recent
أخبار ساخنة

"من أدب الرحلات" الكتاب المفتوح " رحلة الى الإتحاد السوفيتي عام 1979"" الفصل الثالث" في مطار شيريميتييفو "إيردروم / 1"

Site Administration
الصفحة الرئيسية

"من أدب الرحلات"

الكتاب المفتوح
" رحلة الى الإتحاد السوفيتي عام 1979"
"في مطار شيريميتييفو "إيردروم / 1"

الفصل الثالث

الكاتب داود سلمان الشويلي

كان عندي معطف خفيف ألبسة وقت الحاجة عند برودة الجو في العراق، وفكرت أن اصطحبه معي إلى موسكو، وحملته في يدي عندما ركبت الطائرة بعد أن سألت المضيفة عن حالة الطقس في موسكو فأخبرتني إنه طقس ثلجي. 

وبعد أن أكملت إجراءات العبور من قاعة المغادرة إلى الطائرة أخذت مكاني المخصص فيها، بدأت الطائرة تدرج على أرض المطار، "رن وي – run way" في طريقها للوصول إلى نقطة الطيران. 

جاءت مضيفة بلباسها وغطاء رأسها الأخضر ووقفت أمامنا نحن الركاب، وراحت تعطينا بعض التعليمات في أوقات الضرورة عن استخدام أقنعة الأوكسجين، وكيس التقيؤ، وربط الأحزمة. 

بعدها أخبرنا الكابتن بواسطة المذياع في الطائرة أن نضع حزام الأمان الموجود في المقعد "Seat belt " وأن نقطع التدخين، حيث ظهرت لافتة مكتوبة أمامنا "يمنع التدخين".

بعدها دفع الكابتن قوة محركات الطائرة إلى الأقصى، وبدأ التحرك إلى الأمام، وأقلعت الطائرة TAKE OFF، عندها حلقت بنا فوق الغيوم، فلا نرى أي شيء من معالم الأرض.
تركت طائرة البوينج، المدرج، وها هي تصعد في الجو محلقة على ارتفاع عالٍ، لقد غادرتُ الوطن إلى وطن آخر. 
كان ما تحتي وأنا أراه من نافذة الطائرة عبارة عن فضاء كله أبيض في أبيض، نثار من القطن، أو الثلج، إنها غيوم بيضاء لا تعد بالأمطار سوى إنها تملأ الفضاء من تحتنا، إن البياض الناصع يعكس لون الثلج الذي سأراه في مدن الاتحاد السوفيتي. 

حتى الغيوم التي من تحتي وأنا أجلس على كرسي الطائرة والتي تلوح من زجاج نوافذها، ترسم صورة لزوجتي وأطفالي الذين ودعتهم صباح هذا اليوم.

في زحمة الغيوم التي تراءت لي من تحتي وأنا أجلس في مقعدي في الطائرة، شعرت أن ثلوج الاتحاد السوفيتي ستزيد من تأججي شوقا لرؤية عائلتي. 

وفي أوج تخيلاتي هذه أخرجني صوت المضيفة العراقية بلهجتها العراقية المحببة، قائلة:-
- ماذا تأكل أستاذ؟
طلبت منها قطعة دجاج مقلي، و"تمن"(1) وزلاطة، وصمون، وبرتقالة، بعد ذلك طلبت كوباً من الشاي. 
قدمت لي كوبا فيه ماء حار وكيس ممتلئ بالشاي نوع "لبتون"، البخار يتصاعد من الكوب، ورائحته قد ذكرتني بالأولاد وقد ارتسموا داخل هذا البخار المتصاعد.
بعدها تقدمت مضيفة ثانية بملابسها الخضراء وهي تدفع عربة صغيرة فيها كل شيء يحتاج له المسافر عند نزوله من الطائرة وذهابه إلى الفندق، حيث لا وقت له للتبضع.
ابتعت قنينة ويسكي، ولم أكن أشرب أي مشروب كحولي وقتها، و"تكه"(2) سكائر نوع روثمان حيث كنت أدخن هذا النوع، وقداحة نوع "رونسون".
كانت الرحلة من بغداد إلى موسكو قد طالت أربع ساعات، وكانت مريحة، ولم تجابه الطائرة أي مطبات جوية.

