كادت مهمتي أن تفشل" رحلة طيران خطيرة ومثيرة" لطيار عراقي.
بقلم ... اللواء الطيار الركن علوان العبوسي.
مذكرات طيار عراقي على طائرة الميك25 . في ,رحلة طيران , خطيرة ومثيرة يقول ذلك الطيار عن تلك المهمة الخطيرة وما واجهته من مصاعب ,كادت مهمتي أن تفشل.
لا يغفل التاريخ جهداً أنت صانعه أن لم يدون فسوف يضيع بين طيات الزمن لايمكن له أن يخلد في حين يمكن أن تحفظ بتدوينها لكي تخلد تلك الأمجاد والبطولات التي سجلت وتطلع عليها الأجيال اللاحقة.
لكي يفتخر بما فعله أبطال رحلوا عنا بأجسادهم أو سوف يرحلون لتبقى مواقفهم البطولية شاهد على عصرهم وأن بقيت عالقة بالذاكرة سوف تبقى حبيسة لاترى النور بعد كل حقبة من الزمن.
يجب أن تدون لكي تبقى خالدة على طول الدهور والأزمان كثيرة هي المهام التي نفذها سلاح الجو العراقي في الحرب العراقية الايرانية ( القادسية الثانية ).
لقد تَعلم منها الاعداء قبل الاصدقاء لما كان لها من أدوار بطولية جريئة قل مثيلها حتى لدى الدول الكبرى والعظمى.
كان للقوة الجوية العراقية الدور الرئيس بين القوات المسلحة البطلة بإجبار إيران رغم تعنتها وعنجهيتها المعروفة على الاستسلام.
كما وأنها ولدت الخوف والرعب لدى الكيان الصهيوني وبات يخطط في الخفاء للانتقاص من قدرات وكفاءة سلاحنا الجوي .
كتب الدكتور اللواء الطيار الركن علوان العبوسي في حديثه مع أحد الصقور تحدث فيها عن مذكراته وعن مهمة من مهام واجبات الاستطلاع الجوي في مياه الخليج العربي.
كتب مادار بينهما من حديث فنقله لنا وكما رواها له أحد صقور طائرة MIG 25 الاستطلاعية الابطال من السرب 97– قاعدة تموز الجوية (الحبانية).
إن هذه الطائرة قد اضافت قدرة وكفاءة عالية لسلاح الجو العراقي وقواته المسلحة والتي مكنتهم من التعرف على نوايا وأهداف العدو في عموم الخارطة الإيرانية بتفاصيلها الدقيقة.
إن مهمة هذا الصقر تنم عن شجاعة واقتدار عالي المستوى في ظل مواقف عربية خجولة ومتباينة ضد أعدائها الحقيقيين والمحتملين.
تَحّمل العراق وحدة الدفاع عنهم ضد عدو شرس أهدافه بعيدة المدى بانت غاياتها اليوم بعد ان أفل نجمه بقصد كما جرت الاحداث بعد عام 2003 اليكم أسرد مذكرات المهمة من منفذها شخصياً .
ايجاز المهمة قبل التنفيذ. كما رواها الطيار العراقي.
قال الصقر أنه في أحد الأيام وفي أتون الحرب القائمة وصلني طلب شفهي من حركات القاعدة فحواه أن علي أن أذهب الى قيادة القوة الجوية.
لاني قد استدعيت الى مركز عمليات قيادة القوة الجوية في بغداد وهناك التقيت باللواء الطيار الركن سالم سلطان عبد الله البصو معاون القائد للعمليات.
بعد السلام والتحية والترحيب دخل في صلب الموضوع وقام هو شخصياً بعرض إيجاز حول تنفيذ واجب استطلاعي تصويري.
- استطلاع جزيرة خرج النفطية.
- استطلاع نزولا الى مضيق هرمز.
- بعدها الاستدارة يميناً لاستطلاع الساحل الايراني الشرقي.
- وصولا الى ميناء جاسك النفطي مقابل ساحل سلطنة عُمان.
