اسرع عملية انقاذ جوي" يوميات مسيطر جوي.
بقلم... مالك عبدالقادرالمهداوي.
اسرع عملية انقاذ جوي من يوميات مسيطر جوي. يرويها العميد المسيطر عبدالغفور الخالدي. يروي تفاصيل عملية الانقاذ السريعة جداً التي تم تنفيذها في أحد حوادث الطيران.
ما هو تعريف البحث والانقاذ والطرق المتبعة لتنفيذها؟
عملية البحث والإنقاذ هي عملية مد يد العون للناس الذين يتعرضون الى حالات خطرة او هم على وشك التعرض للحالة الخطرة.
هذه الحالات قد تكون بسبب غضب الطبيعة من الزلازل، البراكين, الأعاصير أو الانهيارات الثلجية والصخرية والفيضانات والحرائق تلك الكوارث التي يتعرض لها البشر من دون إرادتهم أو تدخلهم.
إن تلك الكوارث حدثت ولا زالت تحدث. تركت وتترك خلفها أثار سلبية من الدمار الاقتصادي والبشري.
وهنالك نوع أخر من الكوارث من صنع الإنسان. التي تتعرض البشرية لها من الحروب والدمار والكوارث البحرية والجوية.
نظم واتفاقيات عمليات البحث والانقاذ تأريخياً.
لقد بدأ العالم يستخدم كافة السبل في عمليات البحث والانقاذ. مع تطور المعدات من السفن والمراكب التي تستخدم البحار في السفر ونقل البضائع والتجارة وما تتعرض له من أخطار محدقة.
نشأت تنظيمات البحث والإنقاذ الأولى في نهاية القرن الثامن عشر. حيث تم وضع محطات ونقاط مراقبة مزودة بمعدات خاصة للمراقبة.
كانت أول جمعية إنقاذ في أوروبا ظهرت على الشواطئ البريطانية في بداية القرن التاسع عشر. واستكملت تنظيمها وشكلها في العام 1854م وتم تسميتها باسم «مؤسسة سفن الإنقاذ الوطنية الملكية» Royal National Life-boat Institution.
أما في الولايات المتحدة الأمريكية فقد أقامت جمعية مساشوستس الإنسانية (Massachusetts) أول محطة إنقاذ مزودة بقارب. ثم ظهرت بعدها جمعيات أخرى، وانتهى المطاف بأن تولّت هذه المهمة قوات خفر السواحل Coast Guard.
لقد تطورت هذه الجمعيات مما جعلت ترتيبات وقوانين ملزمة لإنقاذ الأرواح في البحار ولن تتوقف على شهامة ربابنة السفن والملاحين فحسب.
بل جعل القانون الدولي والتشريعات الوطنية هذه المهمة واجباً قانونياً ونص القانون على ربان السفينة في البحر عند تلقيه إشارة صادرة من أي سفينة أو طائرة مائية أو قارب تابع لأي منهما في حالة خطر أن يتوجه بأقصى سرعة لمساعدة الأشخاص المعرضين لكارثة.
كان لحادثة غرق السفينة (تيتانك) وما أحدثت من هياج الرأي العام الى عقد أول اتفاقية دولية لحماية الأرواح في البحار عام 1914م.
وقد أكدت اتفاقية 1914 على متطلبات السلامة والنجاة، واستحدثت قرارات فيما بعد يطلب من ربابنة السفن والملاحين استخدام الكتيب المتعلق بكيفية إجراء البحث والإنقاذ في حال وقوع كوارث بحرية.
لقد دخل الطيران على خط تلك القوانين الخاصة بالبحث والإنقاذ وتكاد تكون مشابهة لما هو في قوانين البحث والإنقاذ في البحر والبر بسبب الحوادث والكوارث الجوية سواء العسكرية والمدنية.
وأخذت منظمة الطيران العالمي على عاتقها تنظيم تلك العمليات والسرعة في الوصول الى مكان الحادث وكذلك أصدار كل دولة قوانين تتلائم مع خطط الطوارئ في الكوارث الطبيعة وكوارث الطيران والبحر.
ففي الحرب الكورية التي اندلعت بين عامي (1950- 1953) أثبتت طائرات الهليكوبتر فعالية في مهمات عمليات الإنقاذ لما تتمتع به من خصائص ومزايا لا تتوفر لأصناف الطيران الأخرى.
- فهي قادرة على التدخل السريع إلى جانب إمكان التحليق مدة طويلة فوق الهدف، كما يمكنها أن تهبط فوق سطح الماء إذا ما زودت بطوافات على شكل «بالون» كبير يوضع بدل الزحافة أو العجلة.
- وبإمكانها أن تهبط على سطح السفن وخاصة الكبيرة منها مثل ناقلات النفط، ولهذه الغاية يرسم في مكان محدد على سطح السفينة دائرة في وسطها حرف H دلالة على أن في وسعها استقبال طائرات الهليكوبتر عند اللزوم.
