كفاح طيار عراقي للنجاة" بعد أصابة طائرته بنيران صديقة
قصة كفاح طيار عراقي للنجاة بعد أصابة طائرتة بنيران صديقة. ما زالت الحرب العراقية الايرانية في بداية يومها الثاني في قصة يرويها بطلها. بقلم ... اللواء الطيارالركن.
كيف كافح الطيار العراقي من أجل النجاة والبقاء على قيد الحياة. بعد أن انطلقت صواريخ سام 6 الصديقة على التشكيل! وإصابة طائرة-N.2 بالنيران الصديقة. مما أجبره على ترك الطائرة مرغماً، ويروي ما رافقها من أحداث مؤلمة ومشوقة وغريبة.
بداية قصة كفاح طيار عراقي للنجاة" بعد أصابة طائرته بنيران صديقة.
عند بواكير صباح 1980/9/23 ذلك اليوم الذي كان مليئاً بالأحداث والترقب! ما زالت صدمة الضربة الجوية الشاملة في اليوم السابق تخيم على جانب القوات الجوية الإيرانية. أغارت الطائرات الايرانية المعادية على قواعدنا بزخم كبير.
رغم هذا الزخم! كانت القوة الجوية العراقية تقوم بنشاطاتها في العمليات المقابلة. ودور الطائرات المتصدية والدفاع الجوي يعمل بجد ونشاط عالي.
لم نصادف أي من الأهداف خلال هذه الطلعة. وعند نفاذ الوقود والعودة الى مطار الرشيد، في تمام الساعة 9:30. أطلقت 4 صواريخ سام 6 من موقع منظومة صواريخ كتيبة د/ج المفاعل.
أصيبت طائرتي فقررت ترك الطائرة بواسطة كرسي القذف بنجاح ودون تأخير. تلك اللحظات العصيبة والصعبة من وقت خروج كرسي القذف من مقصورة الطائرة لحين ترك الكرسي وانفتاح المظلة.
رغم أنها ثواني قليلة أو أجزاء من الثانية. لايمكن لي أن أصف تلك المشاعر والأفكار التي راودتني. حتى شعرت بانفصال كرسي القذف.
تبدو لي كل الأمور تسير بيسر. لم أكن أعلم أن هنالك مخاطر وأحداث سوف تواجهني أصعب من هذه اللحظات.
بعد أن فتحت المظلة الرئيسية وأحسست كأني أرفع الى الاعلى للدلالة على انفتاح المظلة بصورة صحيحة، هنا أيقنت أني قد نجوت وبدأت سرعتي للنزول الى الأرض تتباطئ.
عادت ثقتي بنفسي من جديد ولقد كانت لي تجربة سابقة لاستخدام البرشوت من خلال دوره في مديرية القوات الخاصة بعد تخرجي من الكلية.
كان الموقع الذي تركت فيه الطائرة هو فوق مدينة الاسكندرية التي تقع جنوب بغداد وكذلك يقع نهر دجلة الخالد الى شرقها.
كانت الرياح شمالية غربية وأخذت تدفع مظلتي باتجاه سلمان باك والتي تقع بالجهة المقابلة من نهر دجلة.
شاهدت أشخاص وأنا معلق بين السماء والأرض. يصوبون بنادقهم نحوي وتمر من جانبي اطلاقات بنادقهم! اصابتني أحدى الطلقات بيدي اليسرى وهم يظنون أني طيار أيراني.
لما رأيت تجمهر الناس من جهة سلمان باك. أدركت أن نهايتي قد دنت؟ فقررت أن أهبط في نهر دجلة تفادياً للاحتكاك بهم. خوفاً على حياتي قبل أن يعرفون أني عراقي مثلهم.
سحبت حبال توجية المظلة وهبطت بوسط نهر دجلة بعد أن تحررت من المظلة. كان الدم يسيل من يدي وأنفي وشفتي. نتيجة الاصابة بالاطلاقات النارية! وأنا أتحامل على الجراح من أجل الوصول الى ضفة النهر.
