تحدي الوحش zero-zero"
قتال جوي بين طيارعراقي ومصري فوق سماء مصر1973
بقلم اللواء الطيار الركن
قيس ربيع عبدالرحمن العبيدي
من تواضع لله رفعه" حين كنا شهوداً لتمرين التحدي في القتال الجوي بين طيار الميك21 المصري الوحش، وطيار الهنتر العراقي" فوق مطار قويسنا سماء مصر في عام 1973.
أن من يبدأ التحدي علية تقبل النتائج بروح رياضية عالية، لا مجال للتفاخر والنظرة المتعالية والتقليل من شأن الاخرين والسجال بالكلام بين المتحدين أن الحكم والفاصل بينهم هي ساحة الميدان.
هي التي سوف تكشف من هو الاجدر بالمنازلة والفوز يكون حليفه والظفر بالانتصار المعنوي وهنا تبدأ حكايات جميلة من الذكريات التي يرويها العميد ميسر العلاف.
* مقدمة:
خلال الحروب التي تخوضها الدول المتنازعة تظهر معادن الرجال ومواقفهم الإيجابية منها والسلبية والتي تنعكس على شخصية المقاتل وتظل متلازمة معهم وهم ما زالوا على قيد الحياة.
حتى بعد الممات هي تبقى متلازمة حتما لأبنائهم وأحفادهم فلتكن مواقفنا إيجابية دوماً قدر الإمكان ونكون ساعين نحو الخير دائماً ومن الله التوفيق.
* مشاركة القوات الجوية العراقية في حرب 1973:
شارك العراق في حرب 6 تشرين الأول 1973 بصورة مباشرة في جبهتي سوريا ومصر في الحرب المقدسة الثالثة مع العدو الصهيوني الغاصب لأرض فلسطين وقد أشترك العراق في هذه الحرب بأسراب طائرات الهجوم الأرضي MIG 17- SU-7 وطائرات MIG 21 المتصدية في الجبهة السورية.
وطائرات الهجوم الأرضي Huger hunter في الجبهة المصرية على إثر الطلب الخاص الذي تقدمت به (القيادة السياسية والعسكرية المصرية) الى (القيادة العراقية) برئاسة السيد (رئيس الجمهورية احمد حسن البكر) وذلك لإسناد وإرسال سرب من طائرات (الهوكر هنتر) بالتحديد وقبل أشهر قليلة من بداية الحرب.
أقلعت طائرات السرب السادس من قاعدة الحبانية ونزلت في مطار النظائم الثانوي وفي ثاني يوم أقلعت باتجاه مطار تبوك ومطار الأقصر ثم مطار قويسنا يوم نيسان 1973 علماً بان المطار بسيط ومدرجه قصير وقد خصص لطائرات (الهوكر هنتر) فقط دون غيرها.
لقد اختار طائرات الهوكر هنتر (اللواء الطيار محمد حسني مبارك - قائد القوة الجوية المصرية) لمعرفته الشخصية بهذه الاسراب ( السادس والتاسع والعشرون) لكونه كان ضيفا في (قاعدة الحبانية الجوية ) وأمر جناح القاصفات المصرية التي لجأت للعراق في حرب نكسة (5 حزيران 1967) وإمكانية طياريها الابطال.
كان السرب/66 يتألف من (19) طيارا بقيادة (الرائد الطيار يوسف عبد الرسول ومعاونه (الرائد الطيار ناطق محمد علي) ويضم نخبة من الطيارين المقاتلين الذين يعتمد عليهم العراق وقوته الجوية في تنفيذ واجباته القتالية ومن المشهود لهم وشجاعتهم الفائقة في حرب (5 حزيران 1967) والذين أذاقوا العدو الصهيونية مر الهزيمة.
من خلال وجود السرب 66 الذي تم تحديد هذا الرمز من قبل المصريين متواجداً في مطار (قويسنا) الواقع في دلتا مصر، كان من ضمن طواقم البعثة مسيطرين جويين عراقيين لغرض السيطرة على السابلة الجوية توحيد لغة التفاهم وكأن السرب لا يزال في احدى القواعد الجوي العراقية.
* زيارة الوحش الى مطار قويسنا:
لازال تمرين تحدي القتال الجوي عالقاً في ذهن العميد المسيطر ميسر العلاف رغم مرور 44 عاماً مضت، في سياق حديثنا عن الذكريات سرد لي هذه القصة اللطيفة حين كان هو أحد طواقم السيطرة الجوية المرافقة لسرب الهنتر66 قائلاَ:
زارنا في أحد الأيام أحد الطيارين المصريين الى القاعدة برتبة (عميد طيار) في الشهر الثامن من العام(1973)، لم يكن معروفاً من قبل طيارينا، ما هي مكانته ومنصبه، وما هي المهمة التي جاء بها.
استقبله امر السرب الرائد الطيار يوسف رسول في بهو طيارين السرب، ودار الحديث حول مواصفات ومميزات طائرة الهنتر(يبدو أن العميد الطيار المصري غير مقتنع بطائرة الهنتر) هنا حصل مقارنة وصل حد الجدال الفارق بين طائرات الميك21 والسوخوي 7 وطائرة الهنتر.
