قنابل الانفلاق الجوي" من ذاكرة الحرب.
بقلم ... عبدالوهاب الفياض.
قنابل الانفلاق الجوي من ذاكرة الحرب التي دارت لمدة ثماني سنوات تركت في نفوسنا مئة ألاف القصص من ذكريات القادسية المجيدة…
كيف اجتازت وحدتنا شح قنابل الانفلاق الجوي؟
كان لكل كدس عتاد متقدم في الجبهة خزينا من الأعتدة الاستراتيجية والخاصة بالمدافع 122 و130 و152ملم .
إن معظم ما موجود فيها من نوع المهداد المضاد للمشاة مع قليل من القنابل الدخانية والقنابل الخارقة للخرسانة وقنابل الانفلاق الجوي .
مع ما موجود فيها من ترسانة أعتدة للدبابات والهاونات وأسلحة المشاة بمختلف أنواعها. .وأنا أتحدث هنا عن الأعوام 1980 و81 و82 و83.
كانت القيادة العامة للقوات المسلحة تستعلم يوميا عن الموجود وما تم صرفه من الأعتدة الاستراتيجية التي ذكرتها في البداية .
كان الاتصال هاتفيا يأتينا كل يوم بعد العصر بقليل من قيادة الفيلق الثاني في ألمنصوريه، فيقوم مأمور بدالة وحدتنا بتحويل المكالمة الى مقر الوحدة فيجيبهم الجنود المسؤولون عن العتاد بجوابين لا ثالث لهما .
أما أن يقولوا للمتصل لا تغيير في الموجود، او تغيير بالعدد كذا من التسلسل 1 او 2 او 3، ومعناه أن تم صرف عدد منها للوحدات العاملة في القاطع.
مع التذكير انه خلال عامي 1981 و1982 كانت الأوامر صارمة في تقنين استخدام هذه الأعتدة في كافة قواطع العمليات نظرا لقلة مخزونها آنذاك.
هذا المخزون تغير والحمد لله منتصف العام 1982 بعد أن غير العراق مصادر أسلحته وفتح منافذ كثيرة لاستيراده من دول مختلفة … والى يومنا هذا.
أتذكر أن من كان يتصل من قيادة الفيلق هو ضابط برتبة عميد اسمه قاسم، كان رجلا وإنسانا عطوفا وحانيا بمعنى الكلمة، لسانه لا ينطق إلا بالطيب من الكلام ...
أول مرة أتكلم معه كانت بالصدفة، حيث كان يتصل يوميا بالغرفة المجاورة لإدارة المقر الذي أتواجد فيه دائما، ويجيبه الرفاق المتواجدون هناك ويعطوه الموجود.
- قلت الو ... قال: السلام عليكم .
- فقلت: هلا أخويه. قال: هلا بيك. قال: انطيني الموجود؟
- قلت: له يا موجود؟ وانت منو؟؟
- قال: انت منو... كتله شعليك انت منو أني؟ أخويه شتريد بالضبط ؟
- فضحك ... وقال: أنا عميد قاسم … فقلت: العفو سيدي أني أسف جدا... توقعت ردة فعل عنيفة منه أو اتصال منه بالآمر لمعاقبتي.
- فأجابني بكل هدوء… شسمك ابني... قلت له جندي مكلف احتياط عبدالوهاب سيدي.
- قال: أيامك سعيدة وكل عام وانت بخير، كان العيد قد مضى قبل أيام من اتصاله، فقلت له وأيامك سيدي وأنا اكرر أسفي واعتذاري، قال: لا ابني لا بس اخبرني بالموجود ، قلت له لحظه سيدي .
- خرجت فناديت احد الجنود واسمه امجد ، هل من تغيير بالموجود ، قال لا لا .
- فرجعت الى العميد وقلت له لا تغيير سيدي، فشكرني وقال لي (وهو يضحك) من تجي للفيلق تعال سلم على عمك عميد قاسم ، قلت له إن شاء الله سيدي .
أعود الى موضوع هذه الذكرى، حيث تلقى آمر وحدتنا أمراً مستعجلا من قيادة الفرقة بتحويل 600 قذيفة مما هو موجود لدينا من الأعتدة الثلاث من نوع المهداد الى نوع الانفلاق الجوي بمعدل 200 قذيفة من كل نوع.
على أن يتم الأمر عند منتصف الظهر... وليتم إرسالها الى الوحدات المقاتلة في القاطع الشمالي، كان اتصالهم به في تمام الساعة الثامنة صباحا !!
قال لهم ما تطلبون مني مستحيل، ثم من أين لي صمامات الانفلاق الجوي؟
فقالوا له إن الأمر جاء من رئاسة أركان الجيش... وان الموقف القتالي الصعب في الجنوب يتطلب السرعة القصوى في إتمام المهمة... وان الصمامات أرسلت من بغداد وستصلكم خلال اقل من ساعة !!
هنا لا بد أن أوضح أن كل أكداس ومخازن العتاد في القطر ترسل ما لديها الى أي قاطع تندلع فيه معارك كبرى وليست وحدتنا فقط، لذلك كانت القيادة على علم بما هو موجود لدى كل كدس أو مخازن.
خرج الآمر من غرفته مع ضباطه وأمر رئيس عرفاء الوحدة أن يجمع كافة الجنود بما فيهم مراسليه الاثنين وجنود الحراسة وجنود المقر ولم يبق كما أتذكر إلا مأمور البدالة وجنديان في المطبخ لأعداد قصعة الجنود…
خرجنا الى الأكداس وفرشنا صناديق العتاد على ارض واسعة وفتحناها ولم نخرج القذائف منها حيث كانت محاطة بمحامل خشبية داخلية تمنع تحركها، وهو ما ساعدنا في فتح صمامات RGM 2 وتبديلها بصمامات الانفلاق RBT 90 .
كان هذا الأجراء محفوف بالخطر جدا حيث ما زال الطيران الإيراني في الجبهة فعالا نوعا ما … ولو أن غارة جوية استهدفتنا مع ما فرش من عتاد على الأرض لحدثت مجزرة كبيرة بيننا ولكن الله سلم.
قام فاحصوا القنابل بفتح الصمام تلو الأخر بواسطة عتلات حديدية خاصة ثم يتبعهم الجنود بتركيب صمامات الانفلاق ، مع تشجيع آمر الوحدة والضباط على إتمام المهمة كما طلب منا بأسرع وقت.
وبعد تفانٍ وجهد وإخلاص واندفاعٍ لا حدود له، اتممنا ما طلب منا قبل منتصف الظهر بنصف ساعة تقريبا والحمد لله. وأرسلت القنابل بشاحنات المارسيدس الى رفاقنا المقاتلين في القاطع الشمالي .
هكذا كان التنسيق الرائع والمتقن بين وحدات الجيش وهكذا كانت الغيرة العراقية العالية تنتفض من اجل العراق ووحدة شعبه وسلامة ترابه الطاهر.
كانت وحدات جيش القادسية جسدا واحدا اذا اشتكى منه عضو تداعى له سائر الجسد بالسهر والحمى ... والى ذكرى جديدة من ذكريات القادسية إن شاء الله.