الحي العصري أيقونة ستينيات وسبعينيات القرن الماضي| المقدادية شهربان.
كتب صديقنا ابن شهربان في مدونته! عن ستينيات وسبعينيات المقدادية وعن حي من أحياء شهربان هو الحي العصري. أيقونة مدينة شهربان الحضارية في القرن الماضي. تلك من البناء على الطراز الحديث والحدائق والشوارع المبلطة فكانت بهرة للناظر.
يقول ابن شهربان فيما كتب: وصلتني رسالة ولفت انتباهي تعليق مشابه على العام … بان منشوراتي الشهربانية تهتم فقط في وسط وشمال المدينة ولم أتطرق الى جنوبها … جنوبها يعني الحي العصري وحي فلسطين وأجزاء من حي المعلمين … نعم اعترف بذلك … أنا احب جميع أحياء شهربان الجديدة بلا استثناء لكن عندي غصة.
احبها كونها أحياء حديثة وتظهر تطور وتحضر لمدنية شهربان (المقدادية). وغصتي منها كونها كالإسفنجة امتصت اغلب عوائل شهربان الأصلية وسكان محلاتها القديمة. وهي لم تكتفي بذلك بل قضت على اجمل معالمها وهو السوق القديم وتاريخ ساكنيه ورواده وتراثه العريق. فانتقلت معظم المحلات والمهن والحرف من سوق شهربان القديم الى بنايات الأحياء الجديدة.
احب الحي العصري وحي فلسطين فهما من اجمل محطات زمن شهربان (المقدادية) في ستينات وسبعينات القرن الماضي. وأمجد حي المعلمين كونه استوعب معظم أهل شهربان أيام المحن والطائفيات وانعدام الأمان. فهو أي حي المعلمين كان دار الأمان في أيام انعدام الأمان.
شهربان خمسينيات القرن الماضي قبل بناء الحي العصري.
قبل أعوام الخمسينات من القرن الماضي لم يكن هناك حي حديث في مدينة شهربان. والمدينة كانت تتكون من خمسة محلات هي:
- النجاجير.
- الحداحده.
- الرماديه.
- المصاليخ
- الجيروان او محلة الأكراد.
- ثم تشكلت فيما بعد قرية سلامة والعرصات.
لقد بدأت الملامح الاولى لإنشاء هذا الحي الجميل في بداية الخمسينات. بإنشاء المستشفى العام والبانزين خانة ومدرسة المقدادية للبنين وبناية السيد علي يزلي وفيها سينما شهربان الصيفي. الأرض التي شيد عليها الحي العصري هي ارض زراعية حولتها البلدية الى عقارات. ووزعتها على المشترين بسعر ٢٥٠ فلس للمتر الواحد.
حيث بدأ الناس بالبناء وان اغلب المستثمرين هم سكان أصليين من محلات شهربان القديمة. في زمن كانت هجرة الفلاحين الى المدينة ممنوعة قانوناً كون الفلاح كان يمثل سلة شهربان الغذائية. لحوم وبيض والبان وخضروات وفاكهة.
وبقى هذا الوضع سائد الى العام ١٩٥٨. حيث ترك العمل بقانون الجنسية أعلاه حيث بدأت هجرة الفلاحين الى مدينة شهربان بحجج مختلفة. مثل التعليم وتوظيف أولادهم في الدوائر والجيش والشرطة والمهن الأخرى.
تصميم الحي العصري الحضاري والتخطيط العمراني الحديث.
لقد تم تصميم الحي العصري حسب مقاسات ونظم التخطيط الحضري والعمراني الحديثة. فكان أول حي حديث متكامل الخدمات في مدينة شهربان. وتم تشيد الدور السكنية على يد مجموعة من أسطوات شهربان ومعمارييها.
أمثال السادة: احمد دوشان , وعبد مراد , وعبعوب , وعواد كركه ,ومجيد زنكنة , وحميد زنكنة , ولطيف القره لوسي , ومنصور النعيمي , ومحمد العباس ,وموسى البياتي ,علوان منصور (قبل أن يترك المهنة ويفتح محل مواد انتشائية) وعبد أعمير , وإسماعيل أبو مفيد , ورشيد ليلان والعشرات غيرهم .
