ادب الرحلات" من الكتاب المفتوح"
تفاحات ادم- والعلاقة بين الرجل والمرأة، والحرية ودول الغرب
الفصل الثامن
الكاتب داود سلمان الشويلي
على الرغم من أن الجنس في زماننا المعاصر يعتبر من التابوات غير المسموح الاقتراب منها، خاصة الذي يأخذ الشكل الفضائحي، فإنه يعد ظاهرة مشاعة في الممارسة الكلامية والفعلية على مر العصور.
وقد حفلت مكتبتنا العربية والإسلامية بالمؤلفات التي وثّقت ودرست ظاهرة الجنس، أي العلاقة بين الرجل والمرأة، إن كانت تلك العلاقة تفضي إلى الزواج المشروع، أو ما سماه الشرع بالنكاح.
أو كانت تفضي إلى الممارسات الجنسية غير المشروعة، مثل التي تحدِث بين أفراد النوع نفسه، أي المثلية الذكورية "اللواط" والمثلية الأنثوية "السحاق"، أو كانت تلك العلاقة علاقة حب وهوى وعشق وهيام فحسب بين أفراد النوع ذاته، أو بين النوعين)).(1)
لم يكن اشتراكنا في الدورات خارج العراق عن الطائرات، أو الأجهزة المتنوعة، أو الدراسة في الجامعات الأجنبية، هي من باب الحرية الكاملة في أن يأخذ الشخص كل شيء بلا جدية، ولكنها حرية مقيدة بضوابط إنسانية وأخلاقية وقيمية.
وإنك مطالب في أن لا تسيء بتصرفك إلى الوطن أولا، ولشخصك ثانيا، ومن هذا المنطلق فقد تتحرر من الدراسة بعد أن تنتهي أوقات الدروس والمذاكرة، فتذهب إلى المدينة، ونأخذ حريتك الكاملة في فعل أي شيء عدا الذي ذكرناه قبل قليل.
الاتحاد السوفيتي دول آسيوية، لم تكن دولة غربية، على الرغم من وجود دول قليلة وصغيرة في قارة أوربا، كانت الديانة في روسيا قبل ثورة أكتوبر عام 1917، الشيوعية، هي الديانة المسيحية، وبعد الثورة، وطيلة أكثر من أربعين عاما.
انضمت لروسيا دول أسيوية أغلبها مسلمة، وقسم منها دول أوروبية، مسيحية، وأصبحت فيما بعد دولة الاتحاد السوفيتي، وتخلت الشيوعية عن كل دين، وقد منحت هذه الدولة الحريات الشخصية في مسألة الجنس خاصة، أو إنها غضت الطرف عنها.
وقد منعت بيع حبوب منع الحمل إلى الفتيات دون سن الثمانية عشر عاما كحد لسيطرتها على هذه المسألة كما فهمت من بعض الفتيات، لهذا كان الجنس مبذولا في كل دول الاتحاد السوفيتي، ومنها الدول التي كانت تدين بالدين الإسلامي.
لم أكن مثل راسبوتين الروسي، أو كازنوفا الايطالي، أو سي السيد، في مغامراتهم المنعزلة والنادرة، ولست مثل زوربا في حسيته لكل الأشياء والأمور، ولكني كنت منتبها جداً لِما أقوم به من مغامرات حسية، بعاطفة جياشة، مع الأنثى.
المرأة في الاتحاد السوفيتي لها الحرية الكاملة في كل شيء حالها حال الرجل، حتى أنها في بعض الأحيان يكون دورها كبيرا في العائلة خاصة، وفي مسائل العلاقة بين الرجل والمرأة لم أشعر وأنا في مدينتيْ موسكو وإيفانوفا بأنها تختلف عن الرجل، وهذه الحرية التي منحها النظام الاشتراكي لمواطنيه هي نفسها الحرية في الدول الغربية، الأوربية والأمريكية حسب معرفتي بثقافة هذه الشعوب.
