الطلاق آفة أجتماعية تهدد سلامة المجتمع؟
الطلاق وإن كان حلالاً فهو آفة أجتماعية تهدد سلامة المجتمع وتقوض أركانه واستقراره … لما للطلاق من آثار خطيرة تمس حياة الأسرة بصورة مباشرة ومؤثرة .
المطلقة عموماً هي من تتأذى من نظرة المجتمع لها باعتبارها كائن معاق لم يتمكن من بناء أسرة صحيحة معافاة… وأنها لا تمتلك المواهب والخصال التي تساعدها على حماية علاقتها الزوجية من الانهيار. حتى لو كانت هي النصف المضيء والجميل في ذلك الرابط المقدس الذي تصدع … وان الزوج هو النصف الذي ما كان مقدسا ولا عفيفا ولا صادقا ولا حتى أمينا … بل لم يكن رجلا بمعنى الرجولة التي تعطيه حق السلطة والقوامة والتملك.
الطلاق وإن كان محلل تبقى المرأة هي الخاسر الأكبر.
تبقى المرأة هي الخاسر الأكبر من انقضاء عقد هش لم يلتزم به أحد الطرفين على أقل تقدير بشروطها ولم يتمسك الطرفان معاً بعروة قدسيته الوثقى ... تتحول الزوجة المطلقة إلى أن تكون محبطة - غالبا - ما تنتابها من هواجس الوحدة والانكسار تجعل منها عضوا معتلا في جسد عائلتها …
عضو غير سوي يتطلب اهتماماً خاصاً وبذلك تكون عبئاً كثير من العوائل لا تطيقه… مما يؤدي إلى انهزام تلك المطلقة وسقوطها في وحل الخطيئة… فالمطلقة والأرملة هما عموما من المناطق الرخوة لأي مجتمع… وإحدى سمات تفككه وزوال عذريته … الطلاق وإن كان محلل ولكنه آفة تهدد سلامة المجتمع بشكل مباشر.
كان لابد منه في كثير من قصص الزواج البائس والعقيم … فإنه يهز كيان المجتمع ويربك خطواته ويكدر صفوه:
- الطلاق يعني انهيار عائلة وتشرد أطفال ومحاكم ونفقات ونقل أثاث ونزاعات لا تنتهي حول حضانة الأطفال وحقوق مشاهدتهم والمهر المؤجل ونفقة العدة وعدم قدرة الزوج على التسديد واضطراره للاستدانة أو التهرب أو الحبس.
- الطلاق يعني أن المرأة ستكون درجة ثانية في كل شيء … يعني أن تتزوج من رجل متزوج لديه ركام من الأعباء… او رجل أكبر سنا او معاق أو مختل.
- الطلاق يعني أن تضع المرأة نفسها بين أنياب مجتمع يتكلم كثيرا عن الفضيلة. ولكنه يمارس الرذيلة بأسوأ صورها في الخفاء وتحت جنح الظلام.
- الطلاق يعني امرأة مطلقة محطمة لديها أب قلق وأم محبطة وأخوة موتورون وأخوات مستقبلهن تشوبه المحاذير.
- الطلاق يعني زوجة أب ظالمة وزوج أم بلا ضمير.
لماذا الطلاق؟ وماهي الأسباب التي تجعل الزوجين يتهربون من المسؤولية؟
الحب طبع آدمي والكره طبع آدمي والغيرة طبع آدمي والعشق طبع آدمي والتضحية ونكران الذات طبع ادمي… والصبر طبع آدمي وباب من أبواب الجنة. خاصة وأن هناك ملايين العلاقات الزوجية الفاشلة! التي نجحت بالصبر والمكابدة والمطاولة ومعاندة رياح الشهوة والأنانية والتكبر الأعمى! التي نجحت بأيمان خلاق وضمير شجاع وصادق.
لماذا لدينا هذا الطوفان المدمر من تسونامي الطلاق …لماذا هذا الماراثون الفوضوي الذي يركض فيه الجميع إلى تحطيم روابط الحب والأمان والاستقرار … لماذا يسعى الناس إلى خراب بيوتهم وسحق كل القيم الوجدانية الرائعة في حياتهم … لماذا الطلاق.
الأسباب والبواعث الحقيقية للطلاق ودور الموبايل فيها.
إنني من خلال اكثر من ألف وخمسمائة دعوى شرعية في مختلف المحاكم! فقط في السنوات العشر الأخيرة ومن خلال تجارب عملية في هذا المضمار. استطيع أن المس الأسباب والبواعث الحقيقية لهذه الكارثة الإنسانية. التي خلقت جيشا كبيرا من المطلقات يضاف الى جيوشنا الأخرى التي لا تحصى.
جيش الأرامل … جيش اليتامى … جيش الثكالى… جيش المفقودين … جيش المسجونين … جيش المهجرين في الداخل … جيش المغتربين في مدن اللاعودة… جيش المدفونين بلا رؤوس أو بلا هويات … جيش العاطلين والبائسين والجائعين ... جيش من الخائفين والمظلومين ... وجيوش أخرى قادمة.
استطيع أن أقول أن الموبايل - هذه الأداة اللعينة - يعد سببا لمشاكل اجتماعية وأخلاقية لا حصر لها … لكونه وسيلة اتصال وتواصل خفية مزودة بقدرات خارقة على تحفيز الناس باتجاه الدعارة! والعهر وخيانات زوجية لها أول وليس لها آخر… الموبايل يزين الشهوات ويجملها ويقربها ويبسطها ويسهلها.