لقد سكن هذا الحي العديد من عوائل شهربان التي خرجت من محلات شهربان
القديمة واغلبهم من الحرفيين والتجار والموظفين وبعض ملاك الأراضي من
سكان القرى القريبة.
الحي العصري تصميم جميل ~ فهو على شكل نصف بيضوي مقسم هندسياَ الى مقاطع تفصلها شوارع فضلاً عن حدائق صغيرة هنا وهناك. محاط بشارع خارجي احد بداياته عند جسر الإنكليز على نهر الشاخة. والثانية عند متوسطة المقدادية للبنين / كهوة (مقهى) كريم كلة.
وهذا الشارع هو الفاصل بين الحي العصري وحي فلسطين الذي تم تشيده لاحقاً! كما يقطع الحي العصري شارع رئيسي أخر يأتي من جهة سوق شهربان القديم. يبدأ من فلكة الرمادية ويمر بين تفاصيل حدائق الزعيم من جوار المستشفى الجمهوري.
ويعبر الى حي فلسطين وقرية بريشته… كذلك يمكنك الدخول الى الحي من منافذ اخرى احدها يمر من جوار بناية السيد علي يزلي (سينما شهربان الصيفي) واخر يمر بين المكتبة والبانزين خانة.
لماذا أخترت فترة الستينيات والسبعينيات لوصف الحي العصري.
لقد اخترت فترة الستينات والسبعينات من القرن الماضي كونها من اجمل سنين شهربان وكون هذا الحي أيقونة المقدادية إذ كان حياً رائعاً ويسُر عيون الناظرين. فالشوارع نظيفة جداً والشرف عالية والعوائل كانت وكانها في منافسة نظافة. إذ تعود المارين (أمثالي) يرون حالة التنافس الشديد بين العوائل. على كنس وغسل ممرات بيوتهم والرصيف الذي يحاذي بيوتهم.
كونهم كانوا يشعرون بان الحي هو حيهم والأرصفة ملكهم، على عكس الوضع الحالي. حيث تكون بيوت ساكنيها نظيفة وأنيقة لكن الشوارع والأرصفة مهملة ومتسخة. لوجود هوة ساحقة بين المواطن والحكومة (انعدام الولاء واضمحلال الثقة).
وهذا يذكرني بمقولة لاحد كتاب الغرب اسمه روبرت فيسك حين سأل"... لماذا بيوت العرب انطف من شوارعهم؟
حين قال : أنّ العرب يشعرون أنّهم يملكون بيوتهم لكنهم لا يشعرون أنهم يملكون أوطانهم! واني فعلا اشعر بالحزن كون الأخبار التي تصلني تقول. بان اغلب عوائل الحي العصري الأصليين قد تركوا الحي العصري هاجروا او هٌجروا او انتقلوا الى أحياء اخرى ومدن أخرى.
وان الحي الجميل لم يعد جميلاً وصار أمراً عادياً ان ترى أكوام الزبالة متروكة هنا وهناك. كما صار منظر مألوف أن ترى قطعان الكلاب السائبة او قطعان المواشي ترعى وتمرح في شوارع ودرابين الحي العصري.
الحي العصري احتوى على مسجد وبناية مخصصة للدكاكين (عطارية وبقالين وغيرهم). طبعاً المستشفى والمكتبة والمحكمة ودوائر حكومية اخرى. ولم يكن يخطر على بال احد من ساكنيه استغلال الأرصفة والشوارع المحاذية لبيوتهم لأغراض التجارة.
كما هو حاصل حالياً حيث اختفت معالم الأحياء بفعل التمدد باتجاه الشوارع لعمل الحوانيت والبسطات والأكشاك للكسب. طمس حضاري رهيب في ظل ضعف القوانين وعدم أمكانية تطبيقها فضلا عن الإرهاب والطائفيات التي استهلكت كل شيئ.
ماذا تمثل شهربان القديمة بالنسبة لأهلها والحي العصري للمدينة؟
ان كانت محلات ودرابين مدينة شهربان القديمة تظهر تاريخ وتراث أهلها. فان الحي العصري كان يظهر حداثة وعصرية هذه المدينة الجميلة. ان كنا نرى الكادحين والكسبة في محلاتها ودرابينها وسوقها القديم. فكنا كذلك نرى أغنياءنا وميسوري الحال والموظفين الكبار في الحي العصري.