ميناء جاسك النفطي الذي يستخدم .لتصدير النفط الايراني بعد فرض الحصار على جزيرة خرج وبقية الموانئ الإيرانية المصدر للنفط في الخليج العربي من قبل طائرات قواتنا الجوية البطلة السوبر اتندر والميراج F-1 وصقورها الابطال.
بعد إنجاز المهمة يتم الهبوط في دولة الامارات العربية المتحدة تحديدا في مطار ابوظبي العسكري لإعادة التزود بالوقود والعودة الى قاعدة علي الجوية - الناصرية.
بعد الاقلاع من مطار ابو ظبي وفي طريق العودة تبدأ مهمة استطلاعية اخرى استطلع فيها بعض الاهداف الايرانية ضمن مياه الخليج العربي وهنا تنتهي مهمتي.
إن المسافة الكلية من قاعدة الإقلاع قاعدة علي (الناصرية) حتى مطار ابو ظبي العسكري تبلغ حوالي 1700 كم.
لقد كان الواجب بمنتهى السرية والكتمان وعليه لم يتم تبليغ أي من قادتي في القاعدة التي انتسب اليها فقط انا المنفذ ويكون اتصالي المباشر مع معاون القائد عمليات القوة الجوية.
كذلك علي أن اختار المفرزة الفنية التي ستقوم بتجهيز طائرتي بعد هبوطها في مطار أبو ظبي العسكري ومن ثم العودة الى قاعدة علي الجوية - الناصرية وبأقل عدد ممكن من الفنيين.
على ان لا يتم إخبارهم بأي تفاصيل مهما كانت بساطتها عن الواجب لحين وصولها مطار ابو ظبي العسكري بإحدى طائرات النقل العراقية اليوشن – 76.
هنا جال في خاطري لماذا كل هذه السرية التامة والمفرطة لهذا الواجب لكني اعتقد بان القيادة وبمختلف مستوياتها قد تتحسب ما جرى لمهمة سابقة مشابهة تقريبا.
تلك المهمة التي استشهد فيها الرائد الطيار الركن عبد الله فرج امر السرب 87 - MIG25 في كانون الأول ديسمبر-1982 بمهمة استطلاعية بعمق الخليج العربي.
وقد استهدفت طائرته من قبل الطائرات المتصدية أف – 14 الايرانية المسلحة بصواريخ فونكس (جو – جو) واختفى سره بعمق الخليج العربي.
إلا ان الخطأ الكبير الذي ارتكبته القيادة هو اختيارهم لخط رحلة الاستطلاع والتي تكررت بحدود 18 طلعة استطلاعية لنفس خط الرحلة.
الذي أعطي الوقت الكافي لكي تخطط إيران بان تسقط طائراتنا الاستطلاعية على العموم التحفظ والسرية بمثل هذه المهام ضروري جدا ويحقق المباغتة المطلوبة.
الاستعدادات قبل تنفيذ المهمة السرية الاستطلاعية للواجب.
تقرر ان يكون التنفيذ من قاعدة الوحدة الجوية - الشعيبة لملائمتها تعبوياً وتحقق مباغتة أفضل من سواها من القواعد ولكن دون اعلام قائد القاعدة وامر جناح الطيران ايضاً.
عدم استخدام اتصال لاسلكي أي الصمت اللاسلكي التام من لحظة التشغيل حتى مغادرة الأجواء الوطنية العراقية.
وبالنظر لتواجد القوات الأمريكية في مياه الخليج العربي وعليه تم تزويدي بالترددات اللاسلكية الخاصة لهذه القوات لكون خط مسار الواجب الطيران سيكون بالمرور من فوقهم.
ان القوات الامريكية هذه القوات لا تعير أي اهتمام بالمرور من فوق قطعتها البحرية بشرط أن يتم إعلامها باتصال الطيار المنفذ للواجب قبل المرور بدقائق وهو في الجو.
كذلك تم تزويدي بترددات مطار ابو ظبي العسكري. ومخطط النزول في مطار ابو ظبي.
