أدب الرحلات الكتاب المفتوح رحلة الى الاتحاد السوفيتي 1979
الكتاب المفتوح" من أدب الرحلات، للكاتب داود سلمان الشويلي، الذي يحكي فيه رحلته إلى الاتحاد السوفيتي عام 1979 ،وهو يصف أبن المدينة الحارة في مدينة الثلج. تتناول فيها عبر سلسلة مقالات عن تجربته المذهلة والمثيرة خلال تلك الرحلة، حيث جمع كاتبنا بين عالمين مختلفين تمامًا، عالم المدينة الحارة ، وعالم مدينة الثلج الباردة.
يقدم الشويلي لمحة مميزة عن الثقافة والحياة في الاتحاد السوفيتي ومن خلال كتابه يقوم بتسليط الضوء على التناقضات الثقافية والاجتماعية بين هذين العالمين. يتجول بنا بين الشوارع المزدحمة والأسواق الصاخبة في المدينة، ويروي لنا تفاصيل اللحظات الباردة والهادئة في بلاد الثلج.
مجلة شهربان الألكترونية- SHAHARBAN MAGAZINEادب الرحلات الكتاب المفتوح| رحلة الى الاتحاد السوفيتي 1979؟ |
من خلال عيون الكاتب،سوف نعيش التجربة بأحاسيسه وتفاصيله هو ، ونشعر بالدهشة والتعجب من التباينات الكبيرة بين الثقافتين. سيجعلنا نتذوق جمالية اللقاء بين العوالم المختلفة. "الكتاب المفتوح" يعكس روح المغامرة والاستكشاف التي تدفع الإنسان إلى استكشاف عوالم جديدة ومجهولة، وتركت أثراً عميقاً في نفسه وفيما يرويه للآخرين.
إن هذا الكتاب يعد رحلة ثقافية وروحية في آن واحد، إذ يجمع بين المتعة القرائية والتفكير العميق في تأثير السفر والتعرف على الثقافات الجديدة على الفرد.
الفصل الأول من الكتاب المفتوح في أدب الرحلات.
"الى ناتاشا التي كانت سندي في مدينة إيفانوفا"
المقدمة:
(ليس من سفينةٍ مثل الكتاب تأخذنا إلى أراضٍ بعيدة). - إيميلي ديكنسون –
كتابي هذا، على الرغم من أنه يتحدث عن الذكريات التي احتفظت بها عن سفرتي إلى الاتحاد السوفيتي السابق في مهمة حكومية، يبقى مثل السفينة التي ستأخذنا إلى أراضٍ بعيدة جدا، لأنه كتاب مدوّن عن كتاب مفتوح أمام الأبصار. فالعالم كتاب كبير، ومفتوح أمام عينيّ، ولا يحتاج إلى من يفتحه لي، فأنا قادر على فتحه بشرط تحركي في المكان والزمان، ولا أبقى واقفا على الشاطئ أنتظر الذي يأتي ولا يأتي.
من معاني الرحلة في المعاجم، هو: السفر من بلد إلى آخر. ارتحلنا في أحلام يقظتنا، أو أحلام منامنا، صغارا وكبارا، وارتحلنا في حديثنا، إن كان ذلك مع الآخر، أو الأخرى، أو من خلال ما في مخيالنا من مجال واسع بعد رؤية أفلام أجنبية أو عربية. استطعت أن أقوم بالجهاد الأصغر من خلال مطالعتي لذلك الكتاب الواسع بمعانيه، والكبير بآليات فهمها، وهذا الجهاد وفّر لي المعلومة عن أي شيء، في أي مكان على ظهر الكرة الأرضية بعد أن اطلعت عليها على الورق داخل الكتاب.
تجمعت تحت يديّ مئات الكتب التي تخرجها المطابع في شرق المنطقة العربية وغربها، وكان ما ينقص تلك المعلومة التي طالعتها في الكتب هو رؤيتها، وشمّها، وسماعها، وتذوقها، من خلال السعي إليها... أي من خلال الانتقال الكبير الذي يختلف عن الانتقال الصغير في الأولى، أي الارتحال لها للاطلاع عليها عيانيا، وعن كثب، وكان السفر بالطائرة هو وسيلتي لذلك، وهذا ما أعنية بالجهاد الأكبر.
لم أركب أي حيوان في حياتي، لا الفرس، ولا الجمل، ولا الجحش، ولا الحمار، حتى عندما كنت صغيراً لم أركب على ظهر حمار في أيام العيد، وقد فعلها الكثير من الصبيان من أقراني...