كانت أقصى فترة تبقى معك الفتاة إذ التقيت بها حتى تمارس الحب معها هي فترة التعارف ودعوتها لمائدة شراب ووجبة عشاء، بعد ذلك أما أن تبقى معك لفترة طويلة، أو تتركها.
ليس هذا الذي ذكرته هو من السقوط الأخلاقي، أو التعهّر في العيش، وإنما هو الحرية الشخصية التي ملكتها المرأة والرجل على السواء في هذه الناحية الخاصة بحرية الفرد في المجتمع الشيوعي.
زرت يوغسلافيا في الثمانينات، قبل خروجها من المنطقة الاشتراكية وتفتيتها إلى دويلات صغيرة، ووجدت المرأة لها منزلة وقيمة عالية في المجتمع اليوغسلافي، وفهمت من ذلك أن القيادة اليوغسلافية بقيادة تيتو قد منحها هذه المنزلة العالية لأنها قد شاركت في تحرير واستقلال يوغسلافيا من ألمانيا الهتلرية.
ورأيت ذلك، إلى حد ما، في هنڴاريا، وبولونيا، ورومانيا، وڇيكوسلوفاكية أيضا.
إن طبيعة العلاقات، والثقافة العامة التي تثقفنا عليها، والتربية الإسلامية التي تربينا عليها داخل العائلة وفي المجتمع والمدرسة، تنفرنا من تلك الممارسات المنعزلة والنادرة، نساء أو رجال، وجل ما يمكن فعله هو أن نخفي علاقاتنا المنعزلة والنادرة عن الغير، حتى لو كانت المرأة هي عاهرة معروفة للجميع.
فإن سمعتنا، وسمعة أهلنا، تقف حائلا أمام هذه العلاقات، أن كانت مقابل ثمن، أو كانت بصورة مجانية، ولكن هذا لا يعني خلو حياتي من التجارب الجنسية في العراق.
وقد كان الزملاء العراقيون في الدورة معي مثلي تماما، سوى شخصا واحدا أحتاج إلى أن تأتي زوجته، فأخذ موافقة السفارة وأرسل بطلبها، وقضى معها اسبوعا كاملا في موسكو.
مرة أعطيت لصديقتي "ناتاشا" قطعتين من الملابس شبه الحريرية التي اشتريتها لزوجتي وأرسلتها بالبريد إلى العراق، إلّا إنهما عادا لي ولا أعرف السبب في ذلك، فرفضت "ناتاشا" أن تأخذهما.
وقالت: إنها ليست عاهرة لتأخذ القماش بدل ما تقدمه لي في الفراش، قلت لها: لم يكن ذلك مما ظننت به، وحكيت لها مناسبة وجود القماش معي، ثم قلت لها ما علاقة هذا القماش بالعاهرة؟
قالت: إن العاهرة عندنا هي التي تأخذ مقابل عملها المال أو الهدايا، وأنا صديقتك ولست بعاهرتك،
لم تأخذ أي فتاة منا أو من الشباب العربي الذي يدرس هناك مالا، وإنما التي تأخذ المال هي الفتاة التي تتواجد في فضاءات الفنادق ذات الخمسة نجوم والتي تفتقد لها مدينة ايفانوفا، لأنها مدينة صغيرة ليست كمدينة موسكو.
وهذا ما عرفته عن المجتمع المتحضر.
كذلك في فرنسا تجد مثل هذا الذي أقوله، فهناك بائعات الهوى اللاتي تجدهن في بعض المناطق المخصصة لهن، وهناك الصديقة التي تنام معك مقابل صداقتك لها ولا شيء غير ذلك، إذ جربت الحالتين عند السفر إلى فرنسا عدة مرات.
أعمق علاقة دخلت فيها مع فتاة روسية تعمل مهندسة، اسمها ناتاشا، وهي تتكلم اللغة الانجليزية(2)، التقيتها في النادي الذي كنت آرتاده مع زملائي الضباط، بعد الساعة السابعة مساء.