ومثلما كان يفتخر أهل مدينة بغداد بحي المنصور الذي يسكنه أغنيائهم. فان أهل شهربان كذلك كانوا يفتخرون بالحي العصري الذي يسكنه أغنياءنا الشهربانيون! وقد جعلناه كمثال على ترف أهل شهربان كلما دخلنا في حوار أم مناقشه مع أي شخص غير شهرباني ...
لقد أحببنا نحن أهل شهربان الحي العصري الحديث ~ فقرائنا وأغنياءنا. فهو لوحة شهربان السيريالية الجميلة التى نتفاخر بها لو دخلنا في المقارنات مع أي شخص غير شهرباني. والعجيب أن سكان العرصات والأحياء الفقيرة في شهربان أحبوه كذلك. ولم يأخذهم عامل الحسد.
بدليل أنهم إذا أرادوا الخروج للترويح عن النفس فانهم يلبسون احلى ملابسهم ويذهبون عصراًَ للتمشي في شوارعه وكأنه عالم ثاني على جوار مدينة شهربان. لقد كانت عصاري مدينة شهربان الستينات والسبعينات احتفالية بالألوان والأناقة الراقية تتكرر يومياَ في حدائق الزعيم وشوارع الحي العصري.
فعلا يصعب عليك التفريق بين الغني والفقير. إذْ أن الأناقة والأدب الراقي هي التي توحدهم أيً كانت حالتهم المادية. لعصاري شهربان حكايات وشجون يتذكرها من عاشها أوعاصرها. فما ان تنزل الشمس تدريجيا من خط الأفق ليحل الظل تحت باسقات النخيل! وأشجار البرتقال والرمان المنسدلة أغصانها بغنج على أرصفة الشوارع من بساتين جميل منصور وملا فرحان وأمين جليل والأورفلي. وعشرات الأسماء إلاّ ازدحمت المدينة وحدائقها بالبشر الأنيق.
بماذا يمتازون شباب الحي العصري عن الأحياء الأخرى؟
بالنسبه للشباب الحي العصري يعني ان تلبس اجمل ماعندك وترتب شعرك وتصبغ حذائك وكانك ذاهب الى عرس او عيد. الحي العصري وحدائق الزعيم وممراتها هو المكان المفضل للمشي وقت العصاري .. وان رأيت أثنين من الشباب يتمشيان ويتبادلان الحديث فتاكد بانهم يتكلمون عن الحب والحبيبه.
وان رأيت شابه تطرق باب صديقتها فتاكد بان الموضوع هو نفسه وان غلف تحت اعذارمختلفة كالدراسه او الملزمة او اسئلة الامتحان... واظن بان الله سبحانه وتعالى يغفر لهن كذبهن الابيض ذاك لصفاء النية ونقاء المشاعر! فهي الشكوى للصديقه من الم الفراق اوغياب الحبيب اوخيانته.
اتخذه الكثيرين من ابناء شهربان مكان للتمتع وقضاء الوقت مشياً في فروعه وحدائقه والنظر الى بيوته العاليه وشرفاتها وحدائقها واناقة ساكنيها ... فالكل يلبس افضل ماعنده واهتمام كبير بالمظهر ... ما كان موجود في دواليبهم من الملابس والاحذيه ليس كثير. لكنهم يعرفون تماماًَ كيف يرتبون بين الممكن وكيف ينسقون بين الالوان. وفعلا اعطي للانيق كيس (كونيه) سيغر حالها وسوف يظهر أنيق (كشخه).
بدون مبالغه لقد كانت شابات وشباب شهربان في منتهى الاناقه ~ حين يمرون يجبرونك على الالتفات. شعر مرتب واحذيه تلمع ~ باهرون وكأنهم ذاهبون الى دور السينما او دور الاوبرا او الى حفلة عرس. تلك هي عصاري شهربان.
