recent
أخبار ساخنة

شاهد عيان من قلب الحدث" مذكرات طيار عراقي " حرب الخليج الثانية 1991

Site Administration
الصفحة الرئيسية

شاهد عيان من قلب الحدث
مذكرات طيار عراقي 

حرب الخليج الثانية 1991 

اللواء الطيار الركن/ كفاح صفاء

فيض من ذكريات العقد الثالث للعدوان الأمريكي والتحالف الدولي على العراق، التي تمر علينا مثل هذه الايام، وأنا كنت شاهد عيان من قلب الحدث، من مذكراتي! مذكرات طيار عراقي عن حرب كما سميت حرب الخليج الثانية 1991~أو عاصفة الصحراء.

كان الهدف المعلن من ذلك العدوان هو تحرير الكويت من القوات العراقية كما يزعمون، وما خفي كان أعظم لقد كان الهدف المخفي منه هو تدمير العراق وتقويض ذلك التقدم الكبير والخروج منتصراً من حرب دامت ثماني سنوات لقد حيكت مؤامرات وخطط من أجل وضع العراق بزاوية اللاعودة.

لقد كانت تلك الحرب تختلف عن كل الحروب التقليدية التي سبقتها، أنها لم تكن حرب تقليدية بل كانت حرب متقدمة كانت الحرب الالكترونية حاضرة بصورة طاغية على المشهد، كانت القدرات الجوية غير متكافئة بالمعدات لقد كانت نسبتها للطائرات المتقدمة 1:20 لصالح القوات المعتدية.

رغم كل هذه الفروقات التي نعلمها عن إمكانيات وتقنيات القوات المعادية، ونعلم أنهم هم البلد المصنع لأحدث التقنيات ونحن بلد مستورد لتلك التقنيات، كانت استعداداتنا بالتدريب المكثف قبل تلك الحرب للدفاع عن أرض وسماء الوطن تسير بجدية ونشاط منقطع النظير، فقد كانت المعنويات عالية دون خوف أو تردد.

بدأ العدوان على أرض العراق في ليلة 17/16 من يناير 1991، لازالت طائرات العدو لم تهاجم المطارات والدفاعات الجوية الشمالية، كان مسرح عملياتها مطارات ودفاعات المنطقة الجنوبية والغربية والعاصمة بغداد هو مسرح عملياتها، تصلنا الأخبار وعمليات القتال بصورة مقتضبة. 

قبل فترة من الحرب طلبت القيادة إعداد خطة بأسماء الطيارين والتشكيلات التي تشارك حين الطلب ووضع بظرف مغلق بنسختين في غرفة حركات القيادة وواحد بغرفة حركات القاعدة ولا يفتح إلا حين الطلب.

وللأمانة التاريخية وضعت أسمي أول الأسماء، وقد أعددت الخطة بصفتي أمراً للسرب، كانت طلبات ضباط سربي أن أضع أسمائهم برجاء ~ ومنهم من اتصل بالهاتف ~ سيدي الله يحفظك لا تنسى أن تضع آسمي~ واستحضرت أمامي تلك الآية القرآنية التي تنطبق عليهم:

بسم الله الرحمن الرحيم 

{مِّنَ المُؤْمنينَ رجالٌ صَدَقوا ما عاهَدوا اللهَ عليهِ فَمِنهُم من قَضَى نَحْبَهُ ومنهم من ينتظرُ وما بَدَّلوا تَبْديلاً}...الأحزاب 23

بعد أن بدأ العدوان الثلاثيني على أشده وبقيادة الولايات المتحدة الأمريكية وتفعيل دور قاعدة انجرليك في تركيا بدأ النشاط المعادي في المنطقة الشمالية من العراق تتعرض لغارات العدو.

في يوم 19 يناير 1991 لقد كانت العقيدة في هذه الحرب هي حرب دفاعية، كان الثقل الأكبر تتحملة، أسراب الطائرات المتصدية وكانت طائرة الميراج المتعددة المهام من ضمن هذه الاسراب. 

عند الساعة …. صدر أمراً بالإقلاع الفوري لطائرتين ميراج F1 مسلحة ب 2 صاروخ سوبر 530 و 2 صاروخ ماجك 550 و 2 حاوية تشويش إلكتروني وكان التشكيل-صلاح- من قاعدة صدام الجوية في القيارة جنوب الموصل.

نهضت من مكاني وحملت معي عدة الطيران وبأسرع ما يمكن هرولنا باتجاه الطائرات التي كانت معدة للإقلاع الفوري وبعد الصعود الى المقصورة والتشغيل توجهت أنا ورقم 2 الى بداية المدرج وإطلاق ضاغطة الوقود الى الأمام بدأت طائراتنا تتسارع حتى تركنا الأرض مستعدين للمواجهة.

كان التشكيل بقيادتي أنا م ق ر أمر السرب كفاح صفاء محمد علي والرقم 2 الملازم الأول نهاد ناطق، بعد الأقلاع تم توجيه التشكيل من قبل مسيطر المقاتلات توجيه إلى منطقة بين مخمور وكركوك، لقد كان الجو في ذلك اليوم مغبر ومدى الرؤيا غير جيد نسبياً.

الطيران في تلك الظروف التي تحيط بنا كانت صعبة جداً وأنا أراقب الاجهزة والسماء وتعليمات مسيطر المقاتلات، لم يصمت جهاز التحذير من وجود رادار طائرة يمسك بطائرتي، التشويش وذبذبات العدو انها كانت حرب الكترونية متقدمة جداً، لكان ضابط سيطرة المقاتلات من كركوك حريص على تزويدنا بالمعلومات بشكل مستمر. 

