recent
أخبار ساخنة

"من أدب الرحلات" الكتاب المفتوح " رحلة الى الإتحاد السوفيتي عام 1979"" الفصل الخامس "بلبلة اللغة"

Site Administration
الصفحة الرئيسية

"من أدب الرحلات"

الكتاب المفتوح
" رحلة الى الإتحاد السوفيتي عام 1979"
"بلبلة اللغة"

الفصل الخامس

 الكاتب داود سلمان الشويلي

"من أدب الرحلات" الكتاب المفتوح


((وَكَانَتِ الأرض كُلُّهَا لِسَانًا وَاحِدًا وَلُغَةً وَاحِدَةً*وَحَدَثَ فِي ارْتِحَالِهِمْ شَرْقًا أَنَّهُمْ وَجَدُوا بُقْعَةً فِي أَرْضِ شِنْعَارَ وَسَكَنُوا هُنَاكَ*وَقَالَ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ: 
«هَلُمَّ نَصْنَعُ لِبْنًا وَنَشْوِيهِ شَيًّا»، فَكَانَ لَهُمُ اللِّبْنُ مَكَانَ الْحَجَرِ، وَكَانَ لَهُمُ الْحُمَرُ مَكَانَ الطِّينِ*وَقَالُوا: «هَلُمَّ نَبْنِ لأَنْفُسِنَا مَدِينَةً وَبُرْجًا رَأْسُهُ بِالسَّمَاءِ، وَنَصْنَعُ لأَنْفُسِنَا اسْمًا لِئَلاَّ نَتَبَدَّدَ عَلَى وَجْهِ كُلِّ الأرض"*فَنَزَلَ الرَّبُّ لِيَنْظُرَ الْمَدِينَةَ وَالْبُرْجَ اللَّذَيْنِ كَانَ بَنُو آدَمَ يَبْنُونَهُمَا.
*وَقَالَ الرَّبُّ: «هُوَ ذَا شَعْبٌ وَاحِدٌ وَلِسَانٌ وَاحِدٌ لِجَمِيعِهِمْ، وَهذَا ابْتِدَاؤُهُمْ بِالْعَمَلِ، وَالآنَ لاَ يَمْتَنِعُ عَلَيْهِمْ كُلُّ مَا يَنْوُونَ أَنْ يَعْمَلُوهُ*هَلُمَّ نَنْزِلْ وَنُبَلْبِلْ هُنَاكَ لِسَانَهُمْ حَتَّى لاَ يَسْمَعَ بَعْضُهُمْ لِسَانَ بَعْضٍ" *فَبَدَّدَهُمُ الرَّبُّ مِنْ هُنَاكَ عَلَى وَجْهِ كُلِّ الأرض، فَكَفُّوا عَنْ بُنْيَانِ الْمَدِينَةِ*
لِذلِكَ دُعِيَ اسْمُهَا «بَابِلَ» لأَنَّ الرَّبَّ هُنَاكَ بَلْبَلَ لِسَانَ كُلِّ الأرض، وَمِنْ هُنَاكَ بَدَّدَهُمُ الرَّبُّ عَلَى وَجْهِ كُلِّ الأرض)) ( التكوين: 1 – 9 )
اللغة الروسية (بالروسية русский язык ‏ هي أكثر اللغات السلافية انتشارا، وكذلك أكثر لغات العالم انتشاراً، حيث يتحدثها حوالي 301,000,000 شخص في العالم بين كونها لغة أماً أو لغة ثانية، ويتوزع الناطقون بالروسية في روسيا والمناطق المجاورة لها،وهي اللغة الرسمية في روسيا، وإحدى اللغات الرسمية في الأمم المتحدة، وهي لغة غير رسمية ولكن يتحدث بها على نطاق واسع في أوكرانيا ولاتفيا واستونيا وليتوانيا، وإلى حد أقل، في البلدان الأخرى التي كانت الجمهوريات المكونة للاتحاد السوفيتي،