نهر دجلة يحتضن الطيار بعد أصابة طائرته بنيران صديقة.
أنا أجيد السباحة بمهارة منذ نعومة أظافري، قمت بتحديد وجهتي بالسباحة وبدأت أسبح باتجاه رجلين أمامهم زورق صغير. يبدو لي من هيئتهم أنهم فلاحين. وهم يراقبون الموقف.
لقد كنت أظن أنهم سوف يسارعون لنجدتي وأنقاذي. وأنا أصرخ بما امتلكه من قوة وبصوت عالي~ أنــا أخوك عراقي~ أخوان أخوكم عراقي!
تلك اللحظات كأنها سنين ودهور، خابت المساعي وليس هنالك من مجيب لصرخاتي.
السباحة بدأت تصعب وكانت ملابس الطيران التي أرتديها وبدلة الضغط قد تشبعت بالمياه، وكذلك بوت الطيران الإيطالي الخاص أصبح ثقيلاً وقد امتلأ بالمياه.
كانت تعيق الاستمرار بالسباحة، ويدي التي أشعر بما أصابها، شعرت بساقي اليسرى قد أصابها تشنج لا أستطيع أن أحركها تجمعت كل تلك العوامل في أن واحد~ يا ألهي!.
أصبحت في موقف حرج جداً لا أحسد عليه وأنا أصرخ ~عراقي أخوان عراقي~ خارت قوتي وأنهار جسدي. ولم أعد أقوى على السباحة، من شدة التعب توقف فغطس جسدي الى الأسفل داخل الماء وبعمق تقريباً 1 متر.
حركت رجلي ويدي بقوة وخرج رأسي الى سطح الماء وصرخت ~ يـــا نــــاس عرااااقي! وأنا أقاوم من أجل البقاء على السطح.
مقاومتي لم تجدي نفعاً فغطست مرة ثانية! لا أدري كان كل همي أن يكون رأسي فوق سطح الماء. انتفض جسدي لكي أخرج راسي الى الاعلى هل أوفق بالمحافظة على وضعي هكذا كنت أحاول لكن محاولاتي باءت بالفشل!.
في المرة الثالثة انهارت قواي بشدة وغطست أكثر من 3 متر ولامست أقدامي قاع النهر وأنا أبتلع الماء والطين، في تلك اللحظات التي يفصلني بين الموت والحياة شعرة وأيقنت أني هالك لامحال.
دعوت ربي أن ينقذني وينجيني من محنتي التي أمر بها، تلك لحظات ليس لي سوى الارتباط برب العباد. هنا تبادر لي في ذهني أن الغريق شهيد، بكيت وأنا في الماء حقاً وأنا مستسلم لقدري!
كل تلك الثواني، تواردت الأفكار جعلتني أنتفض بقوة للنجاة، ضربت بقدمي الأرض بقوة لا أعرف من أين جاءتني تلك العزيمة والارادة التي جعلتني أرتفع الى سطح النهر وأستنشق الهواء.
لا أعلم هل هي ~صحوة الموت~ وصرخت بأعلى صوتي -أنـــا عراقي- ولا من مجيب.
فأيقنت الآن بأني سأموت غريقا فأخذت نفساً عميقاً! لاني لم أعد أقوى على الاستمرار جسدي المتهالك شلت جميع أجزاء جسدي، هذه أخر الأنفاس التي تشبعت بها رئتي.
استسلمت لقدري، نطقت الشهادة~أشهد أن لا إله إلا الله وأشهد أن محمد رسول الله~ كي تكون أخر عهدي بالحياة، أرخيت جسدي فبدأ يغطس بالماء وهي تغمرني - رويداً رويدا!.
عند آخر لحظة قبل أن تغمر المياه عيني رأيت من جهة اليسار زورقا مسرعاً بلون أبيض وأحمر.