وكان أفضل نادي في المدينة وأقرب للمعسكر، ويقع في منتصف المدينة، وهو نادي في الطابق الأرضي لفندق المدينة الكبير، كانت ناتاشا تجلس في المكان المخصص للتدخين، والذي يحتل مدخل النادي الذي واجهته معمولة من الألمنيوم والزجاج، ويقف عند بابها الذي يفتح على الشارع رجل كبير السن يرتدي ملابس خاصة بمن يعمل مثل عمله.
وكان في هذه الصالة محلا لتعليق المعاطف أو القبعات، تجلس مع مجموعة من الشباب الروس، كنت أدخن سيجارتي الروثمان التي كنت أدخُنها في العراق، فطلبت مني سيكارة، وهذه عادة موجودة عندهم، وكذلك طلب "كوبكات" للاتصال بالتلفون، قدمت لها السيكارة واشعلتها لها.
كنت أنا، وهي، على يقين أن علاقتنا هذه لن تستمر، ونهايتها بعد فترة انقضاء وقت الدورة وعودتي إلى بلدي، وابقينا علاقتنا هذه محكومة بتلك الحقيقة في تجاهلناها، كان كل منا يعرف ماذا يريد من الآخر.
وهذا ما تعلمته من هذا المجتمع في أن طلب السيكارة وبعض (الكوبكات) لأجل استخدامها في الهاتف العمومي شيء عادي، لا يمكن نقده.
عندما دخلت إلى الصالة كانت مائدتها قريبة من مائدة جلوسي مع أصدقائي، صببت كأس فودكا وكان نظرها منصب عليّ، فرفعت الكأس تحية لها وابتسمت، فرفعت هي كأسها، وعندما عزفت الموسيقى، قمت ودعوتها إلى الرقص، فقامت معي، ودعوتها للجلوس على مائدتي، وهكذا تمت الصداقة بيننا.
كانت حلبة الرقص فيها مجموعة من الروس والعراقيين مع صديقاتهم وهم يرقصون رقصة هادئة بطيئة، والفرقة الموسيقية تعزف بعض الألحان، وفي بعض الأحيان ترافقها مغنية خاصة بالصالة.
وفي مرة أخرى قالت لي إحدى الفتيات الروسيات اللاتي كنت في علاقة قصيرة معها: تزوجني، وعندما أخرج معك من الاتحاد السوفيتي طلقني، لأني أريد أن أذهب إلى أوربا، أو أمريكا.
إن الشباب السوفيتي – وقتذاك – تواقا للحرية، فيحاول أن يجد الطريق الواجب عليه سلوكه ليوصله إليها، ومنه الزواج بشخص أجنبي حتى لو كان ذلك الشخص لا يريد أن يقضي بقية عمره معها كزوجة في بلده.
في مدينة ايفانوفا يوجد مرقص صغير يسمى البار الأمريكي(3)، وهو عبارة عن قبو تحت بناية فيه "استيج" (4) لبيع المشروبات، ورحبة للرقص، وقليل من الكراسي، ويرتاده الشباب في تلك المدينة، تعزف في ذلك المرقص موسيقى لفنانين أمريكان وانجليز، مثل الهيب هوب، وموسيقى البريك وغيرها.
هذا المرقص تابع للدولة، حيث أن كل المراقص والنوادي الليلية مملوكة للدولة، لأنها أدركت أن تكبيل الشباب بالممنوعات الكثيرة، سيؤدي إلى انفجار بينهم.
كما حدث في زمن غورباتشوف الذي مثّل الشعب السوفيتي في كتابة "البيروسترويكا" بالقدر الذي يغلي فيه الماء، والسلطة واضعة يدها على غطائه، فعندما رفع يد السلطة، طار ما في القدر وتبخر ولم يبق شيئا فيه، وهكذا استقلت كل جمهوريات الاتحاد السوفيتي الآسيوية والأوروبية.