الكل يلبس الملابس الانيقه ويتعطر الكل يتوقع بانه سيقابل احد او يتكلم مع احد او يحظن احد هناك في احد شوارع شهربان او مقاهيها - لا ابالغ ان قلت هي لا تقل عن مظاهر العيد الفرق هي تحصل عصر كل يوم.
لقد كان الحي العصري مفرده جديده وجذابة على مسامع الشهربانيين.
انه ليس موضوع للغيره او الحسد فقد احببناه فقراء واحببناه اغنياء ربما لانه اول حي شهرباني يحمل كلمة عصري اي متطور... اذ لم نسمع بذالك من قبل. حيث تعودنا ان نسمع باسماء محلاتنا الشعبيه الرائعه. مثل محلات النجاجير والحداحده والمصاليخ والجيروان والقلعه والرماديه والعرصه وقرية سلامه وعرصة سيد صادق وقرية حجي محسن وسريحه.
وهكذا اسماء ضمت خيرة الناس من اهل شهربان. وتخرج من ازقتها الضيقه العشرات من الكتاب والمهندسين والاطباء والمعلمين الافذاذ والمدرسين والضباط واساتذة جامعات وغيرهم. وقد كان البعض من ساكنيه يستخدم الحي العصري للتفاخر على الاخرين ~ كان يقول لك احدهم احنا من الحي العصري وهكذا.
وبذلك فقد كان ذلك الحي الظريف علاج نفسي لمن عنده عقدة ولمن يشكوا من نقص ديموغرافي ونقص طبقي... لقد احتضن هذا الحي الحديث نخبه من انبل العوائل الشهربانيه العريقه. واذا اردت ان اعدهم هنا سوف اتعب أولاً! وقد انسى احدهم وأجرح شعوره سيما وانا اكن اعتزاز عال لتلك العوائل الراقية.
لقد انتج الحي العصري الجميل هذا اسماء شهربانيه لامعه في كل المجالات وهم نخبه باهره من الكفاءات والتي يصعب احصائها. أفتخر باني زاملت وصادقت ودرست مع العشرات من شباب هذا الحي الراقي. على الرغم من اني لم اسكن هناك ولم اكن غنياً مثلهم ... لقد كان الجميع ~ الغني والفقير مقتنع بما هو فيه.
الحي العصري يبقى أيقونة شهربان رغم ظهور أحياء من نفس طرازه.
لم نكن نشعر بعاملي النيل من كرامة الأنسان ~ تكبر وغطرسة الغني وغيرة وحسد الفقير. والذي ليس من أهل حي العصري فانه يتمتع مجاننا يومياً بجمال هذا الحي ورقي ساكنيه. حين يمر فيه في عصاري أيام زمان الخرافية ... وعلى الرغم من ظهور احياء عصريه جديده في شهربان.
مثل حي فلسطين والمعلمين والعسكري والعزي وغيرها الا ان الحي العصري يبقى الحي الاصيل في نظر اهل شهربان مع اعتزازي وتقديري لكل حي ومحله وزقاق وعرصه في شهربان حبيبتي
لمن يسكن مدينة شهربان ويتجول في شوارعها ودرابين محلاتها واحيائها ... اقول لهم ... توحشنا التفاصيل الصغيرة والمواقف الضئيلة وتراب الدرابين وشرفات البيوت والفيافي وحفيف سعف النخيل ... تهاجمنا أين اتجهنا رائحة القداح والجلنار في الصباحات ونوم الجرابي على السطوح ونَحِنْ الى لمة الجيران وضحكهم اوقات العصاري.
الامور الصغيرة التي لاتعنيكم حاليا تثير انتباهنا ونقف عندها بتصوف .. من يبتعد عن شهربان يتحول الى متصوف او شاعر او درويش ~ يراها من بعيد غيداء جميلة تغفوا وسط بساتين النخيل. ويراها وشم منقوش على شغاف القلوب ولابد ان يتذكر درة احياء شهربان " الحي العصري " ... اكتب هذا التذكير واشعر بجرح لا يندمل لاني عرفت بان معظم سكانه الاصليين قد غادروه لما اصابهم ما اصاب العراق الجريح. ويبقى الحي العصري أيقونة شهربان من ستينيات وسبعينيات القرن الماضي ولازالت المقدادية ستعود من جديد.
********
أبن شهربان