أسرع عملية إسقاط طائرة بالتاريخ
من مذكرات طيار عراقي
إسماعيل النقيب
أب 1983 بعد أيام قليلة ستدخل الحرب العراقية الايرانية عامها الرابع، في جبهة قتال ومواجهة بين البلدين تبلغ مسافتها 1100كم أو أكثر.
لقد كان دورنا في العمل بتلك الحرب منذ بدايتها العمل بأسراب المتصديات لصد الطائرات المعادية واسقاطها أو تحجيم دورها أو ابعادها عن الاهداف الحيوية.
قد تحملت تلك الاسراب الثقل الكبير في عمل الدوريات والتي كانت تغطي سماء العراق من الشمال الى الجنوب من الضياء الأول الى الضياء الأخير بتشكيلات متعاقبة ومن أسراب متعددة.
كان مقر السرب 67 هو قاعدة علي بن ابي طالب الجوية (الناصرية) جنوب العراق الذي أنتمي إليه بمنصب أمر رف طيران، وكان السرب مسلح بطائرات MIG-23 MF كانت واجباتنا مسرح عملياتها القاطع الجنوبي وجزء من القاطع الاوسط.
سكنت أحد الدور النيوزلندية الجاهزة التابعة للقاعدة أنا وعائلتي الصغيرة بدلاً من السفر الى مسكن أهلي وعائلتي في العاصمة بغداد وانتظار الإجازات وطول الطريق الخطر.
بعد ظهيرة ذلك اليوم القائض من شهر أب 1983 حين كانت استراحتي بعد الدوام قضيت بضع ساعات في البيت مع بناتي "هبة بنتي الكبرى 4 سنوات و"نور 3 سنوات وهن محلقاتٌ حوالي امازحهن وأستمع إليهن وأضاكحهن.
لاحظت عليهن الضجر والملل من كثرة الجلوس في البيت فقررت أن اخذهن بنزهة قصيرة الي مقر السرب عندما وصلنا لمقر السرب وجدت دراجة هوائية تابعة لقلم السرب فيها سلة أمامية استعرتها من القلم.
عند المرور بقرب موقع الاقلاع الفوري سمعت صوتاً يناديني بأسمي قبل أن أصلهم وأذا بزميلي الطيار شهاب أحمد جاسم وهو قائد تشكيل الإقلاع الفوري الخفر لذلك المساء.
قائلا : اخوية أبو هبة هل من الممكن أن تأخذ مكاني بالاستعداد بدلاً عني لمدة عشرة دقائق للذهاب الى دورة المياه~ وافقت وترجلت من الدراجة ولبست تجهيزات الطيران تحسبا لأي واجب.
تسلقت سلم الطائرة بأعشارالثانية، جلست في مقصورة الطائرة والفني يقوم بربط حزام الامان، أضغط على زر التشغيل، يبدأ المحرك بالدوران وتزداد سرعته،
كان موقع طائرات الاستعداد يبعد 200 متر عن بداية المدرج تقريباً، أستغرق قطع تلك المسافة بالدرج 30 ثانية وفي تلك الاثناء نفذت جميع الفحوصات من أجل أن لا أتوقف لاجراءها قبل الاقلاع.
وصلت الى بداية المدرج بمفردي دون أن يلحقني رقم 2 وحين الدخول ووضع الطائرة على بداية المدرج ولدي موافقة الاقلاع من السيطرة الجوية دفعت ضاغطة الوقود الى الامام وفتحت زر الحارق الخلفي دون التوقف، وقد كان الوقت من بداية التشغيل الى الاقلاع 75 ثانية.
تم تأمين الاتصال بمسيطر قاطع الدفاع الجوي الثالث، لاستلام التعلميات ووجهة الطيران فكان أول أمر استلمه هو ..... اتجاه 070 ْ ارتفاع 8000 متر.
ناديت مسيطر القاطع لكي أعلمه باني اخذت الاتجاه ومستمر بالتسلق وهذا السياق المتبع بالمحادثات الخاصة بالطيران لادامة التواصل.
فكان جواب مسيطر القاطع ...... هدف معادي بارتفاع 11كم ... يسير من الجنوب الى الشمال~ يبدو أنها طائرة واجبها استطلاع وتصوير خط الجبهة(F -4 RF أستطلاعية).