ولكن يجب علي الانتظار في قاعدة تموز الجوية الهضبة دون مغادرتها لحين الاتصال بي للتهيؤ للطيران الى قاعدة الوحدة الجوية – الشعيبة لتنفيذ الواجب.
بعد ما يقارب يوم او يومين على ما اذكر من الانتظار الطويل الصعب والذي اعتبره أطول أيام حياتي لكوني مشدود الاعصاب ومشتت الأفكار.
افكر بهذا الواجب المهم جدا الذي تم اختياري لتنفيذ هذه المهمة الصعبة جدا. فعلي ان انفذها بتفاصيلها وبالدقة المتناهية.
في الصباح الباكر وصلت طائرة النقل اليوشن - 76 الى قاعدة تموز الجوية – الحبانية دلالة على بدء التنفيذ. لكي تصطحب معها المفرزة الفنية. اقلعت طائرة النقل اليوشن - 76 الى قاعدة الوحدة الجوية – الشعيبة.
ومن ثم انطلقت أنا بطائرتي الميك - 25 المجهزة بكافة معدات الاستطلاع المطلوبة للواجب مع خزان وقود احتياطي سعة 5 طن في الجسم والذي يبلغ طوله 11متر وبقطر 1متر والوقود الكلي للطائرة بدون خزان الوقود الاحتياطي 20 طن.
وصلت الى قاعدة الوحدة الجوية -الشعيبة وبقيت بالانتظار لحين ساعة الصفر. التوقعات ان يكون التنفيذ في نفس يوم وصولي لقاعدة الوحدة الجوية – الشعيبة.
عليه تم اعداد خطة الطيران من قبلي ثم ابلغت الفنيين الذين وصلوا قبلي ببرمجة حواسيب الطائرة استعداداً للطيران دون علمهم بالواجب وهذا هو المهم.
إن طائرةالميك- 25 الاستطلاعية تحتاج لفترة لأحماء اجهزتها الملاحية بحدود 40 دقيقة وهذا الوقت طويل نسبة الى بقية الطائرات الأخرى ومن نفس النوع.
لكون الطائرة الاستطلاعية تحتوي على منظومة PEALING وهي منظومة الطيران الالي وتحتاج الى فترة احماء وبرمجة الخط الملاحي ذاتيا.
آمر التنفيذ
ففي الساعة العاشرة صباحاً قد بلغت بالتنفيذ. حينها توجهت الى طائرتي العملاقة الحبيبة والتي لا تخذلني ان شاء الله تعالى.
أن الحالة الجوية في القاعدة جيدة. مدى الرؤيا بحدود 10كم. الغيوم معدومة تماما. الحالة الجوية العامة مناسبة لأجراء مهمة الاستطلاع التصويري الناجح.
ان طائرتي جاهزة للطيران وبالإشارة المتعارف عليها رفع اليد للأعلى ودورانها تم التشغيل والدرج.
بعد استحصال الموافقة من السيطرة الجوية وبأسرع وقت ممكن اقلعت من قاعدة الوحدة الجوية - الشعيبة.
مغادرة اجواء القاعدة والتحويل الى قناة قاطع الدفاع الجوي. الطيران باتجاه جزيرة خرج النفطية التي تبعد ما يقارب 300 كم من نقطة انطلاقي.
تضمنت خطتي للطيران الإقلاع والتسلق لغاية 20 كم أي ما يقارب 61 الف قدم. ويستغرق وقت الوصول لهذا الارتفاع بحدود 10دقائق قاطعاً مسافة 170 كم تقريباً.
في ذات الوقت يتم التسارع الى سرعة 2500 كم/ ساعة ورقم الماخ فيها 2.35 ماخ اعلى من سرعة الصوت باتجاه جزيرة خرج كما كانت مدينة الكويت عن يميني.
وقد بلغت ارتفاع وسرعة المهمة وبعد نفاذ وقود الخزان الاحتياطي والذي يصرف قبل بقية خزانات الوقود الموجودة في جسم الطائرة واجنحتها قذفته حسب الخطة في مياه الخليج العربي.