كان معي في الطائرة مجموعة من موظفي إحدى المصانع التابعين إلى وزارة الصناعة، إذ إنهم اشتركوا في دورة في الاتحاد السوفيتي، ومجموعة من مستقلي الطائرة العراقيين وهم حتما مشتركين في دورات في الاتحاد السوفيتي. 

وهناك زوج وزوجته وأبنه من الروس العائدين إلى الوطن، وحتما أنه جاء إلى العراق ليقدم خدماته في مجال ما، فقد كان العراق يكثر فيه السوفييت كخبراء جاؤوا ليعاونوا العراقيين على فهم ما اشتروه من معامل ومصانع وأجهزة. 
لقد كانت فترة سبعينيات القرن الماضي تشكل ثورة في كل شيء، حيث كانت الثورة الاقتصادية التي جاء بها تأميم النفط فاتحة لشراء كل شيء، ولتطوير وعي أبناء المجتمع العراقي في الصناعة والزراعة والتعليم والثقافة.
وكأني لم أظل في الجو سوى لحظة قصيرة لما أخذتني مخيلتي الشابة والنابضة بالحياة إلى مسارب عديدة. 

وصلت الطائرة إلى مطار موسكو، إذ سمعنا الكابتن يهنؤنا على سلامة الوصول، ويطلب منا أن نقطع التدخين ونشد أحزمة مقاعدنا استعدادا للهبوط.

انتابني شعور مختلط بين الفرحة بالوصول إلى دولة سمعت بتقدّمها في كل شيء، وحزن لانقطاع ارتباطي بعائلتي لفترة زمنية طويلة.
اقتربت الطائرة من مطار موسكو وقد خرجت من الغيوم البيضاء الكثيفة، ودخلت في زرقة الفضاء المرتبط بالأرض المكتسية بالبياض الثلجي. 

كانت موسكو تلوح للناظر من الطائرة وهي تقترب نحو المطار لابسة ثوبا أبيضاً من الثلوج، كل شيء أبيض، الأشجار، والسيارات الواقفة، والطائرات الرابضة، والشوارع، وكل شيء خارج أية بناية.

هبطت الطائرة على أرض المطار بهدوء وسلاسة، وراحت تدرج على المدرج وتوقفت في المكان المخصص لها، المطار من خلال نافذة الطائرة يبدو كئيباً، يغطيه الثلج من كل جانب

تركنا الطائرة بواسطة أنبوب يشبه منفاخ آلة الأكورديون عبرنا من الطائرة إلى صالة القادمين حيث كان بانتظارنا أفراد التفتيش على حقائبنا وعلينا نحن. 

كانت الصالة تضج بالناس، فيما انمحت تلك الكآبة التي شعرت بها عند رؤيتي من نافذة الطائرة، انتشر الناس من كافة الأعراق في طوابير أمام موظفي المطار الروس ليختموا جوازاتهم، وأمام أجهزة التفتيش الالكترونية، فيما أخذ بعض الناس قرب الحزام الناقل الدوار والحامل للحقائب، كل يبحث عن حقيبته.

وجدت حقيبتي الوحيدة التي رافقتني بهذه السفرة وهي تحتوي على بدلة واحدة، لأني فكرت مع نفسي أن أشتري لي بدلات من الاتحاد السوفيتي. 