قلت لربما جاء هذا الزورق لإنقاذي، يداي مرفوعتان الى الأعلى مثل الغريق في اللحظات الاخيرة والحاسمة، الموت والزورق يتسابقان من أجل اختطافي أو انتشالي هدف واحد هو أنا! مصيران مختلفان أما الموت أو الحياة؟
كتُبِت في هذه اللحظات لي حياة جديدة وذلك الكفاح من أجل البقاء قد أثمرت نتائجه.
أقُفلت كل الابواب أمامي إلا باب الرجا والدعاء لله لم يقفل، بعد أن أستقر جسدي على سطح الزورق وأنا منهك القوى لكني أعي ما يدور حولي.
أنطلق الزورق مسرعاً بأتجاه الشاطئ، وصلنا الشاطئ وكانت جمهرة من الناس تنتظر بعد أن راقبت عملية القذف وما جرى بها من الأحداث.
كانت الناس تهتف بأهازيج شعبية يرددونها كنت أسمعها في المظاهرات، رجل يلقي الشعر في بداية الأمر وعرفنا فيما بعد يسمى المهوال.
بعدها أبيات راقصة تدل على النصر والفرح والافتخار وحتى عند الموت، قائلين باعتباري أني أسير لديهم لانهم كانوا يظنون أني طيار إيراني ~ تيسر والله تيسر- يسرناه والله تيسر؟ ها قد وقعت في مطب آخر؟
قال أحد رجال الزورق الذين أنقذوني من الغرق" توقفوا لا تهتفوا أنه طيار عراقي ونحن من رجال المخابرات، توقفت الهتافات.
تقابل الرجال المسعفون وحملوني من المركب الى ضفة النهر(جرف)، وضعوني مسجى على الأرض وأنا غير مصدق أني قد نجوت، رغم أني في حالة يرثى لها الدماء تغطي وجهي وبدلتي بالاضافة أني لا أقوى على الحركة من شدة التعب.
في برهة وإذا بأحد المنقذين يحتضن رأسي ويتشاجر مع رجل أخر؟ قائلا ~ لا ...لا … مو دا أنكلك هذا طيار عراقي~ رافقها صوت مدوي لاطلاقات نارية.
تبين أن أحد أفراد الجيش الشعبي يحاول التهجم علي ويريد أن يؤذيني، كان يظن أني طيار إيراني!
المستوصف! من كفاح طيار عراقي للنجاة" بعد أصابة طائرته بنيران صديقة.
حملت وبسرعة الى مستوصف صحي تابع لدائرة أصحاب الزورق الذين أنقذوني، هنا أنتهت أصعب مرحلة بين خروجي من الطائرة ووصولي الى المستوصف!
عند وصولنا باب ذلك المستوصف أنزلوني من السيارة، حصل موقف غريب وغير متوقع أحسست بالاهانة من غير أي ذنب؟
جاءت امرأة مسرعة ومن هيئتها أنها تعمل مستخدمة في ذلك المستوصف، دون أن تتكلم بصقت في وجهي الذي هو مخضب بالدماء.
مما أستشاطني غضباً، فقلت لها بلهجة عراقية ~ لج.. ليش … مو اني اخوج عراقي …!
تم نقلي الى صالة العمليات" وكانت هنالك ممرضة وهي أخت كريمة بعد أن شاهدت وجهي، قالت أخي أنفك ينزف نتيجة شق بأرنبة الأنف" هذه المنطقة لا يمكن تخديرها بالبنج، يجب أن أخيط الجرح لكي أوقف النزيف" فقلت لها توكلي على الله وكان الألم شديد.
طلبت منهم أن يحضروا لي ضابط لكي أتفاهم معه خوفاً على نفسي من شدة المواقف الذي تعرضت له، وتحسباً لمواقف أخرى قد تحصل ووجوده جنبي يحميني باعتباره يمثل جهة رسمية.
فجائني رجلٌ قدم نفسة قائلاً لي أنا "نقيب عباس : فقلت له أخي اني أخوكم عراقي، قال نعم نعلم ذلك" فقد أتصل بنا "المقدم الركن الحكم حسن علي آمر قاعدة الرشيد حينها وقال اهتموا بالطيار.