للغة الروسية تنتمي إلى عائلة اللغات الهندو أوروبية وهي واحدة من ثلاث (أو أربع) لغات من اللغات السلافية الشرقية.
الأبجدية الروسية الحديثة )بالروسية- русский алфавит أو روسكي ألفاڤيت) هي شكل مغاير للأبجدية الكيريلية، تم دخولها روسيا في أيام تحول ڤلاديمير العظيم إلى المسيحية.
عدد الحروف الروسية المعاصرة يبلغ ثلاثة وثلاثين حرفا، بعدما كانت اثنتين وثلاثين حرفا قبل عام 1942 حين اعتبر ë حرفا في حد ذاته مختلفا عن الحرف e.
واللغة في كل مكان وزمان مثل القارب الذي يوصل بين ضفتي النهر، نجد هذا القارب مرة صالحا للركوب وأخرى عاطلا. 
وأنا وجدت ذاك القارب مرة صالحا وأخرى عاطلا، مرة أصل إلى هدفي وأخرى لا أصل، عندها أقذف بنفسي في لجة ماء النهر وأسبح حتى أصل إلى مرماي، وهذا يكون في حالة الإيماءات الإشارية، وليس اللغوية.
كنت أعرف حروف اللغة الروسية، من خلال اشتراكي بدورة على الطائرات قبل دورتي هذه في العراق، ومنها سافرت إلى الاتحاد السوفيتي، وكان الخبراء الروس هم المدرسون، وأيضا، من خلال رموز أجهزة الطائرة المكتوبة بالحروف الروسية، كنت أقرأ ما مكتوب على الجدران من لافتات، أو على الأنصاب والتماثيل من أسماء، أو عناوين الفنادق والمطاعم.
في اليوم الثاني لوصولي موسكو، تذوقت مذاق نهار موسكو عندما خرجت من الفندق واتجهت إلى السفارة العراقية التي كانت بعيدة عن الفندق الذي أنزل فيه، كانت أواخر ربيع موسكو ثلجي إلّا أنه غير بارد، والشمس بضوئها الباهت مشرقة وعالية في السماء وهي تنظر إلينا وإلى الثلج الصامت في الشوارع والطرقات. 
صعدت سيارة أجرة وأريته عنوان السفارة المكتوب في الورقة، وكنت في السيارة أحفظ الشوارع والاستدارات، والمعالم البارزة التي تقع على الشوارع التي تسير فيها السيارة، وكان في الطريق إلى السفارة جامعة لينين، ونصب غزو الفضاء، ومعالم أخرى حفظتها عن ظهر قلب.
في السفارة أخبرني الملحق العسكري، أن آمر دورتي المقدم فيصل النقيب، وضابط آخر ذكر لي اسمه، الملازم الأول "ك"، وكان صديقي في العراق، سيصلون إلى موسكو بعد غد من مدينة إيفانوفا (Иваново)، وسأذهب معهم.
خرجت من السفارة، ورحت أمشي حسب الخارطة التي رسمتها في ذهني للوصول إلى الساحة الحمراء القريبة من الفندق الذي أنزل فيه، وكانت رحلة صغيرة داخل موسكو المتشحة بالثلوج، والعامرة بكل شيء.