وقد كان لهذه البدلة حكاية جميلة سأرويها في الفصول القادمة، وقميص، وبنطلون، وسترة كذلك، وعلبة علكة "أبو السهم"(3)، كما أخبرونا الضباط الذي شاركوا في دورات في الاتحاد السوفيتي. 
إذ تحب الفتيات الروسيات هذه العلكة، وبنطلون جنس وهو مرغوب عندهن، وعلبة حلويات لي، زلابية وبقلاوة، وما اشتريته من الطائرة،
دخلت من البوابة الالكترونية للتفتيش، ودخلت حقيبتي البوابة الالكترونية للتفتيش في المكان المخصص لها، أيضاً، خرجت والحقيبة ولم نتوقف لحظة واحدة.
لم أعرف كلمة روسية سوى كلمتي " да- دا= نعم" و" нет- نيت = لا"، وبهذين الكلمتين اتجهت إلى الباب النهائي الذي سأخرج منه إلى مدينة موسكو الثلجية في هذا الفصل في نهاية الشهر الثالث وبداية الشهر الرابع حيث يتقدم طقس العراق نحو فصل الربيع ومنه إلى فصل الصيف الحار. 

تقدمت كما تقدم جميع ركاب الطائرة العراقية إلى شرطي يقف عند بوابة الخروج، وكان الموظفون العراقيون الموفدون قبلي إلى الاتحاد السوفيتي، إذ شك الشرطي بكلام واحد من هؤلاء الموظفين، وكان من أهل الموصل. 

فقام الشرطي بفحص حقيبته التي كان فيها كبه موصلية وتين مجفف، وعلبة زيتون، وعلبة معجون حلاقة "آدم"(4)، شك الشرطي بعلب المعجون، فقام بإفراغها ولم يجد شيئا، عندها تركه يدخل إلى موسكو. 
جاء دوري، وكان الملحق العسكري العراقي وشخص آخر في انتظاري في الجهة الثانية من بوابة الخروج من التفتيش، وهي عبارة عن سياج حديدي يرتفع عن الأرض بمتر واحد. 
كان هناك شاب عراقي يترجم لنا نحن العراقيون، سألني الشرطي أسئلة كثيرة، وكان المترجم يترجم كل شيء، وفي أحد الأسئلة أجبت بالعربي 1000، فترجمها المترجم العراقي إلى الشرطي، اندهش الشرطي. 
فسألني المترجم العراقي كم الكمية؟! 
فقلت له ألف، قال المترجم: من أين لك هذه ألألف روبل؟ 
أجبته: لم تكن ألف روبل بل كانت ألف دولار، وأخرجتها من جوزداني(5) وأريتها للشرطي، لم يصدق، فنادى الشرطي على آخرين. 
واصطحبوني وحقيبتي إلى غرفة جانبية، لم أخف مما جابهني أول نزولي في موسكو، قلت مع نفسي أنا عسكري عراقي ويجب أن لا أخشى شيئاً لأنني لا أحمل أي ممنوع. 
في الغرفة طلبوا مني أن أخلع كل ملابسي، ففعلت ذلك، ثم راحوا يفتشون ملابسي، وذيل معطفي، وخباياه، ولم يعثروا على شيء، ارتديت ملابسي. 
كان جواز سفري جوازا محترماً في أي مطار إلّا أن عدم معرفتي للغة الروسية، وخطأي فيما يقوله المترجم لتسرعي قد وضعني في هذا الموقف. 
عدت إلى بوابة الخروج وقلت للمترجم: قل له أني فهمت أنك تسأل عن الدولارات وليس عن الروبلات، وهكذا ضحكت أنا والمترجم والشرطي، وخرجت بوجه انفكت أساريره أمام موسكو "العظيمة" في كل شيء كما اعتقدت ذلك!

بعد السلام، وسلامة الوصول، من قبل الملحق العسكري والشخص العراقي الآخر، وهو نائب ضابط في الملحقية. 

ركبت في سيارة النائب الضابط، وأخذني إلى الفندق الذي يقع في وسط موسكو، ويبعد عن الساحة الحمراء مسافة قصيرة. 

كان الطقس خارج المطار بارد، لم يكن بارد جداً كمدينة ثلجية، كنت أراقب الشوارع من خلال نافذة السيارة وأنا أتحدث مع مرافقي الإنسان الطيب. 