كم من طلاقات حصلت بسبب رسائل وصور ومقاطع فديوهات ومواعيد وجدها الأزواج على موبايلات أزواجهم… عهر وأبناء غير شرعيين وليال حمراء كان هذا الموبايل اعظم قواد فيها… ستقولون لهذا الموبايل فوائد … سأقول لكم نعم… فوائده تحصى ولكن آثامه وثآليله لن نجد وقتا لسردها.
وغير الموبايل هناك العامل الأمني وما يتعرض له المجتمع من مخاطر أمنية تفوق الوصف والاحتمال. وما يتضمنه هذا المأزق الكارثي من خوف ورعب وتطرف طائفي مقيت. وتعصب بغيض كان دافعا ملحا للطلاق وتهدم العائلة... اختلاف المذهب وهجرة الأزواج او غيابهم أو اعتقالهم سبب للطلاق.
قلة العمل أو البطالة بسبب خوف الأزواج من العمل وعدم وجود أجواء آمنة للعمل! أدى إلى اختلال في العلاقات الزوجية… اضطرار المرأة للعمل أو الخروج من البيت بسبب حذر الزوج من الخروج او مراجعة الدوائر. وضع المرأة في اختبار صعب جداً. وكان ذلك الاختبار سببا من أسباب الطلاق.
الخوف من المجهول والإحباط وانحسار الآمال والطموحات والانهيارات النفسية المتراكمة بسبب ازدياد حوادث القتل والخطف والترويع والتهجير والتعذيب والاعتقال. أدت الى تمزقات اجتماعية حادة ومخيفة قادت الى طلاقات وانفصام زواجات كنا نعتقد إنها ستدوم الى اخر العمر.
قراء مجلتنا أنا سعيد بتواجدكم ومشاركتكم انجازاتنا وترقبوا جديديناالسبب الثالث والأخطر هو نتيجة السببين السابقين.
الموبايل وكل أجهزة التواصل مع الآخرين من تلفزيون وأنترنيت وصفحات تواصل اجتماعي وهي ما تسمى بأدوات العولمة… هذا الانفتاح الغير مدروس أو الغير مسبوق عندما نضيف له هذه التدهور الأمني الذي وصل حد الحرب الأهلية التي تحرق الأخضر واليابس.
كل ذلك أدى الى نتيجة حتمية وهي قلة الإيمان بالقيم الإسلامية العظيمة وانجرار الأزواج رجالاً ونساء الى السباحة في ترع النجاسة والدعارة المتبادلة. وامتهان وإذلال العلاقات السامية والنبيلة من زواج وحب عفيف ومقدس وزمالة وقورة ومحتشمة. مما أدى الى تصدع وتقوض الأسرة. فكثرت العلاقات السرطانية التي أدت الى الطلاق.
وهنا يتحمل الزوجان المسؤولية معاً. الزوجة بقلة إيمانها وانحطاطها وعدم تدبرها بأمر دينها وأمر عائلتها. والرجل بجبنه وضعفه وخنثته وعدم جده ونشاطه بل ارتضى لنفسه أن يكون ديوثاً او جباناً! غير قادر على حماية زوجته وأطفاله أو كسولا بليداً لا نفع فيه.
هذه الأسباب الثلاثة وأسباب اخرى اقل أهمية هي التي خلقت لنا هذا الجيش الكبير من الأرامل. ومن تلك الأسباب الأقل أهمية:
- الزواج في سن مبكرة جداً لان هذه الزواجات غالبا بدون إرادة الزوجين وانهما حينما يكبران تكون لهم خيارات أخرى غير خيارات الأهل.
- الزواج السريع المتعجل بدون دراسة أخلاق وأفكار وتأريخ كل من الزوجين لبعضهما البعض تؤدي الى ظهور مفاجآت بعد الزواج وأسرار وعادات لو عرفت قبل الزواج ماكان ليتم أي ارتباط.
كذلك التحول في مكانه أحد الزوجين مادياً او وظيفياً او اجتماعياً او كل ذلك … مثلاً ان يتحول قواد كبير الى قائد كبير … ويتحول قائد عظيم الى سجين أو مطارد أو مفلس كبير … هذه الحالة طبيعية جدا في عراقنا اليوم . وهذا التحول الغير طبيعي هجم بيوتا كثيرة.
الخاتمة.
أحبتي القراء قد تختلفون معي في بعض الأفكار. قد تكون لكم أراء رائعة بهذا الصدد بل حتما لديكم. لكن الذي يعنيني هو تسليط الضوء على آفة الطلاق فهي ظاهرة أجتماعية خطره تهدد سلامة المجتمع. التي بدأت تكبر حتى صارت مصدر قلق كبير. وأنني أدعو إلى تنبيه المجتمع الى مخاطر الطلاق. تلك المخاطر التي يغض الكثير النظر عنها بحجة وجود اكبر.
إنني أدعو الناس للاهتمام والانتباه لأولادهم وبناتهم واعراضهم … ان يحاولوا رعاية ومساعدة بعضهم البعض وان لا يستسهلون الطلاق ... لأن الطلاق وإن كان حلالاً … وإن كان لابد منه أحياناً … فأنه ليس فخرا وليس مدعاة للتباهي … ويبقى مصدرا من مصادر القلق في أي مجتمع.
بقلم المحامي خالد الكاتب