الآن ابتدأت أجهزة التصوير والكاميرات الأربعه تعمل بشكل دقيق وان التغطية التصويرية لهذه الكاميرات 90كم 45 كم الى جهة اليمين و45 كم الى جهة اليسار.
وصلت جزيرة خرج دون أي تعرض جوي معادي. الذي كنت اتوقعه في أي لحظة بوقت 18 دقيقة من بداية الإقلاع من قاعدة الوحدة الجوية – الشعيبة.
استمر خط الرحلة بمحاذاة السواحل الايرانية الشرقية باتجاه ميناء جاسك النفطي وقد كان مروري من فوق قاعدة بوشهر الجوية والمفاعل النووي بالقرب منها. وقاعدة شيراز الجوية ومن بعدها قاعدة بندر عباس الجوية الى يساري.
كل هذه الاهداف قد تم استهدفها من قبل الطيران العراقي محققاً نتائج باهرة فيها والحقيقةً كنت اتوقع ان تقاطعني طائرات F14 الايرانية المتمركزة بقاعدة شيراز الجوية.
ولكن يبدوا ان هذه الطائرات معظمها قد تعطلت لنقص في المواد الاحتياطية وكذلك افتقارها لمنظومة صواريخ فونكس جو – جو وفق ما اشارة اليه النشرات الجوية لعالميه. وباتت ايران تفتقر لها من الناحية العملية.
خلال هذه اللحظات وبهذه السرعة الجوية العالية وبهذا الارتفاع الشاهق شاهدت في الافق البعيد مضيق هرمز ومن بعدة ميناء جاسك النفطي.
ان طيراني هذا هو خارج مجال ممرات الطيران المدنيcledor مما يعطي دليل واضح للطيران المعادي انها طائرة MIG 25.
وقد تستهدف من قبل طائرات الدفاع الجوي الإيراني F14. لكن السرعة والارتفاع والمباغتة هو دفاعي الذاتي الوحيد. الذي ارتكز عليه في مهمتي.
بعد مضي حوالي 45 دقيقة من الاستطلاع اقتربت من مضيق هرمز ودولة سلطنة عُمان ومنه الى اليسار قليلا ميناء جاسك النفطي.
وانا مشدود الاعصاب بعد وصولي للميناء وحققت المهمة. وبانت لي عن بعد الحدود الباكستانية وسأكون حذر من تجاوز حدودها الدولية.
كنت حريص ان يكون التصوير دقيق لنجاح مهمتي المكلف بها وبعد أقل من ساعة تجاوزت ميناء جاسك. على الفور استدرت الى اليمين لغرض تغيير اتجاه طائرتي الى 180°.
يحتاج نصف قطر الدوران الى قطع مسافة 140كم بشكل عرضي حتى تثبت الطائرة باتجاهها المعاكس في طريق العودة.
وبعد أن أصبحت فوق بحر العرب مقابل ساحل عُمان اطمأن قلبي لأنني أصبحت خارج أسلحة الدفاع الجوي المعادي وفوق مياه وأراضي عربية هي دول الخليج العربي.
أستعدادات العودة والهبوط في مطار أبو ظبي.
الهبوط في قاعدة أبو ظبي الجوية العسكرية. بدأت التهيؤ للانحدار من فوق مدينة مسقط عاصمة سلطنة عُمان باتجاه الاراضي الاماراتية.
قمت بتحويل قناة الاتصال على تردد قاعدة أبو ظبي الجوية العسكرية. قمت بالنداء باسم المطار حسب سياقات الاتصال المعمول بها طالباً تعليمات الهبوط.
ولكن كانت المفاجئة هي رفض سلطات القاعدة تقديم المساعدة وموافقة للهبوط في المطار؟
حاولت مرة اخرى طلب السماح للهبوط لكنهم أصروا على الرفض وقد أزعجني ذلك وانا بوضع لا يسمح لي البقاء طويلا في الجو بسبب شحة الوقود. عليه كنت مصمم مهما بلغ بي الامر على الهبوط في المطار حتى لو امتنعت سلطات القاعدة.