- وثمة أنواع من طائرات الهليكوبتر مزودة بأجهزة تلفزيونية للعمل في حالات الرؤية السيئة، وأجهزة تعمل بالأشعة تحت الحمراء للعمل في الليل.
- وقد أصبحت الهليكوبتر وسيلة أساسية من وسائل الإنقاذ التي تستعملها السلطات الساحلية البحرية (خفر السواحل) في الدول البحرية.
تكون مراحل عمليات البحث والإنقاذ كما يلي :-
- مرحلة الشك : وتكون عند حصول شك حول سلامة الطائرة وشاغليها.
- مرحلة التنبيه : وتكون عند حصول خوف من خطر مرتقب يحيق بسلامة الطائرة وشاغليها.
- مرحلة الاستغاثة : وتكون عند حصول اعتقاد بان الطائرة وشاغليها مهددون بخطر جسيم محدق أو انهم بحاجة الى مساعدة فورية.
والمركز الرئيس لتوجيه طواقم البحث والانقاذ المدربة تدريباً جيداً والمجهزة بمعدات تتلاءم مع طبيعة الحدث من عجلات الانقاذ الصحراوي وطائرات هليكوبتر وسرعة الوصول الى أي نقطة بسهولة وسلاسة.
تفاصيل اسرع عملية انقاذ جوي
وأنا أجمع قصص أحداث كي أكتبها أن كنت حاضراً في الحدث أو ما صادف به زملائي من أحداث مرت بهم وكانوا هم أبطالها.
يروي لي العميد المسيطر عبد الغفور الخالدي حين كان آمر وحدة السيطرة والأنواء الجوية في قاعدة الوليد الجوية (H 3) التي تقع أقصى غرب العراق وفي منطقة نائية.
لقد روى لي أنه في يوم 1988/4/17. وكانت الأسراب العاملة في القاعدة هي الأسراب التحويلية (O.C.U) ومنها السرب الثامن المسلح بطائرات نوع سوخوي 7 روسية الصنع.
وهذه الطائرة تكاد تتشابه في الخطورة والسمعة السيئة مع الطائرة الأمريكية ستار فايتر(STAR FIGHTER) التي سميت النعش الطائر، وهي أسرع طائرة في مرحلة النزول وتأتي بعدها طائرة SU-7.
فلذلك كانت طائرة خطرة وقد أحيلت على التقاعد في نهاية العام 1988 بالقوة الجوية العراقية بسبب الحادث الذي سأرويه لكم.
أتصل آمر السرب الثامن الرائد الطيار عبد الخالق موسى ببرج السيطرة طالباً إضافة طلعة جوية واجب فحص طائرة الى منهج الطيران الأصلي.
فقمت بإبلاغ غرفة حركات قاطع الدفاع الجوي الثاني بهذه الإضافة للمنهج وتم تبليغ الموافقة إلى إضافة هذه الطلعة لأنها لم تكن مسجلة في منهج الطيران.
بعدها تركت برج السيطرة لكي أذهب إلى مكتبي في الطابق الأرضي من أجل إنهاء الأمور الإدارية وتوقيع الكتب الرسمية المتعلقة بواجباتي والاطلاع على البريد القادم من مقر القاعدة .
بعد أن أنهيت عملي المكتبي خلال نصف ساعة توجهت الى المصعد الكهربائي لكي يقلني الى الطابق الثاني من بناية السيطرة والذي تتواجد فيه غرفة الرادار من أجل أن أتابع عمل ضباط الرادار.
كان أحد الضباط وهو مازال تحت التدريب وقد أجتاز دورة الرادار حديثاً وطلبت منه أن يسلمني الواجب مع إيجاز بعدد الطائرات التي تعمل تحت سيطرة تقرب الرادار.
كان برفقتي الملازم المسيطر علي. أنا أراقب شاشة الرادار ونظري على الأهداف وحددت الطائرات التي هي تحت سيطرتي.
جاء نداء من إحدى الطائرات كان رمز النداء هو لآمر السرب (Echo Alpha) الرائد الطيار عبد الخالق فأجبته... فقال:
إنه يمر بحالة طارئة وأن طائرته في حالة دوران نحو جهة اليمين وبحالة انحدار مستمر باتجاه الأرض والطائرة غير مسيطر عليها.
وهو يحاول إخراج الطائرة من هذه الحالة الحرجة التي يمر بها هنا وفي أجزاء من الثانية تيقنت أن هذا الأمر قد ينتهي بترك الطائرة والقذف منها في حال عدم التمكن من الخروج من هذه الحالة الطارئة.
ضغطت على مجموع منظومة الاتصالات وعلى صدفة أو زر هاتف الحركات وهي مجموعة مرتبطة مع منظومة الرادار.
