الخدمة الالزامية
مراحل الزمن الصعب
راسم العكيدي
الخدمة الالزامية واحدة من اهم واطول مراحل الزمن الصعب المتخم بالدروس التي لم نكن نتصور يوماً اننا سنخوض غمارها في حرب مجنونة بكل المقاييس.
جبنا بها اطراف البلد وحدوده وتضاريسه الوعرة في زمن ممتد باناء الليل والنهار استمرت اكثر من ثماني سنين.
اجيال حملت ارواحها على الكفوف وتركت خلفها ايام ناعمة واحلام مؤجلة واماني تنحت جانباً لتاخذ موقعها امال عريضة كبرت بحجم الوطن.
ومن ايام تحت افياء مترفة الى سنين تحت الرمضاء واقر، ومن طقوس الكتاب ومدارج الدراسة ومواسم اعياد الربيع الى واقعية جافة حادة لا خيار فيها الا بين الموت او الحياة حيث تهدد الوجود الجماعي لبلد وشعب فكان الجيش كل الشعب والشعب كله جيش.
وتكيفنا وتاقلمنا وانصهرنا وعشنا الشدائد والمعارك واصبحت رائحة البارود بديل رائحة القداح والزهور ولكن القداح لم يكن في حالة احتضار والزهور كانت برية عنيدة تقاوم كل الظروف والبيئة القاسية حتى سكتت المدافع واكتشفنا غواية الايام التي كنا قلقين من ان تخطفها اكف الشيطان وتلقي بنا في مصائد الحياة ومازق الزمن.
انتهت الحرب، بحثنا في اوراقنا عن الاحلام المؤجلة فوجدنا اخرى، بحثنا عن اماني مؤمنة فوجدنا انها هاجرت متسللة من بين الاصابع وهي مشغولة بزناد البنادق.
وجدنا انفسنا بمواجهة مرحلة ثالثة لم تكن اسهل، اغتسلنا من رائحة البارود وتعفرنا بتراب الواقع، مضينا في رحلة لم تنتهي بقينا متقدين حتى ننطفأ.
ما تعلمناه من دروس استوعبناها، ان ما يتغير لن يعود لا شكل ولا مضمون، ان الحياة ليست ناعمة على الدوام ففي صفحاتها ما هو اصعب مما تصورنا، كانت مرحلة الخدمة الالزامية انصهار وعبر ودروس استوعبناها لنغادر اعماق الرغبات الملونة، ننسلخ من جلد ناعم، يتلبسنا جلد خشن قادر على تحمل الصعاب وما اخفته الايام.
مئة عام من صفحات الصعاب وسط متغيرات بين شد وجذب وانتصار وخسارة وخيبة ورجاء وانهيار وصعود وكسب حرب وخسارة سلام وخسارة معركة وبقاء شعب ووطن ولازال للزمن بقية ومراحل خفية.
لكن الجيش هو ابن الشعب وشعب يرى الوطن اب يمنح بغير منة لن يقوى الزمن عليه ويبقى العراق وشعبه وجيشه ملحمة تطرز الزمن كسماء مطرزة بالنجوم.