كان يحاول التقليل من أهمية استقدام السرب واستضافته الى مصر، وان تواجد السرب غير مجدي وليست ذو فائدة وأن طائرة الهوكر هنتر ليس لها القدرات التي تتمتع بها الطائرات الروسية؟
جاءه رد حاسم من قبل (الرائد الطيار يوسف) بان طائراتنا هي هجوم ارضي فعالة وذات مناورة جيدة في القتال الجوي.
قام العميد الطيار المصري بالتحدي والذي قدم نفسه باسم (الوحش) ولم نعرف هل هو اسمه الحقيقي او الصفة التي يطلقونها عليه المصريين لكفاءته في القتال الجوي او هو المتميز عملياً ونظرياً ما بين أقرانه وزملائه الطيارين، لقد تحدى (الوحش) (الرائد الطيار يوسف) فقبل التحدي.
يذكر زميلنا (المسيطر ميسر العلاف) والذي كان جالسا في بهو الطيارين وهو يستمع لقول الوحش بأن سرعة طائرة (الميك -21) عند استخدام وفتح الحارق الخلفي تكون ذات مناورة عالية وربما تصعب عليك المهمة ولكنك لا تستطيع ان تهزمني وكان مخاطباً الرائد الطيار يوسف.
هنا تم الاتفاق على ان يتم تنفيذ الواجب بعد أيام قليلة ويتم الاخبار عن ذلك الاتفاق وخلال هذه الأيام القليلة وبعد مضي ما يقارب الأسبوع غادر الرائد الطيار يوسف لكي يتمتع بالإجازة الدورية ومراجعة قيادة القوة الجوية في بغداد وقد كان يليه بالقدم العسكري الرائد الطيار ناطق محمد علي - المعاون وهو من الطيارين الشجعان الكفوئين.
* تمرين قتال جوي بين طيار عراقي ومصري:
بعد مضي فترة أسبوع أو أكثر من الاتفاق تم الاتصال بالمطار وتحديد الوقت للقيام بالقتال الجوي فوق مطار (قويسنا) أقلعت طائرة (الوحش) من احدى القواعد الجوية القريبة من (القاهرة) واستعد لها (الرائد الطيار ناطق) بالمقصورة بانتظار وصول طائرة الوحش لكي يقلع بطائرته الحبيبة.
هنا يقول المسيطر ميسر العلاف لقد كانت لي مفاجئه ان تناديني طائرة بالاسم الرمزي الذي اتصل ببرج المراقبة وهو (zero –zero) لم اسمع مثل هذا الرمز طيلة فترة خدمتي في القوة الجوية العراقية وبقية الدول، ويدل ذلك بأن هذا الطيار له تسلسل متقدم ومكانة في القوة الجوية المصرية ومن التقاليد المتبعة في القوات الجوية أن يبدأ الرمز (01 ) أو (AA) لقائد القوة الجوية وحسب القدم.
* سماء مطار قوسينا ولحظات مواجهة التحدي:
خلال هذه اللحظات أتصل المسيطر وسأل (الوحش) عن موقعه ووقت الوصول فوق المطار فأجاب (الوحش) جنوب المطار وسوف اصل بعد 5 دقائق...
إلا انه في حقيقة الأمر كان يحوم فوق المطار وبارتفاع عالي حسب معطيات ما هو مؤشر في جهاز الهومر والذي نعتمد على هذا الجهاز في تحديد مواقع الطائرات.
تم إبلاغ الرائد الطيار ناطق والذي كان في مقصورة طائرته والذي كان مستعداً متحمساً للقاء (الوحش) والانتصار عليه في منازلة قتالية تاريخية(ولو اننا كنا نود ان يكون عماد احمد عزت هو من يقوم بهذه المهمة).
هنا تبدأ اللحظات الحاسمة للمنازلة والقتال الجوي في التحدي والاتفاق بينهما اقلع الرائد الطيار ناطق بطائرته وبسرعة وبعد ان ترك أرض المدرج رفع عجلات طائرته واستمر بارتفاعه المنخفض جداً ولمسافة بعيدة ليكتسب السرعة العالية والتي تؤهله على ان يصل الى ارتفاع طائرة (الوحش).
بعد ان أكتسب السرعة الجوية العالية سحب طائرته إلى الأعلى وإذا هو يصبح بالقرب من طائرة (الوحش) التي شاهدها.
بدأت الملحمة القتالية والمناورات والتسلق والانحدار وكانت مناورات رائعة والدورانات الحادة ونحن نشاهدها، خرج الطيارين العراقيين من مقر السرب/66 ليشاهدوا ما يحصل من معركة جوية في سماء المطار.
يترقبون ما يجري ويستمتعون بهذا القتال العنيف بين طائرتين مختلفتين مما يجعل التمييز بينهما سهل.
* العرض المشوق وتميز الطائرات جعلته أكثر روعة:
هنا... بعد المناورات ما بين الطرفين كل واحد يريد اقتناص الفرصة من الاخر الى حين أن أصبحت طائرة الرائد الطيار ناطق خلف طائرة (الوحش).