بعد تلك الإجراءات الاولية التي قام بها كادر المستوصف، تم نقلي إلى مستشفى الرشيد العسكري بسيارة الإسعاف.
وقد كان يرافقني ضابط مخابرات أسمه أحمد! فقلت له آني أخوك ودخيل عندك...
فقال لن أسمح لأي فرد أن يتقرب عليك، وقد أستفرغت من بطني الماء والدم والطين وشعرت بأني مخدر! لا أستطيع الكلام.
وصلت سيارة الإسعاف مستشفى الرشيد العسكري، بعدها حملوني نقالة المصابين متجهين بي الى صالة العمليات على وجه السرعة.
بعد أن تجمع الكادر الطبي من حولي وبدون تأخير وبلحظات قاموا بقص بدلة الطيران بالمقص، وبقيت بالملابس الداخلية فقط.
بدأ الكادر الطبي بإجراء الفحوصات وهل توجد أعراض أخرى فقام طبيب برفع قدم وانزال الاخرى...
فضربت رجلي بالسرير فقلت للاطباء~ وخروا أقوى من الزمال" جوه أيدكم~ كانت تلك العبارات تدل على أني بدأت أستعيد جزء من الحيوية والنشاط والثقة بعد أن واجهتني مصاعب وخوف من مصير مجهول.
بعد أن تم الكشف الطبي بصالة العمليات، بدأت مرحلة الاطمئنان النفسي الذي يستخدمه الاطباء مع المريض، هذا الأمر هو نصف العلاج.
فقال لي أحدهم وهو يسألني! هل لديك أحد تريد أن نتصل به...
فقلت نعم عمي "لواء ركن متقاعد معاون رئيس أركان الجيش - حسن صبري محمد علي" رأيت أحد الأطباء يبتسم عرفت فيما بعد إنه غسان حسن وأبوه ايضا لواء متقاعد ومن دورة عمي الله يرحمهم …
جاء "ن ض مضمد صبيح وهو من أهل منطقتي الوزيرية. قبلني وصاح بأعلى صوت حبيبي كفاح فقلت له ~ دكلهم خارج اليسره مال الوزيرية- أي أني لاعب فريق كرة القدم في المنطقة، وأنا هجوم الفريق من جهة اليسار~ لكي يطمئنوا أكثر.
فقلت لصبيح : أرجوك خذ بالك من أغراضي سويج السيارة، وقلادة ذهب عليها آية الكرسي.
نقلوني لغرفة العناية خوفاً من أن أي مضاعفات أو أن يكون هناك نزيف داخلي مخفي أو غير ظاهر بالتشخيص!
هناك رأتني مضمدتين وتقول إحداهما للأخرى ~لج هذا شلون أيراني يحجي عراقي بلبل...؟ وتقول الأخرى لها لج لا هذا شكولة شكول سوري اذا ما طلع سوري أيدي اكصها.
جاء "العميد الطبيب الجراح عبد الخالق الأزري وشاهدني، فقرر بعد زوال الخطر نقلي الى الردهة الثانية في مستشفى الرشيد العسكري، لم يفارقني لحمايتي "ن ض أمن مستشفى الرشيد وبيده المسدس والطارق مسحوب...!!
عند دخولي الردهة كانت هناك أخت كريمة باستقبالي، قالت لي أخي أنا خريجة كلية التمريض وأريد أن أقوم بتنظيف وإزالة الدم المتجمد في تجاويف الأنف، وقد أدى تجمد الدم الى سد المجرى التنفسي وهي تفعل ذلك "مشكورة جزاها الله خيرا!
دخل شاب طويل أسمر بهي الطلعة، وأمر الجميع بمغادرة الغرفة، قائلاً~ أنا ضابط مخابرات الرجاء من الموجودين تركنا لوحدنا لدي حديث بيني وبين الطيار، خرج الجميع الى خارج الغرفة وبقينا لوحدنا.
