صناعة الترف الروحي
راسم العكيدي
لم يمر الزمن الجميل مروراً عادياً نمطياً بلا ملامح بل كانت له ملامح انيقة وصناع مترفين.
الارواح تجمعت فيها كل العوامل من بيئة وظروف واوضاع لتشكل زمن انيق من جيل استحق زمنه الاليف.
فنانين عظماء هبط بهم الزمن بموجته الاخاذة، الآسرة البوهيمية بلا حدود ليكافئ ذلك الجيل ذو الذائقة المترفة، رغم عدم ترفه المادي لكنه ملك الترف الروحي.
اكتمل المشهد لتتشكل ظاهرة لن تغادر ولن تزول لانها استنفذت الممكن ووصلت لغاية الخلود.
فلقد وجد عمالقة الشعر واللحن والصوت والموسيقى انهم قد ارتقوا القمة بلهفات قلوب جيل وكفوفهم التي صفقت طويلاً فكانوا امام مسؤولية الحفاظ على القمة تارة وعلى الحفاظ على الترف الروحي لجمهورهم ذو الذائقة الاسطورية تارة اخرى.
فكان يتملكهم قلق إيجابي مشروع في إختيار الكلام، ذو الصور الشعرية التي تسمو الى المعالي واللحن الخرافي الذي يتناغم مع الروح.
كان الجمهور حريصاً على اقتناء بطاقات الدخول لحفلات الكبار في الفن وتوفير مبالغها على حساب اشياء ضرورية.
كان كأنه معفى من تبعات التقصير على المتطلبات الاخرى الاساسية لانه سمى بروحه واختار ما هو اغنى للروح من الماديات.
الان الزمن تساهل وبسط التكاليف ولم يقسو ومرر الحياة بسهولة وكانه يدفع الروح للرقي ويساعدها ولا يمنعها بالتكلف المعيشي ولا يفتح عليها مغالق تسرق المتعة والترف.
فكان الزمن رؤوفاً لطيفاً ودوداً وضع غذاء الروح في درجة اعلى من غذاء الجسد.
كانت ام كلثوم قلقة قبل ان تفتح الستارة وكان في واحدة من اغانيها (الف ليلة وليلة) يصاحبها خلف الكواليس بليغ حمدي ملحن اغلب اغانيها.
هو بمثابة ابنها الروحي وكان قد احس قلقها وارتجافها وتعرقها فاراد ان يفعل شئ يهدأ من روعها وهو يرى اول مرة ام كلثوم عن كثب قبل مواجهة جمهورها.
قال لها هل الغي المقدمة الموسيقية الطويلة واختصرها فرفضت واعاد المقترح فاجابته ماذا تقول دع المقدمة لكي اراقب جمهوري واتفقدهم واحداً واحد واختار من اغني له.