وسائط النقل من الخيول والجمال الى المواصلات الحديثة.
كان أجدادنا يجوبون العالم على الخيول والجمال، ويسجلون مشاهداتهم ورؤاهم، ويعطون آراءهم عن كل ما كانوا يرونه، أو يلتقون به. في عصرنا كانت وسائل المواصلات متاحة للجميع، كالسيارة، والباخرة، والطائرة، وبوقت أقل مما كانت تستغرقه الرحلات القديمة، ومن خلال ذلك أكتب هذا الكتاب، وأسجل فيه ذكرياتي التي ظلت معي طيلة أكثر من أربعين عاما.
نظرت بعيني، وسمعت بإذني، وتحدثت بلساني وشفتيّ، وتذوقت بحليمات التذوق التي على سطح لساني، وشممت بأنفي، وقرأت بعيني، ومسكت وتحسست بأصابعي، كل هذا المدون في هذا الكتاب.
لأنقله لك عزيزي القارئ بصيغة أخرى هي صيغة الحروف والصور، وما عليك إلّا أن تبدّلها في ذاكرتك ومخيالك النشط إلى ما كانت تحدث في زمن حدوثها، كأفعال وممارسات، وسلوك تحدث أمام عينيك.
في هذه السطور كنت المشارك، والمراقب، والقارئ، والسامع، والكاتب، لكل ما حدث من أمور، وعندما انتهيت من كل ذلك تحولت إلى مؤرخ لينقل ما حدث في الماضي وهو قريب لكل شيء أقرب من حبل الوريد، وتحول كل ذلك من العيان المحسوس إلى الأدب المقروء والمتمثل بالذاكرة الخفية التي تصور لنا كل شيء بحياد تام.
كانت رحلتي استكشافية في التاريخ والجغرافية، وفي الحياة الاجتماعية والاقتصادية والثقافية، كانت رحلة "انثروبولوجية" في العمق، فظهرت هذه الأوراق التي يحملها متن ما دونته.
سافرت إلى ست عشرة دولة عربية وأجنبية بحكم كوني ضابط مهندس جوي على طائرات النقل العسكرية نوع "اليوشن/76" من عام 1979 إلى عام 1984.
زرت الدول التالية: الاتحاد السوفيتي، فرنسا، اليونان، ايطاليا، هنكاريا، رومانيا، جيكسلوفاكيا قبل أن تقسم إلى دولتين هما الجيك والسولوفاك، قبرص، المانيا، يوغسلافيا، اليمن، مصر، الأردن، عُمان، السعودية، وبعد أن تقاعدت زرت الدول العربية التالية: سوريا، الكويت.
كنت مثل جلجامش أبحث عن عشبة الخلود، في هذه السفرات كنت الرحالة الذي يبحث عن معلومة، أو أمر ما، يجدد أو يضيف معلومة ثقافية عن تلك الدولة التي يزورها، وكنت وقتها أجمع بعض النقود لأضمها إلى مجموعتي التي أحتفظ بها ضمن إطارات خشبية.
أول سفرة لي قد طالت أكثر من ستة أشهر إلى الاتحاد السوفيتي.
كان هاجس البحث والتنقيب والحفر في مجتمعات غير المجتمع الذي أنتمي له هو ما كان يحدوني في تلك السفرات، وعند ذاك حصلت على عشبة الخلود.استفدت كثيرا من سفراتي هذه على الرغم من إنها سفرات عمل، أريد منها تحقيق واجب عسكري لبلدي العراق، نقل طائرات وأجهزة، وأشياء عسكرية من بلدان العالم إلى العراق.
كانت أول سفرة لي قد طالت أكثر من ستة أشهر إلى الاتحاد السوفيتي، ومنها بدأت رحلاتي الأخرى، لقد فتحت عيوني على وسعهما لأرى هذا العالم كما هو، فكان هذا الكتاب الذي يحمل ذكرياتي عن تلك الرحلة، وقد زينته بالصور.
في هذه السفرة رأيت كل شيء سمحت لي تحركاتي في المكان والزمان أن أراه، وجربت كل شيء كان عني ممنوعا، لا لشيء سوى لمعرفة حقيقته التي كنت ممنوعا أن أصل لمعرفتها، وقمت بفعل أشياء كثيرة لم أستطع في بلدي أن أقوم بها، للتجربة أو لحاجة في نفسي التواقة للعلم والمعرفة.