لذلك وللأسف الشديد اقول؛ كيف يكون ذلك وهناك اتفاق مسبق من قبل قيادة قوتنا الجوية مع قادة دولة الامارات.
المهم اعددت العدة للهبوط والتقرب الى المطار ولكن الغريب الذي لم أكن اتوقعه وجدت مدرج المطار وطرق الدرج الاخرى. قد اغلقت بواسطة عجلات ومعدات لكي تمنع نزولي.
بحيث لم اتمكن من الهبوط بالأجزاء الاخرى الغير مغلقة لقصر المسافة وطائرتي تحتاج الى مجال كافي للهبوط بأمان.
قمت بعمل مرور واطئ فوق المطار ولكن كررت سلطة طيران المطار أمرها بمنعي ومغادرة اجواء القاعدة الجوية فوراً.
ماذا افعل اذن في مثل هذه المواقف الحرجة؟
عليه قررت بسرعة التوجه لمطار اخر قريب لكوني قد درست المنطقة جيداً بوجود مطارين الاول وسط مدينة ابو ظبي والاخر, هومطارأبو ظبي الدولي.
كان قراري الاول النزول بمطار وسط المدينة. لكن المفاجئة التي لم اتوقعها ايضاً هو غلق المطار بالعجلات هو الآخر.
بدأ الوقود ينفذ بسرعة ودقات قلبي ازدادت والوقت الكلي المسموح لي بالطيران قد نفذ ايضاً. عليه كإجراء أخير تسلقت للبحث عن المطار الدولي.
وهو فرصتي الأخيرة لا فرصة بعدها. حيث من المحتمل ان تنطفئ محارك طائرتي الاثنتين ويجب القذف من الطائرة وليس هناك أي حل آخر يمكن اللجوء إليه.
اتصلت بالسيطرة الجوية وقلت لهم بانني سوف اقذف بعد دقائق إذا لم تسمحوا لي بالهبوط في مطاراتكم وكان جوابهم مخيب للآمال هو الآخر بقولهم: هذه مشكلتك!؟
توجهت الى مطار ابوظبي الدولي. كانت المفاجأة أنه قد تم غلقه بالعجلات العسكرية ايضاً!.
اذن قد يكون هناك قرار نهائي قد أتخذ بعدم السماح لي بالهبوط في الامارات. وهذا مالم أكن أتصوره. ولو كنت اعلم بذلك لكنت حاولت الهبوط بأحد مطارات السعودية.
وانا بهذه الحيرة جال في خاطري ان العراق في حربه مع ايران هو للدفاع عن حدوده وحدود دول الخليج العربي. تذكرت كيف القيادة العراقية وقفت مواقف مبدئية من أجل ذلك.
وتذكرت كيف طلب الرئيس صدام حسين قصف طهران ومعظم المدن وجزيرة خرج النفطية الايرانية باشراك كل الجهد الجوي العراقي وصواريخ أرض- أرض والتي أطلقت 100 صاروخ. بعد حادث محاولة اغتيال امير الكويت جابر الصباح في عام 1985 أطلق عليها اسم يوم الكويت.
كان قراري النهائي القذف من الطائرة بعد استنفاذ وتصفير وقودها الذي بات وشيكاً قمت بالتسلق بالطائرة الى ارتفاع أمين للتهيؤ للقذف وفق محدوديات الطائرة الفنية.
وفي هذه الأثناء شاهدت شارع فرعي ضيق ضمن المطار الدولي تقف في الربع الاول منه عجلة واحدة. عليه قررت الهبوط الاضطراري حتى لو كلفني حياتي على هذا الشارع قبل ان تنطفئ طائرتي.
وفي هذه اللحظات الحرجة شاهدت المنظر الذي اضحكني مع شديد الأسف!!!