تمكن الرائد الطيار ناطق من تصوير طائرة الوحش بواسطة مسددة طائرة الهوكر هنتر ولثلاثة مرات (وهذا دليل على أن طائرة الوحش قد أسقطت من خلال التمارين التدريبية).
بقي الرائد الطيار ناطق خلف طائرة (الوحش) ملازماً لموقعه حتى التقرب الأخير الى مطار (قويسنا) مما اضطر (الوحش) من النزول في مطار قويسنا ومن بعده نزل الرائد الطيار ناطق وبسبب نفاذ وقود طائرة (الوحش) لاستخدامه (الحارق الخلفي).
علماً بان طائرة (الوحش) كانت طائرة مزدوجة ومعه في الطائرة (مقدم طيار مصري) والسبب في استخدامه طائرة مزدوجة، فهي الافضل بالنظر والمراقبة ومشاهدة الهدف وان تكون أربعة عيون هي افضل من عيني طيار لوحده.
هنا لا بد من التنويه بانه من يكسب الارتفاع في القتال الجوي يصبح مسيطراً على خصمه، لهذا كان (الوحش) بارتفاع عالي وفوق المطار لغرض مشاهدة خصمه خلال الإقلاع والسيطرة عليه الا ان خصمه كان ابرع منه في القتال القريب والذي صوره واحتفظ به في فلم الطائرة.
* نهاية التمرين ونزول الطائرات في مطار قويسنا:
نزلت الطائرتين الميك -21 المصرية والهوكر هنتر العراقية في مطار (قويسنا) بسلام وبعد إطفاء محركاتها والتوجه الى بهو الطيارين وقد استقبل الرائد الطيار ناطق استقبالاً رائعاً من قبل زملائه طياري السرب/ 66.
*تحليل التمرين:
دار نقاش بين قائدي الطائرتين حيث قال (الوحش) وهو موجه حديثه مبرراً الى الرائد الطيار ناطق (انك لم ولن تستطع ان تسقطني)؟
فأجابه الرائد الطيار ناطق؛ انني قد سددت عليك ثلاث مرات وهي مصورة لدينا وان وددت ذلك سوف نعرض عليك فلم مسددة الطائرة بعد قليل...
حينها اعترف (الوحش) بانه استخدم طائرته بصورة غير جيدة لأنه اتبع المناورات الافقية وكان من الأجدر والأحسن لو استخدمت المناورات العمودية مع فتح (الحارق الخلفي) (after burner).
لقد عاد (الوحش) ومن معه مكسور الخاطر وهو يخسر هذه المنازلة القتالية التدريبية الى قاعدته بالسيارة وترك الطائرة الى اليوم التالي حيث جاء أحد الطيارين والمفرزة الفنية وتم نقل الطائرة الى قاعدتها ولم نسمع عنه او منه شيء بعدها؟
من الظاهر والاستنتاج لشخصية (الوحش) بانه لم يطير على طائرة (الهوكر هنتر) ولم يعرف مواصفاتها ومناوراتها القتالية ويستهزأ بها.
عدم معرفته أيضا بكفاءة الطيارين العراقيين وقدراتهم القتالية أن مقالي هذا ليس انتقاصاً من الطيارين المصريين عذرا فهم ابطال ونعتز بهم، لكن لأثبات بطولة وشجاعة صقورنا الابطال الذين قاتلوا العدو الصهيوني وضحوا من اجل ارض وسماء مصر وقد (استشهد من استشهد - اسر من أسر وعاد– فقد من فقد – ومنهم من قذف ورجع سالماً) من الطيارين العراقيين الابطال.
علماً بان الرائد الطيار ناطق قد أصيبت طائرته خلال ضربه ضربة جوية لأحد الأهداف الإسرائيلية في حرب 6 تشرين الأول 1973 على الجبهة المصرية ولم يستطيع السيطرة على طائرته وإصابتها إصابات مباشرة ولم يتمكن من ايصالها الى المطار فقذف منها ونزل بالمظلة سالما وعاد للمطار بعد ان عبر قناة السويس سباحة.
*الخاتمة:
يحتفل سنويا في القطرين مصر وسوريا بالانتصارات التي تحققت في حرب (تشرين 1973) ودور قواتهما الجوية في الحرب ولم يتطرقوا عن دور ومشاركة القوة الجوية العراقية البطلة ودورها في هذه الحرب.
شكري واعتزازي بالأخ العزيز العميد المسيطر ميسر سعد الله العلاف الذي زودني بهذه المعلومات القيمة وهو شاهد عيان على ما جرى خلال وجود السرب/66 في مطار (قويسنا) وفقه الله وحفظه.
هؤلاء هم صقور الجو العراقيين الابطال الذين روت دمائهم ارض مصر العروبة والاسلام وسيبقى ذكراهم عبر تاريخ الأمة العربية المجيدة , انهم والله رمز هذه الأمة العربية والإسلامية تغمدهم الله برحمته الواسعة وأنعم الله على من بقي منهم حيا يرزق بالصحة والعافية والعمر المديد.