سلكت مسلكاً مغايراً لما كنت أسلكه في بلدي لأصل إلى الحقيقة، وهي غاية الباحث ومرامه، وفعلت أفعالا لم أكن أفعلها في بلدي لأرى إن كنت أستطيع فعل هذا الشيء أم لا، وهكذا كنت "مفتشاً" في لبن ذلك المجتمع الذي كنت بين أبنائه أعيش.
فقد شربت المشروبات الكحولية ولم أكن في العراق ممن يشربونها، وفي ذلك غاية كبيرة هي اكتشاف هذا النوع من المشروبات وبقيت "أحتسيها" لعشرين سنة بعد ذلك، وأكلت لحم الخنزير لأرى مضاره ولم يحدث لي شيء، وهي المرة الأولى والأخيرة التي أتناول فيه هذا اللحم، لا لشيء إلّا لأنه في بلدي لا يوجد مثل هذا اللحم...
التقاء الفتاة الاجنبية لايشبه لقاء الفتاة العراقية.
التقيت مع الفتاة الأجنبية فاكتشفت أن اللقاء معها لا يشبه اللقاء مع الفتاة العراقية لحرارة و"ملوحة" الفتاة العراقية، زوجة أو غير زوجة، وتعلمت الكثير من مجتمعات تلك الدول التي زرتها وسترد في متن هذا الكتاب.لقد كانت رحلتي رحلة علم، ومعرفة، واكتشاف، فهي إضافة للمشاهدة العيانية لِما ذكرته في هذا الكتاب.
كانت رحلة وثائقية في كتب أخرى وجدت فيها عونا لي في إكمال ما فاتني من معلومة عما ذكرته في متن هذا الكتاب، إذ لسلطة القراءة للمرجعيات الثقافية أهمية كبيرة في ذلك.
إن هذه الأوراق هي محاولة متواضعة في أدب الرحلات، الأدب الذي يحبو على أربعة أرجل وهو يبحث عن زمن فطامه الذي يجعله كبيرا فيسير على قدمين.
لقد غيّرت هذه الرحلة، وغيرها من الرحلات إلى دول أخرى، من ثقافتي العامة، وبعض ثقافتي الخاصة، وكذلك وعيي بالمكان والآخر.
من المفارقات هي أن الكتاب يتحدث عن مدينة ثلجية، مدينة "إيفانوفا"، ومدينتي الحارة "الناصرية"، وطقس بلدي قاري، حار صيفا، بارد شتاء، ولم أقل أنه ثلجي، وكذلك لها ثقافة مغايرة لثقافة بلدي، وحضارة تختلف عن حضارة بلدي.
فهي متقدمة جداً نسبة لحضارة بلدي في ذلك الوقت، والعلاقات الاجتماعية غير العلاقات الاجتماعية في بلدي، والتقدم الصناعي والتكنلوجي غيرها في بلدي المتأخر، إذ يعد بلدي من بلدان العالم الثالث، إنها رحلة بزاوية 180 درجة بين البلدين.
لماذا أنا في مدينتين كبيرتين في الاتحاد السوفيتي؟
أعود وأذكر مرة أخرى لماذا أنا في مدينتين كبيرتين في الاتحاد السوفيتي؟ موسكو، وإيفانوفا، أقول أنا في تلك المدينتين لأني ذهبت إليهما مشتركا في دورة على طائرة اليوشن/76، فأصبحت ضابطاً مهندساً جوياً، ومن خلال هذه الرتبة سافرت إلى دول عربية وأوربية كثيرة، وما هذا الكتاب إلا خلاصة لتلك السفرة الأولى لي.
انا في كتابي هذا مثل "جودر" في اسطورة جودر العربية التي وردت كحكاية من حكايات الليالي ولكن لم أكشف عن مخابئ جسم أمي كما جاء في الاسطورة ليحصل على الكنز"المعرفة"، وانما كشفت عن مخابئ جسد المجتمع السوفيتي بقدر ما أتاح لي الزمان الذي كنت فيه، والمكان الذي ارتاديته.
خلاصة: كانت هذه الرحلة "السفرة" تجربة مثيرة وثرية بكل شيء، وأهم شيء كسبته منها ومن غيرها، هو المتعة الذاتية، وتجديد المعلومات عن الدول والشعوب، وزادتني ثقافة على ثقافة، ورؤية ناس غير العراقيين، والعيش معهم.
لقد جاء في الفصل الاول ابن المدينة الحارة في مدينة الثلج من كتاب أدب الرحلات الكتاب المفتوح رحلة الى الاتحاد السوفيتي 1979. آمل أن أكون قد وفيت حق تلك الرحلة وقدمتها للقارئ العربي النبيه، وإلى أبنائي كذلك.