عند سماعي هذا النداء ... قمت بقذف خزان الوقود الاضافي ... بلغ ارتفاع طائرتي 5كم وبلغت سرعة الصوت 1ماخ فقمت بارجاع جناح الطائرة الى درجة 72 وهي ما يتلائم مع السرع فوق سرعة الصوت... وقمت بتقليل زاوية التسلق الى 10 درجة.
(في هذه اللحظات نطقت الشهادة لاني مقبل على عملية مواجهة وطلباً من الله أن يكون في عوني او لربما يكون هذا الهدف كميناً او مصيدةً توقع بي ولكن ايماني وتوكلي علي الله مؤمناً بقدري وشجاعتي).
جاء نداء مسيطر القاطع ...... الهدف المعادي امامك 110كم ... عند سماعي هذا النداء قمت بفتح زر تجهيز الصورايخ لكي اكون مستعداً للاطلاق من دون أن افتح رادار طائرتي لكي لا يؤشر جهاز التحذير للطائرة المعادية أن هناك طائرة تلاحقها.
القيت نظرة بالاتجاه التقريبي لعلي أشاهد الطائرة المعادية؟ وإذا بي أشاهد تريل أبيض ~ تكاثف بخار الماء ~ وهو ناتج عن الطائرة بالارتفاعات العالية، لقد شاهدت الطائرة من تلك المسافة.
أخبرت مسيطر القاطع ...... الهدف مشاهد بصرياً- امدادي بمعلومات مسافة التقرب كل 10كم، اجابني مسيطر القاطع أبقى على الاتصال البصري وسوف أخبرك كلما قلت مسافة التقارب.
بعد أن أخبرني مسيطر القاطع .... الهدف امامك 50 كم ... ضغطت على زر تشغيل رادار طائرتي وبالمباشر تم مسك الهدف رادرياً ... عند مسافة 30كم في هذه اللحظة الحاسمة !!! ... ضغطت على زر الاطلاق !!!
لقد كان ارتفاع طائرتي 11كم نفس أرتفاع الطائرة المعادية، عند ذلك سحبت طائرتي نحو الاعلى بمناورة سريعة خوفاً من الارتطام بشظايا الانفجار الهائل الذي حدث بعد تلك الشعلة الصغيرة.
عند تسلق طائرتي بتلك المناورة والدوران الى اليسار والسرعة الكبيرة أستمرت الطائرة بالتسلق لغاية أرتفاع 18400متر، ضغطت على عتلة قفل الحارق الخلفي وتم أطفاؤه، وأرجاع عتلة الوقود الى أقل معدل لدوران المحرك.
اتخذت اتجاه العودة 250 ْ وبدأت بالانحدار نحو القاعدة، إستمرت الطائره بسرعة تفوق سرعة الصوت، لكنها بدأت بالتناقص لغاية بلوغ سرعة 0.9 ماخ بارتفاع ٤كم قدمت الجناح الى ٤٥ درجة وبلغت مسافتي عن القاعدة الجوية ٦٠ كم.
ناديت السيطرة الجوية وسألت عن أخبار أطفالي ... اجابني بأنهم حالياً في البيت فقلت له شكراً، تمت أجراءات التقرب والنزول بسلام بالساعة 1812، حامداً الله وشاكراً على هذا الانتصار.
لقد كان الوقت الكلي لهذه الطلعة الجوية 12دقيقة ونصف، وقد كان وقت تدمير الهدف 6 دقائق من الاقلاع فكانت سرعة الاستجابة عالية والتنفيذ الدقيق والتوفيق من الله.
والامر الاخر الذي ساعد على أنجاز المهمة أنني كنت لوحدي وما أصاب رقم2 من تأخير لربما كان من صالح الطلعة أو من أجل المباغتة وعدم جلب انتباه رادارات العدو.
وقد علمت فيما بعد ان رئيس اركان الجيش الفريق أول عبدالجبار شنشل كان في زيارة للجبهة وفي نفس القاطع وقد شاهد هو ومن معه تدمير تلك الطائرة وقد أرسل فيما بعد هدية بأسمي وقد استلمتها وهي عبارة عن مدفأه (صوبة) علاء الدين نفطية.
تم تكريمي من قبل القيادة العامة للقوات المسلحة بمنحي قدم ممتاز لمدة سنة، وقد كرمت الطائرة أيضاً بوضع شارة القوة الجوية الايرانية على بدنها دليل الانتصار وأسقاط طائرة معادية لكي تبقى شرف في سجلهاوهذا الامر متعارف عالمياً.