تحدث ضابط المخابرات قائلاً: السيد مدير الجهاز يخصكم بالسلام ويهنئكم على سلامتكم ويقول ماذا يأمر الطيار...
فقلت له: أبلغ السيد المدير شكرنا وتقديرنا وعرفاننا وقل له إني وأهلي ومالي وأولادي فداء للعراق!!.
بعد منتصف النهار بدأت أشعر بآلام شديدة جداً في ظهري نتيجة الخروج بكرسي القذف من الطائرة، مما اضطررت أن أنادي على اخي المرحوم ن ض صبيح متوسلاً أليه أن يأخذني للأشعة والوقت قارب العصر.
فعلا نقلني محمولاً على السدية إلى الأشعة وأجري اللازم.
عند وقت المغادرة من قسم الأشعة انطلقت صافرة الانذار وهي تعلن بوجود تحذير، بأن هنالك غارة جوية معادية.
صديقي صبحي يدفع السرير المتحرك (السدية) بسرعة وعند وصولنا منتصف الساحة الوسطية للمستشفى وإذا بالطائرات الأيرانية فوق رؤوسنا مسرعة والدفاعات الجوية تطاردها.
صديقي صبحي أصابة الهلع!.... تركني وحيداً على السدية بوسط الساحة... على مبدأ (يا روح ما بعدك روح) وأنا أشاهد الصواريخ تمر من فوقي تنطلق من كل إتجاه ومدافع 57 ملم تمر شظايا القنابل مثل الجمر من فوقي.
في موقف بين الخوف أن تصيبني أحدى الشظايا... والضحك من موقف صاحبي الذي تركني في أول أختبار!
صرخت مناديا ~ يمعود أدفعني يم الساقية وفعلا دفعني وتمدد هو بالساقية ليتفادى الشظايا أو قصف محتمل، بعد أنتهاء الغارة حملني إلى غرفتي والآلام مزقتني وجائني "د.ثروت حميد وأعطاني دواءً مسكناً، حقنة في الوريد.
من المفارقة أنا ودكتور ثروت حميد زملاء في الثانوية المركزية ولم يتعرف عليَّ لأن وجهي أصبح دبل كما يقال من شدة الورم والأصابة ...
ليلة في مستشفى الرشيد العسكري.
عودة الى اليوم السابق حين اتصلت بالمنزل بواسطة الهاتف تكلمت مع زوجتي التي تركتها وحيدة في المنزل ومعها والدتها الحجية رحمها الله.
كان بالصدفة حين أجراء الاتصال نسيبي متواجد في منزلنا، بعد الحديث معهم كان هو أحد المتحدثين! فقلت له راجياً:
أخاف يتصلون عليكم جهات معادية للوطن ويقولون أن أبنكم مات أو أسر! فقل لهم "يطبه مرض" لم أكن أتوقع سوف أتعرض لحادث في اليوم التالي.
طلبت الهاتف واتصلت بزوجتي، وأنا أتكلم بحشرجة والأنف مغلوق من كثرة التخثر في مجراه.
قالت لي: وين أنت صوتك أشبيه؟
فقلت لها: سلامتك لما كنت أتسلق سلم الطائرة، انزلقت قدمي فسقطت على وجهي؟…
لو كانت تعلم الحقيقة وما مر مر بي من الأهوال لكانت أصيبت بالإغماء!.
- لما جن الليل؟ لم أستطع النوم وشربت أكثر من 3 ترامس ماء، لربما من شدة النزف الذي عانيت منه أثناء الحادث.
- نظرت إلى وجهي في المرآة بالساعة الثانية بعد منتصف الليل؛ أقسم لولا إني أعلم أنه لا يوجد غيري في الغرفة لقلت أن هناك رجل آخر ينظر في المرآة من شدة الورم..
- بعد ليلة كان الألم والارق فيها صاحبي تمكنت من النوم، استيقظت عند الصباح! أمرت الجميع بفتح الشبابيك وعدم إغلاقها تحسباً من أي قصف معادي وتجنباً للشظايا.
