الشاعر عبد الأمير الحصيري" صعلوك بغداد
الكاتب والباحث موفق الربيعي
الشاعر عبد الأمير الحصيري صعلوك بغداد بين سطور شخصية من بلادي. شاعر يخاف منه فحول الشعر أختار التشرد وحياة الصعاليك بإرادته. رغم الفرص الكبيرة في العيش الرغيد.
ذكر الاستاذ الدكتور إبراهيم خليل العلاف. إن الشاعر عبد الأمير الحصيري ولد في النجف الأشرف عام 1942 ، في بيئة مولعة بالأدب والشعر واللغة.
لذلك مال إلى الشعر منذ صغره وقد جاء بغداد ليكمل دراسته إلا انه لم يفعل ذلك. بل أختار طريقة سلبية أثرت على حياته أصبح الشارع مسكنه ومنامه.
جزء من حياة الشاعر عبد الأمير الحصري.
- قدم إلى بغداد مدينة الشعر والشعراء في العام 1958، وعمل فيها بما يجعله قريبا من الأدب والوسط الثقافي آنذاك، بالتأكيد إن العمل في الصحافة، هو ما يوفر له ذلك.
- عرفه البغداديون بملابسه المتهطلة العتيقة والبالية ولحيته الكثة. كثيرا ما كان يثير لدى البعض وخاصة من الذين كانوا لا يعرفون مكانته السخرية.
- لكنه بالمقابل كان يثير في دواخل الشعراء والأدباء عقدة. عندما يعمد إلى كشف أخطائهم النحوية واللغوية والعروضية.
ساعده بعض أصدقائه ممن تولى المسؤولية الثقافية الرسمية بأن تم تعينه محررا في جريدة المواطن لكنه آثر حياة التشرد بإرادته.
راضيا بالنوم على الأرصفة والشوارع قانعا بشخصيته وسلوكه … وعندما كان يواجه بالسؤال عن ما يفعله يقول انه يعجز عن تفسير ما يختلج في أعماقه .
تتجلى في شعر عبد الأمير الحصيري ثلاثة ركائز، كما يقول الأستاذ جمال مصطفى مردان، في كتابه (شعراء من العراق). هي البلاغة العربية، والمطولات الشعرية والصور الشعرية وقد نظم في جميع البحور الشعرية .
هناك الكثير من الدراسات والأطروحات التي كتبت عنه في مختلف اللغات إلا انه كان - وكما كنا نراه في شوارع بغداد في أواسط الستينيات من القرن الماضي. يعد من بقايا شعراء الصعاليك … كان بوهيميا ويلحظ ذلك في ملابسه وسلوكه وتصرفاته.
للشاعر عبد الأمير الحصيري تسعة دواوين
- أصدر الشاعر عبد الامير الحصيري ديوانه الأول بعنوان أزهار الدماء أواخر الخمسينيات من القرن الماضي.
- في سنة 1962 أصدر الشاعر عبد الامير الحصيري ديوانه الثاني معلقة بغداد وفيه مطولة شعرية زادت أبياتها على ألـ 281 بيتاً.
- أصدر الشاعر عبد الامير الحصيري ديوانه بيارق الآتين اصدر سنة 1969.
- أصدر الشاعر عبد الامير الحصيري ديوانه سباب النار سنة 1970.
- أصدر الشاعر عبد الامير الحصيري ديوانه أنا الشريد سنة 1969.
- أصدر الشاعر عبد الامير الحصيري مذكرات عروة بن الورد سنة 1973 .
- أصدر الشاعر عبد الامير الحصيري ديوانه تشرين يقرع الأجراس سنة 1974 .
- أصدر الشاعر عبد الامير الحصيري ديوانه أشرعة الجحيم سنة 1974 .
- أصدر الشاعر عبد الامير الحصيري ديوانه تموز يبتكر الشمس سنة 1976 .
- للشاعر عبد الأمير الحصيري ديوان بعنوان أحلام بابل اختفت نسخته المخطوطة بعد وفاته مباشرة .