لا يوجد أي خضار على الأرض، الأشجار والشجيرات المزروعة على جانبي الطريق كلّلها الثلج وترك جذوعها البنية اللون بلون أسود. 

كنت أرى إلى ما في خارج السيارة وهي تسير تحت نزول ندف الثلج إلى الشارع والأشجار وبعض الإعلانات التي تشوه كتابتها باللغة الروسية خطوط الماء على زجاج النافذة والذي يحدثها نزول الثلج على سطح السيارة. 
ثم بدأت معالم مدينة موسكو من الأبنية العالية، والنصب، والتماثيل، والجسور، عبرنا جسراً على نهر موسكوفا، كان الناس يسيرون وكأن ندف الثلج النازل لا يهمهم.

موسكو Москва́مسكفا:- 

هي عاصمة روسيا وأكبر مدينة من حيث عدد السكان، موسكو مركز السياسة والاقتصاد والثقافة والدين والمالية والتعليم والنقل في روسيا، وتعتبر مدينة عالمية، بعد الثورة الروسية عام 1917، في 12 مارس 1918 أصبحت موسكو عاصمة جمهورية روسيا السوفيتية الاتحادية الاشتراكية والإتحاد السوفيتي.
كان الاتحاد السوفيتي، وموسكو العاصمة خاصة، يستعدان لاستضافة الألعاب الأولمبية لعام 1980، فهيأت الفنادق، وكل شيء يخبر عن عظمة الاتحاد السوفيتي، والتذكارات التي يبتاعها الزائرون بهذا المناسبة لموسكو، وكان شعار هذه الدورة هو الدب الروسي.

* عن البدلة، أو بعض الملابس، التي كنت أرغب بشرائها من إيفانوفا لتساعد بدلتي التي جلبتها معي من العراق، فقد قررت شراء قماش وخياطته كبدلة. 

ذهبت مع صديقتي ناتاشا إلى معمل الخياطة الحكومي، لأن كل شيء في الاتحاد السوفيتي تابع للدولة، لأنها تطبق النظام الاشتراكي الذي بدأ يفشل في آخر سنواته. 
اخترت قماشا وطلبت من الخياط فصال القماش مثل مخططي للبدلة، إذ وجدت الخياطين لا يتبعون المودة الجديدة، فأخبرني الخياط إنه سيفصل القماش مثل ما وضعت المخطط للبدلة، 

بعد انتهاء فترة الخياطة استلمت البدلة وقد فصلت وخيطت على المودة القديمة، إذ أن سترتها قصيرة وعلى شكل مربع وفتحتها قصيرة، والبنطلون لا أعرف كيف أصفه، لبست البدلة مرة واحدة فقط .

اشتريت قميص أعجبني لونه فوجدت أحد كمّيه قد خيط ليس في مكانه، وقد دار بعض الشيء.
أزعجني هذا الاكتشاف الكبير، في أنهم غير معنيين بمسائل الموضة، وتجديدها، وهذا الأمر يسري على الرجال والنساء كذلك. 

اغلب استيراداتهم بالنسبة للملابس من مصر، والأحذية الجلدية من الهند، والأحذية الرياضية من العراق، من شركة "باتا"، اشتريت قميص مصري، وحذاء هندي لجودتهما.

الهوامش:
1- تمّن: رز باللهجة العراقية.
2 - تَكه: علبة كبيرة تضم 12 علبة سيكاير.
3- علكة أبو السهم: علك كان يستورد من انجلترا وبعدها اصبح يصنع في العراق، وهو مفقود في روسيا ويمكن الحصول عليه في الاسواق الحرة والتي تبيع بالروبل الذهبي.
4- علبة معجون حلاقة آدم:صناعة عراقية جيدة.
5- جوزدان:محفظة جيب.
الفصل الاول  أضغط هنا
الفصل الثاني  اضغط هنا
الفصل الرابع اضغط هنا 
الفصل الخامس اضغط هنا
الفصل السادس اضغط هنا
google-playkhamsatmostaqltradent