رحلة الاتحاد السوفيتي 1970 

فقد كان أهلها ببشراتهم الشفافة البياض يغذون السير للوصول إلى أهدافهم، دخلت، وأنا في طريق العودة، إلى سوق، أو سوبر ماركت، (Магазин - ماڴزين). 
واشتريت غطاء رأس لي، ودفاتر رسم فادتني كثيرا في رسم كل اللوحات الموجودة على جدران الصف، وهي لوحات الدوائر الكهربائية للطائرة، ومستلزمات رزم الحمولة، وإنزال المظليين، إذ كان اختصاصي أنا، وخمسة ضباط آخرين معي، أعرف منهم أثنين من العراق، بعنوان "مشرف شحن = لود ماستر" أي مسؤول الحمل.
وقد أضاف المسؤولون في القوة الجوية العراقية على هذا الاختصاص، اختصاصات أخرى، مثل: اختصاص الكهرباء، واختصاص الآلات الدقيقة، واختصاص إنزال المظليين والمعدات الأخرى، كالدبابات والمدافع والعجلات، وهكذا كان اختصاصنا شاملا لهذه الاختصاصات على هذه الطائرة.
وصلت عند الظهر إلى الساحة الحمراء، وذهبت إلى الكشك لأتناول الكيك والشربت كالمرة الأولى. 
ووقفت في الصف ثلاث مرات حتى شبعت، وكان هذا الأمر حدث معي في اليوم التالي في كل وجبات الأكل.
في موسكو الكثير من المطاعم التي تقدم وجبات الأكل العراقية والعربية والإسلامية، ومنها مطعم أذربيجاني أكلت فيه وجبة كباب عراقي في الفطور في سفرتي الثانية إلى موسكو، إلّا أني في أول وصولي إلى موسكو لم أكن أعرف شيئا عن المطاعم.
بعد أن تناولت الغداء من الكشك، ذهبت أسير في الشوارع المحيطة بالساحة الحمراء، وصلت إلى حديقة عامة فيها تمثال الشاعر الروسي من أصل أفريقي "الكسندر بوشكين".
جلست على مصطبة حديدية قرب التمثال، أخرجت دفتري الصغير وأخذت أقرأ فيه بعض الكلمات الروسية ومعناها كما دونتها. 
بعد دقائق جلست على المصطبة التي أجلس عليها، فتاة روسية جميلة، جلست في الطرف الثاني من المصطبة، قلت مع نفسي لأجرب معها مواهبي اللغوية، كما قال الناصري بطل رواية "الوشم" للروائي عبد الرحمن مجيد الربيعي في رسالته لصديقه حسون:- 
(هل أستطيع أن أبدأ مع مريم: إنني أسأل نفسي هذا السؤال، ولكنني أعود وأبعد الحكاية كلها عن رأسي فهي علاقة محكوم عليها بالإعدام منذ البدء)، ( ) فقد كانت هذه البداية محكوماً عليها بالفشل، إذ التفكير باللقاء مع أنثى هو الطاغي على كل تفكير في نفسي، وكياني، قلت لها كما مكتوب في الدفتر الصغير:
- " я хочу с вамй познакомйтъся?" وتلفظ ( يا خچو سڤامي بازناكوميتسا)، أحب أن أتعرف عليك.
أسمعتني شريطا طويلا باللغة الروسية، وعندما قلت لها: " какие"، ماذا؟ عرفت أنني أجنبي، فرفعت كفها إلى الأعلى وأرتني "حلقة" ( ) ذهبية بأصبعها، عندها فهمت إنها مرتبطة بموعد مع شخص آخر، ربما خطيبها أو زوجها، إذ بعد دقائق جاء شاب فقبلها وغادرا.
كانت كما قال الشاعر بشار بن برد:
إذا قامت لمشيتها تثنت *** كأن عظامها من خيزران
من هذه الفتاة عرفت كيف يحترم الأجنبي الموعد، لأن هذا الأمر حدث معي في سفرة ثانية إلى الاتحاد السوفيتي بعد سنتين، عندما زرتها في فصل الصيف. 
إذ كنت ضمن طاقم الطائرة، وقد نزلنا في فندق درجة أولى، كعادة منتسبي الخطوط الجوية العراقية، إذ ينزل كل طواقم طائراتها في فنادق ممتازة، وكنت أنزل في غرفة لوحدي، فأعجبتني الفتاة المسؤولة عن الطابق. 
وعند عودتي ليلا إلى غرفتي، بعد أن شربت في نادي ومطعم "أربات" ( )، وكانت هي جالسة كسندريلا على كرسي، وبجنبها طاولة صغيرة للكتابة، وعليها سجل مفتوح. 
قلت مع نفسي لأطلب منها أن تذهب معي إلى غرفتي، تقدمت نحوها، وبعد إلقاء التحية المسائية عليها قلت لها طلبي ذلك، فاعتذرت بأدب، وقالت إنها في العمل، وممكن أن يكون الموعد غداً، إلّا أن هذا الموعد لم يتحقق، لأنني عدت إلى العراق صباح اليوم التالي.
العمل لا يمكن تركه من أجل نزوة عابرة، فالوقت كثير، والحياة واسعة... 
أما المثل الشعبي الروسي الذي مفاده " Когда вы получаете водку, работа прекращается " ومعناه "عندما تحضر الفودكا يتوقف العمل"، فهو قيل لأجل الضحك والترفية والطرافة، كما أعتقد وأظن، رغم أن المثل هو ثقافة أيضا.
كانت اللغة الروسية صعبة جداً، حتى أن الكثير من المشاركين في الدورة، أو في الدورات التي سبقتها، أو التي ذهبت بعدها، يجدون صعوبة في التكلم بها. 
كان في وقت المذاكرة المسائية يلقي علينا بعض المترجمين دروس في هذه اللغة، وهناك أسباب كثيرة في ضعفنا في هذه اللغة، منها إن ثقافتنا اللغوية هي الثقافة الانجليزية، منذ الصف الخامس الابتدائي ( ) إلى أن يحصل الطالب على درجة الدكتوراه في العلوم كافة وهو يدرس اللغة الانجليزية.
كان أحد الزملاء الضباط برتبة ملازم أول لاسلكي (ز) عنده دفتر صغير مدون فيه الكلمات الروسية ومقابلها الترجمة العربية لها، حتى أسماء الحيوانات، ومنها كلمة "مطي" ( ).
مرة، وعندما كنا نريد العودة إلى العراق، وقد نزلنا في نزل "كوربوس = مجموعة" ( ) وكان هذا الضابط يشاركني غرفة النوم... 
وقد جاءت صديقته من مدينة إيفانوفا، وكانا في الفراش، فسألها عن كلمة "مطي" ولم تعرف العربية هي، وهو قد تاهت عليه ترجمة الكلمة بالروسي بين كثرة الكلمات في الدفتر، وأخذا يتناقشان حتى أستدل إلى الكلمة في دفتره فضحكنا سوية.