- جاء الدكتور ثروت فقلت له دكتور ألست أنت ثروت حميد فأجابني بنعم فقلت له ~شنو ما عرفتني قال والله الأسم عرفته "بس شكلك" وأنت بهذه الصورة مستحيل أعرفه …
- جاء نقيب محمد الجبوري وعرفني بنفسه وهو من أهل الشرقاط بعد أن سلم" كانت ساقة مبتورة؟
قال لي والله عرفت من شدة المقاومات سوف يتم أسقاط "ربعنا أي طائراتنا، فبادرت الى سؤاله كيف جرت أصابتك! فقال لقد رماني أبو الفانتوم F-4 برشقة صواريخ، جائني الصاروخ ورأيته بأم عيني ولم ينفجر ولكن ضربني مثل الحديدة وقطع ساقي.
تلك اللحظات أنا رويتها ولربما نقيب خالد لو هو على قيد الحياة ربما يذكرها رغم أن اللقاء كانت مدته قصيرة جداً.
ثم رأيت مصابين آخرين كل إصاباتهم إصابات شرف وعز وكرامة للعراق خصوصا من القوات الخاصة البطلة.
كان من بينهم النقيب قوات خاصة إسماعيل إبراهيم رمزي وكان أخوه البطل المرحوم قيصر أبراهيم رمزي أمري ومدربي وتبادلنا أطراف الأحاديث.
الخروج من مستشفى الرشيد العسكري.
جاء لزيارتي العم اللواء حسن صبري محمد علي -رحمه الله‘ وكان معاوناً لرئيس أركان الجيش في زمن الرئيس السابق عبد الرحمن عارف-رحمه الله.
بعد التحية والسلام طلبت منه أن يخرجني من المستشفى لأني حقيقة لم أتحمل مشاهدة تلك المشاهد القاسية للجروح والإصابات.
بالفعل قد أحضر معه اللواء الطبيب أبراهيم مدير المستشفى لأن هنالك رابطة صداقة تجمعهم فيما مضى.
قال لي المدير أبني لماذا تريد أن تغادر ~لسه أنت مصاب~ فتوسلت إليه وفعلاً نفذ رغبتي، تمت الإجراءات الرسمية للمغادرة بعد منحي إجازة مرضية يراجع بعدها.
استقلينا سيارة عمي حسن ذاهبين الى المنزل، كانت رهبتي كيف يكون اللقاء وتلك المفاجئة المأساوية؟ كيف يكون وقعها على زوجتي أم حذيفة!
وصلنا الى المنزل وأنا بأنتظار الصدمة!!! شاهدتني أم حذيفة عند ولوج المنزل... ظلت واجمة لا تنبس ببنت شفة... انهارت الى الارض أجهشت بالبكاء، حتى أستقرت الصدمة.
رويت لهم ماجرى وما حصل وقد كتب لي عمر جديد، حمدت الله على سلامتي وحمدنا الله على كل شيء.
بدأ القلق يساورني كيف سيكون وقع الخبر على والدتي بالخصوص ووالدي وأخوتي!
كيف أستطيع أن أوصل أخباري على وجه السرعة، لأن والدي كان في حينها كان سفيراً لجمهورية العراق في نيجيريا، وكانت والدتي وأخوتي يرافقونه هناك، وأخي دكتور نصير كان يمثل منتخب العراق في البطولة العربية لكرة اليد خارج البلاد.
بعد البحث والسؤال وجدت أن هناك مستشاراً في السفارة العراقية موجوداً في الأعظمية، هو الاستاذ"عدنان آصف (رحمه الله)، فذهبت أليه وأنا مجبر الوجه.
حيث أجريت لي عملية كسر أنف وتعديل، قصصت علية كل القصة، ذهب بعد فترة إلى نيجيريا وأخبر والدي بالقصة فقام والدي بأعادة والدتي الى العراق.