عندما انزلت العجلات الرئيسية للطائرة لغرض الهبوط وعند ملامسة عجلات طائرتي أرضية الشارع. وبعد أن استقرت الطائرة للحظات أنزلت العجلة الأمامية وعند ملامستها الارض وفتح البريك برشوت والموقفات الهوائية والضغط على الفرامل بقوة لغرض إيقاف الطائرة باقل مسافة ممكنه. وقد تحقق ذلك فعلا.
هنا بدأت العجلات العسكرية تتسابق معي من اجل أن تمنعني قسرياً من الهبوط ولكن ولله الحمد تمكنت من الهبوط في جزء الشارع الخالي من العجلات.
وانا على علم انه قرار خطر جداً والنزول بطائرة ثقيلة مثل طائرة MIG 25. كان قراري هذا يرتكز حتى لو لم اتمكن من ايقاف الطائرة بسبب قصر المسافة.
ولكي أحافظ على حاوية الاستطلاع ولا يذهب جهد طيراني سدىً اذا ما رفعت عجلات طائرتي لإيقافها. اعني حتى لو اضطررت الاصطدام باي عارض ارضي من اجل سلامة حاوية الاستطلاع .
على العموم كان الهبوط ناجح وهذا هو هدفي بالمحافظة على الحاوية الاستطلاعية وتم ايقاف الطائرة بمسافة قصيرة.
لكني شاهدت رتل من العجلات العسكرية قد قامت بإغلاق طرق الدرج الفرعية وكانت هذه العجلات ممتلئة بالجنود يشيرون لي بمغادرة المطار.
عندها بدأ الغضب العراقي يتصاعد عندي؟ قمت بإيقاف الطائرة ودفع اقصى دورات محرك لكلا المحركين الجبارين. ووجهتهما باتجاه العجلات العسكرية.
عندها هربت العجلات واخلت طرق الدرج حيث قمت بالتجول بحريتي لحين إيجاد موقف مناسب لإيقاف الطائرة بعيداً عن موقف الطائرات المدنية المتواجدة بالمطار.
موقف سلطات المطار السلبي.
بعد ايقاف الطائرة وفتح غطاء المقصورة فاجئني صعود شخص يرتدي ملابس الخطوط الجوية. يبدو لي انه مدير المطار. سحب مسدسه وأمرني بالنزول وقد امتثلت لأمره.
أثناء ذلك شاهدت عدد كبير من افراد القوات الخاصة منتشرة هنا وهناك في المطار. كانه يبدو لي أنه لاعلم لهم بمهمتي المعروفة لدى السلطات الاماراتية حسب تصوري؛ ثم دار بيننا الحوار التالي:-
مدير المطار: ما هو سبب الهبوط في مطارنا المدني ؟
جوابي له : بسبب شحة الوقود.
مدير المطار : سنجهز الطائرة بالوقود وتغادر فوراً .
جوابي له: إذا لم تجهز طائرتي من قبل الفنيين العراقيين الذين سيحضرون بعد قليل لن اقلع بها.
مدير المطار: تفضل معي!؟
جوابي له : كلا لن اغادر طائرتي.
مدير المطار: امتثل للأمر والا سوف استعمل معك القوة.
هنا تقدم أحد الأخوة السودانيين الابطال وتكلم معي بمنطق الحكمة والعقلانية وقال لي طائرتك سأحميها انا اذهب معهم ولا تجعلهم يعتدون عليك .
على اية حال اقتنعت بكلام الاخ السوداني ورافقت مدير المطار الى دائرته وهناك أجرى العديد من الاتصالات الهاتفية.
في هذه الاثناء هبطت طائرة اليوشن- 76 العراقية مع المفرزة الفنية التي اخترتها ففوجئ بها مدير المطار وامتنع من استقبالها.
فقلت له: دعهم يقوموا بواجبهم لتجهيز الطائرة والإقلاع بها والتوجه الى العراق.
زاد التوتر بيننا وشعرت حينها بأنني لست في بلد عربي وكأنني اسير حرب لديهم. ومن المفارقات التي هي باقية في ذهني ايضا طلبت استخدام الحمام من مدير المطار فسمح لي.
