العطار متجر رحال في ريف وقرى شهربان.
كانت مهنة العطار عبار عن متجر رحال أو دكان متنقل بين ريف وقرى شهربان ويصل الى أبعد نقطة وعطار اليوم يصلك عبر متجر هواوي للتطبيقات أو متاجر إلكترونية أخرى. تلك مهن سادت ثم بادت حين كان العطار يجوب ريف وقرى بعيدة عن المركز لكي يبيع بضاعة التي يحملها على الحيوانات. لمن لايستطيع الوصول الى المدينة. ويكون البيع عن طريق المقايضة في بعض الأحيان.
كتب صديقنا Ibin Shahraban في مدونته عن مهنة العطار. عطار شهربان هو دكان أو متجر رحال أو متنقل يجوب ريف وقرى حول مدينة شهربان ويقول: العطار بابا نؤيل شهربان يجعل أبناء القرى التي يمر بها فرحين بقدومه. بما يحمله في سلاله هو عطار شهربان، بل هو دكان القرى (العرب) المتنقل من قرية الى أخرى.
العديد من أصدقائي أهل شهربان الغالين هنا يسألوني عن منشوراتي .. أفكارها وكيف أحصل على المعلومات والتفاصيل وأنا بعيد عن شهربان خلف المحيطات لأكثر من ربع قرن.منهم مازال غير مصدق أني أعيش خارج أو كما قال أحدهم لصديقي الدكتور رائد العزاوي بأن حكاية تغربي هي " فلم هندي " وأني أعيش في مدينة شهربان ~ ويسألون عن أسلوب صياغتها بالشكل الذي ترونه كل يوم خميس.
أحبتي الغالين أِنَّ خلق الفكرة من العدم يعد ابتكار لكن صبها في قوالب الكلام يعد مهاره.
الحب شعور مكانه القلب فكيف تصب في كلمات تنشج بالبكاء حين تسمعها وترتجف من عنفوانها حين تمر عليها. الوفاء هو شعور لكنه مثل الغدر فكره فكيف تصفها بكلمات ترى وتسمع وتشم الوفاء بين حروفها … الغياب حرفة يمكن أن تبدأها انت ان شئت.
قلوب الناس قوارير أو ورق سيلفان هلامي فقط الكلام الصادق النقي ينفذ ويحرض على الإصغاء. عني... اجمع المعلومات كبذور نادرة من ذاكرتكم ومن ذاكرتي وأزرعها بعناية فائقة وتنمو وتزدهر كما تروها.
تأكدوا بأن تعليقاتكم وكلامكم الجميل تحت أي منشور أعدها محرار متدرج يكشف حميميتكم معي وملهم روحي/ إنساني لكي استمر. وتأكدوا ايضاً بأن إشارات (Like ) التى تضعونها تحت أي منشور ... ليس هيَّ محرك للنشوه أو الغرور إنما هيَّ دليلي على ان لمنشوراتي فائدة ويتابعها أهلي في شهربان.
وهي أيضاً صفعة لأولئك النفر القليل المتربص الحاقد ( كلا حسب أسبابه ) ... وهي ايضاً رسائل موعظة لأن يتخلوا عن غلهم وعن كل أسباب الشر في قلوبهم.
العطار متجر متجول على ظهر حصان.
سفرة باصات قرى وريف شهربان اليومية.
أغلب سكان القرى المحيطة بمدينة شهربان نصيبهم في احسن الأحوال هو سفره واحده لمدينة شهربان باليوم من خلال باص الخشب (الجميل ).
يأتي بهم في الصباح ويعود بهم بعد الظهر بعد أن يتموا قائمة التسوق. ويتلذذون بكباب رحمن عوزي أو كبة محمد كبـچـي او عباس أو آبو قيس. وطبعا بعدها استكان الـچـاي السنكين او الحامض من مقهى رحمن سفر أو آبو غصوب أو مانع أو غيرها.
- خط قرية الحساوية وكل القرى على طريقها باص لطيف أو محمد غيدان.
- خط العمرانية / بركنيه / بز الشاخة باص جليل.
- باصات خاصه بقرى بروانه وضباب وذيابة والعواشچ وآبي صيدا والوجيهية والعوار.
