي: بين الجوع للسلطة ونقص الإنسانية

الإطار التنسيقي يمثل حالة سياسية فريدة تجمع بين الطموح الجامح للسيطرة والافتقار إلى القيم الإنسانية التي تضمن التوازن والعدالة. هذا الجوع للمال والسلطة ينبع من شعور عميق بالنقص الذي يتجسد في سلوكيات انتقامية وممارسات تستهدف الخصوم بطرق غير أخلاقية.

استدراج الخصوم وإيقاعهم في المكائد ليس سوى أداة لتعزيز هيمنة الإطار التنسيقي. هذه الممارسات لا تعكس شراكة حقيقية، بل تؤكد أن الأطراف المشاركة لا تبحث عن حلول جماعية، بل عن تحقيق مكاسب شخصية ضيقة.

هذا النقص في الإنسانية والتعطش للسلطة يؤدي إلى تصعيد الأزمات وتعميق الانقسامات السياسية، مما يجعل أي تقدم مستحيلًا. لذلك، يتطلب الوضع الراهن إصلاحًا جذريًا يعيد للسياسة دورها كوسيلة لتحقيق الخير العام.

محاكاة للتآمر والخديعة

التآمر والخديعة أصبحا مكونين أساسيين للعملية السياسية في العراق. بدلاً من بناء شراكة تهدف إلى تحقيق العدالة والتنمية، تُستخدم الشراكة كوسيلة للتلاعب والانتقام. هذه الممارسات تعكس غياب رؤية واضحة للعمل الوطني وتُظهر كيف يمكن أن تتحول السياسة إلى لعبة مدمرة.

الشراكة في هذا السياق ليست سوى واجهة تُخفي نوايا خبيثة. الأطراف السياسية تسعى لتصفية حساباتها الشخصية على حساب الشعب والمصلحة الوطنية. هذا النهج لا يؤدي إلا إلى تفاقم الأزمات وإطالة أمد المعاناة.

لمواجهة هذه المشكلة، يجب أن تكون هناك محاسبة حقيقية للأطراف التي تتلاعب بمفهوم الشراكة. الشعب لديه دور رئيسي في رفض هذه الممارسات والمطالبة بشفافية وعدالة تعيد للعملية السياسية مصداقيتها.

الخاتمة: نحو شراكة سياسية حقيقية

إن تحقيق شراكة سياسية حقيقية في العراق يتطلب تغييرًا جذريًا في المفاهيم والممارسات الحالية. لا يمكن أن تستمر العملية السياسية بالاعتماد على التآمر والخديعة كأدوات لتحقيق الأهداف. بدلاً من ذلك، يجب أن تُبنى الشراكة على أسس من الشفافية، والعدالة، والمساواة بين جميع الأطراف.

الشراكة الحقيقية تتطلب إرادة سياسية قوية تهدف إلى تحقيق مصالح الشعب بدلاً من التركيز على المكاسب الشخصية. يجب أن تعمل الأطراف السياسية على تعزيز الثقة المتبادلة من خلال الالتزام بالعهود والاتفاقيات، وتجنب استخدام السلطة كوسيلة للسيطرة أو الانتقام.

المجتمع المدني له دور حاسم في تعزيز هذا التغيير. عبر التوعية والتثقيف، يمكن للشعب أن يطالب بشراكة سياسية تعكس طموحاته وآماله. كما أن الضغط الجماهيري يمكن أن يكون أداة فعالة لفرض المحاسبة والشفافية على جميع الأطراف.

أسئلة شائعة

تعود هشاشة الشراكة السياسية إلى غياب الثقة بين الأطراف المختلفة، وانتشار ثقافة الاستبداد والمكائد، بالإضافة إلى التركيز على المصالح الشخصية على حساب المصلحة العامة.

إصلاح العملية السياسية يتطلب تعزيز الشفافية، توفير محاسبة حقيقية، بناء الثقة بين الأطراف، وإشراك الشعب في صنع القرارات التي تؤثر على مستقبله. ..

الشعب يمكنه أن يلعب دورًا محوريًا من خلال المطالبة بالإصلاحات، والمشاركة في الانتخابات، ودعم الشخصيات التي تسعى إلى تحقيق مصلحة الوطن، إضافة إلى الضغط على السياسيين لتحسين أدائهم.

الخطوات تشمل وضع إطار قانوني يضمن عدالة الشراكة، تعزيز قيم الديمقراطية، تقديم الدعم للأطراف التي تضع مصلحة الشعب أولاً، وإيجاد آليات لحل النزاعات السياسية بعيدًا عن التآمر والخداع.

يمكن ضمان ذلك من خلال وضع معايير واضحة للتعاون السياسي، التركيز على البرامج التنموية المشتركة، وتوفير الشفافية والمحاسبة لجميع الأطراف المشاركة لضمان تحقيق الأهداف المشتركة.

google-playkhamsatmostaqltradent