جاءت من تتكسر أمامها قسوتي وتنصهر أمامها شجاعتي، كيف كان حالها عندما طرق الخبر مسامعها، لا يمكن لي أن أصفها، عند اللقاء أمام محاربها كانت دموعي تسبق دموعها، كأني عدت صغيراً أمام بهائها، أستذكر الأحداث التي مرت وأنا أرويها.
قالت لقد أحسست فقد كان قلبي يؤلمني لكني لا أعرف؟
شاهدتني! أتعرفون قلب الأم حين ترى بعد الفراق وليدها .....
ذبحت ثوراً على سلامتي، وجاءت صديقتها "المدرسة نداء دفراوي" أم أحمد ومعها خروف بالمناسبة .
مكثت فترة في المستشفى وتبين أن لدي كسر إنكباسي في الفقرات 5-6-7 العنقية، وأنا بدأت أتماثل للشفاء لأن الذي تعرضت له كان قاسياً.
في يوم من الأيام أتصل بي مهلب حسين صبري(رحمه الله) وقال لي بشارة حبي بس "أتغثك فقلت هات...
فقال طلعت أسمائنا للتوجه إلى فرنسا وأسمك غير موجود معنا وهنأته ومضى....
أحسست بأني منهار لأن طائرة الميراج كانت حلمي حقيقةً... أصفر وجهي وشعرت بأني سأنهار من القهر.
فقالت لي والدتي: إبني أنت الله كتب لك عمر جديد والخير فيما أختاره الله، فرفعت رأسي عاليا وعيوني مغرورقة بالدمع ونظرت إلى الأعلى مناجيا ربي صادقاً من القلب....
فما لبثت نصف ساعة أو أربعون دقيقة وإذا بزميل آخر من الموصل يتصل بي على الهاتف فيقول: بشارة اخويه أبشارة ..
فقلت له: "أكل (...) زا بالمصلاوي أدري راح ترحون لفرنسا وأسمي مو وياكم"!
فأجابني دكل (...) أنت زا من الذي قال لك ان اسمك غير موجود فقلت: مهلب.
فقال لي: مهلب في كلية القوة الجوية وأنت إسمك في الكوت قاعدة أبي عبيدة الجوية، وإذا لم تصدقني اسأل سعد موسى نعمان (رحمه الله) اتصلتُ به وهنأني بالسلامة فقال لي نعم أسمك موجود، والاحتياط عبد الله سيد مجيد.
في اليوم الثاني ذهبنا الى قيادة القوة الجوية فكان "ن ض فاضل بإدارة القوة الجوية، فقلت له: اخي آني مجاز مرضياً، كيف هو الأجراء.
فقال لي: "سيدي هذا أسمك موجود بالكتاب "تروح لمستشفى ق ج إذا نجحت بالفحص تروح" وإذا فشلت يروح الاحتياط.
توجهنا بنفس اليوم وشاهدني "الدكتور طالب طبيب طب الطيران" ورويت له الحادث.
فقال لي: كيف تشعر بحالك الآن؟
فقلت: حديد...
فقال: أجلب لي سجلك الصحي. ومن محاسن الصدف إني فاحص قبل 3 أشهر.
فقال دكتور طالب: وهو يرى السجل الطبي الخاص بي OK. نريد منك فحص أشعة للأنف وأشعة للصدر وفحص عيون. خلال أقل من ساعتين جائت النتائج كلها (FITــFITــFIT) جيدة، أكملت الفحص قبل بعض من رفاقي.
حزمنا حقائبنا وأكملنا اجراءاتنا وجوازتنا تحضيراً لايفادنا والاشتراك بالدورة التحويلية لطائرة الميراج.
كانت تلك الدورة الاولى. وجهتنا فرنسا. تلك هي بداية رحلة التضحية الأخرى.
بعد أن كافحت ونجوت من موت محقق وكتب الله لي الحياة من جديد، تلك بداية العمل الجاد لخدمة الوطن.....