- وباصات قرى سنسل وحنبس وشاقراق والتايهه وبروانة.
- وباصات قرية بابلان ونوفل ومنصورية الجبل وأمام ويس والندى.
وهكذا... هي باص واحدة وهي سفرة واحدة باليوم.
من يتخلف منهم للوصول الى الباص قبل حركته من القرية معناه تأجيل السفر الى يوم غد. وليس هناك حلاً بديل سوى ركوب الفرس ومن يتخلف منهم على الباص في سوق شهربان معناه مبيت في فندق أو في الخان. لمن ليس له معارف في المدينة.
الحال بدأ بالتَغّير منذٌ بداية السبعينات فزاد عدد الباصات وربما تعددت رحلاته المكوكية بين القرى ومدينة شهربان.
العطار بيده حلول مشاكل أهل القرية بالتسوق.
طبعا مهما كان القروي دقيق في التسوق فإنه سوف يسهوا حاجه وينسى أخرى. ماذا يفعل إن نسى الـچـاي او الشـگـر او الـگـهوة وهي مواد لا يمكن الاستغناء عنها ؟ فأين الحل ؟
الحل كان بيد العطارين الذين كنا نراهم يغادرون مدينة شهربان على ظهور خيولهم في كل الاتجاهات. وأن الكثيرين منكم مازال يتذكر منظر الحصان وسلتي القصب (الـگصب) الكبيرتين متوازيتين (متعادلين) على ظهره والعطار مستريح بينهما. لقد كان العطار آنذاك يحاكي خدمة الدلفري (التوصيل) وكان يؤدي خدمة في غاية الأهمية لسكان القرى... كان أهل شهربان يسمونهم العرب حتى وان كان نصف سكان القرية من قوميات اخرى.
أهل المدينة هم " الگوي " وأهل القرية هم " العربان " . أذن مركبة العطار تتكون من سَلَّتان وحولهما معلقه الحاجات الأخرى. البرگـان (بريق / بريـج) والليف (ليفه السبِحْ) وأكياس الصابون (الرگـي). والرحاتي (مضخات شفط النفط) واكياس الـگـرگـري والحامض حلو والحلقوم والـچـكليت الملبس. ولفات الخيوط والاقمشه وكل ما يحتاجه أهل القرية (العربان).
كان بعض العطارين يقطعون مسافات شاسعة ويصلون إلى قرى مقطوعة ولا يستطيعون العودة إلى مدينة شهربان في نفس اليوم. ليس هناك مشكلة سكن وليس هناك عصابات خطف وتسليب أو رهائن؟ فالعطار شخص محترم ويقدره أهل القرى ويستطيع أن ينام (يبات) عند أي عائلة. ولكنهم في الأغلب كانوا يقيمون ضيوف عند السركال او الشيخ أو المختار حسب اختلاف التسميات والألقاب فكلها تعني شيء واحد. شخص مهاب ويحترمه سكان القرية ومضيفه مفتوح للضيف والمسافر والغريب وطبعاً للعطار بطل هذا المنشور.
قد كانت وسيلة التعامل بين العطار والعرب مثيرة هي الأخرى... فأغلب أهل القرى خارج مواسم الزرع لا يملكون المال الكافي للتبضع من العطار.
المقايضة المستندة على الثقة المطلقة بين العطار وأهل القرى.
(مو مشكله ... تنحل)... الحل هو المقايضة المستندة على الثقة المطلقة بين الطرفين... سعر كيلو الشَكَرْ (الشــگر) وربع الكيلو جاي (الشاي) وربع حُكة التتن (التبغ) وأوگـية الـگـهوه (القهوة / البن) يعادل عدد من بيضات دجاج العرب أو ربما يساوي دجاجه أو دجاجتين... يوم كانت وحدات المعايرة (العيار) وعبواتها عندهم بمسميات غريبة وغير مألوفة حالياَ...
مثل عيار التغار الخاص بالحبوب (وعلى أغلب الظن التغار يساوي ١٠ وزنات)... والوزنة (أظن الوزنة تساوي اثنين مَنْ) والمَنْ يعادل ١٢ حٌـگـة (١٦ كغم) والحٌـگه تساوي ٤ أوگـيات (تعادل كغم وثلثاً تقريباً)... ثم نصف الحٌـگه وربع الحٌـگه الذي يسمى أوگـيَّه ثم نصف أوگـيَّه وربع أوگـيَّه وهكذا.