تم تبليغ الحركات، وفريق البحث والانقاذ المتواجد تحت برج السيطرة بالاستعداد الأقصى لوجود حالة حرجة تبليغ كافة المراجع من قبل المسيطرين في واجب البرج.
تم تحديد موقع الطائرة من قبلي وكانت تبعد 65 كم شمال القاعدة. في هذه الأثناء كانت هناك طائرة هليكوبتر نوع MI 8 قادمة من قاعدة التاجي الى قاعدة الوليد لتبديل مفرزة الانقاذ.
ومن العناية الإلهية أنها كانت قريبة من موقع الطائرة ومشاهده في شاشة الرادار. عدت خلال هذه الثواني والدقائق الحرجة بسؤال قائد الطائرة حول القرار النهائي الذي أتخذه.
فكان القرار هو ترك الطائرة والقذف منها فكانت جوابي له؛ توكل على الله وأن شاء الله سالمين.
هنا أتصلت بضابط البرج وطلبت منه تحويل طائرة الهليكوبتر إلى قناة التقرب خاصتي، إذ كانت طائرة الهليكوبتر على اتصال ببرج السيطرة.
تم تأمين الاتصال مع قائد طائرة الهليكوبتر. وقد كانت طائرة الهليكوبتر قريبة من موقع الطائرة التي هي بحالة حرجة التي سوف يتركها الطيار بكرسي القذف.
تم تبليغ طاقم طائرة الهليكوبتر بالتوجه الى جهة مطار المرصنة. لأن هناك طائرة بحالة حرجة، خلال هذه الثواني جاء أتصال من قائد طائرة السوخوي 7 أنة ترك الطائرة (Echo Alpha EJECT ).
بعد أقل من دقيقة جاء نداء قائد طائرة الهليكوبتر أنه يرى مظلة "برشوت معلقة بالسماء. لقد كانت فرحتنا لا يمكن وصفها وهو يبلغنا بما يجري هناك في موقع الحدث.
بعد خمس دقائق أو أقل. جاء نداء قائد طائرة الهليكوبتر. بان مهمة الانقاذ قد تمت وأن الطيار قد تم إنقاذه سالماً.
تمت الاستعدادات والاتصالات المكثفة بسلطة الطيران والمستشفى. بعد ربع ساعة هبطت طائرة الهليكوبتر وتنتظرها عجلة الإسعاف.
تم نقل الطيار بها الى المستشفى لأجراء الفحوصات اللازمة والتأكد من سلامة الطيار فكان الطيار بحالة جيدة وهذه هي الاجراءات الأصولية في حوادث الطيران.
شهادة مهندس السرب في وقت الحادث.
وفي شهادة خاصة أوردها العقيد المهندس محمود أحمد عطية الذي كان أحد ضباط السرب الثامن وقد أضاف للموضوع قائلاً:
في اليوم السابق للحادث المذكور أعلاه قد كانت هذه الطائرة تحت قيادة الملازم الطيار محمد عبد الجليل، وعند نزوله أبلغ قسم سيطرة السرب بأن هذه الطائرة خرجت عن السيطرة وبدوران الى اليمين وقد أنزلها بصعوبة بالغة.
سجل هذا الحدث في سجل الطائرة وتم فحصها فنياً من قبل مهندس السرب وتم تجهيزها لأغراض الفحص الجوي في ثاني يوم للطيران الاعتيادي.
طلب أمر السرب الرائد الطيار عبدالخالق تجهيز الطائرة لفحصها وهو ذو خبرة عالية ولكن حدث الذي حدث وعاودت الطائرة وهي في الجو بالعطل السابق بل أزداد.
كان سبب الحادث كما ظهر لاحقاً هو عطل منظومة RAZ-1. ومما أتذكره كان الرائد الطيار عبد الخالق ونتيجة الصدمة التي حصلت له بسبب اصطدام أحدى القطع المعدنية من خلف الأذن للطيار.
مما جعلت منطقة الضربة منتفخة وكان الرائد الطيار عبدالخالق في شبه غيبوبة وهو في هذه الحالة السيئة يسأل عن التلميذ الملازم الطيار محمد عبد الجليل.
يحسب انه كان يطير على متن طائرة مزدوجة وليست منفردة. هنا تكمن أخلاق الفرسان والإيثار وهو في أشد حالة ويسأل عن الآخرين.
بعد نشر هذا المقال تم تزويدنا بتقرير الحادث وكل مرافقات الحادث مشكوراً من قبل العميد الطيارعبدالخالق وهي موجودة بحوزتي مع الصور.
فقد أقلعت الطائرة المرقمة 7005 التابعة لقاعدة الوليد سرب الثامن في الساعة 0911 بواجب فحص جوي.
كانت الحالة الجوية؛ الجو-غائم جزئي. مدى الرؤيا- 6 كم. الريح - 290/ 12 عقدة. الغيوم ⅜ ارتفاعها 2500 متر درجة الحرارة 12% ، وفيه شرح مفصل للحادث.