عند رحيل الشاعر عبد الأمير الحصيري رثاه العديد من أصدقائه ومما قاله احدهم:
لقد رحل بعبع الشعراء وارتاح البعض منه بكاه الكثير من محبي الأدب والشعر وكانت النهاية لقد رحل عبد الأمير الحصيري مات ومات وانتهت رحلة التشرد.
يقال انه كان على دراية كبيرة بتاريخ بغداد وحضارتها الزاهرة. كثيرا ما تعرض لحالات من الإحباط والخيبة المستمرة في حياته.
والطريف انه ظل عازبا وكان لا يعرف المرأة جيدا وعلى الأغلب كان في قرارة نفسه خجولا.
من روائع شعر الشاعر عبد الأمير الحصيري قصيدة أنا الشريد:
تعد قصيدة أنا الشريد من عيون شعر الشاعر عبد الأمير الحصيري " صعلوك بغداد وهي من ضمن ديوانه أنا الشريد المنشور العام 1960 يصف فيها نفسه أنا الشريد ويصف فيها حاله.
يقول الشاعر عبد الأمير الحصيري في قصيدته أنا الشريد:
أجائع ؟ أي شيء ثم يــــا قلق؟
أَمنْ حطامي هذا يمطر العبق؟
إذا تصبيت روحي دونما تعب
يطغى تلظي هواك القائم الخفق؟
إنْ كنت تحلم في قلبي، فإن دمي
من جوعه بات فيه الجوع يحترق!
ألم ... يشردك تشريد يمزقني
عيناي أظفاره العمياء تأتلق
قلبي الجحيم... أثيمات الشرور به
معذبات!! فما أذنبت يا قلق؟
أخشى عليك دمي الواري وإن يك في
إحراقه حلمك الريان ينسحق
ما زلت طفلا غريرا، كيف تقربني
أنا التشرد والحرمان والأرق؟
أنا الشريد!! لماذا الناس تذعر من
وجهي؟ وتهرب من قدامي الطرق؟
وكنت أفزع للحانات، تشربني
واليوم!! لو لمحت عيني، تختنق
قد بِت أمضغ أعراقي وأوردتي
وأرتوي من جراحاتي...
وأنسحق
شنقت قلبي على أحلامه… فإذا
بها، وضحكتها
الخضراء تنشنق
وجبت حتى زوايا الغيب، ليس صدى
فيها، يروي
صدى نفسي، ولا ألق
زرعت حتى اصطخاب الموج في شفتي
ضحكا، ولم يبتسم خفاقي الأَرِق
العري... أذهله شأني، فجن على
شفاهه ألف سؤل، كيف ينطلق
أنـــــا الإله ... وندماني ملائكة
والحانة. الكون والجلاس من
خلقوا
عريان، يكسو الدنا بالنجم ألبسة
عطشان، في راحتيه الكوثر
العبِق
فهل كسوت جفون الناسِ ألف دجى؟
أم
هل تبسم في أحداقه الغسق؟
الدار تسكن أحلامي! وما اكتحلت
بالشمسِ . والشمس من كفي
تنبثق
قال عنه الناقد فاضل ثامر.عبد الأمير الحصيري، يعد ظاهرة استثنائية من ظواهر الشعر في العراق، وهو يشبه إلى حد بعيد شخصية حسين مردان التي برزت في الخمسينيات.
لكنه واصل بإصرار سياسة الصعلكة في الحياة والشعر رافضاً قواعد النظام التي انصاع إليها مردان وبقي متمرداً.
إن عملية الصعلكة كانت بالنسبة له موقفا وسلوكا، ومن خلالها يفتخر بانتمائه لسلالة عروة بن الورد في جوانب كثيرة كالغرور والاعتداد بالنفس وغيرها.
توفى الشاعر عبد الأمير الحصيري رحمه الله في العام 1978 على قارعة الطريق مثل ما رسم مسار الشريد.