أبلغنا مسيطر المقاتلات أن هناك أهداف معادية من الشمال قادمة نحو المنطقة، قررت حينها أن لا اقلل السرعة عن 1000كم/ساعة وأن أعمل مناورة البرميل barrel roll بشكل مستمر~ لكسر القفل المعادي لو أستمر القفل لمدة طويلة سيتمكن من إسقاط طائرتي~ ومسيطر المقاتلات يصيح أنتبه تشكيل صلاح غربان في المنطقة بشكل كثيف. 

كانت تلك اللحظات التي كانت تمر في تلك الطلعة أنها كانت مجنونة لم تكن الطائرة مستقرة بل كانت كلها مناورات جنونية، رغم تلك اللحظات كان جل اهتمامي العدو أولاً أتمنى لحظة اللقاء المباشر والاشتباك معه، والامر الاخر هو كيف أحافظ على الرقم 2 في التشكيل الذي كان له أول طلعة قتالية في الحرب.

عندما وصل الوقود ب 600 لتر أكثر من الوقود المقرر للعودة~ لقد إدخرت هذه الكمية لاحتمالية الاشتباك لمدة دقيقتين قرب القاعدة أو فوقها، فعلاً أخبرني المسيطر قائلاً خذ طريق العودة، وصلنا إلى مخمور والقاعدة أصبحت أمامي فتوجهت إلى جنوب القاعدة، إلى منشأة مهمة قرب الشرقاط ومحاطة بصواريخ الدفاع الجوي العراقي. 

قلت في نفسي أن هؤلاء أذكى من الأيرانيين، يعلمون مدى تأثير الصواريخ أخبرني القاطع بأن هناك تشكيل أمامي يروم الأقلاع وشاهدته من بعيد يدخل الى المدرج، وصل تشكيلنا فوق سايلو الجرناف 19 كم عن القاعدة وأخذنا وضعية النزول أنا والرقم 2 وأنا أراقب أقلاع التشكيل الثاني الذي كان بقيادة الرائد الطيار هاني البصو ورقم النقيب الطيار زياد صبحي. 

وصلنا بالتقرب النهائي الي مسافة 4 كم فوق البيكن الخارجي بعد أن شاهدت الطائرات قد أقلعت للتو وأنا متهيأ للنزول، وإذا بالرائد هاني يصرخ هناك قفل من جهة اليمين وأعاد هذه العبارة لكي يتأكد من الأمر، كانت تلك أخر ما قاله وإذا بي أشاهد كتلة من النار أمامي وأنا أراقب المشهد بحسرة، لقد هوت طائراتهم نتيجة استهدافهم من طائرة العدو وهم كانوا في أوهن لحظات بعد الإقلاع. 

وبهذه اللحظة قام مسيطر القاعدة يصرخ في أذني تشكيل صلاح ~أخلي المدرج ... أخلي المدرج~ وأنا لا أزال في الجو وقريب من المدرجة وهو مستمر لملامسة سطح المدرج~ لقد كان عملهم من موقع بديل تحت الأرض~ لقد كنت أتوقع أن هنالك غارة كانت على قاعدة صدام حينها. 

بعد أن أستقرت الطائرة على المدرج وفي نهايته، أوقفت طائرتي بمكان قريب وفتحت الكابينة بسرعة جنونية، انحصر أصبعي الأيمن بين عتلة الفتح والكابينة، وشق كف الطيران وشق أصبعي الصغير الأيمن، تركت الطائرة مسرعاً إلى موضع قريب ولا حظت الرقم 2 يتبعني.

لقد تبين أن الغارة كانت كلها متوجهة إلى قاطع الدفاع الجوي في كركوك وبعد دقائق وإذا بالمقدم مهدي أحمد البطل يأتي بسيارة أيفا ويتم إخلائنا إلى غرفة الحركات.

وفي اليوم الثاني وفي منطقة قريبة من نهر دجلة شاهدنا طائرات العدو ~المصيدة F 15 تحوم تحت تلال حمرين في أنتظار أي تشكيل يقلع من القاعدة لكي تسقطه.

تلك كانت اللحظات الصعبة في تلك الطلعة والتي تضاف الى سجل صعوبات الواجبات التي مررت بها، لذلك لم أنسى تفاصيلها بكل ثوانيها ودقائقها، كانت تلك اللحظات بطولة وفداء لم تهتز المعنويات قيد أنملة ليس عن نفسي ولكن لمن معي من ضباط طيارين وفنيين ومراتب. 

لقد كان من المؤمل أن يكون النقيب الطيار زياد عريساً ويزف بعد يوم أو يومين ولكن سبق السيف العذل أستشهد من أجل أن يدافع عن الوطن ويبذل دمائه رخيصة من أجل أن لا يدنس الاعداء أرض العراق، رحمهم الله وجعلهم الله في فردوسه الأعلى .

ولا يفوتني وللتاريخ أن أذكر مواقف هناك مقاتلين لم يشهدوا معارك القادسية وكان الرقم 2 أحدهم وحين جاء أمر بالتوجه نحو غرفة الحركات الجوية أخذ بعض الأخوة الأبطال يتصلون بي وأنا في غرفة الحركات أرجوك سيدي لا تنسانا نحن معك في أي تشكيل هجوم أرضي على الرغم من معرفتهم الفرق التقني الكبير، فبهذه الروح العراقية البحتة والغيرة والنجابة التي كانت تسود بيننا. 

حمى الله العراق وشعبه ~ فلابد لليل أن ينجلي~ ولابد للقيد أن ينكسر~ والله أكبر الله أكبر والعزة للاسلام والعرب. 

مقال أخر للكاتب من هنا

كفاح صفاء محمد علي المفرجي
google-playkhamsatmostaqltradent