*** بلبلة اللغة

كان الاتصال يحدث بواسطة أجهزة الهواتف السابقة، وليس كما في هذه الأيام، حيث لكل شخص هاتفه الموبايل، أو النقال، الذي يأخذه أينما ذهب حتى في الحمام.
مرة كنت في فندق المعسكر عصر يوم ما، اتصلت صديقة صديقي، الملازم الملاح "ص" وكان في الحمام، فتكلمت معها على الهاتف، واتفقنا أن تكون موجودة في الساعة السابعة إلا ربع في باب النادي الليلي. 

أخبرت صديقي بذلك، ذهبنا إلى النادي كعادتنا عصر كل يوم فلم يجد الفتاة صديقته، دخل إلى النادي، وبعد نصف ساعة جاءت، وكان باب النادي موصداً، إذ إن البواب يعرف كيف يحصل على المال من إغلاقه وفتحه والسماح لصديقات العرب بالدخول!. 

فجاء أحد الضباط وأخبر صديقي عن وجود صديقته عند الباب وهي تطلبه، خرجنا أنا وهو وحدثت بينهم مشادة قوية عن تأخرها، إذ كان صديقي سريع الغضب. 
وبعد ذلك فهمت أنني أخبرتها أن تأتي في الساعة السابعة والربع وكنت أظن أني أقول لها في الساعة السابعة إلا ربع، وهكذا حدثت مشكلة من خلال الترجمة، بين"و" للإضافة، و"إلا" للنقصان.
مرة أخرى كنا نجلس في النادي، وهو يقدم وجبات العشاء إضافة لتقديمه المشروبات، وفيه فرقة موسيقية ومغنية، طلبنا النادلة. 
عندما حضرت طلب منها صديقي الملازم "ح" الذي سبق له أن زار روسيا في دورة سابقة ويعرف بعض الكلمات الروسية، أن تقدم لنا أطباقا من الدجاج المشوي. 
كانت الكلمة الروسية هي "كوريتسا курица" ولفظها كما تلفظ كلمة الجرذ " крыс = كريسا"، فضحكت النادلة وأعادت عليه ما طلب، ثم أفهمته أنه طلب الجرذ وليس الدجاج المشوي، فضحكنا لذلك.

*** رحلة الاتحاد السوفيتي الفصل الخامس

عندما كنت مشتركاً بدورة في الحبانية، وكان المحاضرون خبراء روس، كان أحد المدرسين، وهو كبير السن، يلفظ كلمة "ڴنريتر: генератар = مولد" بإبدال حرف "الڴاف" "هاءا"، أي "هنيريتر". 
وقد علمت من المترجم أنه من شمال الاتحاد السوفيتي، عرفت عندها أن أكثر اللغات فيها لهجات، وهذا ما كان من اهتماماتي في السبعينيات خاصة.
الفصل الاول  أضغط هنا
الفصل الثاني  اضغط هنا
الفصل الثالث اضغط هنا
الفصل الرابع اضغط هنا
الفصل السادس اضغط هنا
google-playkhamsatmostaqltradent