كانت الفتاة الروسية، والشباب الروسي، تبحث عن الحرية في أوربا أو أمريكا، وقد وجدت عزاءها في المرقص الأمريكي، وأشياء أخرى، مثل بنطلونات الجنس، وعلكة "أبو السهم"، وسيكاير الروثمان ذات "السن" (5) الذهبي، وهذه الأمور الصغيرة لم تسعف ذلك المجتمع الذي بني على الكبت والحرمان.
كان الشعب الروسي عند خروجه من الدوام، نساء ورجال، عسكريون ومدنيون، يحمل كل شخص بيده حقيبته التي تشبه حقيبة الكتب المدرسية ويتسوق بمقدار يكفي لسد رمقه هو وزوجته وأطفاله، ولا زيادة في ما يتسوقه من مواد تستخدم في الأكل، وقليلة هي الثلاجات والمجمدات لحفظ الطعام في تلك المناطق،
مرة ذهبت أنا وصديقي الضابط العراقي إلى سوق الخضار، فاشترينا رقيّة واحدة وكيلو عنب، تعجبت المرأة، إذ أخبرتنا إن الروس يشترون "شيف"(6) رقي، وكمية قليلة من الفاكهة، لأن عوائلهم صغيرة، وغير جيد بقاء زيادة في الأكل.
كان كل فرد مشغول بشأنه، ولا يتدخل في ما لا يعنيه، وفي مرة تشاجر روسيان خرجا من النادي، ولم تتدخل الميليشيا (7)، وعندما سألهم أحد الضباط العراقيين لماذا لم يتدخلوا ويفضوا المشاجرة؟ قال أحد أفراد الدورية: لم يقدم أحد شكوى لنا لكي نتدخل.
أنا لا أذكر هذه الذكريات من قبيل الفخر والتبجح بما يتبجح به الشباب في كل وقت، ذكرته لكي أكوّن فكرة معينة عن هذا الأمر وسفر العراقي، مهما كانت وظيفته أو عمله، إلى الدول الأجنبية، الأوربية خاصة.
هذه الحالة هي ما يتعلق بالأمور الجنسية عند شباب مكبوت في هذا الجانب ولم تردعه الأمور الدينية، ولا هي قادرة على الردع الخياري وليس الإجباري الذي يراه الكثير من شبابنا في هذه الأوقات، وفي كل وقت.
الفتاة في هذه مدينة إيفانوفا، وحتما في مدن الاتحاد السوفيتي أجمع، تصادق الشخص الأجنبي، وتمنحه جسدها بطيب خاطر لا لشيء وإنما لتحصل منه على سهرة ليلية في مرقص، ومشروب، ومأكل، وليس على نقود كما قالت ناتاشا، لأن القحبة فقط هي التي تبيع جسدها لمن يدفع، وهذا ما شاهدته في الكثير من الدول التي زرتها، ومنها الدول العربية.
الهوامش:
1- راجع كتبي ( الجنس في الشعر العربي)، و (الجنس في الرواية العراقية).
2- نادرا ما تجد من يتكلم اللغة الانجليزية بين الشباب في الاتحاد السوفيتي.
3- إننا نظن ان ما قام به الروس من ثورة في أواخر القرن المنصرم هو بسبب رغبتهم في امتلاك أكثر من بار مثل هذا البار، واستهلال لمأكولات"ماك دونالد"، بل هي أكثر من هذا، انها الحرية في كل شيء، الحرية الاقتصادية، والحرية الثقافية...ألخ.
4- ستيج: وهو النضد الذي يقف خلفه بائع المشروبات.
5- السن: عقب السيكارة.
6- شيف رقي: قطعة قليلة من الرقي.
7- الميليشيا- ميليتسا: Милиция، الشرطة.