ولكن دون خجل وحياء دخل معي الى الحمام؟ لذلك أصبح الوضع متأزم بيننا في ذات الوقت؛ اتصل احد الاشخاص مع مدير المطار.
واشار ذلك المتصل أن هنالك ضباط طيارين من القوة الجوية الإماراتية يطلبون الدخول لاستلامي.
إلا ان مدير المطار رفض وزاد من الموقف تعقيداً وتوتراً لحين ان اتصل به أحد الأشخاص ويبدو لي انه من الشيوخ المهمين في الحكومة الإماراتية؛ فجأة تغيرت معاملته معي وسمح مدير المطار للضباط الطيارين بدخول مقره لاستلامي.
دخل عدد من الطيارين الإماراتيين وكان لقائهم كأخوة ورفاق سلاح. قبلوني وقاموا بالحمد والثناء على سلامتي. كنت سعيداً جداً بلقاء زملائي الطيارين. عادت لي الابتسامة والضحكة والمعنويات.
غادرنا جميعاً دائرة مدير المطار؛ جهزوا لي مأدبة غذاء في صالة الشرف الكبرى. وأشار أحدهم بان الخطأ ارتكب من قبلكم.
كان المفروض التنسيق واستحصال الموافقات الاصولية من قبل قائد القوة الجوية الإماراتية شخصياً. الذي زار العراق مؤخراً وأعطى موافقته لهبوط الطائرات العراقية في القواعد الجوية والمطارات الاماراتية عند الحاجة .
ولكن كل ذلك لم يحصل وقد وجدت في كلامه الحق فيما حدث لي وكنت اعتقد أن هنالك تنسيق مسبق بالواجب بين القيادتين.
من المحتمل ان مركز عمليات قيادة القوة الجوية العراقية لم يتصل بالمسؤولين عن طريق سلطة الطيران الإماراتية حفاظا على عدم تسريب المهمة الى ايران.
وتقوم بالتعرض لطائرتنا الاستطلاعية واسقاطها بالطائرات المتصدية الإيرانية ونفقد طيار وطائرة مثلما حصل في حادث الرائد الطيار الركن عبد الله فرج امر السرب 87 .
وان اكثر ما يتحسب له الطيار لأسلحة الدفاع الجوي وبارتفاعات مختلفة هو الطائرات المتصدية F14 وصواريخ هوك أرض–جو.
التي تتصف هذه الصواريخ بإسقاط الطائرات من ارتفاع 50 مترا لغاية 18 كم عموديا وبزاوية 45 ويصل مداها الى 35 كم وكلما قل الارتفاع تقل نسبة الاصابة .
زيارة قائد القوة الجوية الاماراتية للعراق.
في اب اغسطس 1987 زار الشيخ محمد بن زايد ال نهيان قائد القوة الجوية الإماراتية مع وفد كبير من قيادة القوة الجوية والدفاع الجوي.
وضمن منهج الزيارة تمت زيارة قاعدة تموز الجوية - الحبانية وقد اطلعه العميد الطيار الركن علوان العبوسي قائد القاعدة على أسرابها البالغ عددها عشرة أسراب مقاتلة وقاصفة.
تعرف على امريها وأساليب الأعمال القتالية والفنية والإدارية بالإضافة الى إجراء العروض الجوية التي قامت بها الطائرة القاصفة الثقيلة 22 TU والطائرة MIG 25 واعجب بها اعجابا.
ومما يشار اليه انه قال بالحرف الواحد اتمنى ان تصل قواتنا الجوية الى هذا المستوى من التنظيم والعمل القتالي المنظم.
يبدو من خلال هذه الزيارة اتفق الشيخ محمد مع الفريق الطيار حميد شعبان قائد القوة الجوية والدفاع الجوي العراقية على امور التعاون فيما بين القوتين الجويتين.
عودة الطيار العراقي بعد نهاية المهمة الى أرض الوطن.