هي الموازين وعدلها... ميزان أيام زمان كان عباره عن قطعه من الخشب في طرفيها سلتين معلقين بحبال ومعها العيارات النحاسية المتدرجة بالحجم.... أعود إلى أسلوب وطريقة مقايضة بضاعة العطار بالبيض ودجاج العرب.
كم / كيف لا ادري ولا أتذكر تماما لكنها كانت ماشيه بشكل رائع وكلاهما القروي والعطار راضي ... ألعُربي يحصل على احتياجاته وتصله (دلفري) الى باب بيته والعطار يعود إلى مدينة شهربان محملا ببيض العرب الطيب ودجاجهم اللذيذ ليكون على موائد أهل شهربان وعزائمهم البسيطة...
يوم لم يكن هناك دجاج مستورد أو منتج في حقول الدواجن وطبعا لا ذكر للدجاج الگنتاكي أو المشوي كما ترونه في فاترينات مطاعم اليوم!! ويوم لم تكن هناك طبقات بيض مرصوفة عند مداخل دگـاكين ومحلات أهل شهربان... الموجود هو بيض ودجاج العرب ولا خيار آخر.
بطريقة التحري والتنقيب وصلت إلى أفراد من عوائل اثنين من عطاري مدينة شهربان... هما
- السيد حسن غناوي (العطار حسن گـناوي).
- السيد خضير مراد ( خضير العطار ).
حصلت على صورتيهما. لكنني أسجل هنا عجزي التام بالحصول على صورا لحصان العطار وسلتي الگصب الكبيرتان المعلقتان على جانبي ظهره. استخدمت محركات البحث المتوفرة في الأنترنت للحصول على صورة العطار وحصانة وسلالة لكني فشلت. رغبتي الكبيرة بأن نخلد صورة العطار واحفظها من النسيان بعد رحيلنا قد قادتني الى فكره (الحاجة أم الاختراع ).
اتصلت بالفنان النابغة مازن عبد العزيز. وسألته أِن كان يتذكر منظر العطار فأكد لي ذلك... عندها أرسلت له الصورة الوحيدة الباقية للراحل خضير العطار وطلبت منه أن يركبها على رسم خيالي للعطار ... وفعلها هذا الإنسان الرائع.
وربما تعد هذه الصورة (مرفقه) الوحيدة في العراق (حسب معلوماتي) التي تؤرشف مهنة العطار المنقرضة قبل أكثر من أربعة عقود.
السيد خضير العطار كان يسكن في محلة القلعة التي تقع عند بداية شارع المقام من جهة الفلكة لسوق شهربان القديم. ثم انتقلوا إلى مقابل العيادة الشعبية مجاور بيت سيد ناصر بداية قرية سلامه.
ثم انتقلوا إلى داخل قرية سلامه وهناك وافاه الأجل له ثلاثة أولاد وهم:-
- طالب / ضابط متقاعد ...
- لطيف / كاسب ...
- ابراهيم / خريج معهد المعلمين ومعهد الكهرباء ديالى / صاحب محل تبريد ...
- وله من البنات خمسه ...
توفي خضير العطار أبو خضير الإنسان الطيب رحمه الله عام ١٩٧٩.
العطار السيد حسن كناوي كان يسكن في محلة المصاليخ (النور) وله اثنان من الأولاد هم:-
علي وفلح له أخ هو السيد مصطفى گنو ( أبو عدنان ).
أهل القرى ربما يعرفون حسن العطار (حسن گناوي) أكثر من أهل شهربان فقد قضى عمره يجول في قراهم ولا يأتي إلى شهربان إلا في حلول الظلام.
لا اعرف متى رحل عن هذه الدنيا
لمن عنده أي تفاصيل / حكايات / مواقف عن العطارين ... نرجو مشاركتنا بها.
شكري وتقديري للسيدات سهاد زكي وأم عهود ... والسيد طالب خضير مراد ... وفنان شهربان المتألق مازن عبد العزيز التويجري
ابن شهربان
**********