اثناء تجهيز طائرة MIG 25 من قبل المفرزة الفنية للعودة بها الى العراق حضر السفير العراقي لدى دولة الامارات ورحب بي وحمد الله على سلامتي.
وحضر ايضاً ضابط برتبة عميد بالجيش الإماراتي الى المطار حيث سألني العميد وقال: كيف ستكون خطة العودة فأجبته؛ انا عندي خطة للطيران اثناء العودة سأطير وفقها وضمن برنامج معد داخل الطائرة.
فطلب العميد مني وقال لي؛ لا يمكن لك أن تستخدم الخليج العربي في طريق العودة فأجبته بأني اتلقى الأوامر من قيادة القوة الجوية العراقية وليس من عندك.
فغضب ذلك العميد وغادر المطار وقال؛ سيتأخر اقلاعك الى ان نصل الى نتيجة. هنا تدخل السفير العراقي واتصل بالفريق الطيار حميد شعبان قائد القوة الجوية والدفاع يطمئنه عن حالتي الصحية وسلامة الطائرة.
حيث كان يظن السيد القائد بانني قد تعرضت لحادث وأني أمكث في المستشفى ومع ذلك طلب من السفير ان يكلمني وكان سعيداً بذلك.
واشرت له باني مكلف بواجب آخر والجماعة هنا يرفضون عودتي عن طريق الخليج بل العودة عن طريق المملكة العربية السعودية .
فقال لي قائد القوة الجوية الفريق الطيار حميد شعبان: نفذ ما يطلبون منك.
عندها تدخل هاتفيا الشيخ محمد بن زايد قائد القوة الجوية الاماراتية. وأصر على ان يكون الطيران عبر الأجواء السعودية حتى لايجعل ذلك سبب ومبرر الى إيران أن تستغل الموقف ضد الامارات.
لو شاهدت ايران طائرة بمواصفات التي تحمل MIG 25 تقلع من الامارات باتجاه البحر ستسبب لهم مشاكل مع إيران.
قلت له: أن سبب عدم تنفيذ ما طلبتم مني من تغير خط رحلتي هوعدم وجود خرائط لمثل هذا التغيير.
فاجابني: سوف نجهز لك الخرائط المطلوبة واكلف لمرافقتك اربع طائرات مقاتلة والتنسيق مع طائرة الاواكس لحين مغادرتك الاجواء الخليجية.
قبل صعودي للطائرة شد على يدي وقال؛ ستقلع ولا احد يستطيع ان يمنعك. فأوعدني ان لا تستخدم الخليج للعودة.
فقلت له: نحن العراقيين اذا قلنا كلمه ونحن رجال والرجل عند كلمته.
فشكرني, وقال: والنعم من العراقيين انتم حامينا.
اثناء العودة تسلقت بطائرتي الى ارتفاع 9 كم واعتمدت على اسلوب الملاحة التقديرية. الى ان بدأت المنظومات الملاحية في الطائرة تلتقط الترددات اللاسلكية العراقية الأرضية RZPN في قاعدة الإقلاع.
المثبتة في طائرتي ولحين هبوطي في قاعدة الامام علي الجوية الناصرية بسلام والحمد لله.
بودي في هذا الموجز التنويه للتاريخ ان السعوديين فتحوا كل مطاراتهم لاستقبالنا عند عدم استقبال طائراتنا من قبل الامارات.
ولو كنت اعرف ان الامارات تغلق اجوائها اتجاه طائرتي وبهذا الوقود الشحيح لكنت نسقت معهم ومع السعودية.
وقمت بالانحدار لكي أفقد الارتفاع تدريجيا وأقطع أكبر مسافة ولم انحدر من هذا الارتفاع وأحافظ على وقودي لأستطيع ان اصل به الى القواعد الجوية السعودية.
لكن الوقود المتبقي في الطائرة بعد تنفيذ الواجب والانحدار والنزول في مطار أبوظبي لا يكفي للوصول الى السعودية.
لقد اختلفت المواقف العربية بين الخوف والشجاعة في هذه المهمة والمهمات الأخرى.